أعاد فيروس كورونا تفكير الدول النامية في ملف الاكتفاء الذاتي من الإنتاج الغذائي الذي  انزوي جانبًا مع احتلال القطاع الزراعي مرتبة متأخرة في جدول اهتمامات الكثير منها لصالح الاقتصاد الخدمي متمثلاً في قطاعي السياحة والطيران أو التركيز على صناعات التعدين واستخراج النفط والمعادن.

sss

في دولة كمصر، ظل مصطلح الاكتفاء الذاتي قاصرًا المناهج الدراسية، مع ظهور اقتصاد السوق في السبعينيات وتنامي نشاط مكاتب الاستيراد والتصدير التي أثرت على الزراعات التقليدية، ودفعت الفلاحين إلى الجنوح نحو الزراعات الأكثر ربحية، فحلت الموالح والقصب والعنب والموز محل القمح والأرز والشعير. 

ووفقا للإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة الزراعة وجهاز التعبئة والإحصاء، فإن مصر تعاني فجوة غذائية متضخمة وتستورد ما زيد على 65% من السلع الغذائية في المجمل، وترتفع الكميات المستوردة في بعض الأصناف كالزيوت النباتية إلى 98%، والذرة الصفراء إلى 85%، والسكر إلى 29%، واللحوم الحمراء إلى 45%، والأعلاف المركزة إلى  92%.

وسعت الحكومة إلى سد تلك الفجوات بتدشين مشروعات قومية لإنتاج الغذاء كالصوب الغذائية وتدشين مشروع استصلاح المليون ونصف فدان، لسد فاتورة الاستيراد المكلفة التي يتكبدها الاقتصاد المحلي، لكنها لا تكفي أمام موجات تبوير للأراضي الزراعة الخصبة بالوتيرة ذاتها في الدلتا.

وتبلغ المساحة المنزرعة بمصر، حالًيا، نحو 10.5 مليون فدان بعدما فقدت نحو 400 ألف فدان منذ عام 1983 وحتى الآن، منها نحو 90 ألف فدان بعد ثورة يناير 2011، مع ارتفاع أسعار المباني التي دفعت بالمزارعين لتبوير مساحات شديدة الخصوبة لبيعها بالمتر لراغبي البناء والسكن.

وضعت الحكومة المصرية في خضم سياسة تعطيش التصدير الجديدة للدول، رهانها على الإنتاج المحلي، ورفعت أسعار شراء القمح المنتج محليًا موسم 2020 الذي يتم توريده لحساب الهيئة العامة للسلع التموينية من الموردين إلى 700 جنيه، لإقناع الفلاحين بعدم اكتناز محاصيلهم أو توجيه لصالح أعلاف الحيوان.

وقررت وزارة الزراعة رفع المساحة المزروعة بالذرة إلى 3 ملايين فدان خلال الموسم الذي يبدأ في مايو المقبل، مقارنة مع 2.950 مليون فدان للعام الماضي بزيادة 50 ألف فدان عن مساحة الموسم السابق.

كما وفرت الحكومة جميع أصناف التقاوي الصيفية للمزارعين بنفس أسعار دون رفعها كالمعتاد للمرة الأولى منذ سنوات، لدعم المزارعين وتخفيف العبء عن كاهلهم، وضمان وصول الدعم لمستحقيه، وتشكيل لجان متابعة بمنافذ البيع منعا للتلاعب في السعر المدعم.

وفضل المزارعون خلال السنوات الأخيرة الزراعات ذات الجدوى الاقتصادية كالموالح ما رفع مصر لاحتلال المرتبة الأولى عالميًا في صادراتها بنحو 1.8 مليون طن، وتكرر الأمر ذاته مع الموز الذي تبلغ المساحة المنزرعة به حاليًا قرابة 84 ألف فدان.

ويؤكد الدكتور أشرف عباس، أستاذ الاقتصاد الزراعي، أن مصر حققت الاكتفاء الذاتي في مجالات الخضر والفاكهة مع وجود فائض للتصدير، لكن تنقلب الآية إلى النقيض مع مجموعة الزيوت النباتية التي تعاني من عجز ضخم، بسبب غياب التسعير الجيد الذي يشجع الفلاحين على زراعتها وغياب التعاقدات بينها وبين المصانع.

ويضيف عباس أن رفع الاكتفاء الذاتي من الزيوت النباتية قابل للتحقيق عبر استحداث سياسة تسعير لمحاصيل البذور الزيتية كعباد الشمس وفول الصويا من خلال أسلوب الزراعة التعاقدية (تعاقد المصانع مع المزارعين على شراء المحصول قبل زراعته)، وتكرار الأمر ذاته مع البقوليات التي يبلغ فيها الاكتفاء الذاتي محدودا لللغاية  في العدس والفول.