عندما تحدث أستاذ العلوم السياسية د. علي الدين هلال في أحد البرامج يوم الخميس الماضي، وذكر أنه على الأرجح سيصل النظام الانتخابي قريبا إلى المحكمة الدستورية العليا للنظر في مدى دستورية تطبيق القائمة المطلقة، استبشر الكثيرون، عسى أن تحكم المحكمة بإسقاط هذا المجلس الذي طالت أعضاءه عديد الطعون، وكان السبب الرئيس هو النظام الانتخابي، الذي خلف مشكلات لا حصر لها منها

مشكلة المال الانتخابي

المال الانتخابي الشره هو ديدن أي نظام أغلبي (50%+ 1) لكونه نظام مكرس خصيصا للأفراد، ورجال الأعمال، أصحاب النفوذ، والشخصيات العامة. وبطبيعة الحال، ليس كل هؤلاء، خاصة في الدول الناميـة، التي تتجه نحو المقرطة بأساليب غريبة، أنقياء. لكون بعض من المرشحين للبرلمانات في تلك البلدان، ممن هم يتجهون دوما نحو تضارب المصالح، ويتسمون بفساد الذمم، وتزاوج المال بالسلطة، بل أن بعضهم ممن هم مستغلو الحصانة البرلمانية؛ لتحقيق منافع ذاتية ومصلحية متعلقة بالتهرب الضريبي والجمركي وإرساء العطاءات والمزايدات بشكل غير مشروع.

سرقة أصوات الشعب بالقانون

ولعل وضع 49% من الأصوات التي ألقيت في أحد الصناديق في الصندوق الذي حصل على مجرد 51%، ومن ثم تؤول إلى هذا الصندوق ملكية كافة المقاعد المخصصة للقائمة المطلقة في البرلمان، هو أسلوب آخر للفساد السياسي. فلطالما عرفت بلدان العالم الثالث أساليب تزوير لأصوات الناخبين، لكن وفي ظل مناخ المقرطة والرغبة في الابتعاد عن الأساليب التقليدية للتزوير، لجأ البعض، ممن هم يرغبون في التحكم في عضوية البرلمان إلى أساليب لتحقيق ذلك من خلال القانون نفسه، وقد وجد هؤلاء ضالتهم المنشودة في أسلوب الكتلة الحزبية، أو الأسلوب المعروف إعلاميا بالقوائم المطلقة، وهو تزوير مطلق لإرادة الناخبين، الذين يرجى منهم أن يدفعوا كالقطيع للمشاركة في الاقتراع، لزيادة نسبة المشاركة الإعلامية، وتصوير الصفوف أمام لجان الاقتراع، وإذ بأصواتهم في النهاية تزور تزويرا فاضحا وفجا، دونما الحاجة لأي أعمال غير قانونية للتزوير.

توريث المقاعد

أحد المواقع الإلكترونية المصرية (إيجبتيك) رصد خلال البحث في القوائم التي نشرتها الهيئة الوطنية للانتخابات، وجود القائمة المطلقة التي تضم 284 اسما أساسيا، ومثلها قوائم احتياطية. وقد بين الموقع أن هناك 48 اسما مشتركا بين القائمتين بنسبة تقترب من الخمس لأقارب من الدرجة الأولى والثانية والثالثة، من الأبناء والأخوات والأعمام والأخوال، وما خفي كان أعظم لمعارف وجيران وأصدقاء، لم يدخلوا في هذا الإحصاء.

اقتراع لصالح مرشحين مجهولين

وإضافة إلى توريث المقاعد بين الأسماء الأساسية والاحتياطية، هناك محاولة إخراج الناخب للتصويت على مرشحين لا يعرفهم، كونهم ليسوا فقط من خارج النطاق الجغرافي للمركز أو المحافظة، بل وأيضا من خارج النطاق الجغرافي للجهة برمتها، حيث انتقل مرشح الوجه القبلي إلى قائمة الوجه البحري، ومرشح الوجه البحري لقائمة الوجه القبلي. وكذلك مرشح قائمة شرق الدلتا لغربها، ومرشح غرب الدلتا لشرقها.  

بيروقراطية الهيئة الوطنية تحول الانتخاب إلى تعيين

لكل تلك الأسباب وأسباب أخرى متعلقة بالتشبث بالإجراءات البيروقراطية للهيئة الوطنية للانتخاب، تتحول الانتخابات إلى تزكية أو تعيين مقَنع. حيث يتحول الانتخاب لمجرد استفتاء على قائمة واحدة. هنا من المهم، الاستعانة بشهادة ناجي الشهابي رئيس حزب الجيل، إذ يقول إنه تم استبعاد الهيئة الوطنية للانتخابات للقائمتين الخاصتين بحزب الجيل، رغم اكتمال ملفاتهما التامة وتقديمهما قبل إغلاق باب الترشح بيوم إلى محكمة الزقازيق ومحكمة الإسكندرية، دون أي نقص، خاصة وأن الجهتين المستلمتين وقّعتا وختمتا الإيصالات الرسمية التي تثبت اكتمال جميع المستندات، وكان سبب الرفض لقائمة غرب الدلتا لاحقا هو “عدم تقديم مستند الإقامة باللغة الألمانية، للمترشح عن المصريين بالخارج، رغم تقديم الترجمة العربية المعتمدة وفق الإجراءات المتبعة في كل الاستحقاقات الانتخابية السابقة، ورغم تقديم مرشحين بدلاء مستوفين للمستندات القانونية كاملة”. وأن سبب رفض قائمة شرق الدلتا هو “تقديم إيصالات الكشف الطبي دون النتائج، رغم أن قرار رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات أجاز صراحة الاكتفاء بالإيصالات لحين ورود النتائج من الجهات الطبية المختصة، وأن نتائج الكشف الطبي كانت بالفعل لدى لجنة تلقّي الطلبات تنفيذًا لقرار وزير الصحة رقم 95 الذي ألزم الجهات الطبية بإرسال النتائج مباشرة إلى اللجان”

لكل ذلك على الأرجح سيكون مصير مجلس النواب القادم هو ذاته المصير الذي ساهم فيه المرحوم كمال خالد المحامي، النابغة الذي أسقط برلمان 1984، وبرلمان 1987. بعبارة أخرى، يبدو أننا على موعد مع إسقاط آخر لبرلمان آخر.

أهمية تفسير محاضر الدستور للنظام الانتخابي

الناظر أيضا إلى مادة الدستور التي تتحدث عن النظام الانتخابي، حتما يجب أن يلتفت لأمر ربما تحتاجه المحكمة الدستورية. المادة 102 تقول في عجُز الفقرة الثالثة منها “ويجوز الأخذ بالنظام الانتخابي الفردي أو القائمة أو الجمع بينهما بأي نسبة بينهما”. المعروف علميا بأنه لا يوجد ما يسمى النظام الفردي أو النظام القائمة، لأن كل تلك المصطلحات هي أساليب وليس أنظمة.

النظام الانتخابي، إما نظام أغلبي، أي 50%+ 1، وإما أنه نظام نسبي. الأخير أسلوبه الرئيس هو القوائم النسبية حزبية أو غير حزبية. أما النظام الأغلبي فأسلوبه الرئيس هو الأسلوب الفردي، إضافة إلى أساليب عديدة منها أسلوب القائمة المطلقة.

لذلك على الأرجح، فإن المشرع الدستوري قد قصد- وهو لا يدرك الفروق بين الأنظمة والأساليب- بكلمة “نظام القائمة” قصد القائمة النسبية، ومن ثم، لم يخطر على باله، أن المشرع القانوني سيتصيد الكلام ليأخذ بالقائمة المطلقة، لكون كلمة مطلقة ملحقا قبلها كلمة “قائمة”.

القائمة المطلقة معيبة دستوريا، لكونها حُكِم بعدم دستوريتها مرتين في انتخابات المحليات في عقد التسعينيات من العام القرن الماضي، كما أنه حكم بعدم دستوريتها في انتخابات مجلس الشورى الذي أخذت انتخاباته بها منذ 1980- 1989.

القائمة المطلقة معيبة أخلاقيا، لكونها تزويرا فاضحا لإرادة الناخبين، تأخذ أصوات من صوتوا لقائمة الأقلية، وتضعه في صندوق قائمة الأغلبية. هي أيضا قائمة لا تأخذ بها سوى سنغافورة وجيبوتي والكاميرون، وكانت تشاد تأخذ بها قبل أن تخرج من هذا النظام المعيب.

القائمة المطلقة يُتلكأ بها لتمثيل الكوتات الاجتماعية، رغم أننا ننتخب مجلسا سياسيا تمثل فيه الأحزاب، ولم ولن ننتخب مؤسسة اجتماعية، يتحتم أن تضم امرأة وذوا همم وشباب وعمال.. إلخ. القائمة المطلقة لو كان الشارع القانوني قصد الكوتات؛ لكي يأخذ بها، لَما أخذ بها في انتخابات مجلس الشيوخ الخالي دستوريا من الكوتات.. هي في الأخير تَحكم شديد الوطأة في تحديد شكل عضوية البرلمان.

إسقاط البرلمان الشائه قبل انتخابات الرئاسة

إسقاط البرلمان اليوم يبدو أنه سيتحمس إليه كثيرون، لكون هؤلاء لم يرضوا أن يشارك برلمان مثل هذا الذي يجري انتخابه في انتخابات الرئاسة القادمة المزمع لها 2030، والتي يرجح أن يبدأ الاستعداد لها قبل عدة أشهر من العام 2030. الناظر إلى النظام النسبي الحزبي لا يجد عُشر مشكلات أسلوب القائمة المطلقة. يكفي القول إن الإدارة الانتخابية ستتعامل مع عشرين أو ثلاثين حزبا، عوضا أن تتعامل مع عدة آلاف من المرشحين والأحزاب المدعومة من السلطة التي تنهب المقدرات السياسية للمعارضة.