استطاع الاقتصاد المصري تسجيل معدل نمو يفوق 5% خلال الربع الأول من العام المالي الحالي 2025/ 2026 بفضل نمو قطاعات الصناعة والسياحة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، لكن في الوقت ذاته لم تتسرب تلك المعدلات إلى الأوضاع المعيشية للمواطنين، ما يثير تساؤلات ملحة: لماذا لا ينعكس النمو الاقتصادي على المواطن المصري؟ ولماذا يتزايد النمو الاقتصادي مع الديون؟ وهل انعكس النمو على العمالة والتشغيل؟

مع تسجيل الاقتصاد المصري معدل نمو 5.3% في الربع الأول، تشير المؤشرات الاقتصادية الأولية للاقتصاد إلى توقعات إيجابية بشأن نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي 2025/ 2026 كله لتبلغ 5% مع وجود عوامل تراها وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية تصاعدية تدعمه في مقدمتها، استقرار الاقتصاد الكلي، واستمرار وتيرة الإصلاح الاقتصادي والهيكلي الذي يستهدف دعم الاقتصاد الحقيقي، وتعزيز الأنشطة الإنتاجية.

جاء مُعدّل النمو الـمُحقّق خلال الرُبع الأول، مدفوعًا بتوسّع قطاعات الصناعة التحويلية غير البتروليّة (14.5%)، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات (14.5%)، والسياحة (13.8%) والوساطة المالية (10.2%)

كيف حقق الاقتصاد المصري نموًا؟

جاء الأداء المتنامي لنشاط الصناعة التحويلية غير البترولية خلال الربع الأول من 25/ 2026 مدفوعًا بتوطين عدد من الصناعات، كالهواتف المحمولة بإنتاج 10 ملايين جهاز مقارنة بنحو 3.3 ملايين جهاز فقط العام الماضي، ونمو صناعة المركبات بنحو 50%، وصناعة المواد والمنتجات الكيماوية بنسبة 44%، والمشروبات بـ37%، والأثاث بـ34%، والمستحضرات الصيدلانية والكيميائية والدوائية بـ19%، والملابس الجاهزة بـ17%.

بحسب البيانات الرسمية لوزارة التخطيط، شهدت الصادرات نصف المصنعة نموًا بنسبة 34.1%، والصادرات تامة الصنع 2.4%، خاصة الملابس الجاهزة التي بلغ معدل نموها 20.6%، بينما سجل نشاط السياحة نموًا بلغ 13.8%، بعد جذب 5.1 ملايين سائح خلال الربع الأول.

حققت أنشطة الوساطة المالية، والكهرباء، والخدمات الاجتماعية (التي تشمل الصحة والتعليم)، والتشييد والبناء) معدلات نمو 10.2%، 5.4% 4.6%، 3.3% على التوالي، وهو أمر اعتبرته التقارير الحكومية دليلاً على تنوع مصادر نمو الاقتصاد المصري، بما يتوافق مع رؤية الدولة لتنويع هيكل الاقتصاد، ودفع معدلات التنمية في جميع القطاعات.

الملاحظ في الربع الأول أيضًا التحول الواضح بهيكل الاستثمار داخل الاقتصاد المصري بعد القفزة التي حققتها الاستثمارات الخاصة إلى 25.9% لتستحوذ على نحو 66% من إجمالي الاستثمارات المنفذة، وتراجع حصة الإنفاق الاستثماري العام، إلى نحو 34% من إجمالي الاستثمارات.

هل انعكس النمو على البشر؟

بعض الخبراء يرون أن النمو الاقتصادي وحده لا يجب أن يكون المعيار لأداء الحكومة الاقتصادي، فعلى سبيل المثال، كانت أفضل الحكومات من تلك الناحية حكومة أحمد نظيف التي استطاعت تسجيل معدل نمو يفوق 7% لعامين متتاليين، قبل أن يتأثر الأداء بالأزمة المالية العالمية عام 2008.

الخبير المصرفي رمزي الجرم، يقول إن التوقعات تُشير إلى تحقيق الاقتصاد المصري معدل نمو بنحو 5.2٪ في العام المالي، لكنها لم تهتم بمتوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، والذي يُقسم الدول الى نامية أو متقدمة، وفقًا لمؤشر التنمية البشرية (HDI).

وفقًا لتقرير التنمية البشرية 2025، بلغ مؤشر التنمية البشرية بمصر 0.754، لتحتل بذلك المرتبة 100 من بين 193 دولة، وهو مؤشر يقيس الصحة، والتعليم، والدخل، وكلما ارتفع الرقم، كان مستوى المعيشة أفضل، وبلغ متوسط التنمية البشرية لمصر في الفترة من 1990 حتى 2023 مستوى 0.84.

وأوضح الجرم، أن معدل نمو السكان عند حدود 2.5%، ومعدل النمو أكثر من 5% (أي يزيد على الضعف)، ومن المفترض أن ينعكس ذلك إيجابيا على متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.

تزامن تحقيق مصر أعلى معدل نمو اقتصادي فصلي في 3 سنوات، تسجيل أقل معدل نمو سكاني في تاريخ البلاد، خلال الربع الأول من عام 2025، مقارنة بالربع الأول في 2024 وكذلك 2023.

تشير البيانات، إلى أن عدد السكان في أول يناير 2023 بلغ 104.4 ملايين نسمة، وارتفع إلى 107.2 ملايين نسمة في أول يناير 2025، بما يعني أن متوسط معدل النمو السنوي خلال تلك الفترة بلغ نحو 1.34%، مقارنة بمعدل 1.4% في 2024، و1.6% في 2023، ليعكس تحولاً إيجابياً؛ نتيجة للسياسات السكانية التي تنفذها الدولة.

بحسب وزارة الصحة، فإن معدلات الزيادة السكانية، جاءت مصحوبة بتحسن ملحوظ في الخصائص السكانية، والتي تضمنت زيادة مساهمة المرأة في سوق العمل والتعليم، إلى جانب التحسن الملحوظ في المؤشرات السكانية، منها تخفيض معدلات الاحتياجات غير الملباة.

هاني توفيق، الخبير الاقتصادي، يقول إن نمو الاقتصاد بـ٥٪ ليس بالضرورة أمراً صحيًا، إذ نتج عن نمو الاستهلاك، لا الاستثمار (زيادة القروض الاستهلاكية بـ٥٧٪ والمقترضين بـ١٥٧٪ في آخر ٩ شهور، والاستثمار أهم لأنه يصاحبه تشغيل، ورفع مستوى المعيشة، وتوطين الصناعة، والتصدير، وسداد الديون.

وتابع: “لكي تنمو الدولة بمعدل يحافظ على مستوى المعيشة، يجب أن تستثمر 20ـ 25% من الناتج المحلي سنوياً، فإذا كان الادخار المحلي 10٪ فقط، فيجب استقطاب باقي الاستثمار من الخارج، أي حوالي 20 ـ 25 مليار دولار سنويًا، فالاستثمار والتشغيل، التشغيل والتشغيل”.

ارتفاع حصة المواطن من الدين

رغم معدل النمو المرتفع، يقول الدكتور سمير رضوان، وزير المالية الأسبق، إن مستويات الدين العام تجاوزت الحدود الآمنة، موضحًا أن الدين الخارجي بلغ 161.2 مليار دولار، بينما تستحوذ خدمة الدين وحدها على ما بين 45 و60% من إجمالي إيرادات الموازنة العامة.

ارتفع الدين العام “المحلي والأجنبي” على الحكومة المصرية 4.4% خلال الربع الأول من العام الحالي على أساس موسمي إلى نحو 14.686 تريليون جنيه بنهاية مارس الماضي، مقارنة بنحو 14.1 تريليون جنيه بنهاية مارس الماضي.

يرى رضوان، أن حجم الدين وصل إلى 88% أو 90% من الناتج المحلى الإجمالي، مشيرًا إلى أن هناك قاعدة تقول إن الحد الآمن للدين هو 40%، ومصر تعدت هذا الحد، لكن الأهم من ذلك هو خدمة الدين التي وصلت هذا العام لأكثر من 30 مليار دولار، تمثل نحو 53% من الصادرات المصرية أو 63% من الموارد الداخلة في موازنة الدولة، وهو العبء الذى يهم المواطن.

أشار وزير المالية الأسبق، إلى بوادر تحسن في مؤشرات كثيرة بالنسبة للاقتصاد المصري مثل زيادة الصادرات، وخاصة الصادرات الزراعية، إضافة لتحويلات العاملين بالخارج والتي بلغت مستوى غير مسبوق، وتوجد مؤشرات إيجابية يجب البناء عليها، وممكن أن نحقق طفرة، لكن يجب الانتقال من نمط التنمية الحالي المعتمد على الاقتراض الخارجي بالذات والاقتراض الداخلي أيضًا إلى نمط للتنمية يزيد من الإنتاج الحقيقي.