بمجرد أن تطأ قدمك أرض النوبة بجنوب مصر، تلمع عيناك بألوان المنازل الخلابة، جميع المباني والطرقات هي لوحات فنية ثابتة، حرص أهلها على نظافتها وتزينها طيلة حياتهم، فهو طراز يميزهم دون غيرهم، من حيث جمال المكان، هذا بخلاف جمال طباع أهل المكان اللذين تقرأ في وجوههم طيبة مفرطة، فهم أكثر الشعوب بساطة وكرم وترحاب بضيوفهم، في الوقت ذاته، هم متمسكون بسماتهم وعاداتهم وتقاليدهم، ويفخرون بلغتهم النوبية، وهي في الأساس لغة نيلية صحراوية، يتحدث بها سكان جنوب مصر وشمال السودان، ويبلغ عدد الناطقين بها نحو مليون نسمة، بلهجات مختلفة، كما تضم منطقة النوبة 38 قرية، تقع جميعها على إحدى ضفاف النيل وهو ما يزيد جمالها وطبيعتها الخلابة.
عميد الأسرة
رغم أن أهل النوبة مثل غيرهم من البشر من حيث الانفعالات والغضب تجاه بعض الأمور، إلا أنهم يحترموا قواعدهم جداً، فعلى سبيل المثال تعد جريمة القتل في بلاد النوبة من الأمور المستبعد حدوثها إلا إذا حدث القتل بدافع الحفاظ على الأرض أو العرض، وما دون ذلك يتم معاقبة القاتل بنفيه نهائياً خارج بلاد النوبة، دون عائلته، ولذا تندر جدا حالات القتل بين النوبيين بشكل كبير، لأن خروج الفرد من القبيلة دون أهله تعني تشرد كبير لمستقبله.
جدير بالذكر أنه عندما تنشأ خلافات بين القبائل فيما بينها في النوبة يتم الاحتكام إلى كبير القبيلة، ولا يتم الاستعانة بأي طرف خارجي مهما كان الأمر، فيوجد داخل كل أسرة شيخ كبير يسمى، (عميد الأسرة) هو المسؤول عن حل الخلافات الأسرية، وحل مشاكل كل أسرة مع الأسر الأخرى، دون كلل أو ملل، فهي بالنسبة له وظيفة لتكريمه بعد وصوله لسن متقدم بشرط تمتعه بالحكمة في آرائه والخبرة في التعامل في المواقف المختلفة.
أما النساء فيمكن القول بأنهن أمهات فنانات مكافحات يقولها “أنس جمعة” وهو أحد شباب النوبة يوضح أن مهام النساء في النوبة عديدة، فهن المسؤولات عن المنازل، وجميعهن يعملن في الغزل والمنسوجات، وحياكة سعف النخيل، كما أنهن المسؤولات عن فرن الدوكة، أحد أهم معالم التراث النوبي القديم، وهو فرن يتم صنعه من طمي نهر النيل، وتحرق في النار حتى تصبح صلبة، وتوضع في الشمس لفترة، وتدهن بالعسل والخروع، كما انه يُكل إلى النساء مهمة تعليم الأبناء ويحرص أهل النوبة على تعليم الأبناء لدرجة كبيرة.
الزواج والطلاق
أحد أبرز التقاليد في المجتمع النوبي أنه لابد أن يتم زواج الفتاة النوبية من رجل نوبي، ولا تتم الموافقة على زواجها بغير النوبي نهائياً، مهما كان الأمر، أما الرجل فله الحق في الزواج بأي امرأة ومن أي مجتمع، كما أنه من المتعارف عليه أن تستمر الاحتفالات النوبية بالزواج من 15 يومًا إلى شهر، مع الحفاظ على العادة الأهم في الزواج النوبي وهو زواج الفتاة داخل منزل والدها، لمدة عام بحد أدنى، لكي تتعلم إدارة أسرتها الجديدة تحت إشراف والدتها، وفي يوم العُرس يرتدي الزوج جلباب نوبي أبيض في ليلة الحناء، بينما ترتدي العروس الساري الجميل، وتستمر الاحتفالات أيام طويلة لا تخلو من الرقص أمام أبواب منزل العروس وفي الساحات. وعلى عكس الطلاق تماماً الذي يحدث على نطاق ضيق، فالنوبيين يحترمون الحياة الزوجية ويقدسوها، ويبغضون الطلاق قدر المستطاع.
اللغة والثقافة
السمة الأساسية التي لا يتهاون النوبيين في التمسك بها هي الحفاظ على لغتهم، فرغم إتقانهم للغة العربية والإنجليزية، واتقان بعض القرى للفرنسية، إلا أن اللغة النوبية تشكل مكانة تاريخية وتراثية عظيمة لأهل النوبة، وطالبوا كثيراً بتعليمها وإقرارها لجميع المقررات الدراسية ولايزال الأمر قيد الدراسة، هذا بخلاف اهتمامهم البالغ بالثقافة والتراث النوبي، وإبرام حلقات القراءة والصالونات الثقافية التي تقام على النهج النوبي من حيث الشكل، يحرص جميع رجال العائلات على حضورها لمناقشة أمور تتعلق بالثقافات المختلفة ومناقشة أحوال النوبة كافة .