اقترضت وزارة المالية من البنوك العاملة في السوق المصرية خلال 6 أيام فقط نحو 203 مليارات جنيه، مُوّزعة بين أذون خزانة قصيرة الأجل، وسندات طويلة الأجل، في مؤشر جديد على توسع الحكومة في الاقتراض، ما يثير القلق ويجدد الفزع إزاء ارتفاع الدين العام مستقبلاً.
طرحت “المالية” الأحد الماضي أذون خزانة قصيرة الأجل بقيمة 80 مليار جنيه، يُستحق 35 مليارا منها خلال 90 يومًا، والـ45 مليارا الأخرى يحل موعد دفعها خلال 273 يومًا.
في اليوم التالي مباشرة “الاثنين”، طرحت الوزارة ذاتها عن طريق البنك المركزي سندات خزانة بقيمة 33 مليار جنيه مُوزعة بين 10 مليارات، يُستحق سدادها بعد عامين، و20 مليارًا مُستحقَّة خلال 3 سنوات، و3 مليارات لأجل خمس سنوات.

وكان الخميس 23 أكتوبر، هو الأعلى في الطروحات، بعدما اقترضت الوزارة 90 مليار جنيه مُوزعَّة بين 40 مليارًا لأجل 182 يومًا و50 مليارا لأجل 364 يومًا، والخميس “30 أكتوبر” اقترضت الوزارة مبالغ جديدة لذات الأجلين (182 و364 يومًا) لم يتم الكشف عنها حتى الآن.
استراتيجية جديدة للديون بمصر
التوسع في الاقتراض، يأتي رغم إعلان وزارة المالية عن إعداد استراتيجية إدارة الدين العام الجديدة، وإعلانها قبل نهاية العام، على أن تمتد تلك الاستراتيجية حتى عام 2030 وتهدف لخفض الدين إلى مستويات أقل من 75% من الناتج المحلي الإجمالي خلال 3 سنوات.
يفترض أن تتضمن الخطة إطالة متوسط أجل الدين إلى 5 سنوات، مع التركيز على تنويع أدوات التمويل والاعتماد المتزايد على إصدارات الصكوك الإسلامية، وكذلك السندات الاجتماعية وسندات الاستدامة، بما يعزز من قدرة الحكومة على إدارة التزاماتها المالية دون الضغط على الموازنة العامة.
سجل الدين العام، الذي يتضمن الدين العام المحلي والأجنبي، ارتفاعًا بنسبة 1.8% خلال الربع الثاني من العام الحالي ليسجل في يونيو 2025 نحو 14.949 تريليون جنيه، مقابل نحو 14.686 تريليون جنيه بنهاية مارس السابق عليه بزيادة تعادل 263 مليار جنيه.
يشكل الدين المحلي، الذي يتمثل أغلبه في طروحات أذون وسندات الخزانة، نحو 74% من إجمالي الدين العام بقيمة 11.1 تريليون جنيه بنهاية يونيو 2025 بزيادة 3.5% بنفس العام من العام الحالي، بينما يمثل الدين الخارجي (لمؤسسات مختلفة أهمها صندوق النقد) نحو 26%.
وزارة المالية.. حديث متتالٍ عن تخفيض الدين
بحسب وزارة المالية، فإن المحرك الأهم ليس قيمة الدين، ولكن نسبته للناتج المحلي، إذ تراجع الدين العام لمصر من 89.4% في العام المالي 2023- 2024 إلى 85.6% في العام المالي المنتهي في يونيو 2025، بينما تستهدف الوزارة خفض تلك النسبة إلى 80% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية يونيو 2027.

ياسر صبحي، نائب الوزير للسياسات المالية، يقول إن دين أجهزة الموازنة انخفض بأكثر من ١٠٪ من الناتج المحلي، والدين الخارجي تراجع ٤ مليارات دولار خلال عامين، مؤكدًا حرص الوزارة على تنويع مصادر وأدوات وأسواق التمويل لإطالة عمر الدين وتقليل التكلفة والمخاطر.
تصريحات نائب الوزير، جاءت في لقائه مع مؤسسات دولية وبنوك دولية ومستثمرين على هامش اجتماعات الخريف لصندوق النقد والبنك الدوليين بواشنطن أخيرًا، وأكد فيها أيضًا، على أن المؤشرات الكلية للاقتصاد المصري جيدة بفضل إصلاحات اقتصادية وهيكلية وسياسات متوازنة؛ للحفاظ على الانضباط المالي وتحفيز القطاع الخاص.
