أمريكا تشرع في الحرب على ناصر.. الحرب الاقتصادية أولًا
كان عام 1965 عامًا فاصلًا، بدأت فيه الهجمة الأمريكية على حركات التحرر الوطني بصفة عامة، ومصر بصفة خاصة. فقد كانت مصر منذ سنة 1959 تستفيد من قانون فائض الحاصلات الزراعية الأمريكي PL480، حيث يوفر لمصر شراء القمح بالعملة المحلية أي بالجنيه المصري. فبالنسبة للمعونة الأمريكية فقد سبق أن قدمت أمريكا لمصر مساعدات صغيرة منذ عام 1958، تزايدت في الحجم بسرعة في عهد الرئيس جون كيندي سنة 1961، وتجاوبت السلطات الأمريكية تجاوبًا مستمرًا مع طلبات مصر المتزايدة في تقديمها من فائض الحاصلات الزراعية، طبقًا للقانون المشار إليه وبعض المعونات المالية. فقد استخدمت الولايات المتحدة المعونة الأمريكية بشكل مباشر؛ للتأثير على السياسة المصرية المؤيدة لحركات التحرر، والمناوئة للرجعية والإمبريالية.
ويوافق ذلك بالضبط الفترة التي تردت فيها العلاقات بين عبد الناصر وبين الاتحاد السوفيتي، نتيجة الخلاف مع نظام عبد الكريم قاسم في العراق، ووقوف الشيوعيين مع قاسم في معركته ضد الجمهورية العربية المتحدة، بهدف فصل سوريا عن مصر.
بمقتل كيندي، تولى جونسون نائبه رئاسة الولايات المتحدة، والذي أصبح أكبر رئيس مؤيد للصهيونية في أمريكا منذ هاري ترومان. وبدأ سياسة جديدة، تتخذ مَجْرى جديدًا تمامًا، فقد كان جونسون على رأس المناصرين للسياسة الإسرائيلية، فتوقفت المحاولات التي بدأها كيندي مع عبد الناصر، وبدأ يتخذ خطًا منحازًا لإسرائيل ومعاديا للعرب. وقد تصاعد عداء جونسون، عندما لمس أن تأثير عبد الناصر، بدأ يشتد ويمتد بشكل فعَّال خارج حدود مصر، وبرز هذا الدور في نهاية عام 1964، بعد عقد اجتماعات القمة الأربعة، وقد انتهت برفض السيطرة الأجنبية، وتأكيد سياسة عدم الانحياز، كما انتهت إلى تأييد القضية الفلسطينية.
وتطور عداء الإدارة الأمريكية برئاسة جونسون، وأصبح من أهدافها إسقاط عبد الناصر، عن طرق العدوان الخارجي، بسبب استحالة استخدام الأساليب التي اتبعتها في أمريكا اللاتينية، بسبب تماسك الجبهة الداخلية وتأييد الجماهير لعبد الناصر.
وكان وقف جونسون لتصدير القمح لمصر، البداية الفعلية للحرب على مصر، والتي حالت بينها وبين تنفيذ الخطة الخمسية الثانية، واكتفت بخطط سنوية مركزية. لذلك بدأت الحربُ على مصر عام 1965 حربًا اقتصادية.
يقول الدكتور جودة عبد الخالق: “سألت السيد علي صبري: عن أسباب تأجيل الخطة الخمسية الثانية. فأجاب: إن الاقتصاد بدأ يعاني نقصا حادا في النقد الأجنبي. وعرفت فيما بعد، أن أحد أسباب مشكلة ندرة النقد الأجنبي، أن الرئيس الأمريكي جونسون قرر وقف شحنات أمريكية إلى مصر، عقابًا للحكومة المصرية، على اتباع سياسة خارجية مستقلة، لا توافق عليها الإدارة الأمريكية”.
الانقلاب أو الاغتيال…؟
تعددت الانقلابات في عام 1965، فكان الانقلاب على الرئيس الجزائري بن بلا في الجزائر، والانقلاب على الرئيس الإندونيسي أحمد سوكارنو، والرئيس الغاني كوامي نكروما. وحتى عام 1966 قام في إفريقيا سبعة عشر انقلابًا عسكريًا في أربعة عشر دولة، كانت قد حصلت على استقلاها حديثًا. فكان حال إفريقيا في غضون عام 1966، اضطراب وفوضى وانقلابات عسكرية متتالية وتآمر خارجي، مما أضعف وحدة القارة. ولم تتأخر إسرائيل في استغلال ظروف الانقسام أو الاضطراب السائدة في إفريقيا لصالحها، فقامت بنشاط واسع وتحركات مثمرة. ففي شهر يونيو عام 1966، قام ليفي أشكول رئيس وزراء إسرائيل بزيارة عدد من دول إفريقيا، فقام أولًا بزيارة السنغال وساحل العاج وليبيريا، ثم تلا ذلك بزيارة للكونغو كينشاسا ومدغشقر وأوغندة، ثم أنهى رحلته في كينيا، وعاد إلى إسرائيل في 16 يونيو، وأدلى بعدة تصريحات، من بينها حصول إسرائيل على تأييد الدول الإفريقية السبع التي زارها لمبدأ حل المنازعات بالطرق السلمية.
وفي مساء 20 يوليو 1966، استقبل جمال عبد الناصر، السيد ذو الفقار علي بوتو- الذي كان وزيرًا لخارجية باكستان، في حكومة الجنرال أيوب خان، ثم أصبح فيما بعد رئيسًا لجمهورية باكستان، حتى قام الجنرال ضياء الحق بانقلاب عليه، وأعدمه عام 1978.
قال بوتو لعبد الناصر: “شعرت أن من واجبي أن أجيء إليك، لأضع تحت تصرفك بعض ما أعرف عن الأوضاع، التي سوف تؤثر في مصائر كل المعتقدين بإمكانية الحرية والتنمية في آسيا وإفريقيا. فأنت الوحيد الباقي على المسرح من الزعماء الكبار لحركة التحرر الآسيوي الإفريقي. حتى لو كان نهرو لا زال موجودًا على قيد الحياة، فقد كان يمكن أن أتوجه إليه بأفكاري ومخاوفي، ولكن بتأثير العلاقات بين الهند وباكستان، كان مستحيلًا علي أن أفعل ذلك. كان يمكن أن أفكر في سوكارنو، ولكن سوكارنو في أيامه الأخيرة الآن، وهم يسقطونه ببطء، وأنا حزين لما يجري له، وإن كنت أظن أنه قد شارك في صنع مصائبه. ولهذا سيدي الرئيس، فإني أرجوك أن تسمع مني، لأني أشعر أن من واجبي أن أتحدث إليك بصراحة، أرجوك أن تعرف أنهم خارجون لاصطيادك يا سيدي They are out to get you sir. وأضاف: “إن السياسة الأمريكية قد بدأت تدخل في مرحلة نشطة جدًا في آسيا وإفريقيا. وقد أخذت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، توجيهات من الرئيس جونسون، فقد أصبحوا يعتقدون أن الموقف الدولي ملائم لهم”.
وتابع يقول: “هم يعتبرون القيادة السوفيتية الحالية أظهرت رغبتها في التوافق معهم بأي ثمن، وهم يعتقدون أن النزاع الصيني السوفيتي يقسم العالم الشيوعي إلى عالمين متخاصمين، وهم يعتقدون أن الحرب الهندية الباكستانية الأخيرة قد قسمت شبه القارة الهندية. وهم يعتقدون أن العالم العربي قد انقسم إلى جبهتين: فهناك دعاة القومية العربية، وقد نشأت في مواجهتهم أخيرًا فكرة المؤتمر الإسلامي. وفي إفريقيا كل دولة إفريقية في أوضاعها الحالية تمثل فرصة سانحة”.
