ضمن متابعة لتطورات الحرب على غزة، وانعكاساتها الدولية والإقليمية، تأتي ورقة “قرار مجلس الأمن 2803.. الرد الأمريكي على اليوم التالي”، وهي تقدير موقف، يحلل سياقات القرار بما في ذلك استمرار الحرب وتحولها إلى كارثة إنسانية غير محتملة، وسعي الأطراف العربية لوقفها عبر التفاوض، وسط توازنات إقليمية مضطربة، وعجز عن تحمل كلفة الحرب، وعدم قدرة على ممارسة ضغوط على إسرائيل لوقف عدوانها. الأهم أن القرار يأتي أنسجاما مع خطة الرئيس الأمريكي لغزة وإجابة في ذات الوقت من واشنطن للسؤال العالق ماذا عن اليوم التالي في غزة بعد انتهاء الهجمات الإسرائيلية على القطاع التي ما زالت تجري وإن بوتيرة أقل حدة.
تشير الورقة، إلى أن هذا الظرف سهل دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخطته ذات البنود العشرين، وفرضها إقليميا ودوليا، سواء على الأطراف العربية أو في تمريرها بقرار في مجلس الأمن.
وتعد خطة ترامب، وهي مزيجاً من أفكار تضمنتها صفقة القرن (2020)، وأخرى طرحها بعد عودته للبيت الأبيض، بجانب مقترحات عربية، أساسا للقرار الأممي الصادر 17 نوفمبر الماضي، والذي مُرر بـ13 صوتا، مع امتناع روسيا والصين عن التصويت.
تركز الورقة التي كتبها الباحث عصام شعبان، على تحليل خلفية القرار، وتعرض ضمن أقسامها، أبعاد القرار، وتحلل مواقف الأطراف الإقليمية والدولية، وتنتهي بتقديم تقييماً استراتيجياً للفرص والتهديدات.
فيما سيصدر لاحقا ورقتان حول القرار، الذي يعد محطة مهمة ليس في مسار الحرب فقط، ولكن للقضية الفلسطينية ككل، ستتناول إحداها التأثيرات المباشرة على قطاع غزة، بما في ذلك المشهد السياسي الفلسطيني، وواقع القطاع من حيث الإغاثة والإعمار، والثانية ستناقش تداعيات القرار على الأمن الإقليمي والمصالح المصرية، والدور المفترض للأطراف العربية بعد القرار.
خلفية القرار: بين مقترحات ترامب والمبادرة المصرية والمواقف العربية

يشير التحليل، إلى أن خطة ترامب، التي شكلت أساس القرار جاءت امتداداً لتصورات سابقة من “صفقة القرن“، إلى طرحه المتكرر لتحويل غزة إلى مشروع استثماري ضخم، مصحوباً بأفكار حول التهجير، بينها تصريحات خلال حملته الانتخابية، ومع الذكرى السنوية الثانية للحرب، أن غزة ممكن أن تكون أفضل من إمارة موناكو– (تولى العقاري تشارلز كوشنر صهر ترامب منصب سفير فيها).
وبعد عودته للبيت الأبيض في ولاية ثانية، أعلن عن رغبته لتهجير سكان غزة إلى مصر والأردن، وبلدان أخرى، إفريقية وإسلامية، وبعدها يستحوذ على القطاع، ويقيم مشروع “ريفيرا الشرق الأوسط”، لتتحول غزة منطقة استثمار جاذبة، توفر فرص عمل، وتخلق بيئة مشجعة للسلام، طاردة للتطرف، وظل يكرر هذه الفكرة من فبراير حتى مايو 2025 وحتى خلال جولته إلى دول الخليج.
وفي المقابل، انطلقت القاهرة بخطة مختلفة: رؤية تعتمد على مسار وقف الحرب، منع التهجير، إدارة انتقالية فلسطينية تكنوقراطية، وربط غزة بالضفة، وصولاً إلى حل سياسي قائم على إعلان الدولة الفلسطينية، وحظي ذلك بتوافق عربي، لم يمنع من ظهور التباين بين أطراف المنطقة، وفقا لمصالح وتوجهات كل دولة، وتداعيات الحرب على مصالحها.
لكن في كل الأحوال، أصبح المجتمع الدولي أمام مشروعين، أمريكي- وإسرائيلي: يسعى إلى إعادة صياغة الوضع الأمني والسياسي في غزة، مع إمكانية تهجير سكانها، بما يشمل الضفة الغربية، وآخر عربي يتضمن خطوات: وقف الحرب، الإعمار، واستعادة المسار السياسي لإعلان دولة فلسطينية.
ومع تعاظم الضغوط على إسرائيل، شعبيا ودوليا، وتصدع الدعم الأوروبي، تقدمت واشنطن بطرحها كإطار لوقف القتال، وردا على سؤال اليوم التالي، ومستقبل قطاع غزة، ذلك بعد عامين من الحرب، التي استنفدت عمليا أغراضها.
