عام انطلاق السياسة الخارجية للثورة… وغضب دالاس وتهديداته لعبد الناصر

وعاد عبد الناصر إلى القاهرة في الثاني من مايو 1955، منتشيًا بنجاحه في مؤتمر باندونج، فدول عدم الانحياز قد اتخذت قرارًا لصالح الفلسطينيين، كما نجح عبد الناصر أن يُدرج في البيان الختامي بندًا، يدعو إلى الامتناع عن استخدام ترتيبات الدفاع الجماعي، لخدمة مصالح أي من القوى العظمى.

وبعد وصول عبد الناصر بقليل، تحدث إلى “الآلاف المحتشدة قائلًا: لقد أعلنت باسم الشعب المصري في مؤتمر باندونج، أن سياستكم الداخلية تتمثل في إقامة العدالة الاجتماعية، والقضاء على الإقطاع، والاستعمار وعملائه. وأن سياستكم الخارجية هي سياسة مستقلة تمامًا. لقد رأيت في مؤتمر باندونج مشاعر العالم نحو مصر، ذلك البلد المستقل الذي يعمل من أجل العدل فحسب”.

وبينما أكد في 21 سبتمبر 1955 السفير الأمريكي بايرود لحكومته، على أن الحكومة المصرية قد وافقت على تسلم شحنة من الأسلحة الروسية، بما فيها طائرات مقاتلة ودبابات وغواصات. كان الوزير دالاس رافضا التسليم بصحة الحديث عن صفقة أسلحة سوفيتية سرية، حيث كان يعتقد أن ذلك يخالف روح جنيف، وهي القمة التي عقدت في يوليو 1955، فقد قفز السوفيت فجأة خارج الحصار المضروب حولهم إلى قلب العالم العربي.

كلف دالاس، جورج ألن مساعد الوزير لشؤون الشرق الأوسط، بكتابة رسالة شديدة اللهجة إلى ناصر، وبالسفر إلى ناصر وتسليمه المذكرة شخصيا، حيث وصل مصر يوم 30 سبتمبر 1955. وقد نشرت وكالة الأسوشيتد بريس، أن مسئولًا أمريكيًا كبيرًا في طريقه لتقديم إنذار لناصر. فغضب عبد الناصر من ذلك، وأخبر كيرميت روزفلت: “أنه إذا ثبت صحة هذا الخبر، فإنه سوف يدق جرس مكتبه، ويطلب من الحرس الرئاسي طرد المبعوث الأمريكي”. وقد سارع روزفلت بتحذير ألن قبل خروجه من الطائرة، كما هرع إليه السفير الأمريكي، ليحذره من ذكر أي إنذار مع ناصر. وبعد نقد لاذع من حشود الصحفيين، وهتافات المحتجين المعادية لأمريكا، وصل ألن للسفارة الأمريكية، حيث عقد اجتماع على عجل، حضره كل من روزفلت وكوبلاند وجونستون وبايرود، ليتداولوا في الطريقة التي يوجه بها ألن رسالتها، لعبد الناصر والنتائج المتوقعة لذلك.

لم يقدم جورج ألن الإنذار- كما يقول جيفري أرونسون- ومضى اللقاء وديًا، وكان تقرير ألن لواشنطن متعاطفا بشكل ملحوظ مع الزعيم المصري، بما يوحي أن زائرا أمريكيا آخر، قد وقع تحت تأثيره، وقد غادر المبعوث الخاص القاهرة بعد أيام قليلة، وقد نجت العلاقات الأمريكية المصرية من القطع الكامل. ولجأ دالاس بشكل رئيسي، للقنوات الدبلوماسية السرية، التي يزوده بها أخوه ألن دالاس رئيس CIA. وظلت إدارة أيزنهاور تفضل هذه الطريقة، للتعامل مع قادة الشرق الأوسط في الأردن والسعودية ومصر.

