على مدّار السنوات القليلة الماضية، كانت الشركات المصرية صفقات مُحببَة للجانب الإماراتي الذي استغل تراجع سعر صرف الجنيه أمام الدولار الذي جعل أصول مصر “رخيصة”، لكن يبدو أن الجهات الرقابية المصرية بدأت في “فرملة” ذلك التوجه، بعدما أبدت تحفظها على عروض إماراتية جديدة.   

رفضت الهيئة العامة للرقابة المالية المصرية أخيرًا، عرض شراء قدمته شركة ساجاس الإماراتية للاستحواذ على شركة السويدي إليكتريك، يتضمن جزءاً نقدياً أو من خلال مبادلة أسهم بغرض شراء كامل أسهم “السويدي إليكتريك”.

«ساجاس» للاستثمار مساهم رئيسي في شركة «إلكترا إنفستمنت هولدينج ريستركتد ليمتد» التي تمتلك بدورها 18.87% من أسهم «السويدي إليكتريك» بالفعل، وقدمت عرضها بسعر يدور في فلك 65 جنيهًا للسهم أو عن طريق مبادلة عدد من أسهم «ساجاس» للاستثمار من خلال إصدار أسهم جديدة في الشركة مقدمة العرض (ساجتس) لصالح المساهمين المستجيبين لمبادلة الأسهم في (السويدي).

لماذا رفضت الرقابة المالية عرض “ساجاس”؟

الرقابة المالية رفضت عرض الاستحواذ المقدم من ساجاس، لأسباب تتعلق بحداثة عمر الشركة وعدم مباشرتها نشاطاً تشغيلياً فعليا، إذ لا تمتلك أساسًا أصولاً، تُولد إيرادات بصورة مباشرة، وتعتمد نتائجها بالكامل على أداء شركة (السويدي إليكتريك)، ما يجعل أسهمها غير مستندة إلى سجل أداء مالي مستقل، يمكن الاعتماد عليه في تقييم أسهم المبادلة في العرض المختلط المحتمل.

كان تنفيذ الصفقة حال إتمامها ينتظر تفاوض المساهمين الرئيسيين بـ«السويدي إليكتريك»، والاستجابة لعرض الشراء والانتهاء من أعمال الفحص الفني وإعداد دراسات القيمة العادلة والحصول على الموافقات التنظيمية المطلوبة، لكن الرقابة المالية رأت، أن «التفاوض مع المساهمين الرئيسيين بالشركة المستهدفة للتوصل إلى اتفاق، يفيد قبولهم الاستجابة، قد يُخلّ بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع المساهمين، ويضر بحقوق الأقلية بالشركة المستهدفة».

 كما أن امتلاك «ساجاس» للاستثمار حصصًا غير مباشرة في «السويدي إليكتريك»، يثير شبهة تعارض مصالح «لتحقيق منافع غير متكافئة مع مساهمي الأقلية، بحسب تقرير صادر عن الرقابة المالية، وصل لـ “مصر 360” نسخة منه.

من الرقابة المالية لـ”أبوظبي”

في التوقيت ذاته، فرَض البنك المركزي غرامة مالية قدرها مليار جنيه على “بنك أبوظبي الأول مصر” لمخالفته إصدار تسهيلات ائتمانية لشركة “بلتون القابضة”، التابعة لمجموعة “شيميرا” الإماراتية، استُخدمت في غرض غير المخصص له.


شهدت “بلتون”، التي ترأستها وزيرة الاستثمار السابقة داليا خورشيد وزوجة محافظ البنك المركزي السابق طارق عامر، تحولاً بهيكل ملكيتها عام 2022، عندما استحوذت شركة شيميرا الإماراتية على 56% من أسهمها مقابل نحو 385 مليون جنيه، بسعر 1.485 جنيها للسهم.