الصدام الثاني من الإخوان المسلمين وتكوين تنظيم مسلح بزعامة سيد قطب:
اتسمت رؤية سيد قطب المبكرة للعالم بالتمرد، وكانت اهتماماته منذ تخرجه في دار العلوم اهتمامات أدبية ونقدية. عاد إلى الإيمان في نهاية الثلاثينيات، وليس واضحًا طبيعة الظروف التي صنعت هذا التحول. ما هو واضح أن تعامله الأول مع القرآن، جاء من باب الأدب لا العقيدة. ففي عام 1939 بدأ في نشر سلسلة مقالات حول “التصوير الفني في القرآن”، ثم نشر له كتاب العدالة الاجتماعية في الإسلام عام 1949. وقد شاع فيما بعد أن قطب تخلى عن كتابه هذا، بعد أن أصبحت مسألة العقيدة محور أفكاره.
في عام 1948، سافر إلى أمريكا في منحة دراسية تبع وزارة المعارف لمدة عامين. وعين عام 1952 مستشارًا لمجلس قيادة الثورة، ولكنه انضم للإخوان المسلمين عام 1953، ورأس تحرير مجلة بنفس الاسم. طالته حملة الاعتقالات الواسعة، التي تلت محاولة اغتيال جمال عبد الناصر عام 1954. وفي عام 1964 أصدر قطب كتاب معالم في الطريق، حيث قال إن الإسلام لا يتحقق بالإيمان ربًا وخالقًا وحسب، بل لا بد أيضًا أن يشمل الإيمان بالله، حاكمًا ومسيرًا ومصدرًا للتشريع والقيم، مستعيرًا بعضًا من أفكار أبو الأعلى المودودي عن الحاكمية. وشجب قطب ثقافة الانتماء القومي، وأن جنسية المسلم هي عقيدته. وكانت أحكامه ولغته أقرب إلى أحكام ولغة الخوارج منها إلى التيار السني العام، والمنطق الداخلي لكتاب قطب يؤدي لتكفير المجتمع.
يقول سيد قطب: “لم أكن أعرف إلا القليل عن الإخوان المسلمين، إلى أن سافر إلى أمريكا عام 1948 في بعثة لوزارة المعارف، واغتيال حسن البنا عام1949. وفي نفس العام صدر كتابي (العدالة الاجتماعية في الإسلام)، بإهداء (إلى الفتية الذين ألمحهم في خيالي، قادمين يردون هذا الدين جديدًا كما بدأ، يجاهدون في سبيل الله، لا يخافون لومة لائم، … إلخ). ففهم الإخوان أنني أعنيهم بهذا الإهداء، ولم يكن كذلك، ولكنهم من جانبهم تبنوا الكتاب، واعتبروا صاحبه صديقًا، وبدأوا يهتمون بأمره، فلما عدت في نهاية عام 1950، بدأ بعض شبابهم يزورني، ويتحدث معي عن الكتاب. ولم تكن لهم دار؛ لأن الجماعة كانت قد حُلت بعد اغتيال النقراشي. واستغرقت أنا عام 1951 في صراع شديد- بالقلم والخطابة والاجتماعات- ضد الأوضاع الملكية القائمة والإقطاع والرأسمالية، وأصدرت كتابين في الموضوع، غير مئات المقالات في صحف الحزب الوطني والحزب الاشتراكي ومجلة الدعوة، وكل جريدة أو مجلة قبلت أن تنشر لي، بلا انضمام لحزب أو جماعة معينة. وظل الحال كذلك إلى أن قامت ثورة 23 يوليو 1952. ومرة أخرى استغرقت في العمل مع رجال الثورة ثورة 23 يوليو حتى فبراير عام 1953، عندما بدأ تفكيري وتفكيرهم يفترق حول (هيئة التحرير)”.
