أثارت تصريحات الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الحكومة، حول وضع الحكومة رؤية واضحة لخفض الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى مستويات غير مسبوقة منذ نحو 50 عامًا، حالة من الجدل حول الكيفية، خاصة في ظل تصاعد فوائد الديون في الموازنة العامة للدولة وجدول السداد المزدحم للقروض.

يقول مدبولي، إن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي تراجعت من 96% قبل عامين إلى نحو 84% حاليًا، مؤكدًا أن الدولة دخلت بالفعل في المسار التنازلي للدين، ومع تراجع أسعار الفائدة ستنخفض أعباء خدمة الدين، بما يتيح مساحة أكبر للاستثمار، بقطاعات خدمية مثل الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية.

بحسب وزارة المالية، فإنها تعمل على تحسين إدارة الدين من خلال توزيع أعباء مدفوعات الفوائد على السنة المالية، بالإضافة إلى تنويع مصادر التمويل عبر تقليل الاعتماد على حساب الخزانة الموحد والالتزام بالحدود القانونية، فضلاً عن جهود خفض الاستثمارات العامة المُمولة من الخزانة بالالتزام بسقف الإنفاق الاستثماري 1.2 تريليون جنيه للعام المالي الحالي.

رفع الناتج المحلي.. السيناريو الأول

مصطفى عادل، الخبير المالي، يقول إن العودة بالدين العام لـ 50 عامًا للوراء معناها العودة لعام 1975، حينما بلغ حوالي 72.1٪ من الناتج القومي الإجمالي، وفي نهاية يونيو 2025، بلغت نسبة الدين العام لمصر (إجمالي مديونية أجهزة الموازنة) حوالي 85.6% من الناتج القومي.

أوضح أن مصر لكي تعود بمعدل الدين العام إلى الناتج القومي الذي كان في 1975، فعليها أن تسدد من صافي الديون القائمة حوالي 2.4 تريليون جنيه تقريبًا، أو تخفض حوالي 13.6٪ من الدين العام الى الناتج القومي، ووفق سعر الصرف الحالي المبلغ المطلوب حوالي 50 مليار دولار أمريكي تقريبًا، يتم دفعها من الدين الداخلي أو الخارجي.

يقول عادل، إن السيناريو الأغلب هو الوصول لنفس نسبة الدين للناتج القومي لسنة 1975 (72٪) دون سيناريو سداد ديون أو إسقاط أو مبادلة ديون بأصول، وذلك عبر رفع الناتج القومي لحوالي 20.8 تريليون جنيه مقابل 17.46 تريليون جنيه، بزيادة تقارب 3.3 تريليونات جنيه عن مستواه الحالي، أي زيادة الناتج القومي حوالي 19% مرة واحدة.

السيناريو الثاني.. نقل الديون

قبل سنوات، اقترح رجل الأعمال حسن هيكل -وجدده مؤخرا- نقل أصول الدولة إلى البنك المركزي وتصفير المديونيات بالجنيه، عبر إنشاء صندوق سيادي تابع للبنك، يضم شركات وعقارات وأراضي جميع الجهات الحكومية.

مقترح “هيكل” تضمن، أن تبيع الموازنة العامة للدولة هذه الأصول للبنك المركزي، مما يؤدي لتصفير ديونها والفوائد عليها، على أن يكون البنك مالكا لهذا الصندوق بنسبة الأغلبية مقابل نسبة للجهات التي تضع فيه شركاتها الخاصة، والاستفادة من العوائد في تمويل المشروعات التنموية وخطط الدولة.

 لكن الدكتور رمزي الجرم، الخبير المصرفي، يرفض هذه المقترحات، موضحًا أن الأموال التي يُقرضها البنك المركزي للحكومة ليست أمواله، بل أموال المودعين.

يقول الجرم، إنه لا توجد طُرق سِحرية لتَخفيض حِدة الدين العام بشقيه الداخلي والخارجي، إلا من خلال الطُرق التقليدية وغير التقليدية المعروفة بشكل حَصري، وإلا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تخلصت من ديونها الثقيلة التي تجاوزت حاجز 37 تريليون دولار، والتي كانت سببًا في تنفيذ الإغلاق الحكومي من خلال انتهاج تلك الطرق السحرية؛ خصوصًا أنها تَتميز، بأن ديونها بنفس عملتها.