وهنا أصبح لكل من كرميت روزفلت ومايلز كوبلاند أهمية كبيرة للتشاور معهم في هذا الشأن. فقد كانت للدبلوماسية السرية لها مزايا- حسب رأى هيو ولفورد- تتيح لقادة الشرق الأوسط، فرصة إجراء مباحثات خاصة في مسائل لا يستطيعون الخوض فيها علانية، مما يؤدي إلى نجاحات تفاوضية، مثلما حدث في الاتفاقية الأنجلو مصرية حول قاعدة قناة السويس عام 1954. ويضيف ولفورد: “وإذا كانت الدبلوماسية السرية قد أفادت أحدًا عام 1955، فهو جمال عبد الناصر في كل ما دار. وهكذا وجدت اللعبة الكبرى في الشرق الأوسط اللاعب الأكثر مهارة، وهو ليس بريطاني ولا روسي ولا حتى أمريكي.. بل عربي!”.

 The Great Game in the Middle East had found its most skilful player yet, and he wasn’t British, Russian, or even American—he was Arab.

كانت مصر تعتبر إقامة سد جديد في منطقة أسوان مفتاحًا للتطور الاقتصادي. فالأرض الصالحة للزراعة ستزيد بمقدار الثلث، لتصل إلى ثمانية ملايين فدان، وأن الطاقة الكهربائية المتولدة، التي تبلغ عشرة ملايين وات، ستوفر الأساس للتوسع الصناعي والإصلاح الزراعي.

وفي 19 يوليو 1956 بعد أشهر من الخلاف المصري الأمريكي الناجم عن صفقة الأسلحة التشيكية، واعتراف القاهرة بالصين، كان الدكتور أحمد حسين السفير المصري في واشنطن، في زيارة للتشاور في القاهرة، والتقى بالرئيس جمال عبد الناصر، وأخذ يلح عليه، في أن يقبل ببقية الشروط الأمريكية لتمويل مشروع السد العالي، ورد عليه عبد الناصر: “بأن الولايات المتحدة لن تشترك في تمويل السد العالي، وسوف أريَّحك وأريَّح الكل. سافر إلى واشنطن، واطلب مقابلة دالاس، وقل له: إني قبلت شروطهم كلها، وسوف نرى إذا كانوا على استعداد، أو أنهم غيروا رأيهم في عرض التمويل. وأنا أعرف أنهم لن يقبلوا، لكن الوقت حان لكي نحصل منهم على موقف صريح بلا أو نعم”. وأضاف عبد الناصر: “قبل أن تسافر إلى واشنطن، اشتري من أي مكتبة كتابًا عن قناة السويس واقرأه”.

 ووصل الدكتور أحمد حسين إلى واشنطن، وطلب موعدًا عاجلًا لمقابلة دالاس وزير الخارجية، وأجيب إلى طلبه، وتحدد موعده في السادسة من مساء 19 يوليو. وذهب أحمد حسين إلى موعده، ودخل يصافح وزير الخارجية الأمريكية، وقال له: “إن لديه أنباءً طيبة”، ولم يتركه دالاس يستكمل حديثه، وإنما قال له: “إنه لديه هو أنباء يريد إخباره بها”. وبدأ دالاس في تفجير قنبلته، وقال لأحمد حسين: “إن الولايات المتحدة غيرت رأيها في موضوع السد العالي، وأنها الآن تعتذر عن المضي في أية مفاوضات تتعلق بتمويل المشروع، وأن أسبابها في ذلك هي أن بلدًا من أفقر بلدان العالم، لا يستطيع أن يتحمل تكاليف مشروع من أكبر المشروعات فيه، ثم إن مياه النيل ليست ملكًا لمصر وحدها، وإنما هناك آخرون على مجرى النهر لهم آراء أخرى”. وأخبر دالاس السفير المصري أحمد حسين، بأن الولايات المتحدة قد سحبت عرضها بتمويل السد العالي، وبالتالي إعلان إدارة أيزنهاور على نحو فعلي، انتهاء فترة التودد والغزل للحكومة الوطنية المصرية، التي استمرت ثلاث سنوات. قال المؤرخ الأمريكي جيفري أرونسون: “وفي الأيام التي أعقبت القرار الأمريكي مباشرة، أبقى عبد الناصر خططه في طي الكتمان، إلا أن الصحافة المصرية كانت شديدة في إدانتها للولايات المتحدة وبريطانيا. وبينما كانت مصر تغلي، راحت الولايات المتحدة تستمتع بتهنئة نفسها، فقد التزم عبد الناصر موقف الدفاع، وأن دالاس رفض أن يخضع للابتزاز، وأن السوفيت لن يكونوا قادرين على تمويل السد العالي، وربما ما كانوا مهتمين بذلك”.

