تُعيد الحرب على غزة وسدّ النهضة رسم خريطة التحالفات الإقليمية، لتُسلِّط الضوء مجددًا على العلاقات الإسرائيلية-الإثيوبية، التي تُمثِّل نموذجًا لاستراتيجية “تحالف المحيط” الإسرائيلية، والتي ركزت على بناء علاقات مع أثيوبيا وتركيا وإيران، في مواجهة الدول العربية في عقد الخمسينيات، حيث سعت تل أبيب إلى كسر العزلة الإقليمية وبناء شبكة من الشراكات السياسية والأمنية على أطراف العالم العربي.

 وتستند العلاقة إلى أبعاد دينية، وتاريخية، وأمنية، تعززت بوجود جالية يهودية إثيوبية كبيرة في إسرائيل، بينما شهد العقد الأخير تصاعدًا في وتيرة التقارب، حيث نظرت تل أبيب إلى القارة الإفريقية كعمق جيو سياسي واقتصادي وأمني، فكثفت نشاطها في القارة، وتعددت زيارة وفودها، خاصة لشرق القارة.

 هذا النشاط أتاح لإسرائيل الحصول على صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي عام 2021، قبل أن تُعلَّق في 2023 بضغط من الجزائر وجنوب إفريقيا، في مشهد يعكس تقلّب الحضور الإسرائيلي تبعًا للمناخ السياسي، كما يعيد التذكير بتعليق الصفة 2001 مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

اليوم، تكتسب العلاقات الإثيوبية الإسرائيلية أهمية متزايدة في ضوء الحرب على غزة وتداعياتها على أمن البحر الأحمر، وقضية سدّ النهضة التي تُمثِّل تحديًا مائيًا وأمنيًا لمصر والسودان.

في هذا الخصوص تأتي الورقة البحثية التي أصدرها مركز التنمية والدعم والإعلام “دام”، عن “العلاقات الإسرائيلية-الإثيوبية في ظل متغيري الحرب على غزة وسد النهضة“، تعرض الورقة التي أعدها الباحث عصام شعبان، لعوامل ومرتكزات العلاقات بين البلدين، وأبعادها الراهنة، بما في ذلك بناء مشاريع تعاون؛ بهدف كسب النفوذ في شرق القارة، ودعم النفوذ البحري، ومواجهة القوى المناوئة لإسرائيل.

تستند هذه العلاقات على توجهات السياسية الخارجية الإسرائيلية، التي أسس جانبا منها دافيد بن جوريون “أول رئيس وزراء لإسرائيل” من منطلق أمني، يشمل البعد الجغرافي والتسلح والردع، وتوسيع نطاق ومفهوم الأمن، ليشمل المحيط الإفريقي والآسيوي، انطلاقًا من اقتناع بأن الصراع مع العرب استراتيجي وممتد.

ويبقى التطبيع عبر اتفاقات إبراهيم عاملًا رئيسيًا في الانخراط الإسرائيلي المتجدد في إفريقيا، الذي تعزز خلال العقد الأخير، وتزايدت أهميته مع تحولات الشرق الأوسط، خصوصًا الحرب على غزة وتداعياتها على أمن البحر الأحمر والتنافس الإقليمي.

 كما شكّل سد النهضة، بتحدياته المائية والأمنية لمصر والسودان، محورًا للتجاذبات الإقليمية.

وتتناول هذه الورقة أثر هذين المتغيرين على العلاقات الإثيوبية الإسرائيلية، وتحلل أوجه التعاون والمخاطر المترتبة عليه.

خاصة، وأن العلاقة بين الطرفين بدأت منتصف القرن العشرين، عبر سعي إسرائيل إلى توسيع حضورها في إفريقيا، لتأمين حلفاء غير عرب في مواجهة العزلة الإقليمية.

 واستندت العلاقات بين البلدين إلى جذور دينية ورمزية، أبرزها سردية لقاء الملك سليمان وملكة سبأ، التي لا تزال تُستحضر لتبرير التقارب.

 وتاليا شكل قانون الجنسية الإسرائيلي (1952) نقطة تحول، إذ اعترف بيهود إثيوبيا ومنحهم حق الهجرة، ما أدى إلى نقل عشرات الآلاف منهم في عمليتَي “موسى” (1984) و”سليمان” (1991). بينما يبلغ عددهم اليوم نحو 175 ألفًا، يحتفظون بروابط ثقافية مع إثيوبيا، التي تسهّل دخولهم عبر إصدار هوية للشتات، ما أبقى الصلة الرسمية في حالة تجدد.

مرحلة الشراكة في ضوء صراعات الشرق الأوسط (2015– 2025)

شهد العقد الأخير (2015– 2025) تطورًا لافتًا في العلاقات خاصة في عهد بنيامين نتنياهو الذي زار إفريقيا خمس مرات، أكثر من أي رئيس وزراء سابق، وافتتح سفارات ومكاتب اقتصادية جديدة.

 ومنذ 2016، أعادت إسرائيل علاقاتها مع دول إفريقية مسلمة مثل غينيا (2016)، وتشاد (2019)، والمغرب والسودان (2020). كما شملت جولة نتنياهو في يوليو 2016 أوغندا وكينيا وإثيوبيا ورواندا، في إطار رؤية تعتبر إفريقيا عمقًا جيو سياسيًا، وأثارت هذه التحركات قلقًا مصريًا من تأثيرها على مواقف دول حوض النيل في ملف سد النهضة.