تضمنت مبادرة ترامب للسلام: وقف إطلاق النار، تبادل أسرى، السماح بدخول الإغاثة، يليها، انسحاب لإسرائيل بشكل مرحلي ومشروط بإبعاد حماس نهائيا، ونزع السلاح وتدمير البنية العسكرية، وفرض وصاية على غزة بهيئة حكم انتقالية.
الطريق إلى القرار 2803

تشرح الورقة، أن القرار جاء بعد مفاوضات مكثفة استخدمت فيها واشنطن سياسة “الضغط السريع”، مقدمةً مبادرة ترامب كصيغة وحيدة ممكنة، وفرصة أخيرة.
وقد فرضت الخطة نفسها على الأطراف العربية التي تفاوضت نيابة عن الفلسطينيين، رغم أنها لم تعكس مطالبهم، لكنها مثلت في نظرهم فرصة لوقف الحرب في ظل عجز عن إيجاد بدائل، أو رغبة في ممارسة ضغوط على إسرائيل، بإدخال مساعدات أو مناوئة تل أبيب بشكل واضح حتى على المستوى الدبلوماسي.
وفى خطوة تالية، أسفر مؤتمر شرم الشيخ في 13 أكتوبر عن وقف إطلاق النار، بموجب توقيع إعلان “السلام الدائم والازدهار“، وهو إطار دعائي بلا آليات تنفيذية، باستثناء الإشارة الصريحة إلى خطة ترامب، والتي تمنح إسرائيل مزايا وتحقق أهدافها: نزع السلاح، إبعاد المقاومة، إعادة تشكيل البيئة السياسية، والإبقاء على سيطرة أمنية على أكثر من نصف غزة.
مضامين قرار مجلس الأمن 2803
في 17 نوفمبر 2025، اعتمد المجلس القرار 2803 الذي رحّب بالخطة الشاملة واتفاق شرم الشيخ، وأكّد ضرورة التزام الأطراف بوقف النار، ونص القرار على إنشاء مجلس السلام العالمي كهيئة انتقالية ذات شخصية قانونية دولية، تتولى إدارة غزة لفترة انتقالية (حتى نهاية 2027) قابلة للتجديد، ويُقدّم بشأن عملها تقارير نصف سنوية للمجلس.
كما نص القرار، على التزام الأطراف بتثبيت وقف إطلاق النار، والسماح باستئناف دخول المساعدات، وإنشاء كيانين تشغيليين تابعين لمجلس السلام العالمي.
الهيئة الأولى: القوة الدولية المؤقتة، ومهمتها نزع السلاح، تدمير البنى العسكرية، حماية المدنيين، وتأمين الحدود، وتدريب قوة شرطة فلسطينية جديدة. تنتشر تحت قيادة موحدة، وتعمل بالتشاور مع مصر وإسرائيل. مع بقاء طوق أمني إسرائيلي حتى “تأمين غزة بالكامل”. ومعها تنسحب القوات الإسرائيلية من القطاع.
والهيئة الثانية، اللجنة الفلسطينية التكنوقراطية، وهي تتكون من شخصيات مستقلة، دون مشاركة السلطة أو الفصائل الفلسطينية، تدير الخدمات وتسهل حركة الأفراد، ويشرف مجلس السلام عليها بجانب إعادة الإعمار، والذي سيكون مهمة البنك الدولي والمانحين الدوليين، والدول التي ستقدم مساهمات.
بذلك، اعتمد القرار رسمياً الخطة الأمريكية، وأنشأ مجلس السلام العالمي برئاسة ترامب، على أن يتولى إدارة غزة بما في ذلك قوة استقرار دولية، تنفذ مهام أمنية، منها نزع السلاح، وهو شرط للتقدم في الإعمار، والانسحاب الإسرائيلي من القطاع.
وحتى الإشارة إلى أفق سياسي للتعايش عبر حوار، ترعاه الولايات المتحدة، جاء مشروطا ومؤجلا إلى ما بعد “إنجاز إصلاحات في السلطة الفلسطينية” ونجاح الإعمار.
وتجمل الورقة، أن القرار شكّل عملياً نظام وصاية دولية على غزة، يعيد إنتاج نماذج الانتداب، ويقيد الوجود الفلسطيني الفعلي في إدارة القطاع، ويبقي الانقسام بين غزة والضفة بل يعمقه.
مواقف الأطراف الدولية والإقليمية:

تجيئ الولايات المتحدة: بوصفها صاحبة المقترح، الذي وفر غطاء دوليا لإعادة تشكيل غزة، بما يكفل أمن إسرائيل، وتقليص النفوذ الإيراني، وتثبيت قيادة واشنطن بوصفها القوة الفاعلة في الصراع، ما جعل ترحيب إسرائيل طبيعيا، فالقرار يحقق أهدافها، التي لم تحققها بالحرب، وتثبت أخرى فرضتها باحتلال القطاع.
في المقابل، رأت بعض أصوات معارضة، أن القرار يسمح بطرح حل الدولتين، وهو ما يعد مكسبا للفلسطينيين بعد السابع من أكتوبر.