وسجل الدين العام مستوى 85.6% من الناتج المحلي الإجمالي في يونيو 2025 بينها 22.3% دين خارجي، مقابل 89.4% من الناتج المحلي في يونيو 2024 بينها 27.1% دين خارجي في يونيو 2024، و95.7% في يونيو 2023 و87.2% في يونيو 2022.

ارتفاع العجز الكلي.. تحدي صعب

بلغ العجز المالي الكلي نحو %3.2 من الناتج المحلى الإجمالي خلال الفترة يوليو- أكتوبر 2026/2025 مقابل %2.6 من الناتج المحلى الإجمالي خلال الفترة ذاتها من العام المالي السابق.

ارتفع الفائض الأولي بنحو 106.6 مليار جنيه مسجلا نحو 236.8 مليار جنيه (%1.1 من الناتج المحلى الإجمالي) خلال الفترة يوليو– أكتوبر 2026/2025، مقابل نحو 130.2 مليار جنيه تعادل %0.7 من الناتج المحلي الإجمالي، خلال الفترة ذاتها من العام المالي السابق.

حققت مدفوعات الفوائد 899 مليار جنيه خلال الأربعة أشهر الأولى من العام المالي الحالي، لكن وزارة المالية أكدت، أنها ستواصل جهود تحسين إدارة الدين عبر توزيع أعباء مدفوعات الفوائد على السنة المالية، بالإضافة إلى تنويع مصادر التمويل من خلال تقليل الاعتماد على حساب الخزانة الموحد والالتزام بالحدود القانونية.

مساران معا لخفض الدين

الخبير الاقتصادي محمد فؤاد، قال إن السردية الوطنية للاقتصاد المصري تضمنت خفض نسبة الدين للناتج المحلي ستنخفض من 85% في عام 2024- 2025 إلى 81% في 2025- 2026، ثم إلى 79% في 2026- 2027، ونحو 77.5% في 2027- 2028، و75% في 2028- 2029.

أضاف فؤاد، أن ما تحدث به رئيس الوزراء المصري تضمن انخفاضا تدريجيا في الدين العام، وأي انخفاض خلاف ذلك سيعتمد على انخفاض رقم الدين أو ارتفاع رقم الناتج المحلي.

وأوضح أنه سيتم تطبيق المسارين في نفس الوقت، ولكن الانخفاض التاريخي يعني تراجع نسبة الدين من الناتج المحلي إلى نسبة من 50% إلى 60%، مضيفا أن الخيارات المطروحة لخفض الدين العام المصري تتضمن زيادة الإيرادات لتوليد فائض أولي كبير، يسهل من دفع الدين بشكل أسرع، أو عن طريق عمليات استثنائية لمبادلة الأصول، أو عملية إعفاء الديون.

أين مشكلة مصر أصلا؟

يقول هاني توفيق، الخبير المالي، إن مشكلة مصر الاقتصادية لا يمكن التعامل معها بقيود محاسبية وتبادل أصول، فأي حل لا يتضمن تحفيز الاستثمار المباشر (وليس بيع أصول)، وما يستتبعه من تشغيل وإنتاج وتصدير وحصيلة ضريبية ورفع مستوى معيشة المواطن، هو حل ساذج، وسيعود بالمديونية إلى وضعها الحالي بعد سنوات قليلة.

أضاف أن بيع الشركات أو العقارات أو الأراضي لأجانب هو مجرد نقل ملكية، وليس استثمارا أجنبيا مباشرا FDI”، فالاستثمار يبدأ مع ضخ رأسمال إضافي لبدء أو زيادة الإنتاج، والتشغيل، وخلق “قيمة مضافة”، وفي وسط مأزق عدم كفاية دخل الدولة كله لمجرد سداد فوائد القروض، دون حساب الأجور والتعليم والصحة والدعم والاستثمار.