وفي هذا الخصوص، يذكر الشيخ أحمد حسن الباقوري أن عبد الناصر دعاه ذات يوم إلى مقابلة في مجلس قيادة الثورة بالجزيرة، وسأله عن رأيه فيمن يصلح؛ لتولي الإشراف على هيئة التحرير، وقال: “إن الأستاذ سيد قطب يريد أن يكون سكرتيرًا لهيئة التحرير، وأن الأستاذ الهضيبي يزكيه لهذا المنصب. ولكنه أضاف: “أن أخشى ما أخشاه أن يستغل الأستاذ قطب- بالاتفاق مع الهضيبي– منصبه في هيئة التحرير، ليجعلها شعبة من شعب الإخوان المسلمين، لذلك قررت أن يكون سكرتير الهيئة، وحيد جودة رمضان، الذي هو معروف عندي بوطنيته، وبعده عن الحزبية والأحزاب”.
في عام 1963، التقى تنظيمان إخوانيان صغيران معًا، يستهدفان اغتيال جمال عبد الناصر، الأول يقوده شاب جامعي اسمه علي عشماوي من ميت غمر، والآخر يقوده عبد الفتاح إسماعيل تاجر محاصيل زراعية من قرية تتبع دمياط. ويقول علي عشماوي عن أحد لقاءاته مع عبد الفتاح إسماعيل، التي اتفقا فيها على المكاشفة، فأخبره عن تنظيمه ومدى اتساعه وأهدافه، التي تتلخص في “اغتيال جمال عبد الناصر، ومن يستطيعون أن يصلوا إليه من رجال الثورة”. ولم يكن لهم طموحٌ آخر خاص بالجماعة أو نشر الدعوة أو أمر آخر. من جهة أخرى، كان معنيًا جدًا بمسألة التمويل، وقد وجد لها حلًا في أمرين: الأول أنه حدد 100 فرد من أغنياء الإخوان الذين يعرفهم بحكم عمله كتاجر أقطان، يسافر كثيرًا، ويلتقي بإخوان كثيرين من جميع المحافظات، وحدد لكلٍ منهم أن يدفع 100 جنيه دفعة واحدة، وقد جمع 10 آلاف جنيه.
والثاني أنه كان يسافر للحج سنويًا للقاء الإخوان في مؤتمر الحج، ويخبرهم أنه يعمل على تجميع الإخوان، ويطلب دعمًا ماليًا، وكانوا قد أرسلوا له أربعة آلاف جنيه، يحتفظ بها في مكان أمين رفض الإفصاح عنه، ولكنه علم منه أن هذا المبلغ جاء عن طريق سعيد رمضان، بتوجيه من الحاجة زينب الغزالي.
رتب الشيخ عبد الفتاح إسماعيل، لعلي عشماوي لقاء مع الحاجة زينب الغزالي، تطرق الحديث معها إلى عدة قضايا، وانتهى الحديث من جانب علي عشماوي إلى شرعية العمل، وأن الإخوة في معتقل الواحات أحالوا الأمر إلى الأستاذ المرشد، فأجابت بثقة: إنها على اتصال دائم به، وأنها تأتي منه بالتعليمات حين يريدونها، وأن المرشد حين علم عن التنظيم، الذي يتبع الشيخ عبد الفتاح إسماعيل وعن أهدافه أقره. وبهذا، فإن التنظيم أصبحت له الشرعية التي يتطلبها، وقالت: يمكنكم أن تتمتعوا بتلك المظلة، إن أنتما انضممتما معًا في تنظيم واحد.
فقال لها علي عشماوي: أنا لا أمانع في اندماج التنظيمين، ولكن اعتراضي ينصب على هدف التنظيم الآخر، وهو “اغتيال جمال عبد الناصر”، فأنا لا أرى أن هذا هو الطريق. فردت بعصبية: “بل هذا هو الطريق، ولا طريق غيره، وهذا ما أقره المرشد”. وقالت زينب الغزالي، إن الأستاذ المرشد قد أعطى تعليماته، بأن يتولى قيادة التنظيم الأستاذ عبد العزيز علي الوزير السابق في وزارة محمد نجيب، وأنه على دراية بتلك الأعمال، فقد كان منتظمًا في العمل السري ضد الإنجليز في ثورة 19، وأنه متحمس للعمل الإسلامي، لكنهم لم يرتاحوا للعمل معه. وفي أحد الأيام، وفي نهاية أيامهم مع الأستاذ عبد العزيز علي، اتصلت بهم الحاجة زينب الغزالي، وأخبرتهم أنه قد تم الاتصال بالأستاذ سيد قطب عن طريق أخته، وأنه أرسل لهم رسالة خاصة. فذهب الشيخ عبد الفتاح إليها، وأحضر الرسالة، وقرأها لهم في أحد اجتماعات المجموعة. كان بها حديث مطول عن العقيدة ووجوب تصحيح الاعتقاد. ومع الرسالة وصية، أن ننهج نهجًا دراسيًا حدده مع قراءة بعض الكتب ومنها كتب المودودي.