كما تكررت الزيارات للقارة بين 2009 و2025، وظلت إثيوبيا محورًا رئيسيًا.

وخلال حرب غزة 2025 وتوتر علاقات أديس أبابا مع مصر والصومال وإريتريا، زار وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر إثيوبيا، في زيارة وُصفت بأنها انتقال من التضامن الرمزي إلى الشراكة المؤسسية المتعددة الأبعاد، تلاها تعاون متزايد في مجالات الأمن والاستخبارات والتجارة.

بينما بدأت العلاقات بين البلدين منذ 1956، حين كانت إثيوبيا من أوائل الدول الإفريقية التي اعترفت بإسرائيل في عهد هيلا سيلاسي، وتعاونت تل أبيب بتدريب الجيش الإثيوبي. ورغم تعليق العلاقات بعد حرب أكتوبر 1973، استمرت الاتصالات غير الرسمية حتى استئنافها في 1989، ثم تعززت مع نقل آلاف من يهود إثيوبيا “الفلاشا” إلى إسرائيل.

قضايا تجمع البلدين

واليوم تمثل إثيوبيا شريكًا إفريقيًا محوريًا لإسرائيل؛ نظرًا لموقعها وتأثيرها في الاتحاد الإفريقي وحوض النيل، إذ يجمع البلدين تعاون أمني واستراتيجي، تغذيه قضايا على الجانبين مثل العدوان على غزة وسد النهضة. إذ تُمثِّل الحرب على غزة محفزًا لتكثيف التعاون الأمني والدبلوماسي، لا سيما في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر.

 كما تعمل تل أبيب على استثمار تداعياتها لتعزيز مكانتها كقوة أمنية، يمكن الاعتماد عليها من قبل الأنظمة الإفريقية التي تواجه تهديدات الجماعات الإسلامية (مثل داعش)، مقدمة نفسها كشريك موثوق في “الحرب على الإرهاب”، وأنها تخوض معركة مشتركة مع هذه الدول من خلال مواجهة المقاومة الفلسطينية وحزب الله في لبنان.

كذلك سعت إسرائيل إلى خلق منطقة آمنة بعمق استراتيجي، في البحر المتوسط تنسق مع قبرص لمواجهة لبنان، وفى البحر الأحمر، تعمل على خلق مرتكزات جديدة.

وتبرز “أرض الصومال” كحلقة في سلسلة مواجهة النفوذ الإيراني والحوثيين، ولقد عززت اتفاقيات إبراهيم هذه الديناميكية، حيث برز التعاون مع “أرض الصومال” وإثيوبيا والإمارات في مشاريع تطوير ميناء بربرة، ما شكل مصدر قلق لمصر التي تنظر إلى أي تحالف إثيوبي- إسرائيلي كتهديد مزدوج، في المقابل، تسعى مصر إلى احتواء هذا التمدد عبر تعزيز تعاونها العسكري مع دولة الصومال والمشاركة في بعثات حفظ السلام.

أيضا تُوظّف إسرائيل حربها على غزة لتعزيز مكانتها كقوة أمنية لا غنى عنها في إفريقيا، قادرة على توفير الخبرة والتكنولوجيا لمكافحة الإرهاب وضبط الحدود.

وفي الوقت الذي تباينت فيه المواقف الإفريقية من دولة الاحتلال، فإن تل أبيب تسعى لتحسين ميزان التصويت لصالحها في الأمم المتحدة، مستخدمة كل الوسائل، نظرا للكتلة التصويتية الكبيرة لدول القارة.

سدّ النهضة

والآن تأتي قضية سد النهضة كعنوان على استثماره ضمن المصالح التي يمكن أن تجمع بين إثوبيا وإسرائيل.

يُعدّ سدّ النهضة ورقة ضغط إقليمية، بعد أن تحوّل من مشروع تنموي إلى أداة سياسية، تستغلها قوى متعددة في صراع النفوذ الإقليمي.

حيث قدمت العلاقة المعقدة بين إثيوبيا ومصر، في ملف نهر النيل والنفوذ الإقليمي، فرصة لإسرائيل لبناء شراكة ذات معنى.

ويُبرز الباحث عصام شعبان في ورقته البحثية كيف طرحت إسرائيل نفسها وسيطًا محتملًا في بداية الأزمة، لكنها في الوقت ذاته تستثمر في العلاقة مع إثيوبيا لتعزيز حضورها في حوض النيل والبحر الأحمر في تهديد لمصالح القاهرة.

وتَبرز الإمارات طرفًا فاعلًا في العلاقة الثنائية بين إسرائيل وإثيوبيا، حيث تحصل الأخيرة على مساعدات واستثمارات إماراتية، تجاوزت ستة مليارات دولار عام 2023، ذلك ضمن مساعٍ لكسب نفوذ إضافي في القارة.

وبات السد أداة للمقايضة الجيو سياسية، حيث يُستخدم للضغط على القاهرة في ملفات ضمنها تسوية الوضع في غزة ولعب أدوار، تخدم الأهداف الامريكية.

بالتوازي، تعمل إسرائيل والإمارات لتعزيز شبكتهما من المواني والمصالح في البحر الأحمر والقرن الإفريقي، من ميناء بربرة إلى إيلات، لتأمين طرق التجارة والطاقة، ومواجهة القوى المناوئة والمنافسين من قوى الشرق الأوسط، وضمنهم إيران.

لقراءة التقرير كاملا: