خلال الفترة الأخيرة، تداولت بعض المواقع عن بعض أعضاء الأحزاب بأن هناك مبالغ مالية كبيرة يتم دفعها من أجل ضمان الترشح على القائمة الوطنية للانتخابات، فهناك على سبيل المثال حديث منسوب للسيدة/ حنان شرشر عضو حزب حماة وطن، بأن هناك مبالغ كبيرة لا بد من دفعها، قد تصل إلى خمسين مليون جنيه، وهو الأمر الذي أنتج موجة من الجدل والخلافات داخل الحزب ذاته، وقد أعقبه العديد من الاستقالات من عضوية الحزب، ولم تكن هذه السابقة الأولى لمثل هذه النوعية من الأحاديث، حيث سبق ذلك أحاديث مشابهة في الانتخابات البرلمانية الماضية، وكان هذه المرة منسوب لعضو في حزب مستقبل وطن، والذي نفى ذلك، معللا بأن هذه المبالغ مجرد تبرعات طوعية من أعضاء الحزب، ولا علاقة لها بالانتخابات.

لكن الأمر الأهم في أمر الانتخابات النيابية القادمة هو ما يوجد تحت اسم ائتلاف الأحزاب، أو القائمة الوطنية للانتخابات البرلمانية، وهو ما مؤداه، أن هناك قائمة موحدة سيتم الدفع بها لخوض الانتخابات مقسمة ما بين الأحزاب المشاركة في القائمة، بنسب مخصصة لكل حزب، بحسب ما تم الاتفاق عليه بالاجتماعات التي تمت بين تلك الأحزاب المشاركة في هذه القائمة. والسؤال المفترض، أن يكون محل مجادلة أو نقاش فكري، ما هي القيمة المتحصلة لوجود انتخابات في ظل وجود قائمة موحدة، ليس لها معارض في الانتخابات، فهل ذلك يتماشى مع مفهوم الانتخاب ذاته؟

وإذ إن الديمقراطية هي النسق الذي ارتضاه غالبية المجتمع الدولي ليعبر عن أهم مواصفات الحكم السياسي الرشيد، وارتضته معظم أو غالبية النظم السياسية، وهو الذي يؤكد على أن يحكم الشعب نفسه بنفسه لنفسه، كمبدأ عام، وهذا المنطق هو ما يدعو؛ لأن تكون هناك علاقة قوية ووطيدة ما بين الحكم الديمقراطي وسيادة القانون، حيث لا تعيش الديمقراطية الصحيحة ولا تنمو، إلا بسيادة قانون عادل، يطول جميع المنتمين إلى البلد الديمقراطي، يحدد لكل مواطن مسئول وغير مسئول، سلم الحقوق والواجبات، ويمنع جميع المخالفات على وفق مبادئ واحدة، تسري على الجميع، كما أنه يحدد واجبات السلطات الحاكمة وحدودها، ويبين مدى احترامها لنفاذ حقوق المواطنين، وإن كان الغالب الأعم في النظم السياسية العالمية قد ارتضى بالنموذج الديمقراطي، فإن المشاركة السياسية والعامة هي مفرد رئيسي لتعزيز نسق الحكم الديمقراطي وسيادة القانون، وقد أفردت الدساتير العالمية النصوص الراسخة لتأكيد هذه المجموعة من الحقوق، كما كفلتها وأيدتها الاتفاقيات الحقوقية الدولية والإقليمية، وقد خصصت الأمم المتحدة برنامجاً رئيسياً ضمن برامجها للديمقراطية والمشاركة السياسية.

كما وأن أهمية المشاركة الانتخابية تكمن في أهمية شعور الناخب بمدى تأثير صوته الانتخابي في العملية الانتخابية، وكلما كان لصوت الناخب في العملية الانتخابية تأثيراً قوياً، أكد هذا التأثير أن المسيرة الديمقراطية تسير على نهج سليم في البلد الذي يعقد فيه الانتخابات، وكما أن للمشاركة الانتخابية أهمية كبرى في تعزيز الديمقراطية والنهوض بالأوطان، فإن وجود نهج ديمقراطي وسعي والتزام بالنهوض بالأوطان في كافة الميادين يعمل أيضا على رفع نسبة المشاركة الانتخابية لإدراك الناخب بأهمية صوته في تغيير مصير الشعب، ووضع الوطن في الاتجاه الصحيح، كما أن المشاركة السياسية لا تنبع من مجرد رغبة الناخب في ممارسة حقه الانتخابي، وإنما تنبع من الممارسات السليمة لفاعليات الانتخابات، حتى يتأكد كل مواطن من كونه يمارس حقه في إدارة شؤون البلاد، دونما أية مؤثرات أو تدخلات تعوق أمر المشاركة أو تقوضه أو تفرغه من مضمونه الحقيقي اللازم، هذا بخلاف حقوق المرشحين أنفسهم في ضمان نفاذ كامل للقانون واحترام اختلافاتهم وتوجهاتهم السياسية أو انتمائهم الحزبي.

