داخل مستشفى “سان توماس” بوسط لندن، يرقد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، بوحدة العناية المركزة، بعد أن أُصيب في معركة فيروس كورونا منذ عشرة أيام، وتدهورت حالته الصحية بشكل مفاجئ، ووُضع علي جهاز التنفس الصناعي.
sss
ويعتبر “جونسون” أهم شخصية سياسية عالمية، تصاب في معركة كورونا حتى الأن.
شُوهد رئيس الوزراء أخر مرة، وهو يصفق تحية للعاملين في المجال الطبي والرعاية الصحية، من منزله في ” داوننغ ستريت” مساء الخميس الماضي، وبدت معنوياته عالية، ولكن بعد تدهور حالته الصحية، نصحه الأطباء بالذهاب للمستشفى.
رئيس الوزراء الذي كان يخوض أخر معاركه، للخروج من الاتحاد الأوربي، الذي بدا هشًا في مواجهة الفيروس الخفي، أصبح الأن أحد ضحايا عدم تماسك دول الاتحاد، التي تواجه أكبر معاركها منذ الحرب العالمية الثانية.
يقود جونسون بريطانيا في مرحلة صعبة للغاية، وهو يرقد في قسم العناية المركزة، وهو ما قد يؤثر علي معنويات العالم كله، ولاسيما المرضي الذين وقعوا ضحية لفيروس الذي لا يفرق بين سياسي ورجل عادي.
أقرأ أيضًا:”آمنة المختار”: حقوقية تمردت على التقاليد الموريتانية البالية
شخصية متناقضة
يبلغ جونسون 55 عامًا، قضى معظمها يعمل صحفيًا، فكانت الصحافة بوابته للسياسه، ليصل لأعلى منصب سياسي في بريطانيا، تولاه من قبله شخصيات أثرت علي مصير العالم، مثل رئيس الوزراء البريطاني تشرشل، مارجرت تتشر الذي كان الصحفي المفضل لديها وغيرهم.
تشبه سيرته الذاتيه ومسيرته السياسية، روياته التي كان يكتبها كروائي ومؤرخ وصحفي بالصحف الانجليزية، اسمه بالكامل “ألكساندر بوريس دي بيفل جونسون، من مواليد 19 يونيو 1964.
ولد في مدينة نيورك الصاخبة لأبوين بريطانيين، وتم إبلاغ القنصلية الأنجليزية، ليحمل الجنسية الأمريكية والأنجليزية معًا، قبل أن تعود أسرته مرة أخرى للعيش في أنجلترا، والتنقل بين عدة دول بسبب عمل والده.
ونشأ وتربى في أسرة متوسطة الثراء، ولديه أخوين جو جونسون وريتشل جونسون، وكان والده اقتصادي في جامعة كولومبيا، وعمل لفترة موظفًا في البنك الدولي والمفوضية الأوربية، وجده لأبيه من أصل شركسي، وهو الصحفي التركي علي كمال، وكان مسلمًا علمانيًا.
تلقى تعليمه الأساسي في المدرسة الأوربية في بروكسيل “وآشدون هاوس”، والتحق بعدها بكلية “إيتون”، وهي بمثابة مدرسة داخلية للنخبة، وخلال هذه الفترة طور جونسون شخصيته، وتخلى عن المذهب الكاثوليكي وأصبح أنجليكانيا، وانضم لكنيسة أنجلترا.
عمل لفترة والده موظفًا في البنك الدولي والمفوضية الأوربية وجده لأبيه من أصل شركسي، وهو الصحفي التركي علي كمال وكان مسلمًا علمانيًا
حملت شخصيته في هذه الفترة عدة متناقضات، فكان معروفًا في المدرسة، وكان أصدقاؤه من الطبقة العليا الغنية والمتوسطة، وتفوق في دراسة اللغات القديمة اليونانية واللاتينية، بالرغم من أن التقارير الدراسية كانت تشير إلي كسله وتأخره.
وأصبح خلال هذه الفترة أمينًا لمجمع النقاش المدرسي، وخطى أولى خطواته الصحفية، وتولى رئاسة تحرير الصحيفة المدرسية، المعروفة باسم دوريات أيتون.
تمكن من خلال تفوقه في اللغات، من الحصول علي منحة لدرسة الكلاسكيات، في كلية باليول بأكسفورد أعرق الجامعات الأنجليزية، لدراسة اللغات القديمة لمدة 4 سنوات.
بدأت تظهر ملامح شخصيته السياسية، بالانخراط في العمل السياسي بالجامعة، وقرأءة المشهد السياسي في بريطانيا، وفتح علاقات مع ممثلي الأحزاب، فكان معروفًا في الكلية لكل الأوساط.
ودخل تجربة صحفية أخرى، بالاشتراك مع صديقه بالجامعة داريس غوبي، في تحرير مجلة الجامعة الساخرة ” تريباري”، وتم انتخابه سكرتيرًا لرئاسة اتحاد أكسفورد.
وخاض تجربة انتخابية أخرى للتنافس علي رئاسة الاتحاد، ولكنه تلقى أول هزيمة سياسية في حياته، ولكنه تمكن من الفوز برئاسة الاتحاد في الانتخابات التالية.
أقرأ أيضًا:رمال مسكونة بالموت .. حقول اللغم تحصد أرواح المصريين
صحفي وروائي
وبعد تخرجه عمل محررًا بأحد أشهر وأهم الجرائد الأنجليزية المحافظة “التايمز”، ولكنه خسر اختباره الأول، عندما تم إقالته بسبب تزويره لأحد المقالات عن اكتشاف أثري.
ولكنه تمكن من أيجاد فرصة أخرى، بالعمل مراسلًا لجريدة “الديلي تلغراف” في بروكسل، وعرفت ميوله السياسية من خلال مقالاته، بالميل للتشكيك تجاه الاتجاد الأوربي، وبعد سنوات من العمل الصحفي، أصبح نائب محرر في التليغراف، خلال الفترة من 1994 وحتى عام 1999.
وصف في كتاباته للأفارقة بالطينيون أو ابتسامات البطيخ ولكن كان له أراء متحررة بالنسبة للمثليين
تمكن من حجز مكان لعمود صحفي، وتلقت مقالاته الثناء، بسبب كتابتها بشكل مميز، وحصل علي جائزة المعلق العام، واتهم بسبب مقالاته بالعصب، عندما وصف في كتاباته للأفارقة بالطينيون أو ابتسامات البطيخ، ولكن كان له أراء متحررة بالنسبة للمثليين.
بعدها أصبح محرر في السبيكتيتور، ظل يعمل في هذه الموقع حتى 2005، وأثناء هذه الفترة ألف أولى روياته بعنوان “72 عذراء”، وكتب عن رئيس الوزراء البريطاني أبان الحرب العالمية الثانية كتابًا بعنوان ” دور تشرشل: كيف صنع رجل التاريخ” وكتاب “حلم روما”، باعت كتبه نصف مليون نسخة.
أقرأ أيضًا:عاملات المنازل.. أجنبيات في سوق “النخاسة” و سخرة بلا حقوق
الوصول لرئاسة الوزراء
بالتزامن مع عمله الصحفي والروائي، كان يسير بخطى واسعة في مجال السياسة، فتم انتخابه نائبًا في البرلمان الانجليزي، عن مدينة “هينلي” في عام 2001، والتزم خلال هذه الفترة بخط حزب المحافظين.
ولثقة حزب المحافظين به، تم ترشيحه عن الحزب لانتخابات بلدية لندن في عام 2008، وتمكن من هزيمة مرشح حزب العمال القوي، وترك منصبه في البرلمان، للتفرغ لمنصبه كعمدة للندن، وأثناء هذه الفترة أتخذ إجراءات منع الكحول في المواصلات العامة، وأطلق نظام حافلات رووتماستر، وتأجير الدرجات الهوائية “تليفريك” يربط بين ضفتي التايمز.
وبسبب هذه الإجراءات وشعبيته، تمكن من البقاء في منصبه، وانتخب مرة أخرى بعد هزيمته مرشح حزب العمال في عام 2012.
وأشرف أثناء ولايته الثانية علي الأولمبياد، التي استضفتها لندن، وفي عام 2015 عاد ترشح للبرلمان مرة أخرى، وترشح عن ساوث روزليب، واستقال من منصبه كعمدة للندن.
كان جونسون الشخصية الأبرز في البرلمان الأنجليزي في الاستفتاء علي عضوية بريطانية في الاتحاد الأوربي في تيار التصويت بالمغادرة
وفي عام 2016 كان جونسون الشخصية الأبرز في البرلمان الأنجليزي، في الاستفتاء علي عضوية بريطانية في الاتحاد الأوربي، وكان شخصية قيادية في تيار حملة التصويت بالمغادرة من الاتحاد.
بالرغم من شعبيته الحزبية، رفض الترشح علي منصب قيادة الحزب، وعندما تولت تيريزا ماري رئاسة الوزراء، عينته وزيرًا للخارجية، وظل في منصبه لمدة عامين، قبل أن يستقبل اعتراضًا علي أسلوب تعامل ماري مع قضية الخروج من الاتحاد الأوربي.
وعندما ترشح جونسون في انتخابات قيادة الحزب تمكن من النجاح، وأصبح زعيمًا لحزب المحافظين ورئيسًا للوزراء، وسعى للتصويت للخروج من الاتحاد الأوبي، والأن يواجه أصعب معركة في حياته، بعد أن أصيب بفيروس كورونا، ويقود بريطانيا من غرفة العناية المركزة، ما جعل العالم كله يكتم أنفاسه، في أخطر مراحل معركة الفيروس الخفي.
أقرأ أيضًا:”النفايات السامة” تجارة إفريقيا الرائجة على حساب الإنسانية