أما التحليل السياسي لسيد قطب، الذي تناول ما أطلق عليه “خطة عبد الناصر في هدم الإسلام”، فكان ينطوي على درجة من الطرافة، إن لم نقل السذاجة. “فقد اعتبر أن خطته في هدم الإسلام قائمة على هدم اقتصاد مصر أولًا، حتى لا تكون هناك ثروات تساعد على نشر الدعوة أو تقوي شوكة المسلمين، وكان ذلك بالتأميم ومصادرة أموال الناس ووضع الحراسات عليهم، بل إن الأمر تعدى ذلك إلى هدم اقتصاد البلد في كل شيء. فعلى سبيل المثال، إن منطقة حلوان التي لو كانت موجودة في أي بلد من بلاد الدنيا، لاعتبروها منتجعا صحيًا للاستشفاء، ولكن رجال الثورة ملأوا حلوان بالمصانع والمداخن والأسمنت، والتلوث. وبذلك حطموا ودمروا ما وهبه الله لمصر من أسباب، كان يمكن أن يستفاد منها، وتستغل لإيجاد دخل كبير ولإصلاح أحوال البلد.
أما من الناحية الأخلاقية، والتي جاء تحت عنوان أخلاق يوليو، فإنهم ساعدوا على اختلاط المرأة بالرجل واختلاط الفتاة بالشاب. وأقاموا المعسكرات المختلطة في الجامعات، وكانوا يأخذون الفتيات لإقامة المهرجانات الرياضية في أعياد الثورة وغيرها، وكانت الفتيات يتغيبن عن منازلهن، ويعشن مع الشباب ليلًا ونهارًا بلا رقيب وبتشجيع من الدولة. فمعهد التربية الرياضية للفتيات كان يعطي شهادة تفيد، بأنها فقدت بكارتها أثناء التدريب، فتعتبر رخصة؛ لكي تعيش كيفما تشاء.
وبدأ رجال الثورة أيضًا في نشر المصانع في كل مكان، خاصة الأماكن الريفية، حتى تدخلها الفتيات والنساء للعمل ليلًا ويتركن بيوتهن، ويعتاد الرجل، أن تبيت زوجته خارج المنزل. وكان لهذا الأثر الكبير في القضاء على البقية الباقية من العادات والأخلاق الإسلامية، والتي تبدأ بالمرأة كما خُطط لهم من قبل. وواضح أن سيد قطب ليست لديه معلومات في التاريخ الاقتصادي، لأن تلك المصانع أقامها طلعت حرب، لأنها أغلبها يقوم على صناعات زراعية مثل حلج وغزل ونسج القطن، فهي تقوم على التصنيع الزراعي، ورجال الثورة توسعوا فيها فقط. وقد برر رأيه بما جاء في كتاب ولفريد كانتويل سميث، والذي يحمل اسم (الجمهوريات العربية اليوم)، والذي قال فيه: إن المجتمعات القبلية هي أشد تمسكًا بالدين من المجتمعات الصناعية. لذا فقد كانت هذه هي إحدى التوجيهات التي ثار عليها رجال الثورة، في أن يحولوا المجتمع الزراعي المصري إلى مجتمع صناعي، لحرث ما تبقى من الدين في نفوس الناس. وأضاف وبعد أن وصل المجتمع إلى ما وصل إليه من تضييع لبقايا الدين، كان هذا في الحكم عليه، أصبح (مجتمعًا جاهليًا) قد بعد عن دينه وفرط، وكان لا بد من بعث الإسلام في نفوسهم مرة أخرى”.