تأميم قناة السويس

 أشادت مجلة تايم بهذا “الانتصار للغرب”، في صورة أظهرت دالاس وهو يقول: لعبد الناصر وقد عراه الارتباك “مات الملك checkmate”. ولكن أرونسون يضيف: “إلا أن عبد الناصر لم يكن قد سلم بخسارة المباراة، فحركته التالية أي تأميم شركة قناة السويس في 26 يوليو، قلبت رقعة الشطرنج في الشرق الأوسط، بل وقلبت أستاذ الشطرنج الكبير نفسه رأسًا على عقب، وأغلقت بذلك فصلًا حيويًا من فصول العلاقات الأمريكية- المصرية”.

يقول الدكتور مصطفى الحفناوي: “في الساعة الثالثة بعد ظهر يوم 23 يوليو 1956، اتصل بي الصديق اللواء صديق عبد اللطيف حكمدار الإسكندرية حيث كنت، وأبلغني بطلب الرئيس جمال عبد الناصر، أن أتوجه إليه فورًا إليه لمقابلته، وأن طائرة تنتظرني في مطار الإسكندرية لتُقِلني للقاهرة على وجه السرعة. ووصلت القاهرة، فوجدت سيارة (شيفروليه) تنتظرني، وبها الصديق إبراهيم الطحاوي من ضباط الثورة، الذي رافقني لدار الرئيس عبد الناصر، الذي كان مع آخر في الحديقة، وبمجرد أن دخلت من الباب الحديدي للدار، نهض الرئيس رحمه الله، بمجرد أن لمح وجهي، ولقيني في منتصف الحديقة، وصافحني بحرارة، وقال لي في أدب جم: آسف أشد الأسف للطريقة التي استعملناها في إحضارك. وقال الرئيس جمال عبد الناصر: إنه قرر تأميم قناة السويس، وتكريمًا للجهود الضخمة التي بذلتها في هذه القضية، فقد عهد إلي أن أكتب مشروع قرار جمهوري بتأميم الشركة، وأن الأمر عاجل جدًا، وأنه سيعلن هذا القرار في خطاب، قرر أن يلقيه في المنشية بالإسكندرية، في الساعة الثامنة من مساء 26 يوليو 1956. ثم جرى بيننا حديث طويل، امتد إلى وقت متأخر، حيث طلب مني رحمه الله، أن أبسُط القضية بدءًا بالتاريخ منذ قناة الفراعنة، وألا أوجز قط. وانتهت المقابلة بأمر لي من الرئيس، بأن ألقاه في الليلة التالية ومعي مشروع القرار الجمهوري”.

وفي لندن مساء الخميس 26 يوليو، كان “إيدن” يقيم حفل عشاءً في مقر رئيس الوزراء البريطاني، تكريمًا للملك “فيصل” ملك العراق الشاب، ومعه رئيس وزرائه نوري السعيد، حضره عدد من كبار وزرائه، بينهم اللورد “سالسبوري” واللورد “هيوم” و”سلوين لويد”. وكان الحديث معظم الوقت، يدور حول أوضاع العالم العربي، بما في ذلك آخر التطورات فيه، وأهمها قرار دالاس بسحب العرض الأمريكي بالمساهمة في تمويل السد العالي. وكان “إيدن” مهتما، بأن يشرح لزواره “كيف أن الأمريكان رأوا الضوء أخيرًا، وساروا معه في سياسته التي رآها منذ البداية، وهي ضرورة إيقاف “ناصر” عند حده، وحصر خطره تمهيدًا لتصفيته”.

