في الوقت الذي تفرض إدارة بايدن عشرات العقوبات المحتملة على منتهكي حقوق الإنسان ومخططي الانقلابات في الدول الإفريقية. تبدو هذه العقوبات وكأنها “نمر من ورق”، حيث ترفض الإدارة نفسها تفعيل هذه العقوبات، رغم الضغوط المتزايدة من المشرعين الأمريكيين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
بدا هذا جليا في مطالب وزارة الخارجية الأمريكية لفرض عقوبات محتملة على الأشخاص المتورطين في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في دول من بينها جنوب السودان وإثيوبيا -حيث اندلعت حرب داخلية مميتة منذ ما يقرب من عامين- والسودان، حيث ساعد مسؤولون في التخطيط لانقلاب العام الماضي، ثم شنوا حملة قمع قاتلة على الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية. حيث لم تنفذ إدارة بايدن بعد أيًا من العقوبات المحتملة، ولأسباب غير واضحة للمشرعين الأمريكيين.
في تقريره، التقى روبي جرامر، مراسل شؤون الدبلوماسية والأمن القومي في فورين بوليسي، عددا من المسؤولين والمشرّعين الأمريكيين. ليوضح أن هذا التردد “أحبط بعض المسؤولين داخل الإدارة، وكذلك قادة الكونجرس، الذين دفعوا الرئيس جو بايدن ليكون أكثر قوة في أجندته الخاصة بحقوق الإنسان”.
ووفقًا لثلاثة مسؤولين حاليين وسابقين، واثنين من مساعدي الكونجرس، تحدثوا إليه بشأن مداولات الحكومة الداخلية الحساسة. يوضح أن إدارة بايدن تقوض أجندة السياسة الخارجية الخاصة بها بشأن التعامل مع إفريقيا. من خلال التهديد المستمر بمعاقبة منتهكي حقوق الإنسان، ثم عدم متابعة تلك التهديدات.
اقرأ أيضا: بلينكن في أفريقيا.. خطاب يتجاوز دبلوماسية رعاة البقر ووعود بشراكة إيجابية
نمر من ورق
ينقل جرامر عن كاميرون هدسون، المسؤول السابق في وكالة المخابرات المركزية ووزارة الخارجية، ويعمل الآن في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. قوله إن التردد ومع تنفيذ العقوبات المحتملة على ممارسي الانتهاكات في القارة السمراء يجعل الولايات المتحدة تبدو أشبه بـ “نمر من ورق”، وفق تعبيره. وأضاف: نحن لا نبدو جادين.
أيضا، جادل مسؤولون آخرون في إدارة بايدن بأن واشنطن بحاجة إلى أن تتعامل بحذر مع تطبيق عقوبات جديدة. خشية أن تعرقل “المفاوضات الحساسة” مع الحكومات المعنية.
وأوضحوا أنه في حالة إثيوبيا، يشمل ذلك عمل الولايات المتحدة لتسهيل محادثات السلام المحتملة بشأن الصراع مع منطقة تيجراي الشمالية. في حالة السودان، تشارك واشنطن في جهود لجعل القادة العسكريين الذين استولوا على السلطة العام الماضي، يوافقون على التنازل عن بعض السلطات لحكومة انتقالية مدنية. ويجادل هؤلاء كذلك بأن الحديث عن وضع اللمسات الأخيرة للعقوبات أسهل من فعله.
يقول جرامر: في بعض الحالات، يكون من الصعب الحصول على معلومات دقيقة عن السيرة الذاتية لأهداف العقوبات. مثل تواريخ الميلاد، وهو شرط أساسي قانوني. هناك عقبة أخرى محتملة أمام العقوبات/ تتعلق بالموظفين داخل كل من وزارة الخزانة الأمريكية ووزارتي الخارجية.
قال العديد من مساعدي ومسؤولي الكونجرس، الذين تحدثوا إلى مجلة فورين بوليسي، إن الحكومة زادت الموارد للتركيز على العقوبات المفروضة على روسيا بعد غزوها لأوكرانيا. مما جعل البرامج التي تركز على مناطق أخرى من العالم تعاني من نقص الموظفين. فيما رفض المتحدثون باسم وزارة الخزانة والخارجية هذا الأمر، وأصروا على أن مكاتبهم مزودة بعدد كافٍ من الموظفين.
حيرة في الكونجرس
في السنوات الأخيرة، أصدرت الولايات المتحدة عقوبات على أكثر من 1200 فرد وكيان روسي. جاء الجزء الأكبر من هذه العقوبات بعد الغزو الروسي لأوكرانيا هذا العام، وفقًا لبيانات العقوبات الأمريكية التي جمعتها مؤسسة بروكينجز. وبالمقارنة، أصدرت الولايات المتحدة ست عقوبات فقط تتعلق بالصراع المستمر منذ عامين في إثيوبيا، والذي أودى بحياة ما يقدر بنحو نصف مليون شخص. واستهدفت العقوبات الست إريتريا المجاورة، التي نشرت جيشها للقتال في إثيوبيا.
وخلال جلسة استماع ساخنة للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي الشهر الماضي. استجوب السناتور بوب مينينديز، الرئيس الديمقراطي للجنة العلاقات الخارجية، أكبر مسؤول عقوبات في وزارة الخارجية بشأن قضايا إثيوبيا والسودان.
قال مينينديز: هناك سؤال مزعج بالنسبة لنا نحن المدافعين الكبار عن حقوق الإنسان والديمقراطية، وهو الافتقار إلى سياستنا التي تخضع للعقوبات. عندما يكون من الواضح والواضح أن هناك أحزابًا تلطخت أيديها بالدماء بشكل واضح.
بينما قال جيمس أوبراين، رئيس مكتب تنسيق العقوبات بوزارة الخارجية: أريد إجراء محادثة جادة حول سبب عدم رؤيتنا للعمل في بعض هذه الأشياء.”
وينقل جرامر عن بعض المسؤولين ومساعدي الكونجرس، قولهم إنه، بشكل خاص، على الرغم من أن الإدارة تركز بشكل مبرر على معاقبة الروس الذين يرتكبون فظائع في أوكرانيا. إلا أنها لا تطبق نفس المعيار في إثيوبيا.
في سبتمبر/ أيلول 2021، وقع بايدن أمرًا تنفيذيًا يوسع سلطات العقوبات الأمريكية على الصراع الإثيوبي. حيث فرضت إدارته عقوبات على المسؤولين الإريتريين والقوات العسكرية باستخدام السلطة الجديدة، لكنها لم تصدر بعد عقوبات على أي إثيوبي متورط في الصراع الإثيوبي. لذلك، ترك القرار بعض المسؤولين السابقين في حيرة من أمرهم.
وفي أوائل أكتوبر/ تشرين الأول، ظهرت تقارير مفادها أنه كان من المقرر أن يجتمع المفاوضون الإثيوبيون والتيجراي لإجراء محادثات سلام في جنوب إفريقيا. ولكن بعد عدة أيام، ورد أن دبلوماسيين من المنطقة قالوا إن تلك المحادثات تأخرت “لأسباب لوجستية”.
اقرأ أيضا: قوات الدعم السريع في السودان.. حينما أصبح قتل المواطنين “نظاما”
خوفًا من الإساءة
رغم محاولات فرض العقوبات داخل إفريقيا، عارض مسؤولون في الإدارة الأمريكية تطبيق العقوبات في بعض البلدان لأسباب مختلفة. ففي حالة إثيوبيا، قالوا إنهم يعملون خلف الكواليس لجمع الحكومة الإثيوبية وقوات جبهة تحرير تيجراي معًا، لإجراء محادثات لإنهاء الحرب المدمرة في البلاد.
لذلك، يخشى بعض مسؤولي الإدارة من أن تطبيق العقوبات الجديدة المتعلقة بإثيوبيا “قد يعرقل الجهود الحساسة لتوحيد تلك المفاوضات”.