يقول علي عشماوي: “بعد خروج الأستاذ سيد قطب من السجن تم استدعاؤنا- أنا والشيخ عبد الفتاح إسماعيل- للقائه، فذهبنا إليه وطلبنا منه أن يتابع العمل معنا، فوافق على شرط أن نعطيه فرصة؛ كي يستأذن الأستاذ الهضيبي في الأمر. وأخبرناه عن مشكلتنا مع الأستاذ عبد العزيز علي، وأننا غير مرتاحين لتلك العلاقة، فطلب منا أن نترك له هذا الموضوع، وسيقوم هو بعلاجه، ثم حدد موعدًا بمنزله بحلوان، ليلتقي بنا، مجموعة القيادة الخمسة؛ كي يبدأ معنا توجيهاته”.
ثم يضيف على عشماوي: “الحقيقة أن اللقاء مع الأستاذ سيد قطب، كان بمثابة تحولا كبيرا في اتجاهات الناس والتنظيم والأفراد، وإعادة تشكيل الفكر تشكيلًا كاملًا في الاتجاه الذي رسمه هو، وأنا أرى أن تلك المرحلة كانت جديدة تمامًا، وكان لها تأثيرها على مسيرة العمل في المرحلة التالية. والتقينا في منزله بحلوان، فأخبرنا بزيارة المرشد، وأذن له في العمل معنا”.
ويضيف عشماوي: “تحدثنا معه في موضوع يقلقنا ويقض مضاجعنا، وهي مسألة أن الأستاذ فريد عبد الخالق والأستاذ منير الزيات يهددان بالإبلاغ عنا، وكشف عملنا، فقال إن الأستاذ منير الدلة قد أخبره بشيء من هذا القبيل، وأنه حذره منا ومن الأستاذ عبد العزيز علي ومن الحاجة زينب الغزالي. وقال: إن سبب خوفهم هو اتصالهم بالحاجة زينب وبالأستاذ عبد العزيز علي، اللذين يعملان لصالح المخابرات الأمريكية”.
بعد ذلك، يذكر علي عشماوي، أنه حضر اجتماعًا للقيادة، يخص ترتيب خطة المواجهة مع الحكومة، والتي تتلخص في اغتيال كبار الشخصيات، والشخصيات المؤثرة في دولاب الحكم، وتخريب بعض المنشآت، التي يمكن أن تساعد في إحداث خلل وفراغ وارتباك في الدولة. ولكن لم يكن من الأمور المحسوبة، ماذا سيحدث بعد أن ينهار الحكم، ومن الذي سوف يثب إلى الدولة فيحكمها، وكأننا أردنا أن نفجر، ولكن انفجار غير منظم.
ومن الشخصيات التي استهدفت بالاغتيال، كانت جمال عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر وزكريا محيي الدين، وقد اعترض سيد قطب على اغتيال شخصيات أخرى غير جمال عبد الناصر، حيث اعتبرها شخصيات غير مؤثرة، باستثناء علي صبري الذي اعتبره شخصية مؤثرة. كذلك تدمير بعض المنشآت منها مبنى الإذاعة والتليفزيون، ومحطات الكهرباء لإحداث إظلام، يمكن أن يفيد في التحرك، وهدم القناطر الخيرية والذي اعترض عليه علي عشماوي، وبعض هذه الأمور التي درست بالتفصيل.
لم تفلح الضغوط الاقتصادية الأمريكية، التي مارسها الرئيس الأمريكي جونسون، في إثناء جمال عبد الناصر عن سياساته، كما تم اكتشاف محاولات تدبير الاغتيال، عن طريق إحياء تنظيم ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، يقوده سيد قطب، فكان الإعداد استخدام إسرائيل في شن عدوان على مصر…
وللحديث بقية.






