تثير الاستحواذات العربية في بعض الشركات إثر أزمة النقد الأجنبي التي تُعاني منها المالية المصرية خلال الأشهر الماضية، الكثير من الجدل. خاصة فيما يتعلق بحجم تلك الاستثمارات وأهميتها، والضوابط الحاكمة لها.
وبحسب تحليل لحجم البيانات الصادرة عن البنك المركزي والهيئة العامة للاستثمار، فإن الاستحواذ من جانب الدول الخليجية الثلاث “الإمارات، وقطر، والسعودية” كانت انتقائية، ولم تستثمر إلا في قطاعات معينة. إذ ركزت على القطاعات التي تُصدر جزءا من إنتاجها للخارج، وبالتالي يكون من بين أرباحها المحققة جزء دولاري.
يفتح هذا الباب للتساؤل حول كيفية وإمكانية زيادة حجم الاستثمار، دون الوقوع في براثن أزمة الاستغلال من جانب بعض الكيانات الكبرى مثل الصناديق التي استثمرت بشكل كبير في مصر. فضلًا عن عدم الوقوع في أزمة تحويل أرباح الشركات الأجنبية المستثمرة للخارج. وهو الأمر الذي شكّل أزمة خلال السنوات التي أعقبت ثورة 25 يناير 2011.
حجم الاستثمارات العربية
خلال السنوات من 2016 إلى 2021، ضخت الدول الخليجية الأربع الإمارات وقطر والسعودية والكويت 11.7 مليار دولار. هذا بخلاف الودائع الخليجية في البنك المركزي، والتي تتجاوز نسبة 40% من حجم الاحتياطي الأجنبي في مصر.
ووفقًا لمراجعات لبيانات البنك المركزي، بلغ حجم استثمارات الإمارات العربية خلال تلك الفترة نحو 6.3 مليار دولار، تلتها قطر باستثمارات حوالي 1.9 مليار دولار، ثم السعودية باستثمارات 1.8 مليار دولار، وأخيرًا الكويت 1.7 مليار دولار.
تحليل لحجم الاستحواذات
يقول الدكتور صلاح الدين فهمي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر ورئيس وحدة الأبحاث العلمية بالمركز الدولي للاستشارات الاقتصادية، إن هذه الاستثمارات العربية يجب أن يكون لها ضوابط تحكمها. خاصة وأن هناك تراجعا في حجم الاستثمارات المباشرة في مصر خلال السنوات الأخيرة.
ويُضيف لـ”مصر 360″، أن مصر حصّلت من دول الخليج الثلاث “السعودية، والإمارات، والكويت” ودائع بقيمة حوالي 13 مليار دولار. وبالتالي فهذه الودائع تُمثل جزءا كبيرًا من الاحتياطي النقدي المصري.
ويُتابع فهمي، أنه في حال سحبت هذه الدول تلك الودائع، فسوف ينخفض حجم الاحتياطي النقدي كما حدث أثناء عامي 2012، و2013 إبان الفترة التي تلت ثورة 25 يناير 2011، وتراجع الاحتياطي النقدي سيكون له تأثير على تصنيف مصر الائتماني. وبالتالي قدرتها على الاقتراض من الخارج.
وبحسب البنك المركزي المصري، بلغت قيمة الودائع الخليجية 13 مليار دولار، ووفقًا لتقرير الوضع الخارجي الصادر عن البنك المركزي. ووفقًا للبنك، فإن الودائع الخليجية البالغة 13 مليار دولار تنقسم إلى 3 مليارات دولار من قطر، و5 مليارات دولار من السعودية، ومثلها من الإمارات.
وتعد تلك الودائع قصيرة الأجل، بخلاف الودائع متوسطة وطويلة الأجل بقيمة 5.3 مليار دولار للسعودية، و5.7 مليار دولار للإمارات و4 مليارات دولار للكويت.
ويلفت أستاذ الاقتصاد إلى أن تلك الودائع الخليجية تُمثل جزءا كبيرًا من الاحتياطي البالغ حاليًا نحو 33.141 مليار دولار في نهاية أغسطس/ آب الماضي، وبالتالي فالودائع تُمثل نحو 50% منها، وأهمية الاحتياطي تكمن في قدرته على توفير السلع الغذائية المستوردة من الخارج.
اقرأ أيضًا: استحواذ وليس استثمارا.. الخليج يبتلع شركات مصر الرابحة
مدخل قانوني لإدامة الاستفادة
يرى فهمي، أن الاستثمارات العربية في الشركات مهمة، كونها ستسهم في حل أزمة الضغوط المالية التي تتعرض لها مصر حاليًا بسبب نقص السيولة الدولارية وتراجع صافي الأصول الأجنبية في البنوك المصرية.
وكان صافي الأصول الأجنبية عاد للتراجع في شهر أغسطس/ آب الماضي، بعد تحسن طفيف في يوليو/ تموز السابق، ليستكمل بذلك رحلة هبوط مستمرة منذ عشرة أشهر تقريبًا، ووصل خلالها حجم ما تملكه البنوك من أصول العملة الأجنبية (ودائع، أوراق مالية، وغيرها)، مخصومًا منه التزاماتها بالنقد الأجنبي، إلى سالب 19.7 مليار دولار، بحسب بيانات البنك المركزي.
ويعني تسجيله قيمًا إيجابية امتلاك البنوك فائض نقد أجنبي يفوق التزاماتها، أما صافي الأصول الأجنبية بقيمة سالبة فيعني أن التزامات البنوك بالنقد الأجنبي تفوق ما تملكه منه. وبلغ حجم التراجع في أغسطس الماضي وحده نحو 5% مقارنة بيوليو.
ويعتقد فهمي، أن استثمارات الدول الخليجية الثلاث تتركز في قطاعات معينة تخدم أهدافها المتمثلة في كسب أكبر ربح مادي، فضلاً عن كونها ستكون جزء من التصدير الذي يوفر عملة أجنبية بدلاً من الجنيه.
وحول أزمة تحويل الشركات العربية أرباحها المُحققة من الشركات التي استحوذت على حصص فيها إلى الخارج، يقول أستاذ الاقتصاد، إنه من الممكن أن تُصدر مصر قوانين تحظر تحويل 50% من الأرباح للخارج، وبالتالي نُعيد استثمار تلك الأرباح مرة أخرى في عجلة الاقتصاد، ومنع تسرّب العملة الأجنبية إلى الخارج.
عدم تكرار أزمة 2011
في الفترة التي تلت 25 يناير 2011، شهدت مصر خروج مبالغ ضخمة من الدولار، فيما سُمي بـ”أزمة الدولار“. وهو الأمر الذي تسبب في ظهور السوق السوداء للدولار مثلما حدث الآن. وكان من بين أكبر أبواب خروج الدولار هو تحويل الشركات الأجنبية والعربية المستثمرة في مصر أرباحها إلى الخارج.
وشهدت الفترة من 2011 إلى 2016 خروج نحو 39.1 مليار دولار حولتّها الشركات الأجنبية المستثمرة في مصر للخارج. ما كان وراء أزمة تحرير سعر صرف الجنيه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016. وحاول البنك المركزي كبح جماح تحويل أرباح الشركات للخارج، بقرارات أبرزها خفض عملية سحب الدولار يوميًا من البنوك، واحتجاز بعض الأرباح.
ووفقًا لورقة نشرتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في 2016، فإنه يمكن لوم الحكومة على عدم تحفيز المستثمرين على إعادة استثمار أرباحهم داخل البلاد، أو فشل تدعيم السياحة الداخلية. كما أن إعادة الدوران السنوي لرأس المال في أكبر 10 مجموعات شركات خاصة مستثمرة في مصر بلغت 4.45% فقط من إجمالي الناتج المحلي، وهذا رقم صغير، خاصة وأن أغلب تلك الشركات غير متداولة في سوق الأوراق المالية، بحسب دراسة نشرتها كارنيجي.
اقرأ أيضًا: 22 جنيها لكل دولار.. ماذا ينتظر اقتصاد مصر حتى نهاية 2022؟
أبرز القطاعات
وفقًا لتحليل رقمي لبيانات البنك المركزي والهيئة العامة للاستثمار، خلال الفترة من يوليو/ تموز إلى مارس/ آذار من السنة المالية 2021- 2022، تركزت استثمارات الأجانب في قطاعات التصنيع بقيمة مليار و864 مليون دولار، وهذا ينبأ عن أهمية ذلك القطاع الصناعي، خاصة وأن استثمارات الدول الخليجية تركزت في قطاعات الأسمدة والغاز استغلالاً لارتفاع أسعاره عالميًا.
وكان القطاع الثاني الذي استحوذ على أكبر قيم الاستثمارات، القطاع المالي بقيمة مليار و346.9 مليون دولار، وتأتي الزيادة بسبب استحواذ الصندوق السيادي الإماراتي على حصة من بنك CIB أكبر البنوك الخاصة في مصر، فضلاً عن استحواذ بنك الإمارات على بنك بلوم اللبناني العامل في مصر.
أما القطاع الثالث الذي ارتفعت فيه حجم الاستثمارات، كان قطاع العقارات بقيمة 234.3 مليون دولار، وفي هذا القطاع تنشط دولة قطر التي ترتفع نسبة استثمارها فيه. أما قطاع المقاولات فشهد استثمارات بقيمة 171.8 مليون دولار، ثم قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بقيمة 152.3 مليون دولار، وتنشط فيه دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تتصدر الاستثمارات الإماراتية هذا القطاع، باستثمارات تبلغ 2 مليار دولار بعدد شركات حوالي 55 شركة.
فيما بلغت الاستثمارات في قطاع السياحة والزراعة، نحو 53.8 مليون، و7.2 مليون دولار على التوالي، ثم الاستثمار في قطاع الخدمات الأخرى بقيمة 626.9 مليون دولار، وفقًا لبيانات البنك المركزي.
أطر للتحفيز
من جهته، يرى خالد الشافعي، رئيس مركز العاصمة للدراسات والأبحاث، أن مصر في حاجة لمزيد من الاستثمارات العربية أو الأجنبية، وبالتالي لابد من التنوع في عملية الاستثمار وإتاحته أمام الجميع.
ويقول لمصر 360، إن الاستثمار في أي قطاع سواء نقل بحري أو في التأجير المالي والمصرفي متاح، فتلك الاستثمارات موجودة في مصر، تعمل على توظيف المئات من المصريين، لكن التعقيد والخوف من الاستثمار يُشكل عقبة أمام مصر التي تعدّ في أمس الحاجة لرأس المال الأجنبي.
ويُشير الشافعي إلى أنه يجب تسهيل عملية الاستثمار الأجنبي أمام تلك الشركات ودفعها لزيادة رأس مال الشركات التي استحوذت عليها، من أجل التوسع في أعمالها، وبالتالي زيادة حجم التوظيف، وتوفير فرص عمل، فضلاً عن رفع رأس مال الشركات سينتج عنه زيادة في الأرباح والتي تخلق زيادة في معدلات الضرائب المفروضة على الشركات، وفي النهاية كل ذلك يصب في مصلحة الخزانة العامة.
ويختم رئيس مركز العاصمة للدراسات والأبحاث، أن زيادة الاستثمار الأجنبي سواء عربي أو غيره لا يُشكّل أي أزمة، على العكس قلة أو انخفاض حجم الاستثمار هو الأزمة، لأنه كلما زادت الاستثمارات، كلما انتعشت الخزانة المصرية بالضرائب، إضافة لتوفير الكثير من فرص العمل.