تعتزم الحكومة المصرية بدء التشغيل التجريبي لمشروع الربط الكهربائي مع المملكة العربية السعودية منتصف 2025. وذلك بعد تنفيذ أعمال الخطوط الكهربائية ومحطات المحولات بالبلدين؛ في محاولة لاستغلال بعض من فائض الإنتاج الحالي. على أن يتم التشغيل على مرحلتين؛ الأولى في يونيو/ حزيران 2025 بقدرة 1500 ميجا وات، والثانية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2025 بقدرة 1500 ميجا وات أيضًا.

وقد بدأت الحكومتان المصرية والسعودية في تدبير تمويلات لتنفيذ مراحل المشروع، لا سيما بعد سلسلة من التأجيلات، بسبب عدّة أحداث، كان أبرزها تعديل مسارات الخطوط. وهو الأمر الذي جاء لخدمة مشروعات سعودية، منها مدينة نيوم.

ويفتح مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية آفاقًا لتصدير الكهرباء إلى آسيا وأوروبا. بالإضافة إلى التوسع في الربط مع الدول المجاورة. خاصة وأنه يهدف إلى تبادل قدرات كهربائية تبلغ 3 آلاف ميجاوات. لكنه يفرض أيضًا تساؤلات عن الفاقد وكيف يمكن استغلاله خلال هذه المدة الطويلة حتى إتمام المشروع.

من العجز إلى الفائض

خلال الفترة من 2011 وحتى عام 2014 شهدت مصر أسوأ موجات انقطاع التيار الكهربائي المتكرر. وهو أمر أرجعته الحكومة لتهالك محطات الكهرباء وتقادمها، بالتزامن مع أزمة نقص الغاز الطبيعي والوقود اللازم لتشغيل المحطات.

وفي 2014 تفاقمت الأزمة، وأطلق على هذا العام حينها “عام الظلام”، لوصول نسبة العجز إلى مستويات خطيرة تقترب من 35% من حجم الإنتاج. ما اضطرت معه الشبكة القومية للكهرباء إلى قطع التيار لمعدلات تصل إلى 22 ساعة كاملة -مقسمة بين المحافظات والمدن المختلفة- حتى لا ينهار قطاع الكهرباء، وفق تصريحات أحمد مهينة رئيس قطاع التخطيط الاستراتيجي بوزارة الكهرباء، لـ “مصر 360”.

اقرأ أيضًا: بعد تقلبات سعر الغاز وصرف الجنيه.. سيناريوهات أسعار الكهرباء الجديدة

خلال السنوات التي تلت 2014 شهدت مصر تغيرًا جوهريًا على صعيد إنتاج الكهرباء. هذه الجهود بلغ معها إجمالي إنتاج الكهرباء بداية 2021 نحو 55 – 58 ألف ميجا وات. ذلك في وقت تراوح الاستهلاك بين 24 – 28 ألف ميجا وات خلال أشهر الشتاء، و30 – 32 ألف ميجا وات خلال الصيف (ذروة الاستهلاك).

واستثمرت مصر أموالًا ضخمة في مجال الكهرباء بهدف حل مشكلتها المزمنة مع عجز الإنتاج، والذي كان يتراوح ما بين 2-3 جيجاوات منذ 2008، ووصل إلى 6 جيجاوات عام 2014. لذلك تبنت الحكومة خطة طوارئ قومية سعت لإضافة 3.6 جيجاوات باستثمارات 7.2 مليار دولار. كما أسرعت في إنشاء 3 محطات توليد عملاقة للكهرباء بنظام الدورة المركبة، بقدرة إجمالية 14.4 جيجاوات. إلى جانب مشروعات للطاقة المتجددة أبرزها حقل بنبان للطاقة الشمسية البالغة قدراته الإجمالية 1.8 جيجاوات -وفق مهينة-.

وقال الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، خلال كلمته بالمؤتمر الاقتصادي الأحد الماضي، إن مصر كانت تعاني من عجز في الكهرباء 6000 ميجا وات في 2015. وبعد توقيع عقود لتنفيذ بعض المشروعات في هذا التوقيت، أصبح لدى مصر 13 ألف ميجا وات فائض في القدرات المتاحة بالشبكة القومية الموحدة للكهرباء.