طلب «المركزي» أيضًا نقل رئيس مخاطر الائتمان بوحدة البنك الإماراتي بمصر، بجانب الغرامة المالية التي تُعدُّ الأكبر في تاريخ الجهاز المصرفي، وسط توقعات برحيل قيادات أخرى خلال الفترة المقبلة، بهدف تعزيز كفاءته التشغيلية ودعم استراتيجيته للنمو المستدام في إدارة الموارد البشرية، حيث يواصل البنك تطوير هيكل إداراته؛ بهدف تحسين جودة الخدمات المقدمة لعملائه وشركائه.

بنوك الاستثمار مثل “الأهلي فاروس”، قالت إن الغرامة تمثل مؤشرًا واضحا على تشديد الرقابة من قبل البنك المركزي، ما قد ينعكس سلباً على قدرة الشركة في الحصول على تمويل خلال المدى القصير، ويقيّد خطط توسعها في السوق المصرية.

قامت بنوك إماراتية بالعديد من الاستحواذات بالسوق المحلية مثل بنك أبوظبي الإسلامي– مصر الذي استحوذ على البنك الوطني للتنمية المصري عام 2007، وتم تغيير اسم البنك لاحقًا ليصبح “أبوظبي الإسلامي– مصر”.

كما استحوذ بنك الإمارات دبي الوطني على بنك “بي إن بي باريبا. مصر”ـ الذي يملك 69 فرعاً في مصر في صفقة بقيمة نصف مليار يورو، كما استحوذ بنك أبوظبي الأول– مصر على بنك عودة– مصر بقيمة 600 مليون دولار، وتم تغيير الاسم إلى بنك أبوظبي الأول مصر.

واستحوذت الإمارات أيضًا على حصص مصرفية، وليس البنوك بالكامل مثل استحواذ شركة أبوظبي القابضة على 18% من أسهم البنك التجاري الدولي (CIB) أكبر البنوك الخاصة بمصر، وقبل الاستحواذات تعمل بنوك إماراتية في مصر مثل بنك المشرق– مصر، وبنك الاتحاد الوطني– مصر، الذي اندمج لاحقًا مع بنك أبوظبي التجاري.

صفقات في الطريق.. هل تغيب الإمارات؟

تستهدف وزارة المالية تحقيق حصيلة، تتراوح بين 1.25 و1.5 مليار دولار من طرح 4 شركات حكومية قبل نهاية العام المالي الحالي (قبل 30 يونيو 2026)، ومن المقرر أن تكون الشركات المطروحة في قطاعات متنوعة مثل القطاع المالي والتأمين واللوجستيات والمواني والطاقة المتجددة، على أن يتم توجيه نصف الحصيلة لسداد جزء من المديونية الحكومية، التي تراجعت بنسبة 10%

من بين الشركات المطروحة، محطة رياح جبل الزيت التي تنتمي لقطاع الطاقة المتجددة، وتعتبر من أكبر محطات الطاقة المتجددة والنظيفة في منطقة الشرق الأوسط، وتضم محطة جبل الزيت، التي أنشأت عام 2018 نحو 290 توربينًا لتوليد الكهرباء من طاقة الرياح، إذ تبلغ قدرتها الإجمالية 580 ميجا واط، وسط خطط لرفع عدد التوربينات إلى 1100 خلال السنوات القليلة القادمة.

كانت الحكومة قد أعلنت عن قائمة، تضم 10 شركات تعتزم التخارج منها في العام الحالي منها: بنك الإسكندرية، وبنك القاهرة، وشركة الأمل الشريف للبلاستيك، ومصر للصناعات الدوائية، وسييد للصناعات الدوائية، و”وطنية”، و”صافي”، و”سايلو” للصناعات الغذائية.

في 23 إبريل الماضي، أنهى بنك “الإمارات دبي الوطني” أعمال الفحص النافي للجهالة بغرض الاستحواذ على “بنك القاهرة”، لكن لم يتم حتى الآن إعلان عن العرض المقدم من البنك الإماراتي لـ”المركزي المصري“، الذي قام بتعيين بنك الاستثمار «سي آي كابيتال» مستشارًا ماليًا للبيع.

