ربما لا يكون قرار دول (أوبك +) للدول المنتجة للنفط بخفض الإنتاج بداية من الشهر المقبل موجها فقط إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن أو بلاده. لكن قد تكون الطريقة التي سيتم تنفيذ القرار بها والتي من المحتمل أن تكون ضارة سياسيا لكل من الرئيس والديمقراطيين من حيث التوقيت. إذ أنه من المقرر أن تدخل قرارات تخفيض الإنتاج في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، أي قبل أسبوع واحد من انتخابات التجديد النصفي للكونجرس. وتضم دول أوبك بلس الدول الأعضاء في منظمة أوبك زائد روسيا.
من ناحية أخرى، ربما يكون تخفيض ما يصل إلى مليوني برميل نفط يوميا من السوق حسب القرار، انعكاسا لاستعداد المملكة العربية السعودية لكسب عداء الرئيس الأمريكي. فالرياض ليست ساذجة فيما يتعلق بالمشهد السياسي في العاصمة واشنطن. خاصة أنه كان من الممكن إصدار (أوبك +) نفس القرار قبل عام لكن الرياض القوة الأكبر في التحالف انتظرت التوقيت المناسب أي قبل أيام من الانتخابات.
اقرأ أيضا.. حرب أوكرانيا وإنتاح أوبك والطلب الأوروبي.. أي مستقبل للنفط الروسي؟
توقعات “مستمرة ومنحرفة”
وبحسب جوناثان بانيكوف، مدير مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط التابعة لحلف شمال الأطلنطي، فإن المشكلة الأساسية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية هي ما أسماه في مقاله الجديد المنشور في موقع “The Atlantic Council” بالتوقعات “المستمرة والمنحرفة” بين البلدين. إذ يواصل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إظهار تفضيله لسياسة الانخراط العالمي القائم على المعاملات، على غرار الطريقة التي تنخرط فيها كل من الصين وروسيا بشكل عام في السياسة العالمية. لكن المشكلة بحسب “بانيكوف” هي أن هذه ليست الطريقة التقليدية التي تدير بها واشنطن سياستها الخارجية، إذ أنها تفضل دائما العلاقات الاستراتيجية طويلة الأمد.
أوبك ورغبة سعودية مغايرة
ويقول “بانيكوف” إن تفكير الولايات المتحدة في أن رحلة الرئيس بايدن إلى الشرق الأوسط التي أجراها في يوليو/تموز الماضي، كانت بغرض الحصول على أسعار نفط معقولة، لم تكن فكرة واقعية على الإطلاق. إذ كان الانخفاض في أسعار الغاز بعد رحلة الصيف مرتبطا أكثر بانخفاض أسعار السلع العالمية قبل حدوث ركود أوروبي قد يتحول إلى “عالمي” حاليا. ولم يكن ذلك الانخفاض أبدا نتيجة لاتفاق شامل بين بايدن وبن سلمان.
ويضيف “بانيكوف” أنه من المؤكد أن محمد بن سلمان يدرك جيدا السياق العالمي الأوسع لعملية صنع قرار مماثل لقرار خفض إنتاج (أوبك +). إذ يعكس القرار بقوة، رغبة المملكة في دعم موسكو بنشاط واضح في وقت يعرف فيه العالم كله تقريبا أن الولايات المتحدة تعمل في الاتجاه المعاكس تماما. إذ ترغب واشنطن بالتأكيد في تقويض قدرة روسيا على الاستمرار في الحرب الأوكرانية، بما في ذلك تقييد الأرباح المتاحة لموسكو من مبيعات النفط.
ادعاءات الرياض لتخفيض إنتاج أوبك
ويقول “بانيكوف” إنه حتما ستدعي الرياض أن تخفيض إنتاج النفط العالمي في مصلحة اقتصاد المملكة، وقد يكون ذلك صحيحا بالفعل. لكن على المدى القصير، قد ينذر القرار بالدخول في حالة ركود عالمي يلوح فعلا في الأفق. خاصة إذا تطلب الأمر مزيدا من خفض إمدادات النفط والمخاطرة بدفع أسعار النفط إلى مزيد من الانخفاض. لكن على المدى الطويل، ومع تسارع تحولات الطاقة العالمية بعيدا عن الوقود الأحفوري، تعتقد الرياض أنه لم يتبق أمامها سوى سنوات عديدة من ارتفاع أسعار النفط لتحصيل إيرادات لازمة لإصلاح اقتصادها.
ولكن حتى لو كان هذا هو تفكير الرياض، فإن سلوكها يشير إلى أنه ليس لديها ما تخسره على الأمن القومي من خلال التحالف مع روسيا في هذا الوقت بالتحديد. صحيح أنه إذا اتخذت الولايات المتحدة قرارا متسرعا وغير حكيم بسحب مظلتها الأمنية على الفور من المملكة، فإن واشنطن تكون خاطرت برؤية بكين تسد هذه الفجوة في إحدى بقاع العالم المهمة. لكن من ناحية أخرى، طالما كانت بكين مترددة في لعب دور الضامن الأمني، كما أنها لا تستطيع سد الفجوة تماما التي ستنشأ في حالة مغادرة الولايات المتحدة المنطقة- خاصة بالنسبة للدفاع الصاروخي، وهو مجال لا تزال بكين تطور فيه قدراتها.
فراغ أمني في الخليج
ولهذه الغاية، فإن السؤال الأكبر الآن هو هل ستحاول دول الاتحاد الأوروبي القفز لسد فجوة الآلة العسكرية الأمريكية في حالة الانسحاب الأمني من الخليج؟ تماما كما توصلت شركة داسو للطيران، الشركة الفرنسية لتصنيع طائرات “رافال”، إلى اتفاق مع الإمارات العربية المتحدة لبيع طائراتها قريبا. بعد أن ألغت أبو ظبي صفقة شراء طائرة “F-35” الأمريكية الصنع. إذا كان الأمر كذلك، فسيقوّض الأمر نفوذ الولايات المتحدة لإعادة تحديد ملامح علاقتها مع السعودية. لكن إذا لم يكن الأمر كذلك، فسيتعين على واشنطن أن تقرر ما إذا كانت ستحاول إجبار الرياض على إعادة التواصل مع واشنطن بطريقة استراتيجية أو قبول علاقة تعامل أكبر.
كما أن الرياض قد تعتقد بصدق أن القضايا الاقتصادية المرتبطة بأسعار النفط تختلف عن المتطلبات الأمنية التي تعتمد من أجلها على الولايات المتحدة. لكن بالنسبة لواشنطن، فإن الأمن الاقتصادي هو جوهر الأمن القومي. إذا وتحقيقا لهذه الغاية، يجب على بن سلمان أن يكون حذرا. هناك حدود لمقدار ما ستقبله إدارة بايدن من دولة من المفترض أن تكون حليفا مهما – حتى في التعاملات.
ازدراء بايدن
وخلال الأيام السابقة لاجتماع دول المنظمة في فيينا يوم 5 أكتوبر/تشرين الأول أجرت وزارتا الخارجية والطاقة الأمريكيتان اتصالات مكثفة مع مسئولين، في الدول الصديقة لواشنطن الأعضاء في منظمة “أوبك” لحثهم على التصويت ضد خفض إنتاج النفط، إلا أن اجتماع فيينا جاء عكس تمنيات حكومة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
واعتبر القرار ازدراء للرئيس بايدن، الذي زار المملكة العربية السعودية في يوليو/تموز الماضي في محاولة لإقناعها بضخ المزيد من النفط في الأسواق العالمية. وبالفعل وجدت مناشدة بايدن آنذاك تجاوبا من المسئولين السعوديين. كما أعلنت الرياض حينها زيادة الإنتاج وإن كان حجمها أقل بكثير مما طلبته الولايات المتحدة.
يأتي قرار خفض الإنتاج في توقيت حرج بالنسبة لإدارة الرئيس بايدن قبل شهر تقريبا من موعد إجراء انتخابات التجديد النصفي للكونجرس. وثمة خطر في أن هذا الخفض الذي سيدخل سريان المفعول في الأول من نوفمبر من شأنه أن يتسبب في ارتفاع أسعار البنزين والغاز. وإذا حدث وارتفعت الأسعار في أمريكا فإن ذلك سيكون بمثابة كارثة سياسية كاملة الأركان على إدارة الرئيس الديمقراطي بايدن. إذ سيستغلها خصومه الجمهوريون كإثبات على فشل سياساته الاقتصادية، ومن ثم التأثير على توجهات الناخب الأمريكي يوم الاقتراع.