في لقاءاته مع المستثمرين الدوليين في الفترة الأخيرة، يشدد د. أحمد كجوك وزير المالية على قضية تراجع المديونية الحكومية، وأن المؤشرات الأولية لنتائج الربع الأول من العام المالي الحالي، تعكس استمرار جنى ثمار الإصلاحات المالية والاقتصادية وتحقيق فائض أولي، يزيد على ١٧٠ مليار جنيه.
فوائد الديون تلتهم ما يحققه الفائض الأولي
تركيز وزارة المالية على الأرقام الكبيرة للفائض الأولي، رغم كونها ميزة بتجاوز إيرادات الموازنة مصروفاتها، لكنها تكشف عن التداعيات السلبية القوية لملف الدين، فبمجرد إضافة الفوائد إلى الفائض الأولي، يتحول إلى عجز كلي للموازنة، يتم تمويله عبر الاقتراض مجددًا.
نتائج أعمال الوزارة عن الفترة من يوليو، وحتى مايو من العام المالي 2024 /2025 توضح ذلك التأثير، فرغم تحقيق الموازنة العامة حينها فائضًا أوليًا، إلا أنه تحول إلى عجز مع تسجيل فوائد ديون في الفترة نفسها 1.7 تريليون جنيه.
بمعنى آخر، سجلت الموازنة العامة للدولة في الفترة من (يوليوـ مايو) فائضًا أوليًا بحوالي 3.4% من الناتج المحلي، وبعد إضافة الفوائد للوصول للعجز الكلي، يتحول ذلك الفائض إلى عجز بنسبة 6.9% من الناتج العام المحلي.
يظهر تأثير الفوائد أيضًا في العوائد التي تحققها وزارة المالية من ضرائب طروحات أذون وسندات الخزانة التي ارتفعت في الفترة من (يوليو 2024ـ مايو 2025) لـ 277.1 مليار جنيه مقابل 126.9 مليار جنيه في الفترة ذاتها من العام المالي السابق، ويعني زيادة عائد الضرائب على مكاسب البنوك من أدوات الدين الحكومية بمنتهى البساطة ارتفاع المبالغ التي تقترضها الوزارة منهم من الأساس.
كيف يسير الدين العام؟
التقارير الدولية الأخيرة، تتضمن توقعات أفضل لأداء وزارة المالية في ملف الدين العام، فصندوق النقد الدولي يرجح تراجع نسبة الدين العام الحكومي إلى 85% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي الجاري 2025/ 2026، مقابل 87% خلال العام المالي الماضي 2024/ 2025.
في تقرير الراصد المالي الأخير، رجح الصندوق استمرار انخفاض نسبة إجمالي الدين العام الحكومي خلال السنوات المالية الأربعة المقبلة ليصل إلى 82.4% من الناتج المحلي خلال العام المالي المقبل 2026/ 2027، على أن يسجل 79.5% من الناتج المحلي خلال العام المالي 2027/ 2028 و76.3% من الناتج في العام المالي 2028/ 2029.
وكالة “ستاندرد آند بورز” للتصنيف الائتماني، رجحت هي الأخرى انخفاض الدين العام في مصر إلى نحو 81.7% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام المالي الحالي، ليستمر في التراجع إلى 80.6% بحلول عام 2028.
كما توقعت استقرار عجز الموازنة العامة للدولة (الذي يتم تمويله عبر الاقتراض) عند 7.1% خلال العام المالي 2026، قبل أن ينخفض إلى 6.9% في 2028، مشيرةً إلى أن صافي الدين الحكومي العام مرشح للهبوط إلى 72% من الناتج المحلي بحلول 2028 مقابل 75% في 2024.
دائرة مُفزِعة
لكن الخبير الاقتصادي هاني توفيق يحذر من أن ارتفاع الاستدانة الحكومية من ٨٠ إلى أكثر من ٢٠٠ مليار جنيه أسبوعيًا، باعتباره يمثل دائرة مفرغة، من عجز، فاستدانة، فعجز أكبر؛ بسبب خدمة الدين، فاستدانة أكثر العام التالي، وهكذا.
أَضاف توفيق، أن كسر تلك الحلقة المفرغة لن يأتي إلا بالاستثمار، والتشغيل، والتصدير، وزيادة إيرادات الدولة، وسداد الديون، ورفع مستوى المعيشة، والغطاء التعليمي والصحي المحترم، وخفض معدلات الفقر والبطالة والتضخم، فهذه هي الأولويات التي يهتم بها المواطن.






