جولة وساطة جديدة بشأن المصالحة الداخلية الفلسطينية تستعد لها دولة الجزائر بعد جولتين سابقتين مطلع العام الجاري لم يكتب لهما النجاح.
ففي يناير من العام الجاري استقبلت الجزائر أولى جولات الوساطة بين الفصائل الفلسطينية. وذلك في أعقاب دعوة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في ديسمبر/كانون الأول 2021 لتنظيم مؤتمر يهدف لإنهاء الانقسام المستمر منذ عام 2007.
وفي فبراير/شباط الماضي أعادت الجزائر المحاولة بجولة ثانية من اللقاءات في أعقاب فشل الأولى. وذلك بسبب الخلافات التي فجرتها اجتماعات المجلس المركزي لمنظمة التحرير. بعدما قاطعت “حماس” و”الجهاد الإسلامي” و”الجبهة الشعبية” وفصائل أخرى اجتماعات “المركزي”. مبررة ذلك بأن الدعوة للاجتماع تمت “دون توافق وطني”. وأنه “استمرار لسياسة التفرد واختطاف المنظمة”.
الجولة الجديدة التي تعد بمثابة الفرصة الأخيرة قبيل انعقاد القمة العربية التي تستضيفها الجزائر في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل تأتي وسط تحديات وتساؤلات كثيرة بشأن فرص النجاح. والجديد الذي يمكن للجزائر أن تقدمه يجعلها تنجح فيما عجزت عنه المحاولات واتفاقيات المصالحة السابقة. والتي كان آخرها اتفاق القاهرة الموقع عام 2017.
وتسعى الجزائر للذهاب إلى القمة العربية القادمة على أراضيها. وقد نجحت في إنهاء الخلاف الفلسطيني الداخلي أو على الأقل توصلت إلى خارطة طريق تنهي الانقسام.
خلاف بشأن قاعدة الانطلاق
تشير التقارير الواردة من الجزائر إلى أنه لن تكون هناك اتفاقية جديدة للمصالحة. على غرار تلك التي وقعت في مصر عام 2017. وأن التحركات تتمثل في خطة لتطبيق اتفاقيات وتفاهمات المصالحة السابقة. وهو ما أكده مسئولون في الفريق الجزائري المعني بإدارة ملف المصالحة الفلسطينية لوفود حركتي حماس وفتح خلال اللقاءات الاستكشافية. بالإشارة إلى أن خطة الحل سترتكز على ما سبق من توافقات حصلت في القاهرة وغزة وإسطنبول. وإلى المستجدات التي طرأت مؤخرا خاصة بعد إلغاء الانتخابات الفلسطينية التي كانت مقررة العام الماضي. والتي فتح تأجيلها أبواب الخلافات بين فتح وحماس على مصراعيها.
من جانبه يقول نائب رئيس البرلمان الجزائري يوسف عجيسة إن خطة بلاده تتمثل في إعادة المؤسسات في غزة لشرعية السلطة الفلسطينية وإتمام الانتخابات. وإعادة ترتيب البيت الداخلي بما يشمل المجلس الوطني ومنظمة التحرير وإيجاد مجلس تشريعي وطني منتخب.
في مقابل ذلك يرى أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح -جبريل الرجوب- صعوبة التوصل إلى رؤية عملية تنهي الانقسام بين حركته وحماس وتعيد وحدة الجغرافيا بين الضفة الغربية وغزة مجددا.
يقول “الرجوب” إن “هناك مشكلة حقيقية في النظام السياسي لكل من الحركتين. وكذلك توجد مشكلة في فهم معنى الشراكة الوطنية عند الحزبين. لذلك من الصعب التوصل إلى رؤية عملية تنهي الانقسام بين الفصيلين وتوحد الجغرافيا”. مشيرا إلى أنه “لا يوجد أساس حتى اللحظة يشجع على إمكانية نجاح حوارات الجزائر وإتمام المصالحة عند حركتي فتح وحماس على حد سواء. والتواصل إلى هذه النقطة صعب جدا بين الطرفين رغم جميع الضغوط العربية”.
ويذهب “الرجوب” إلى سبب آخر لصعوبة وصول المحاولات الجارية في الجزائر إلى أهدافها قائلا إن “أعضاء الوفود المشاركة في حماس وفتح لا تمتلك تفويضا كاملا لإنجاز المصالحة”.
بالإضافة إلى ذلك يؤكد أمين سر حركة فتح أن “قرار المصالحة لم يعد بيد الفصائل الفلسطينية. وباتت جهات إقليمية تعمل على الضغط لوقف المصالحة”.
وأشار “الرجوب” إلى أن الخطوة الصحيحة للمصالحة تتمثل في الاتفاق الفلسطيني على مجموعة قضايا من شأنها التأسيس لفهم واضح للشراكة الوطنية. وكذلك تحديد المشكلة بين “حماس” و”فتح” التي تبدو اليوم لها علاقة بالنظام السياسي.
بين فتح وحماس.. مطالب صعبة التحقيق في الجزائر
بحسب القيادي البارز في حركة حماس -صلاح البردويل- فإن الخارجية الجزائرية قدمت ورقة تمهيدية للفصائل وصفها بأنها “أرضية تتضمن القواسم المشتركة لاستئناف حوار من شأنه أن يقود إلى بيان ختامي يدعم خيار الوحدة وإنهاء الانقسام”. موضحا أن برنامج الحوار كما بلغهم سيكون أولا في شكل اجتماعات ثنائية بين الفصائل والخارجية الجزائرية. على أن يتم في الختام لقاء جامع بحضور الخارجية الجزائرية يتم فيه التوافق على بيان ختامي يتضمن المتفق عليه بين الفصائل.
واشتملت الورقة المقدمة من وفد حماس للمسؤولين في الجزائر خلال اللقاءات الاستكشافية على ضرورة تحقيق مجموعة تعديلات على النظام السياسي الفلسطيني. بحيث يقوم على مبدأ المشاركة. واعتماد برنامج سياسي موحد لكل الفلسطينيين يقر جميع أنواع المقاومة. وبناء المؤسسات الفلسطينية على أسس وطنية بعيدا عن الحزبية. وجدول زمني لإنهاء الانقسام وآخر للانتخابات.
في حين شملت ورقة فتح تشكيل حكومة توافق وطني تقبل ببرنامج منظمة التحرير السياسي. وتلقى قبولا دوليا. وأن تشكل الحكومة قبل الانتخابات وأن تكون هناك ضمانة لأن تشمل الانتخابات حال عقدها مدينة القدس. إضافة إلى موافقة “حماس” على شروط الرباعية الدولية بما فيها الاعتراف المتبادل في إسرائيل.
حوار وطني فلسطيني ثم تأجيل
منتصف العام الماضي كان مقررا أن ينطلق حوار وطني بين الفصائل في القاهرة. قبل أن تعلن مصر تأجيله إلى أجل غير مسمى بسبب خلافات في الرؤى بين “فتح” و”حماس”.
ففيما تتمسك “حماس” بتصدّر ملف إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية وإعادة هيكلة مؤسساتها. ترفض فتح إعادة تشكيل المنظمة.
وترفض حماس الدخول لمنظمة التحرير بشكلها الحالي. وتقول إنها بحاجة إلى “عملية إصلاح”. حيث تُطالب الحركة بإصلاح المنظمة على أساس سياسي ومؤسسي وديمقراطي.
كما ترفض الاعتراف بالاتفاقيات التي وقعتها المنظمة مع إسرائيل. خاصة اتفاق أوسلو عام 1993.
وتشدد حماس على أن تمثيل الفصائل داخل المنظمة يجب أن يتم على أساس “الانتخابات” داخل وخارج فلسطين. بينما تؤكد فتح أن أي فصيل عليه الاعتراف بلوائح وقرارات المنظمة بما فيها الاتفاقيات الموقعة سواء مع إسرائيل أو غيرها.
أهداف الجزائر من دخول كهف المصالحة الفلسطينية
ثمة مخاوف تجعل الأطراف الفلسطينية المشاركة في جولات الحوار بالجزائر حذرة في التعاطي معها. في ظل إدراكهم أهدافا غير معلنة من جانب المسئولين الجزائريين. متعلقة بأجندات مرتبطة بصراعات داخلية وخارجية في البلد الساعي للعودة بقوة إلى ساحة أزمات الإقليم. حيث يخشى ممثلو الفصائل تحولهم إلى ورقة لعب في أيدي طرف إقليمي جديد.
هذه المخاوف جعلت قطاعا كبيرا من الفلسطينيين من جهة والمراقبين من جهة أخرى لا ينظرون بحماس إلى مسعى الجزائر لاعتبارات. من بينها أن الجزائر بعيدة كليا عن الملف الفلسطيني ولا تمتلك أيّ تأثير مباشر في المشهد هناك سياسيا أو ماليا. قياسا بدول مثل السعودية أو قطر أو مصر وكذلك تركيا.
وفود الفصائل المتوجهة إلى الجزائر -خاصة في هذا التوقيت الذي سيسبق انعقاد القمة العربية- ستعمل على تجنب إبداء أي مواقف من شأنها إثارة استياء أطراف عربية وإقليمية. لذلك ربما يقتصر حضورهم على سماع ما يقوله الجزائريون إن كانوا سيقدمون مبادرة أم أن الأمر مجرد خطاب عام هدفه إظهار الجزائر في صورة الطرف المهتم بالملف الفلسطيني لأجندات خاصة بها داخلية أو إقليمية. خاصة أن التحركات الجزائرية تأتي في وقت تشهد فيه العلاقات بين مصر والجزائر تقاطعا للملفات ذات الاهتمام المشترك. ويرى فريق فلسطيني أن الجزائر تسعى لإضافة قضيتهم لأوراق اللعب المتاحة في أيديها.
في الخلاصة يمكن القول إن إقدام الجزائر على هذه المحاولة في ظل عدم وجود تغير جوهري في مواقف الأطراف الفلسطينية يشي بهدف آخر بخلاف المعلن. بشأن توحيد البيت الفلسطيني أو حتى فرض مزيد من الأهمية والقيمة للقمة العربية التي ستنعقد على أراضيها.
وكون أن المعطيات السابقة بشأن عقبات تحقيق المصالحة لا تزال ماثلة فإن ذلك يعني أن النتائج لن تختلف عن سابقاتها. وأن هذه الجولة التي تنظمها الجزائر لن تخرج عن سياق الجولات السابقة. أضف إلى ذلك أن الفصائل وقادتها بات لديهم من الذكاء ما يمنعهم من التوصل إلى هكذا اتفاق بعيدا عن رعاتهم وحلفائهم الإقليميين. الذين يملكون التأثير السياسي الحقيقي في هذا الملف مثل مصر أو المالي مثل قطر والسعودية.