وعلق نوري السعيد على ذلك بقوله: “إن صيغة البيان الأمريكي لم تترك مجالًا للشك، في أن هدف السياسة الأمريكية أصبح إسقاط جمال عبد الناصر”. ثم تطرق الحديث، لما يفعله جمال عبد الناصر بسده العالي. وكان تعليق إيدن: “أن الروس لا يستطيعون مساعدة جمال عبد الناصر؛ لأن الكتلة الشيوعية بما فيها الصين سوف تثور عليهم، إذا قدموا لمصر مساعدة بهذا الحجم، وهم لا يحصلون على مثلها. وإلى جانب ذلك، فإن إيدن أضاف، أن حجم المشروع أكبر من حجم المساعدات الخارجية التي يقدمها الاتحاد السوفيتي كله عشرين مرة”.

وفي الساعة التاسعة والنصف كان العشاء قد قارب على نهايته، حين دخل إلى القاعة إلى غير انتظار، رئيس السكرتارية الخاصة لإيدن، يحمل إليه برقية عاجلة، حملتها إليه وكالات الأنباء على الفور من القاهرة. وقرأ إيدن البرقية واحتقن وجهه، بطريقة لفتت أنظار ضيوفه جميعًا، وقال لهم: “إن الطاغية أعلن الآن، أنه أمم قناة السويس، ليبني بدخلها سده العالي“. 

ويقول فتحي رضوان: “أنه اقترح على عبد الناصر، ألا يربط بين قرار تأميم قناة السويس وقرار دالاس برفض مشروع السد العالي، ولكن عبد الناصر لم يوافق، وراح يروي في خطابه في ميدان المنشية يوم 26 يوليو 1956، مواقف دول الغرب من السد العالي، وما قاله له يوجين بلاك مدير البنك الدولي”، وقال: “إنه كان يرى في يوجين بلاك صورة من فرديناند دي ليسبس، الذي احتال على سعيد باشا والي مصر، حتى استصدر مرسوم امتياز فتح قناة السويس سنة 1854، مع ما فيه من شروط مجحفة بمصر”. وأخيرًا وصل عبد الناصر إلى النقطة التي أعلن فيها القرار الجمهوري بتأميم قناة السويس، وما كاد يقرأ اللفظ الأول من عنوان القرار الجمهوري، حتى أصابت الناس هزة عنيفة، لا في الميدان وحده، بل في كل بيت من بيوت مصر، بل في كل بيت من بيوت العالم العربي، لقد رأيت الناس دفعة واحدة، وبلا سابق اتفاق يقفزون في الهواء، ويرتفعون عن الأرض صدقًا”.

ويضيف فتحي رضوان: “كان هذا الإعلان زلزالًا حقيقيًا في عالم السياسة الكبرى، الذي يديره ويشرف عليه ويستأثر بقراراته جماعة تحيط بها هالات الرصانة والأهمية والعظمة، أمثال: تشرشل وإيدن وأيزنهاور، فقد كانت قناة السويس منذ ولدت (لعبة الكبار جدًا). لعبة بريطانيا وفرنسا وروسيا وبروسيا والنمسا وتركيا، فما الذي حدث حتى يجرؤ شاب لم يبلغ الأربعين عامًا من عمره، ورئيس دولة لم يخرج آخر جندي من جنود الاحتلال البريطاني، من أرضها إلا منذ أقل من شهرين!”.

في صباح 27 يوليو، توجه أحد المحامين إلى مكتب أنطوني إيدن، ومعه تقرير من الإدارة القانونية لوزارة الخارجية البريطانية، وجاء فيه أن الموقف قد تم فحصه من كل الزوايا، وأنه ما لم يغلق ناصر القناة في وجه الملاحة- وهو ما لم يقترحه- فإن التأميم يبقى قانونيًا تمامًا.

