في 22 أكتوبر الماضي، أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات القوائم النهائية لكافة المترشحين في انتخابات مجلس النواب، وبعد ثلاثة أيام أصبحت تلك القائمة متكاملة بعد تنازل 22 مرشحا فرديا عن خوض الانتخابات. ولأن الانتخابات على مقاعد القوائم المطلقة المعيبة دستوريا- لكون المحكمة الدستورية حكمت 3 مرات بعدم دستوريتها منذ 3 عقود- ومعيبة أخلاقيا كونها تزوير لإرادة الناخبين لكون القائمة التي حصلت على 51% من الأصوات، تسرق أصوات القوائم التي حصلت على 49% عقب الفرز، فإننا سنكتفي هنا بإبداء بعض الملاحظات على قوائم المرشحين الفرديين، لا سيما وأن الهيئة الوطنية “المستقلة” للانتخابات، استبعدت كل القوائم المنافسة للقائمة الوطنية الموحدة، ما جعل هذا الشق لنصف انتخابات مجلس النواب هو تزكية أو تعيين من الناحية العملية.
انتخابات على مرحلتين ولجولتين
ولأن تلك الانتخابات تبدو ذات زخم كبير كما وكيفا، فقد أقرت الهيئة الوطنية للانتخابات، ذات أسلوبها السابق، بأن قررت إجراء الانتخابات على مرحلتين، الأولى تخص محافظات الصعيد والبحر الأحمر والوادي الجديد، وهي ذات الأمر، فيما يخص القائمة المطلقة الموضوعة لذات الغرض لذات المحافظات، وكذلك محافظات الإسكندرية والبحيرة ومطروح، وخلالها يتم التصويت على تزكية قائمة غرب الدلتا بشأن المحافظات الثلاث. أما المرحلة الثانية، فتشمل محافظات القاهرة وجنوب ووسط الدلتا، مع ذات القائمة المطلقة المخصصة لذلك، ومعهما في الفردي محافظات القناة ومحافظتي سيناء إلى جانب القائمة المطلقة لذات المحافظات.
في المرحلة الأولى، ستجرى الانتخابات على نصف الدوائر الانتخابية تقريبا، وتبلغ 70 دائرة لعدد يربو على 33 مليون ناخب، ونفس العدد تقريبا من الناخبين، سيكون في دوائر المرحلة الثانية البالغة 73 دائرة انتخابية.
عدد المرشحين القليل يدل على ضعف الثقة
ولأن أحد مؤشرات الثقة في الانتخابات يعتمد على نسب المشاركة في الاقتراع، فإن تلك الثقة بالمقابل تعتمد- ضمن أمور أخرى- على عدد المشاركين في الترشيح. هنا يظهر أن عدد المترشحين في المرحلتين هو 2598، منهم في المرحلة الأولى 1282 مترشحا، و1316 مرشحا في المرحلة الثانية. وهذا العدد بالطبع هو الأقل في الانتخابات التي جرت في الربع قرن الماضي. إذ شارك في الانتخابات الماضية 3957 و5177 و5411 و10251 و5867 و4532 مرشحا، وذلك في انتخابات 2000 و2005 و2010 و2011 و2015 و2020 على الترتيب. وقد جمعت تلك الانتخابات- التي تباينت عدد المقاعد المنتخبة والمعينة فيها- بين أنظمة انتخابية مختلفة، فالانتخاب الأول والثاني، جرى بالنظام الأغلبي عبر الأسلوب الفردي مع كوتة قديمة للعمال والفلاحين، والثالث بذات الأسلوب السابق مع كوتة تمثيل مضافة للمرأة، والرابع بثلثي المقاعد بالنظام النسبي مع كوتة ترشيح للمرأة والثلث الآخر بالنظام الأغلبي عبر الأسلوب الفردي. أما انتخابات 2015 فجرت عبر النظام الأغلبي بنسبة 21% للقوائم المطلقة، مع 6 كوتات تمثيل، وباقي النسبة بالأسلوب الفردي. أما انتخابات 2020 وانتخابات اليوم، فهي تجري بذات النظام، لكن مع زيادة نسبة القوائم المطلقة إلى نصف عدد المقاعد. كل ذلك يعني أن انخفاض عدد المرشحين كان أحد أسبابه طبيعة النظام الانتخابي الذي كان مستقبلا لأعداد غفيرة من المرشحين في انتخابات 2011 ذات الأسلوب النسبي الغالب، كما يعني أن الناس أصابها الملل من تكرار المشاركة في الترشيح، دون أن يكون هناك مردود إيجابي على المواطنين من الممارسة الانتخابية، التي ترافقت مع وعود بتحسين الظروف الاقتصادية والصبر لأشهر أو لعام أو لعامين، وإذ بالواقع يثبت أن الأمور تتأزم بشكل أكبر، مع تعليق أسباب الأزمة على شماعة الظروف الخارجية (جائحة كوفيد 19، الحرب الروسية الأوكرانية، عدوان إسرائيل على غزة).
هيمنة مستقبل وطن على رأس أوراق الاقتراع
ولأن أسماء المترشحين الفرديين من المستقلين والقوى الحزبية، والواردة لاحقا في أوراق الاقتراع، سترتب بذات الطريقة التي رتبت بها أسماء المترشحين الواردة على الموقع الإلكتروني للهيئة الوطنية للانتخابات، فإن الظروف تدل على أننا أمام تشكيلة جديدة من المرشحين.
فضمن المرشحين البالغ عددهم 2598، رشح مستقبل وطن 125 مرشحا بنسبة 44% من جملة المطلوب انتخابهم، والبالغ عددهم 284 مشرعا. هذا العدد يقترب من أعداد المرشحين مجتمعة، فيما يخص الأحزاب الثلاثة الأخرى القريبة من السلطة إلى جانب مستقبل وطن، وهي الجبهة الوطنية ورشح 46 وحماة الوطن ورشح 69 والشعب الجمهوري ورشح 11، أي بإجمالي 126 مرشحا، وبنسب متتالية تقدر بـ16% و24% و4% تقريبا من جملة المطلوب انتخابهم. هذا الأمر يشير إلى أن مستقبل وطن وهو في قيادته للمشهد الانتخابي حزبيا، حافظ على ذات درجة قُرب حزبي حماة الوطن والشعب الجمهوري منه مقارنة بانتخابات 2020 (حيث لم يكن حزب الجبهة قد أُسس وقتئذ)، إذ كان المرشحون الفرديون في مستقبل وطن وحماة الوطن والشعب الجمهوري، يبلغ عددهم 280 و121 و58 مرشحا.
وبالنظر إلى وضع أسماء المرشحين في القوائم المعلنة من قبل الهيئة الوطنية للانتخابات، ومن ثم أوراق الاقتراع، فإن مستقبل وطن هيمن على تلك الأولوية بلا منازع في 100 دائرة انتخابية، فاحتل حال تواجد مرشحيه المرتبة الأولى في كل الدوائر التي يُطلب فيها انتخاب مرشح واحد، وأحيانا المرتبة الأولى والثانية في الدوائر المطلوب فيها انتخاب مرشحين (السنبلاوين/ كفر الزيات/..) ومرة واحدة احتل المرتبات الأولى والثانية والثالثة في الدوائر المطلوب فيها انتخاب ثلاثة مرشحين (طهطا)، أما الدوائر التي طُلب فيها أربعة ممثلين وعددها خمس دوائر، فقد تواجد مستقبل وطن فيها جميعا، وكان أكبر تمثيل له فيها بعدد ثلاثة مرشحين جملة واحدة، وذلك في القوصية بأسيوط والزقازيق بالشرقية. هذا الأمر يدل على أمرين مهمين. الأمر الأول أن الحزب جمع بين إقصاء الأحزاب السياسية الثلاثة المقربة من السلطة، وإقصاء أحزاب الموالاة والأحزاب القريبة من المعارضة المدجنة والمشاركة معه في القائمة المطلقة، إذ لم يشأ أن تسبقه كل تلك الأحزاب في أي دائرة انتخابية شارك فيها. الأمر الثاني، أن شكوك الكثيرين في حياد الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات بشأن الوقوف على مسافة واحدة من كافة الأحزاب والقوى السياسية في الانتخابات، يبدو أنه أصبح محل مناقشة، خاصة مع شكوى الكثير من المرشحين من مختلف القوى السياسية والمستقلين، من أنهم منعوا من أن يحتلوا المرتبة رقم واحد عند التقدم للترشيح.
الأحزاب المدللة تتنافس على المقاعد فيما بينها ومن داخلها
على أن وجود أحزاب داخل القائمة الوطنية لا يعني، أنها في المقاعد الفردية أحزاب غير متنافسة، إذ أنها لا تتنافس فيما بينها فقط، بل يتنافس المدلل منها من قبل السلطة، وهي مستقبل وحماة وطن والشعب الجمهوري والجبهة الوطنية مع بعضه البعض. ولا نبالغ القول، إنها قد تتنافس فيما بينها من داخلها.
ففيما يتعلق بالتنافس بين الأحزاب المدللة الأربعة وبين أحزاب القائمة، فهو يظهر في عديد الدوائر الـ143، وهو ما يمكن التدليل عليه على سبيل المثال لا الحصر في المنافسة الكبيرة بين تلك الأحزاب على مقاعد دائرة أول المحلة بالغربية بين مستقبل وطن والتجمع، وبين حماة الوطن والمصري الديمقراطي الاجتماعي في المنزلة بالدقهلية… إلخ.
أما فيما يتعلق بالتنافس بين الأحزاب الأربعة، وبعضها البعض، فهو أمر يظهر في ترشيح تلك الأحزاب مجتمعة عدد أكبر من العدد المطلوب فوزه، ومن المنتزه بالإسكندرية حيث يتنافس اثنان من مستقبل وطن ومرشح واحد من كل من حماة الوطن والجبهة الوطنية على مقعد واحد، كما يتنافس ثلاثة مرشحين من مستقبل وطن مع مرشح للشعب الجمهوري على ثلاثة مقاعد في طهطا.
ومن داخل الأحزاب، يتنافس مرشحون من الأحزاب الأربعة على مقاعد مع مرشحين رفض الحزب ترشيحهم، رغم كونهم من نوابه في برلمان 2025، هنا يشار إلى المرشح محمد الحسيني من مستقبل وطن والمترشح على المقعد الفردي كمستقل في دائرة بولاق، وخالد أبو نحول عضو البرلمان عن الشعب الجمهوري والمترشح كمستقل على مقعد أبو تشت.
كل هذه الأمور تؤكد، أن ما يجمع الأحزاب الأربعة الأكثر قربا من السلطة هو أمور مصلحية صرفة، وتحالفات ذات طابع انتخابي وليس سياسي، فهي تحالفات مؤقتة وبرجماتية، ولا علاقة لها بتكتلات أو ائتلافات ذات أصول راسخة، وهذه العلاقات تظهر بالأساس في مواجهة الأحزاب الأخرى.
نكمل باقي الملاحظات الأسبوع القادم.






