في صباح السبت 11 أكتوبر 2025، تعرض مركز دار الأرقم لإيواء النازحين بمدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور، لهجوم مدمّر بطائرات مسيّرة للدعم السريع بعد أقل من 24 ساعة من قصف مماثل مساء الجمعة. أوقع الهجومان عشرات القتلى والجرحى بين المدنيين، معظمهم من النساء والأطفال في واحدة من أبشع الحوادث التي تشهدها الحرب السودانية خلال الأشهر الأخيرة.

أنشئ مركز دار الأرقم لإيواء النازحين الفارين من هجمات قوات الدعم السريع على معسكري زمزم وأبو شوك. أغلب المقيمين فيه نساء وأطفال، فقدوا ذويهم من الرجال والشباب الذين قُتلوا على أيدي الدعم السريع بذريعة واهية، أنهم “عسكريون يقاتلون إلى جانب الجيش”.

يقع المركز في الفناء الخلفي لجامعة أم درمان الإسلامية– فرع الفاشر، وتم بناؤه بجهود محلية كمأوى طارئ، يضم كاونترات “حاويات” حديدية، استخدمت كسكنٍ مؤقت، وأنشئ بعضها جزئيًا تحت الأرض، وغطيت بالتراب لتوفير حماية من القصف، بعد أن تحولت الطائرات المسيّرة التابعة للدعم السريع إلى أداةٍ لاستهداف أي تجمع مدني داخل المدينة.

صور توضح القوات المحصنة
صور توضح القوات المحصنة من القصف في باطن الأرض

وتخضع مدينة الفاشر منذ أكثر من عام لحصار خانق، فرضته قوات الدعم السريع، التي أكملت تطويق المدينة بالكتل الترابية من الجهات الأربع، مما جعلها شبه معزولة عن بقية السودان.

صور توضح الجدار الترابي في الفاشر
صور توضح الجدار الترابي في الفاشر
صور توضح الجدار الترابي في الفاشر
صور توضح الجدار الترابي في الفاشر- المصدر مركز أبحاث جامعة ييل الأمريكية

نتيجة لذلك، تفاقمت الأوضاع الإنسانية إذ يعاني المقيمون نقصا حادا في الغذاء والمياه، وانهيار شبه تام في الخدمات الصحية وارتفاع كبير في أعداد النازحين داخل المدينة.

ورغم دعوات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لرفع الحصار وحماية المدنيين، تجاهلت قوات الدعم السريع تلك النداءات، واستخدمت خطاب “الخروج الآمن” وسيلة للضغط على السكان وتهجيرهم قسرًا.

عمليًا، كان ذلك التفافًا على النداءات الدولية، إذ رافقته ممارسات إذلال وابتزاز مالي للمدنيين، في حين ظل جنود الدعم السريع يرددون علنًا، أن “كل من بقي في الفاشر عسكري” لتبرير استهدافهم.

تشير تقارير ميدانية، إلى أن من أراد مغادرة المدينة أُجبر على دفع مبالغ ضخمة، تصل إلى مليار ونصف المليار جنيه سوداني (500) دولار الفرد في ظل مجاعة خانقة.

صورة نقل مواطنيين
صورة نقل مواطنين في الفاشر بعد استجابتهم لنداءات الخروج

المدنيون الذين تمكنوا من الدفع جرى تكديسهم بالمئات في شاحنات مع متاعهم في ظروف مهينة وغير إنسانية، ما كشف عن شبكة استغلال وفساد، يشترك فيها قادة ميدانيون في الدعم السريع وقوات متحالفة معه، وهي قوات الهادي إدريس حاكم إقليم دارفور في الحكومة الموازية، وقوات الطاهر حجر عضو المجلس الرئاسي فيها، فيما انسحبت قوات عبد العزيز الحلو من الفاشر متجهة جنوبًا لتعزيز حصار كادقلي والدلنج.

وقع الهجوم الأول مساء الجمعة 10 أكتوبر 2025، بواسطة طائرات مسيّرة صغيرة من نوع FPV، استهدفت أسطح الكاونترات الحديدية داخل مركز الإيواء. وفي صباح السبت 11 أكتوبر، تجدد القصف بشكل أعنف مستهدفًا الملاجئ نفسها التي احتمى بها المدنيون تحت الأرض.

بحسب روايات شهود وناجين، فقد اخترقت المسيّرات فتحات التهوية|، وألقت متفجرات داخل الكاونترات؛ مما تسبب في حرائق وانفجارات محدودة، أدت إلى تفحم عشرات الجثث ووقوع عدد كبير من الإصابات الخطيرة.

أظهرت مقاطع الفيديو التي انتشرت بعد الحادثة جثثًا متفحمة داخل الملاجئ المحصنة ودمارًا شاملًا لبقية المساكن في محيط المركز.

المنطقة التي تضم دار الأرقم ليست قريبة من أي موقع عسكري، ولا تظهر فيها أي مظاهر للتسليح أو النشاط العسكري، ما ينفي مبررات الدعم السريع التي حاولت تبرير القصف بالقول، إنه استهدف “عناصر عسكرية”، ويؤكد هذا أن الهجوم كان متعمدًا ضد المدنيين، وليس نتيجة خطأ أو قصف عشوائي.

وفق مصادر طبية في مستشفى الفاشر التعليمي، تجاوز عدد القتلى ستين مدنيًا معظمهم من النساء والأطفال، بينما نُقل عشرات الجرحى بحروق وتشوهات خطيرة، استمرت عمليات الإنقاذ لساعات طويلة وسط دمار واسع ونقص في المعدات، إذ حاول الأهالي والمتطوعون الحفر بأيديهم لاستخراج الجثث من تحت الأنقاض المعدنية.

يُعد هذا الهجوم العاشر على المدنيين خلال شهري سبتمبر وبداية أكتوبر 2025، وهو ما يؤكد وجود نمط ممنهج ومتصاعد من القصف الجوي بالطائرات المسيّرة ضد الأحياء السكنية ومراكز الإيواء في الفاشر.

تكشف هذه الحوادث المتكررة عن تشديدٍ متزايد للهجمات ضمن استراتيجية الضغط والسيطرة، إذ تسعى قوات الدعم السريع إلى توسيع رقعة نفوذها بالاستيلاء على عاصمة شمال دارفور بأي وسيلة، ومهما كلفها الأمر من مجازر وانتهاكات.