بينما روسيا والصين امتنعتا عن التصويت؛ رفضاً للهيمنة الأمريكية، ولتجاهل القرار للسلطة الفلسطينية، وتحذيراً من تكريس فصل غزة عن الضفة.
وجاء موقف بعض دول الاتحاد الأوروبي بدعم القرار؛ نظرا لدوره في تثبيت وقف إطلاق النار، مع تحفظ على غياب حل الدولتين وغموض صلاحيات مجلس السلام.
وانطلاقا من رغبة في وقف الحرب، دعمت الدول العربية القرار، وأعلنت مصر ضرورة الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، والتمهيد لبداية الإعمار، وإيجاد مسار سياسي واضح، نحو حل الدولتين.
على النقيض، جاء موقف إيران وحركات المقاومة، برفض القرار كلياً، باعتباره محاولة لتصفية المقاومة ومنح غطاء دولي للهيمنة الإسرائيلية.
تقييم الفرص والمخاطر

ترى الورقة، أن القرار يمثل مفترق طرق، وبينما يجري الرهان عليه؛ من أجل تثبيت وقف إطلاق النار تحت غطاء أممي، والحد من حرية إسرائيل في شن عمليات داخل غزة، وفتح المجال لإعادة الإعمار، لكنه يحمل تهديدات تشمل شرعنة وصاية دولية على القطاع، قد تتحول إلى حالة طويلة الأمد.
وترى أنه جرى عمليا، منح غطاء أممي لتقسيم القطاع عبر “الخط الأصفر” الذي قنن سيطرة إسرائيل على 53% من غزة، مع موافقة لاستخدام القوة ضد المقاومة، بل وكل التيارات السياسة، بحيث لا يكون هناك تمثيل للفلسطينيين واقتصار النظر إليهم كسكان لا كشعب.
هذا ينال من الحق في تقرير المصير عبر تغييب الفلسطينيين عن إدارة شؤونهم، وحقهم في إقامة دولتهم المستقلة.
كما أن القرار يعد شكلا من إنتاج مشاريع الاستعمارية، قد تحول القطاع إلى “صفقة” ومشروعات اقتصادية، لا يشارك فيها أصحابها، ويسيطر على القطاع قوى رأسمالية، تستولى على القطاع تحت مسمى الإعمار والتنمية.
وتخلص الورقة، إلى أن القرار 2803 يساهم في إعادة صياغة القضية الفلسطينية ضمن رؤية أمريكية وإسرائيلية، في الوقت الذي تعلق الأطراف العربية آمالها على وقف إطلاق النار وفتح باب الإعمار، وستحاول أن توظفه كفرصة، تنهي العدوان وتعيد الإعمار، وتفتح أفقا لحل القضية الفلسطينية، لكن نجاحها مرهون بمواقف أقوى.
وينتقد التحليل غياب صيغ شاملة لوقف العدوان، ليس وحسب على غزة، ولكن مجمل الأراضي العربية، في الوقت الذي طُرحت خطة ترامب كرؤية شاملة حول السلام، بموافقة وترحيب أطراف عربية وإسلامية، بينما الاتفاق تعلق بالقطاع وحسب، ولم يأخذ في الاعتبار الأعمال العدوانية التي تشنها إسرائيل في الضفة الغربية، وهي ضمن الأراضي الفلسطينية، غير الاعتداء على سوريا ولبنان واليمن.
وتشير الورقة، أن قابلية القرار للتحقق فيما يخص الأهداف العربية منه مرتبطة بثلاثة عوامل:
طبيعة وتكوين مجلس السلام وولاءاته، وقدرة الأطراف العربية على بناء موقف موحد لإقرار الإعمار وبداية مسار سياسي، يناقش القضية الفلسطينية بشكل متكامل، والضغط على إسرائيل لوقف عدوانها.
وثالثا، وحدة المكونات الفلسطينية من قوى وطنية وتنسيقها مع الأطراف العربية، على حد أدنى من المطالب الضرورية.
وتخلص الورقة، إلى أن الصراع حول تنفيذ بنود القرار، سيستمر نتيجة عدد من العوامل:
بقاء احتلال نصف أراضي القطاع، وتوسع الهجمات الإسرائيلية، وتعطيل دخول مواد إغاثية كافية، ومستلزمات الإيواء وإزالة الركام، ما يمنع الخطوات التمهيدية للإعمار.
كما أنه من الصعب استبعاد القوى الفلسطينية من المعادلة، وفرض الوصاية على غزة، وتحويلها إلى نموذج استثماري، دون مشاركة سكانه وموافقتهم.
هذا مع سياق آخر ذي ارتباط، ضمنه بقاء مخاطر محتملة على أطراف عربية؛ نتاج استمرار النهج العدواني لإسرائيل، واستنفارها على الحدود، ومهاجمة سوريا ولبنان. وبناء حواجز إضافية مع الأردن، واعتبار منطقة رفح منطقة عسكرية وحدود أمنية لإسرائيل.
لقراءة الورقة كاملة:






