بعد أيام ستنتهي انتخابات مجلس النواب 2025. انتخابات استُدعي فيها الناخبون في الداخل والخارج سبع مرات!! بعدئذ سيتم تشكيل مجلس نواب جديد. نواكب وحسرات وكبوات، ملأت دروب المعنيين بتلك الانتخابات، وهم الإدارة والمرشحون والناخبون، والأهم من كل هؤلاء من يقف خلفهم من الأجهزة المعنية التي وقفت، تتحارب وتتقاتل؛ لينذر الأمر بمأساة كبرى، لتشكيل المجلس الجديد. مما لا شك فيه، أن تلك الانتخابات كانت هي الأهم في تاريخ مصر منذ سنوات عديدة؛ لأنها عرفت مشكلات لم يسبق لها أن شهدتها مصر في أحلك الظروف، كما أنها الأهم؛ بسبب دور مجلس النواب في انتخابات الرئاسة القادمة المقرر لها 2030. لذلك أصبح من الضروري أن يكون هناك حصاد حقيقي، يجب أن يخلص إليه كل طرف مخلص لهذا البلد، ويسعى جادا ألا تلحق بلاده ببلدان أخرى جارة، نالها من عدم الاستقرار قسطا وافرا، فراحت أقدامها تغوص في أوحال، لا زالت ماثلة أمام الأعين.
“خليهم يتسلوا” أم “فيتو”.. أيهما أنجع؟
واحد من أبرز إن لم يكن أهم بل وأوحد النتائج هو حتمية فتح المجال العام قبل فوات الآوان. لقد أنقذ الرئيس عبد الفتاح السيسي البلاد من مصير أسود بتدخله في الوقت المناسب، بعد أن شهدت إدارة العملية الانتخابية مآسي كبرى في صعيد مصر، كانت ستنتقل حتما إلى باقي محافظات المرحلة الثانية، حال سكوته عليها، ما قد يعصف باستقرار البلاد كلية. مبررات الرئيس للتدخل كانت واضحة، وهو نظره لما سبق من أحداث، تراكمت وأفضت إلى ما آلت إليه مصر في يناير2011. هنا من المهم، أن ننظر للواقع نظرة عكسية، بمعنى ماذا لو أبدل الرئيس الأسبق حسني مبارك تعليقه على أحداث انتخابات 2010 من قوله: “خليهم يتسلوا” لقول “فيتو” التي استخدمها السيسي، المؤكد أن عمر نظام مبارك كان سيمتد لسنوات أخرى، مستمدا شرعيته من إلغاء أو إصلاح أوضاع انتخابات 2010.
هل يُفعّل أعضاء البرلمان صلاحياته على الأرض؟
واحد من أهم المآخذ على عمل مجلس النواب منذ أحداث 30 يونيو 2013، هو عدم تفعيل العديد والعديد من صلاحيات البرلمان المستجدة، فالتعديل الوارد على دستور 2012 عام 2014 أسفر عن صلاحيات كثيرة لمجلس النواب، مقارنة بدستور 1971، وتلك الصلاحيات لا تستخدم اليوم على الإطلاق، انطلاقا أو اعتقادا، بأن استخدامها قد يغضب السلطة التنفيذية، هذا الأمر يزيد من حال الخلل في التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية لصالح الأولى، ولا يفضي لأي درجة من درجات التنمية السياسية المؤدية إلى رقابة السلطة التشريعية على أعمال السلطة التنفيذية. خذ على سبيل المثال، آلية استخدام الاستجواب التي رغم كونها لم تسفر عن شيء، فيما يتصل بتطورها لإسقاط الحكومة، إلا أن استخدامها يحقق درجة من الإشباع أو الرضاء للمواطن، لكونها أداة قوية، يتم من خلالها امتصاص غضب الرأي العام، لعديد المشكلات التي يئن بها الشارع المصري على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. من هنا، فمن الضروري أن يدرك نائب البرلمان وصانع القرار معا، أن السكوت على الخطأ أو كفره- أو ما يسمى بالعامية الطرمخة عليه- يشكل ضررا كبيرا، وأن المحاسبة والرقابة هي الوسيلة المثلي لإعمال البرلمان لسلطاته، ولكسب المزيد من الشعبية في الدائرة الانتخابية، وأيضا-وهذا هو الأهم- اكتساب الحكم لشرعية متصاعدة؛ كونه يستجيب لرغبات الناس.
مجال عام مقيد أفضل من مُوصد
قد يرى البعض، أن وجود مجال عام مقيد هو أفضل من مجال عام موصد. بعبارة أخرى، قد لا يطمع البعض في تحرير المشهد السياسي كلية ودون أي قيود، من خلال رؤية برلمان مؤلف ثلثيه من قوى الموالاة والثلث من المعارضة، ما يكفي لتحجيم المعارضة وعدم شرودها. بطبيعة الحال، أفضل ما يرجوه المرء، هو أن تنفتح العملية السياسية على مصراعيها، وتستوعب الجميع (عدا الإخوان المسلمين بالطبع)، أما وأن يبقى المشهد المقوض والقائم على الاستحواذ والإقصاء والهيمنة المطلقة، وعدم ترك أي هامش، فهذا الأمر من قِبل من يسعى إليه، يفضي إلى نتائج كارثية. ويعتقد أن أي مروج لهذا المشهد يجب أن ينظر مليا لليبيا عقب القذافي، وتونس عقب بن علي، واليمن عقب علي عبد الله صالح، وسوريا عقب الأسد، وكلها مشاهد مخيفة ومرعبة، أفضت إلى مشكلات وعدم استقرار؛ نتيجة أعمال هؤلاء القادة المارقين، الذين طفقوا يضيعون الفرصة تلو الأخرى بدافع الغرور، وبدافع بطانة السوء من حولهم، وهو مشهد لا يمكن أن يرضى به أي مصري عاقل لمصر، وهو ما فطن إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخرا.
برلمان يأخذ تعليماته من ذاته
يرتبط بما سبق ضرورة رفع الضغوط الممارسة على مجلس النواب، والمؤدية لشل حركته، هذه الضغوط تسفر في واقع الأمر عن وصم المجلس بكونه مجرد أداة ديكورية، تم تشكيلها لخدمة أعضاء المجلس، من خلال اكتساب الحصانة البرلمانية، ومن ثم خوض بعض هؤلاء الأعضاء في مشروعات فساد وإفساد للمجتمع والدولة على السواء، لا سيما وقد جاء الكثير منهم عبر مال انتخابي غير مشروع. لقد مرد مجلس النواب في الكثير من الأمور، على أن ينتظر موقف من هم خارجه؛ لكي يبدأ عمله، فكل الأمور تتم بالغمز واللمز، وبالتمرير وبالموافقات الضمنية، وبالمقابل منع إدارة المجلس من إظهار المواقف المفضية إلى تفعيل آليات المحاسبة، وإخراج مشروعات الأعضاء بقوانين، بدلا من كونها حبيسة الأدراج. إذا حدث ذلك، فحتما سنكون أمام مؤسسة قد أصلحت ذاتها، بعد أن أعياها مال انتخابي فاسد، شاركت فيه خمسة أحزاب على الأقل، هي مستقبل وطن، وحماة الوطن، والجبهة الوطنية، والإصلاح والتنمية، والوفد، وهي جميع الأحزاب التي رددت مواقع تواصل اجتماعي كثيرة، أنها أمعنت في بيع كوتة القائمة المطلقة المخصصة لها لرجال أعمال.
هل ستظهر مشروعات قوانين طال انتظارها؟
مشروعات قوانين الإدارة المحلية وأهم أغراضها عقد انتخابات المحليات، وقوانين تداول المعلومات لمنع الشائعات عوضا عن تغليظ رئيس الوزراء- حديث النزعة السلطوية- للعقوبات، والعدالة الانتقالية المفضية إلى بروز عقد اجتماعي جديد، ومنع ندب القضاة إلا لجهات وهيئات قضائية؛ منعا لإفسادهم من قبل السلطة التنفيذية، ووضع قانون انتخابات جديدة، بدلا من قانون القائمة المطلقة الذي دمر البرلمان وزور إرادة الناخبين وهمش صلاحيات الهيئة الوطنية للانتخابات لصالح جهات أخرى.. إلخ. كل هذه الأمور من الأهمية بمكان انتظارها، إذا كان هناك رغبة حقيقية في فتح واقعي للمجال العام، وليس مجرد وعود، تنتهك ولا تُنفذ من قبل وجوه، مردت على التسلط، كما حدث في قانون الإجراءات الجنائية الذي فشل في إصلاح وضع الحبس الاحتياطي وحقوق الدفاع، رغم أن الرئيس نفسه قد أعاده للترميم التشريعي دون جدوى، بسبب من يقف خلف الهيئة التشريعية ويدفعها دفعا لتقويض حرية الرأي والتعبير.
مشهد تغيير الدستور
مقابل ذلك يعتقد أن هناك مشهدا آخر، لا يرتبط بالمساومات أو الحلول الوسط، هذا المشهد لا يمكن إغفاله، وهو حل البرلمان بموجب استفتاء وفقا للمادة 157، لأنه من المهم أن يكون هناك برلمان جديد مشكل بصورة نزيهة، لا تمت بصلة لذلك البرلمان القائم حاليا على اللغط الذي حكم المشهد الانتخابي. يعقب ذلك تغيير الدستور وفق لجنة جديدة مشكلة من أساطين غير حزبيين، ثم انتخابات برلمانية. بالطبع سيكون هناك عشرات المواد في الدستور يتحتم تغييرها. منها شكل النظام الانتخابي، وإلغاء الكوتات الانتخابية المبتدعة بهذا الكم الهائل، وإصلاح كافة الأمور المفضية إلى سهولة الخلافة السياسية وتداول السلطة سلميا دون المساس بالاستقرار.
هكذا يبدو المشهدان أو السيناريوهان، ولا يمكن أن يكون هناك بديل أو سيناريو ثالث، لأن مصر حتما لا تكون إلا مرادفة للاستقرار والأمن، وبهما تستقر بلدان الإقليم كافة.