​فإذا كان الطريق إلى البرلمان يمر عبر “الشراء”، وليس عبر التنافس الديمقراطي، فإن ذلك يضعف دور البرلمان كمؤسسة رقابية أساسية على أداء الحكومة. فكيف يمكن لنائب اشترى مقعده، أن يقوم بواجبه في محاسبة السلطة التنفيذية؟ إذ أنه ​في الأنظمة الديمقراطية يفترض أن تعمل السلطة التشريعية كشريك ومراقب للسلطة التنفيذية. ولكن عندما تصبح عملية اختيار النواب فاسدة، فإن ذلك يخل بمبدأ الفصل بين السلطات، وربما تصبح السلطة التشريعية أقل استقلالية، مما يهدد توازن النظام برمته.

فإذا كان نموذج الانتخابات، هو النموذج الذي ارتضاه المجتمع للتعبير عن مفهوم الديمقراطية، كنموذج معتبر لممارسة الحكم، فإن ذلك النموذج ذاته لا بد له، أن تتم ممارسته بشكل حقيقي، أو بطريقة هي ذاتها لا بد وأن تتسم بالديمقراطية الحقيقية، وليس تمثيلا للشكل أو النموذج الديمقراطي، ولكنه في حقيقته، لا يعد كذلك، إذ كيف تكون هناك ديمقراطية في الاختيار، وليس هناك بدائل أمام الناخبين من الأصل؟ وكيف تكون هناك انتخابات معبرة عن النسق الديمقراطي، وهي في حد ذاتها، لم تمثل في تكوينها الشكل الديمقراطي، إذ أنه تم التوافق السلطوي، ما بين تلك المجموعة لخوض الانتخابات، دونما أي فصيل مغاير من الممكن أن يكون نداً أو بديلاً أمام فرصة التصويت، وهذا أقل ما يمكن وصفه، بأنه النموذج الديمقراطي الشكلي الهش، والذي لا يعبر بحال من الأحوال عن معنى الانتخابات الحقيقي، فكيف تكون هناك فرص انتخابية أو قيمة لمفهوم الانتخاب ذاته، دون أن تكون الصورة معبرة عن ذلك، إذ إن وجود قائمة موحدة متفق عليها بأي طريقة، تم الاتفاق عليها به، لا يمكن اعتباره ممثلا حيادياً للنموذج الديمقراطي للانتخابات.

وحيث إن قيمة التصويت هي المعبرة بشكل حقيقي عن مقولة أن الشعب هو مصدر السلطات، بحسب ما تنص عليه الدساتير، أو تفرضه أدبيات الممارسات السياسية، والمفاهيم الأكاديمية، التي يتفوه بها المرشحون، وهم يدركون بأن ذلك النموذج لا يمكن اعتباره بشكل أو بآخر معبراً عن القيمة الحقيقية لمفهوم الانتخابات أو مفهوم الديمقراطية، إذ إنه لا يعني سوى اتفاق فوقي ما بين مجموعة المرشحين أو مجموعة الأحزاب المشاركة في القائمة الوطنية ليس إلا، وإذا ما أضفنا إلى ذلك، أن غالبية تلك الأحزاب هي من الأحزاب المحسوبة على الحكومة، ممثلة في حزب مستقبل وطن، وحزب الجبهة الوطنية، ويليهما حزب حماة وطن، وهو ما أفرزته الأسماء المطروحة في القائمة الوطنية وانتماءاتهم الحزبية، بحسب ما تتداوله الصحف والمواقع الإلكترونية، فإن هذه الصورة في حد  ذاتها، لا تعبر سوى عن رغبة فوقية بتشكيل مجلس النواب بالطريقة التي تراها الحكومة من خلال الأحزاب الممثلة لها، ولا ينم عن سعي حقيقي لتداول سياسي حقيقي، يدور ما بين معارضين ومؤيدين، الأمر لا يعدو سوى تمثيل شكل لمفهوم الديمقراطية، وهو ما يعني البعد عن شكل المشاركة السياسية الحقيقية والذهاب إلى مفهوم المغالبة الحكومية، بحسب ما يتراءى لها، وما ترغب في أن تكون عليه صورة مجلس النواب المقبل.