كادت مصر أن تحقق الاكتفاء الذاتي من الدواجن في عام 2006، لكن تفشي وباء انفلونزا الطيور وقتها سبب آثارا سلبية على القطاع، وتراجعت الاستثمارات وحجم الإنتاج به لتستمر مصر في الاستيراد لمدة 13 سنة أخري، حتى نجح قطاع الدواجن في التعافي واستعادة معدلات الإنتاج السابقة لتحقق مصر الاكتفاء الذاتي من الدواجن هذا العام 2020.
إنتاج واستهلاك مصر من الدواجن
وزير الزراعة واستصلاح الأراضي “السيد القصير” أعلن في إبريل الماضي أن حجم إنتاج الدواجن في مصر بلغ 1.4 مليار طائر بمتوسط 4 مليون طائر يوميا، بالإضافة إلى 14 مليار بيضة سنويا، وإن حجم الاستثمارات في قطاع الدواجن يبلغ 90 مليار جنيها، ويعمل بها 2.5 مليون عامل، مما يجعله أحد أكبر قطاعات التشغيل في الاقتصاد المصري.
هذه الأرقام حسب “عبد العزيز السيد” رئيس شعبة الثروة الداجنة باتحاد الغرف التجارية تصل بنصيب الفرد إلى أكثر من 15 كيلوجرام سنويا، وهو معدل مناسب وبإضافة الطيور الأخرى مثل البط والحمام والسمان يصل نصيب الفرد سنويا إلى 22 كيلوجرام، بالإضافة إلى 140 بيضة سنويا للفرد.
وكانت أسعار الدواجن قد انخفضت خلال العام الماضي لتبلغ في المتوسط 19 جنيه للكيلو مقارنة بـ 22 جنيه للكيلو في المتوسط خلال عام 2018 بنسبة انخفاض تقدر بـ 15%، حسب ما أعلنه رئيس الاتحاد العام لمنتجي الدواجن الدكتور نبيل درويش.
كيف حق قطاع الدواجن الاكتفاء الذاتي لمصر
للوصول للاكتفاء الذاتي واستعادة عافية قطاع الدواجن بعد كارثة انفلونزا الطيور عام 2006، شجعت وزارة الزراعة الاستثمارات في القطاع من خلال تشهيل إجراءات تأسيس وترخيص مزارع الدواجن، بدأتها بمنظومة الشباك الواحد لمنح التراخيص الفورية، مع تطوير البنية التحتية للمجازر وتوفير الرعاية البيطرية المتخصصة للحفاظ علي الثروة الداجنة من الأمراض والأوبئة، وخصصت مساحات من الأراضي في 20 منطقة خارج وادي النيل بمسافة كيلومتر علي الأقل عن أقرب تجمع سكني لإنشاء مزارع الدواجن والمجازر وإنتاج الأعلاف التي تشكل وحدها أكثر من 70% من مستلزمات الصناعة.
نائب وزير الزراعة للثروة الحيوانية والداجنة دكتورة “مني محرز” اعتبرت أن النجاح في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الدواجن يعود إلى القرارات التي أصدرتها الوزارة لتنظيم الصناعة وتطوير معايير الأمان والوقاية في المزارع، مع تطبيق النظم الحديثة في التربية والرعاية، والتي تماثل المعايير العالمية في هذا المجال، وهو ما ساهم في تقليص معدلات النفوق والحفاظ علي الثروة الداجنة من الأمراض.
تحويل عنابر تربية الدواجن إلى النظام المغلق ساعد علي رفع عدد دورات التربية في العام الواحد، مع تقليل الخسائر الناتجة عن الأمراض والأوبئة، وكان نظام التربية المفتوح يحقق خسائر تصل إلى 30% تقلصت في ظل النظام المغلق إلى 5% فقط.
انعكست تلك الإجراءات على صناعة الدواجن وخلال عام 2019 بلغ الإنتاج 1.3 مليار طائر و13 مليون بيضة، ومع اقتراب بشائر تحقيق الاكتفاء الذاتي وللحفاظ على معدلات نمو القطاع أصدرت الدولة قرارها بحظر استيراد منتجات الدواجن سواء الكاملة منها او المصنعة في شكل أجزاء، لتوجيه استهلاك السوق نحو المنتج المحلي.
كما ساهمت الدولة بمشروع نموذجي على مساحة 2000 فدان في محافظة قنا، بإنشاء مزرعة هي الأكبر في مصر باستثمارات 572 مليون جنيه، وإنتاجية تبلع 12 مليون دجاجة سنويا، والمجمع المتكامل يشمل محطة انتاج أمهات ومزارع لتسمين الدجاج ومجزر إلي، بالإضافة إلى محطة لتوليد الكهرباء والسماد من الوقود الحيوي الناتج من مخلفات الدواجن.
من يتحكم في سعر الدواجن في مصر
يحظى قطاع الدواجن في مصر بإقبال كبير من الاستثمارات العربية، حيث تساهم عدد من الشركات الكبرى التي يملكها رأس المال العربي علي الصناعة، منها شركة الوادي التي يملكها المستثمر ورجل الأعمال اللبناني “توني فريج”، والشركة الوطنية الدولية، والتي يملكها رجل الأعمال السعودي المعروف “سليمان الراجحي”، وشركة القاهرة للدواجن التي تكتلك العلامة التجارية “كوكي” ويملكها رجل أعمال كويتي، والشركة العربية للدواجن يملكها المستثمر السعودي الشهير “صالح كامل”.
وتتحكم تلك الشركات ومعها عدد من شركات رجال الأعمال المصرية في حصة كبيرة من الإنتاج تجعلها قادرة على التحكم في سعر السوق وتحديد سعر البيع اليومي، والذي يتحدد يوميا وفقا لحجم الإنتاج المطروح وحجم الطلب في السوق المحلي.
كيف واجهت الدولة مشكلة الأسعار في 2016؟
شهد عام 2016 أزمة في سوق الدواجن حيث ارتفعت الأسعار بدرجة كبيرة حتى تجاوزت 30 جنيه للكيلو، رغم أن الفجوة بين الإنتاج وحجم الطلب في السوق لم تتجاوز وقتها الـ 50 ألف طن فقط، سارعت الحكومة لرفع الجمارك عن الدواجن المستوردة، وهو ما دفع بمنتجي الدواجن لمهاجمة إقرار واعتباره تهديد للصناعة المحلية، وبعد اجتماعات مع الاتحاد العام للمنتجين، وتعهدهم بتوريد الكميات التي يحتاجها السوق إلي الدولة بسعر مناسب، وألغي رئيس الوزراء قراره السابق واعاض فرض رسوم 30% على الدواجن المستوردة.
لكن المنتجين لم يوردوا الكميات المطلوبة بحجة زيادة تكلفة الإنتاج بعد تحرير سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، وبدأت الأسعار في الزيادة مجددا عام 2017، وتدخلت الحكومة من جديد بالإعلان عن البدء في استيراد الدواجن لتغطية احتياجات السوق المحلي، وبالفعل وصلت شحنة بـ 250 ألف طن من الدواجن المجمدة إلى الأسواق، وتراجعت الأسعار من 30 إلى 17 جنيها فقط للكيلو، حتى ثارت بعض الشكوك حول صلاحية الدواجن المجمدة للاستهلاك الآدمي.
تراجع المنتجين عن المبالغة في الأسعار، وحدث توازن في الأسعار، والتي بلغت في المتوسط 22 جنيها للكيلو عام 2018 وتراجع من جديد ليصل في المتوسط إلي 19 جنيه للكيلو عام 2019، وهو ما جعل الحكومة تصدر قرارها بحظر استيراد الدواجن ومنتجاتها للحفاظ علي معدل النمو القائم وتشجيع المنتجين علي تطوير انتاجهم والحفاظ علي الصناعة المحلية.
نجحت إدارة الحكومة للملف ليس فقط في الحفاظ على توازن الأسعار، بل ودفع القطاع للنمو حتى تحقق الاكتفاء الذاتي الكامل هذا العام، وأصبح قطاع الدواجن في مصر يتطلع إلى التوسيع الأسواق بالتصدير إلي دول العالم.