أثار قرار الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي الخاصة برفع الحدين الأدنى والأقصى لأجر الاشتراك التأميني، اعتبارًا من أول يناير المقبل حالة من عدم الرضا بين أصحاب المعاشات الذين يرونها غير كافية لضمان حصولهم على معاش شهري، يواكب معدلات التضخم المرتفعة.

يتضمن رفع الحد الأدنى للأجر التأميني من 2300 جنيه إلى 2700 جنيه شهريًا بزيادة 17.3%، والحد الأقصى للأجر التأميني من 14500 جنيه إلى 16700 جنيه شهريًا بزيادة 15.17%، أما الحد الأدنى للمعاشات (للمحالين للتقاعد من 2026) فيرتفع من 1495 جنيهًا إلى 1755 جنيهًا بزيادة 17.3%، والحد الأقصى للمعاشات (للمحالين للتقاعد من 2026) يرتفع من 11600 جنيه إلى 13360 جنيهًا بزيادة 15.77%.

بحسب اللواء جمال عوض رئيس مجلس إدارة الهيئة فإن التعديل يستهدف ربط الأجور الفعلية للمؤمن عليهم بمستحقاتهم التأمينية المستقبلية، ما يُسهم في تحسين مستوى المعاشات عبر رفع الحد الأدنى للمعاش للمحالين للتقاعد.

أضاف عوض أن تنفيذ خطة تحسين قيم المعاشات قد أسفرت عن تحقيق زيادات تدريجية في الحدود التأمينية خلال الفترة من عام 2019 حتى عام 2026، إذ ارتفع الحد الأدنى للمعاش من 900 إلى 1755 جنيهًا، والحد الأقصى من 6480 إلى 13360 جنيهًا، في مؤشر واضح -بحسب حديثه- على حرص الدولة على تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي، وتوفير حياة كريمة لأصحاب المعاشات والمستحقين.

فجوة كبيرة بين الحد الأدنى والمعاش

في المقابل، يرى نشطاء وباحثون مهتمون بالمعاشات، أن المبلغ غير كافٍ، إذ يقول إسحاق إبراهيم الناشط الحقوقي، إنه من غير المنطقي أن يكون الحد الأدنى للأجر ٧ آلاف والحد الأدنى للأجر التأميني ٢٧٠٠ جنيه أي أن الفرق بينهما ٤٣٠٠ جنيه.

أشار إلى أن الأجر التأميني هو الأساس لحساب المعاش، وهناك شركات تطبق فقط الحد الأدنى للأجر التأميني حتى لعاملين قضوا أكثر من 20 عامًا في العمل، وتابع: “تخيل شخصا خرج معاش ومرتبه هو الحد الأدنى، معاشه سيكون أقل من ألفي جنيه.. هل هذا كاف؟

ألبير أنسي، خبير قانوني، يقول إن قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات رقم 148 لسنة 2019 جاء بنية الإصلاح، لكنه أبقى على معادلة حسابية “جامدة”، تُحسب على أساس متوسط الأجر التأميني لآخر فترة اشتراك، وليس على أساس الأجر الفعلي الذي كان يتقاضاه العامل عند انتهاء خدمته.

معادلة حسابية جامدة

أضاف أنسي أن هذه الآلية أفرزت نتيجة غير منطقية، فموظف كان يتقاضى 10 آلاف جنيه شهريًا، يجد نفسه بعد التقاعد يتقاضى 2000 جنيه فقط معاشًا، ما يتطلب تعديل معادلة حساب المعاش، بحيث تُربط بنسبة عادلة من آخر أجر فعلي، لا من متوسط الأجر التأميني.

شدد على ضرورة إعادة تقييم الحد الأدنى للمعاشات سنويًا وفق معدلات التضخم الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وتفعيل صندوق تكافلي لدعم أصحاب المعاشات المتدنية، يُموَّل من فائض استثمارات التأمينات، بجانب إقرار زيادة استثنائية دورية كل ثلاث سنوات للفئات الأقل دخلًا، ضمانًا لاستدامة الحياة الكريمة.

اقترح الخبير القانوني تعديلا تشريعيا نصه: أن يُحسب معاش المؤمن عليه عند انتهاء خدمته بنسبة لا تقل عن (75%) من متوسط الأجر الفعلي عن أخر خمس سنوات خدمة فعلية أو بنسبة (80%) من أخر أجر فعلي عند انتهاء الخدمة أيهما أعلى، مع ربط المعاش سنويًا بمعدل التضخم المعلن رسميًا، وبحد أدنى لا يقل عن 60% من الحد الأدنى للأجور المقررة بقرار مجلس الوزراء، ويُعاد النظر في تلك النسبة كل ثلاث سنوات بقرار من رئيس مجلس الوزراء، بناءً على عرض من وزير التضامن الاجتماعي وموافقة مجلس النواب.

11 مليون مواطن يحتاجون دعًما

الفكرة ذاتها يؤكدها مصطفى عبد العظيم، خبير قانون وباحث بمجال حقوق أصحاب المعاشات، فيقول إن المعاشات تمس حاليًا 11 مليون مواطن متقاعد وأكثر من 26 مليون مشترك في المنظومة التأمينية، وترتبط بجوانب اجتماعية كضعف العدالة الاجتماعية، وغياب التوازن بين دخل المتقاعد واحتياجاته المعيشية، والتفاوت الكبير بين معاشات الفئات العليا والمعاشات الدنيا، وعدم وجود آلية لرفع المعاش، بما يتناسب مع التضخم وارتفاع الأسعار.

شدد على تدهور المستوى المعيشي لأصحاب المعاشات، فأكثر من 60% منهم تحت خط الكفاية المعيشية (وفق بيانات الجهاز المركزي 2024)، خاصة أن ضعف القوة الشرائية أدى لتراجع دور الأسرة الممتدة، واعتماد كبار السن على أبنائهم.

وتتصدر الرعاية الصحية مجموعات التضخم التي ترتفع على أساس سنوي، في تقارير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء الأخيرة، إذ سجلت معدلات تفوق الـ30% (مثل 37.6% في يونيو و31.9% في سبتمبر 2025) متأثرة بزيادة تكاليف الأجهزة والمعدات الطبية والخدمات، مما يضع ضغوطًا كبيرة على أصحاب المعاشات، أكثر فئة تحتاج للرعاية الطبية. 

طالب عبد العظيم بضرورة وضع رؤية استراتيجية وطنية لإدارة أموال التأمينات، فلا تصدر تقارير سنوية مفصلة عن استثمارات أموال التأمينات والمعاشات، ولم يتم حتى الآن نشر ميزانية واضحة مستقلة لصناديق التأمينات، وأكثر من 60% من أموال الصناديق مستثمرة في أدوات دين حكومي، وهناك ضعف في تنويع المحافظ الاستثمارية، وغياب المشروعات المنتجة.

بحسب الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، فإنها تستثمر فوائض الأموال لديها في عدد من المشروعات المُهمة، بما يُحقق العائد المالي المطلوب من هذه الاستثمارات، كما تمتلك صندوقًا استثماريًا تابعًا لها.

وقال أحمد كُجوك، وزير المالية، في لقاء مع رئيس الوزراء أخيرًا، إن استثمارات الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي كانت قد ارتفعت خلال العام المالي 2023- 2024 بقيمة 44.2 مليار جنيه، وبنسبة زيادة قدرها 7.8%، وذلك مقارنة بالعام المالي السابق له.

كما قفز العائد الذي حققه صندوق استثمار أموال الهيئة في 30 يونيو 2024 مقابل العائد المُحقق في 30 يونيو 2023، بزيادة قدرها 24.9 مليار جنيه، بنسبة زيادة 33.24%، بحسب بيانات وزارة المالية.

لكن مصطفى عبد العظيم يشير إلى تدني الأجور التأمينية التي باتت أقل من الأجر الفعلي بنسبة تصل إلى 40%، وأن المعاش يُحسب على متوسط الأجر خلال فترة محددة، وليس على أخر أجر فعلي، وشدد على وضع إصلاح تشريعي يضمن زيادة سنوية وفق معدل التضخم، وتمثيل أصحاب المعاشات بمجلس إدارة الهيئة، وإنشاء صندوق استثماري مستقل خاضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات.