رغم أن الاحتجاجات الجماهيرية ليست غريبة على شوارع العاصمة الإيرانية طهران. لكن المظاهرات التي اندلعت بعد مقتل الشابة مهسا أميني، التي تبلغ من العمر 22 عامًا بعد احتجازها من قبل “شرطة الأخلاق”. تشير إلى نقطة تحول غير مسبوقة في تاريخ الصدام مع نظام آيات الله.

هذه المرة، أظهرت النساء الإيرانيات شجاعة غير عادية، واستعدادًا لمقاومة قوات الأمن في المدارس والشوارع، وفي كل ركن آخر من المجال العام. وقفن بشجاعة في التقاطعات، وسرن في الشوارع الرئيسية، وقمن باحتلال الساحات، واندفعن في هتافات في تجمعات المدارس، وخلعن الحجاب في تحد لقيود الدولة.

من الاحتجاجات التي اعقبت مقتل الفتاة مهسا أميني في طهران

يحلل محمد آيات الله طبر، أستاذ الشؤون الدولية في كلية بوش بجامعة تكساس بالولايات المتحدة، التطورات الجديدة في حركات وطرق الاحتجاج الإيرانية. والتي أظهرت أن المقاومة العنيفة في وجه القمع والاعتقالات الوحشية، تنذر ببدء الاحتجاجات المطولة في جميع أنحاء البلاد.

يقول: في الواقع، تغير حجاب كل امرأة. وأصبح سلاحًا رمزيًا ضد النظام، وسببًا موحدًا يربط جميع شرائح المجتمع، وأداة لحشد الدعم العالمي. فالاحتجاجات التي تجتاح إيران ليست مجرد تظاهرات ضد ارتداء الحجاب الإجباري، ولكنها ضد نظام يبدو أنه بدد آمال الإصلاح.

اقرأ أيضا: ضعف الاقتصاد الإيراني يقوي الاحتجاجات التي أشعلها الحجاب

ويؤكد طبر أن من المفارقات “أن غطرسة الجمهورية الإسلامية ربما أضعفت قدرتها على المناورة في مواجهة المعارضة. حيث تتماشى الحكومة المحافظة، بقيادة الرئيس إبراهيم رئيسي، بشكل وثيق مع المؤسسة الدينية، تحت قيادة المرشد الأعلى للبلاد، آية الله علي خامنئي، لدرجة أن العديد من الإيرانيين يعتقدون أنهم قد استنفدوا جميع الطرق لتحقيق التغيير.

تماسك المتشددين

لعقود من الزمان، تمكن النظام الإيراني من إدارة حالة الاستياء الجماهيري من خلال الانتخابات التي وعد عبرها بالإصلاح. فمنذ صعود الدولة الإسلامية في عام 1979، تم تحديد السياسة الإيرانية بين الحكومة المنتخبة في ظل الرئيس، والدولة الموازية والمؤسسات المرتبطة بها، تحت قيادة المرشد الأعلى.

يوضح طبر أن الانتخابات في كثير من الأحيان تؤدي إلى الاضطرابات في المجتمع الإيراني. مما يؤدي إلى رئاسات الإصلاحيين، مثل محمد خاتمي في عام 1997، وحسن روحاني في عام 2013. مع ترك الدولة الموازية ودورها المهيمن على المجتمع كما هي.

وأكمل حديثه: لكن الانتخابات الرئاسية الأخيرة أسفرت عن نوع مختلف من النتائج بانتخاب رئيسي، وهو متشدد. حيث أصبح رئيسًا في أغسطس/ آب 2021، بعد أن استبعد مجلس صيانة الدستور الإيراني معظم المرشحين، بما في ذلك العديد من كبار المسئولين المحافظين، قبل انتخابات يونيو/ حزيران.

يشير إلى أن هذه التحركات كانت علامة واضحة على أن خامنئي -83 عامًا- والحرس الثوري (IRGC)، يهدفان إلى وضع الدولة بأكملها تحت سيطرة جيل أصغر من المحافظين المتطرفين، في الوقت الذي تستعد فيه البلاد للانتقال إلى زعيم أعلى جديد.

يضيف: نتيجة لذلك، أصبحت الجمهورية الإسلامية أكثر تماسكًا من أي وقت مضى. مع تطهير الإصلاحيين المخضرمين والبرجماتيين والمحافظين الأكثر اعتدالًا، من خلال سلسلة من الانتخابات التي هندستها الدولة الموازية، لتحقيق النتيجة المرجوة.

أيضا، تشجّع المحافظون المتشددون بسبب مرونة إيران في مواجهة حملة “الضغط الأقصى” لإدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. والنجاح النسبي للميليشيات المدعومة من طهران في العراق ولبنان وسوريا واليمن في السنوات الأخيرة. وقد أدى قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني في عام 2018، والفشل الإيراني اللاحق في تحسين العلاقات مع العالم الخارجي، إلى تعزيز الجماعات التي يقودها الحرس الثوري الإيراني في الاستيلاء على البرلمان في عام 2020. ثم تولي الرئاسة في انتخابات العام الماضي.

يقول طبر: لقد نجحوا في هذا العمل، على الرغم من الاستياء الشعبي من القضايا الاقتصادية والبيئية والعمالية، التي أثارت الاحتجاجات في السنوات القليلة الماضية.

العكس حدث

قبل توليه منصبه، وعد الرئيس الإيراني الحالي بتخفيف بعض الضغوط الاجتماعية. مثل استخدام شرطة الأخلاق لمعالجة الفساد بدلاً من التطبيق الصارم للقواعد الدينية. كما سعت الحكومة الجديدة إلى توسيع قاعدتها، من خلال الحد من إنفاذ الحجاب الإلزامي على النساء. حيث أظهرت الدراسات الاستقصائية التي أقرتها الدولة، أن حوالي 70% من النساء الإيرانيات لا يتبعن بدقة قواعد اللباس التي أصدرتها الجمهورية الإسلامية، وهو رقم يتزايد كل عام.

رأى المعلقون المحافظون أن النساء اللواتي يرتدين الشادور الأسود -وهو لباس أكثر إخفاءً للمرأة تفضله الدولة- صرن يشعرن وكأنهن “أقلية مطلقة” في المجتمع الإيراني، وهو “مظهر محرج للدولة الإسلامية البالغة من العمر 43 عامًا”. حتى في الهيئات الحكومية، هناك القليل من النساء اللواتي يمتثلن للقانون.

يستشهد طبر بانفعال حسين كرباشي، عمدة طهران الإصلاحي السابق، خلال مقابلة مباشرة مع قناة تلفزيونية تابعة للدولة. عندما قال: “إذا كانوا يريدون تطبيق القانون، فعندئذ، في هذا الاستوديو بالذات، عليهم أن يشرعوا في اعتقال جميع النساء. بما في ذلك هذه المرأة التي أصلحت الميكروفون للتو”.

ولكن بعد ذلك، أدت الاشتباكات في الشوارع بين مؤيدي ومعارضي الحجاب الإجباري -والتي أعقبت اعتقال وموت أميني- إلى قلب أي احتمال أن تتمكن حكومة رئيسي ببساطة من السيطرة على التوترات بين الدولة والمجتمع الإيراني.

يضيف طبر: أشعلت المعاملة الوحشية لمواطنة إيرانية عادية وغير سياسية، بزعم أنها ترتدي ملابس “غير محتشمة” البلاد. لقد أراد النظام تقليص الصدارة السياسية للحجاب من خلال التخفيف من الإنفاذ. وغني عن القول إن العكس قد حدث.

سعت الحكومة الجديدة إلى توسيع قاعدتها بالحد من إنفاذ الحجاب الإلزامي لكن العكس حدث

اقرأ أيضا: “مهسا أميني”.. زلزال يضرب إيران وارتداداته مرشحة للتمدد في الإقليم

مزيد من الاضطرابات

تضامناً مع الاحجاجات، تقوم نساء إيرانيات داخل وخارج البلاد بقص شعرهن. كما تخلع الممثلات حجابهن، وهن يعرفن جيدًا أنهن قد يواجهن حظرًا دائمًا لمثل هذه الإيماءات.

يشير أستاذ الشؤون الدولية في كلية بوش إلى أن معارضة الحكومة لا تأتي فقط من الشرائح الأكثر مدنية في المجتمع ” بل حتى من النساء المتدينات اللواتي يرتدين الشادور الأسود المفضل لدى الدولة ينتقدن القانون الإلزامي”.

يستشهد في حديثه بظهور فاطمة سبهري، وهي ناشطة إيرانية في مجال حقوق المرأة -مقيمة في مدينة مشهد- على قناة فضائية لتنتقد النظام بشدة لقتله المتظاهرين. واستنكرت صمت المرشد الأعلى علي خامنئي في مواجهة مقتل إيرانيات على يد الشرطة. وقالت: لقد كان صمتًا يصم الآذان، أكثر من رد الفعل الصريح للمرشد الأعلى على مقتل الشرطة لجورج فلويد في الولايات المتحدة في عام 2020. وأضافت: كان لسان خامنئي أكبر من عمامته. لكن، سرعان ما تم القبض على سبهري، ولا تزال رهن الاعتقال.

هناك امرأة إيرانية بارزة أخرى، هي فائزة هاشمي -ابنة الرئيس الراحل أكبر هاشمي رفسنجاني- والتي انحازت إلى المتظاهرين وأدانت استخدام العنف ضد المرأة.

في مقابلة حديثة، قالت هاشمي إن قمع الجمهورية الإسلامية “كان أسوأ ألف مرة مما كان عليه في عهد الديكتاتور الشاه محمد رضا بهلوي في الستينيات والسبعينيات.

وبالطبع، تم القبض على هاشمي أيضا.

لذلك يؤكد طبر أن الموجة الحالية من الاحتجاجات، التي تقودها النساء، ويحييها ويحفزها رفض الأعراف التي فرضتها الدولة الثورية على المجتمع الإيراني باسم الدين، يمكن أن تشعل مزيدًا من الاضطرابات.

رمزية قواعد الملابس

بينما اتخذت الجمهورية الإسلامية قرارًا بعدم تخفيف قوانين الحجاب رسميًا -حتى في مواجهة موجة الغضب الشعبي المتصاعدة- حيث يؤدي القيام بذلك إلى إزالة مصدر خلاف غير ضروري، وكسب الحكومة العديد من المؤيدين الجدد. إذ كان الحجاب -في يوم من الأيام- رمزًا قويًا، فقد كان استخدامه الإجباري علامة هوية للدولة الإسلامية المفترضة.

يقول طبر: إذا سمحت الدولة للمرأة بالتخلي عن الحجاب، فقد يضعف صرح حكم رجال الدين وينهار في نهاية المطاف. قد يؤدي تغيير قانون الحجاب إلى تشجيع الإيرانيين والإيرانيات على المطالبة بالمزيد، مثل إنهاء حكم رجال الدين تمامًا. في نظر النظام، يعتبر الحفاظ على قواعد اللباس مسألة عملية لبقاء الجمهورية الإسلامية.

هكذا، شكلت الاحتجاجات اختبارًا صارمًا للنظام. لدرجة أن السلطات ربما تنحني وتسمح ببعض التعديلات الهادئة في السياسة. ما بدا في حديث خامنئي الذي أصر فيه على أن العديد من الإيرانيين الذين لا يرتدون “الحجاب الكامل” ما زالوا “من بين المؤيدين الجادّين للجمهورية الإسلامية”. فقد أشار إلى أن إحجامهم عن تبني قواعد اللباس الإسلامية الصارمة لم يجعلهم أقل وطنية.

ويؤكد أستاذ الشؤون الدولية بجامعة تكساس أنه “إذا استمرت الاحتجاجات ووصلت إلى مستوى انتفاضة أوسع، فقد تضطر الجمهورية الإسلامية إلى اللجوء إلى وسائل أخرى لقمعها”.