لكن السيناتور جيم ريش -أكبر جمهوري في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ- انتقد خمول الإدارة الحالية على تويتر في 18 أكتوبر/ تشرين الأول. وكتب: “لقد ارتكب كل طرف في هذه الحرب فظائع لا توصف. إن عدم رغبة إدارة بايدن في محاسبة أي جهة فاعلة إثيوبية هي وصمة عار على طريقة تعاملها مع هذه الحرب. يجب على بايدن التوقف عن تجنب استخدام العقوبات خوفًا من الإساءة، وإعطاء الأولوية لحقوق الإنسان.
ورد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية على هذا الانتقاد في حديثه لمحرر فورين بوليسي. قال: لقد فرضنا عقوبات على الجهات الفاعلة الإريترية فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة أو الأعمال التي تطيل أمد الصراع.
وأضاف: نحن نتبع دبلوماسية قوية باستخدام مجموعة متنوعة من الأدوات للضغط على الحكومة وجبهة التحرير الشعبية لتحرير تيجراي لوقف هجماتهما العسكرية على الفور والبدء في محادثات سلام ييسرها الاتحاد الأفريقي وكذلك لسحب إريتريا قواتها من إثيوبيا. لا يوجد حل عسكري لهذا الصراع. السبيل الوحيد للمضي قدمًا هو أن تسعى الأطراف إلى تسوية تفاوضية من خلال محادثات السلام.
لا عقوبات لجنرالات السودان
في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، بعد الإطاحة بنظام البشير، استولى الجيش السوداني بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان على السلطة. في انقلاب أدى إلى تقويض حكومة مدنية انتقالية، وخرج عن مسار عملية الانتقال الصعبة إلى الديمقراطية في البلاد. أدى الانقلاب إلى احتجاجات واسعة النطاق مؤيدة للديمقراطية، تلتها حملات عنيفة لقمع المتظاهرين من قبل قوات الأمن.
على إثر هذا، قضت منظمة الإنصاف -وهي منظمة غير حكومية ترفع دعاوى قضائية للناجين من التعذيب وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان- شهورًا في التحقيق في الانقلاب والقمع اللاحق بهدف تحديد الأشخاص والمؤسسات التي يمكن معاقبتهم.
ينقل محرر فورين بوليس عن إيما دينابولي، المسؤولة القانونية في منظمة الإنصاف، قولها إن المنظمة قدمت في فبراير/ شباط ملفًا مفصلاً -حوالي 75 صفحة- لإحالة العقوبات إلى وزارة الخارجية الأمريكية لفرض عقوبات محتملة على جنرالات السودان ضمن قانون ماجنيتسكي -الذي يمنح الرئيس الأمريكي صلاحية فرض عقوبات على أي أجنبي متهم بانتهاك حقوق الانسان- متضمنا معلومات من فريق المحققين التابعين لهم، وكذلك المحققين الماليين الخارجيين الذين عملوا معهم، لتحديد 11 شخصًا وأربع شركات جاهزة لفرض عقوبات أمريكية، بسبب الانقلاب والقمع العنيف.
قالت دينابولي: بعد وقت قصير من تقديم الملف، تواصلت وزارة الخارجية لطلب تفاصيل المتابعة. لكن بعد ذلك، كان الصمت. بعد ثمانية أشهر، ما زالوا ينتظرون. في ذلك الوقت، كنا نعتقد بالفعل أن هناك زخمًا جيدًا للعقوبات، هذا لم يثبت صحته. يبدو أن كل الزخم للعقوبات قد تبدد تمامًا.
ويقول محللون آخرون إن غياب العقوبات الأمريكية على منظمي الانقلاب في السودان “يشير إلى أن واشنطن قبلت بهدوء الحكومة العسكرية الجديدة عمليًا. حتى لو استمرت في دعم الحركة الديمقراطية بالكلمات”.
أيضا، تحدث جرامر إلى قالت خلود خير، المحللة السياسية السودانية. التي أوضحت أن “عدم اتخاذ إجراء كليًا مؤخرًا لإدانة الانقلاب، وإدانة توطيد الانقلاب، يشير إلى تطبيع العلاقة مع الجنرالات”. قاصدة برهان وحمدتي ومن يعاونوهم.