قام بنك “الإمارات دبي الوطني” بتعيين أحد بنوك الاستثمار مستشارًا ماليًا لصفقة الاستحواذ على بنك القاهرة، واختار مكتب معتوق بسيوني مستشارا قانونيًا، وأنهى مقابلات مع مسئولي بنك القاهرة من الإدارة ورؤساء القطاعات للحصول على كل البيانات والاستفسارات اللازمة، لكن لم يتم حتى الآن اتخاذ خطوة جديدة.

حال إتمام الصفقة، سيصل حجم أصول بنك الإمارات دبي الوطني في مصر إلى أكثر من 627 مليار جنيه؛ ليصبح خامس أكبر كيان مصرفي بمصر، ومن غير المعروف، ما إذا كان البنك الإماراتي سيُبقي على اسم بنك القاهرة كما هو، أم سيقوم بتغيير الاسم لمسمى الشركة الأم (بنك الإمارات دبي الوطني مصر على سبيل المثال)، مُثلما حدث مع بعض البنوك الأخرى التي اشترتها كيانات خليجية بمصر.

الحكومة: لا نتعامل مع الدول وفقًا للجنسية

مسئول بوزارة المالية، قال إن الحكومة المصرية لا تتعامل مع عروض الاستحواذ، وفقا لجنسية الدول، وما يهمها فقط هو التأكد من الإجراءات القانونية السليمة، مشددة على أن العلاقات بين البلدين جيدة على كل المستويات السياسية والاقتصادية، والاستثمارات الإماراتية بمصر بلغت حتى نهاية فبراير 2025 نحو 21.8 مليار دولار، موزعة على 2139 شركة.

استطاعت الإمارات اقتناص العديد من الصفقات على مدار الأعوام الماضية، اتسمت بالتنوع، وكان أهمها استحواذ شركة أبوظبي التنموية القابضة “إيه دي كيو” على نسبة 25% من أسهم شركة الحفر المصرية، و30% من أسهم شركة “المصرية لإنتاج الإيثيلين ومشتقاته” (إيثيدكو)، و35% من أسهم الشركة المصرية لإنتاج الألكيل بنزين الخطي (إيلاب).

في قطاع الأسمدة، نفذت شركة ناس للاستثمارات القابضة الإماراتية العام الحالي، صفقة استحواذ على حصة من أسهم شركة سماد مصر (إيجيفرت)، بقيمة إجمالية بلغت 186.77 مليون جنيه، وقبلها بعامين استحوذ صندوق أبوظبي على 271.57 مليون سهم في شركة أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية، بما يعادل 21.5% من إجمالي الأسهم، بجانب 20 % في شركة مصر لإنتاج الأسمدة “موبكو“، ما يعادل 45.8 مليون سهم بسعر 5.817 دولارات بقيمة إجمالية 266.6 مليون دولار.

لكن المسئول بالمالية، يقول إن ارتفاع حجم التبادل التجاري بين مصر والإمارات خلال النصف الأول من العام الجاري ليسجل 4.8 مليارات دولار، محققاً نمواً قدره 77.7%، كما سجلت  الصادرات المصرية إلى الإمارات قفزة كبيرة بنسبة 153.3% على أساس سنوي لتبلغ 3.8 مليارات دولار، ما يدل على أن العلاقات بين البلدين مثالية.

وقال الخبير المالي مصطفى عادل إن المخالفات التي تم توقيعها على بنك أبوظبي الأول هي الأضخم في تاريخ القطاع المصرفي؛ بسبب إصدار تسهيلات ائتمانية لشركة “بلتون القابضة” التابعة لمجموعة “شيميرا” الإماراتية، استُخدمت في غرض غير المخصص له، ولا توجد معلومات عن نوع المخالفة من حيث حجم التمويل واستخدامه في غير أسباب صدور التسهيلات.

أضاف عادل أن الفكرة ليست في قيمة الغرامة، ولكن في طبيعة الإجراء، وما ترتب عليه، مضيفا أن القرض يكون لاستخدام في مشروعات أو تمويل شركات أو سبب محدد، لكن الغرض غير المخصص، أن الشركة تحصل على قرض من أجل مشروع، وتستخدمه في أغراض أخرى غير التي وافق البنك عليها.