ويوم 29 أغسطس، أدلى الرئيس أيزنهاور بتصريح في واشنطن، تحدث عن تدويل قناة السويس، فاستدعى جمال عبد الناصر السفير الأمريكي في القاهرة هنري بايرود، وأبلغه أسف الحكومة المصرية للتصريحات الصادرة عن الرئيس الأمريكي. وفي اليوم التالي تراجع أيزنهاور جزئيًا، فأعلن البيت الأبيض، “أن الرئيس لم يتحدث عن تدويل قناة السويس من حيث ملكيتها، ولكنه تحدث عن التدويل، من حيث استخداماتها طبقًا لمعاهدة القسطنطينية 1888، وأضاف أن الولايات المتحدة ملتزمة بالحل السلمي للأزمة” .

وفي يوم 4 أكتوبر، تقدمت بريطانيا وفرنسا بشكوى إلى مجلس الأمن ضد مصر، على أساس أن مصر استولت على قناة السويس، خرقًا للاتفاقات الدولية، مما يعرض الملاحة في هذا الممر البحري الحيوي لأخطار داهمة. فانتقلت بؤرة الأحداث إلى مقرر الأمم المتحدة في نيويورك، فقرر جمال عبد الناصر، أن يتولى الدكتور محمود فوزي وزير الخارجية بنفسه تمثيل مصر في مناقشات مجلس الأمن، والاتصالات السياسية التي سوف تجرى في قاعاته وكواليسه. وأن يسافر السيد علي صبري إلى نيويورك، لكي يكون مسئولًا عن الاتصال بين نيويورك والقاهرة. وأن يسافر الدكتور حلمي بهجت بدوي رئيس مجلس إدارة قناة السويس الجديدة إلى الولايات المتحدة، لكي يقوم بمهمة موازية لمناقشات مجلس الأمن، غرضها إجراء لقاءات مع دوائر شركات الملاحة والبنوك، لطمأنتها إلى خطط مصر المستقبلية، بالنسبة لقناة السويس ومشروعات توسيعها وزيادة كفاءتها. ويسافر محمد حسنين هيكل إلى نيويورك، للاتصال بالصحافة الأمريكية والعالمية المهتمة بالأزمة. وفي يوم 13 أكتوبر 1956، صدرت قرارات مجلس الأمن، وهي نقاط ست تمثل أساسًا للمفاوضات، ولم يعترض عليها أحد.

العدوان الثلاثي

وبعد نحو عشرة أيام في اجتماع ثلاثي في سيفر، تم اتفاق بين فرنسا وبريطانيا وإسرائيل، نص على أن تقوم القوات الإسرائيلية في مساء 29 أكتوبر 1956، بشن هجوم واسع النطاق على القوات المصرية، بهدف الوصول إلى منطقة قناة السويس. في اليوم التالي، وجهت الحكومتان البريطانية والفرنسية يوم 30 أكتوبر نداء للحكومتين المصرية والإسرائيلية بوقف إطلاق النار، وسحب القوات مسافة عشرة أميال بعيدًا عن قناة السويس، لضمان حرية الملاحة. وإذا لم تستجب الحكومة المصرية، فإن القوات البريطانية والفرنسية سوف تقوم بالهجوم على القوات المصرية، في الساعات الأولى من صباح يوم 31 أكتوبر 1956.

في يوم الجمعة 2 نوفمبر، ذهب جمال عبد الناصر في سيارة جيب مكشوفة، إلى حي الحسين الشعبي وسط الجماهير، وأدى صلاة الجمعة في الجامع الأزهر، وأمام جموع الشعب المصلين، أعلن في خطبة له بعد الصلاة من على المنبر، ونقلتها الإذاعة، “أنه قد تم سحب جميع القوات المصرية من سيناء، للدفاع عن قناة السويس، وقبل أن تقع هذه القوات فريسة في فخ المعتدين، وأن الجميع سوف يقاتلون ولن نستسلم، وسوف نقاتل مع الشعب الذي أصبح السلاح في يده”. وعندما خرج عبد الناصر من الجامع الأزهر، كانت القاهرة كلها قد زحفت إلى طريق موكبه، وأخذت تهدف في صيحة واحدة مدوية “حنحارب.. حنحارب”.

اقرأ أيضا:

على هامش التسريبات: نموذج السياسة الخارجية لثورة 1952 (1)

الحلقة الثانية على هامش التسريبات: نموذج السياسة الخارجية لثورة 1952