أزمة الفقد المستمر

الفقد المستمر في الطاقة الكهربائية دفع الحكومة لوضع خارطة طريق تسعى من خلالها لاستغلال كامل إنتاج الكهرباء المملوكة للدولة. وكان أساس الخارطة الجديدة هو إقامة شبكة ربط كهربائي جديدة مع دول الجوار وتعزيز القدرات المربوطة بالفعل مع كل من ليبيا والأردن.

لكن جرت الأمور عكس ما خُطط له. فقد تأثرت خطط زيادة القدرات المربوطة مع ليبيا بسبب الأحداث التي مرت بها. ومن بعدها تعطل مشروع الربط جنوبًا مع السودان؛ بسبب أعمال الشغب والأحداث التي مر بها هذا البلد الجار. حيث كانت تُخطط الحكومة لإنشاء شبكة ربط مع الدول الإفريقية عبر السودان.

استمر الفقد اليومي في الكهرباء المولدة عبر المشروعات الجديدة والقديمة. وهنا بدأ الاتجاه نحو السعودية واليونان وقبرص؛ لإقامة شبكة ربط تسمح بالتصدير إلى أسيا وأوروبا.

الربط مع السعودية

في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وقعت الحكومة المصرية ونظيرتها السعودية عقود ترسية مشروع الربط الكهربائي بين المملكة والقاهرة لتعزيز موثوقية الشبكات الكهربائية الوطنية ودعم استقرارها والاستفادة المثلى من قدرات التوليد المتاحة في البلدين.

وجرت ترسية مشروع الربط بين البلدين على 3 تحالفات لشركات عالمية ومحلية لتنفيذ المشروع الذي تبلغ سعته 3 آلاف ميجاوات. حيث يتكون المشروع من إنشاء 3 محطات تحويل جهد عالٍ: محطة شرق المدينة، ومحطة تبوك بالمملكة، ومحطة بدر شرق القاهرة، تربط بينها خطوط نقل هوائية تصل أطوالها إلى نحو 1350 كيلومترًا، وكابلات بحرية في خليج العقبة بطول 22 كيلومترًا، بتكلفة إجمالية للمشروع بلغت 1.8 مليار دولار.

يقول محمد السبكي، رئيس هيئة الطاقة المتجددة الأسبق، إن المشروع المشترك بين البلدين من شأنه أن يُعزز من كفاءة الشبكة المصرية ويقلل من نسب الفقد في القدرات المولدة، ويحقق عائدًا جيدًا للموازنة العامة للدولة.

وهو يرى أن معضلة الفقد في الكهرباء لن يتم حلها إلا بإقامة مشروعات ربط جديدة تستهلك القدرات الزائدة بالشبكة القومية للكهرباء. على اعتبار أن الاستهلاك المحلي من الكهرباء أقل بنحو 20 : 25% من إجمالي الإنتاج الحالي.

أزمة السنوات الباقية

قبل أسبوع تقريبًا، أعلنت صباح مشالي، رئيسة الشركة المصرية لنقل الكهرباء، عن بدء التشغيل التجريبي لمشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية نهاية مايو/ أيار 2025.

هنا تكمن مشكلة الربط مع السعودية. إذ لا تزال 3 سنوات ونصف السنة متبقية على بدء التشغيل. ما يعني أن هناك مزيدًا من الفقد في الإنتاج الحالي بفعل الفائض الموجود بالشبكة الكهربائية.

يقول أحمد شومان، مدير عام بشركة سيدمو لحلول الطاقة، إن الحكومة كانت تبني آمالًا كبيرة على نجاح مشروع الربط مع السودان في التوسع والتوغل داخل إفريقيا وتصدير الطاقة لدول وسط وجنوب القارة. لكنها لم تتمكن بسبب الأحداث التي مر بها السودان. لذا تحوّلت البوصلة إلى مشروع الربط مع السعودية. وهذا يعني مزيدًا من فقد الطاقة بسبب طول مدة المشروع المتفق عليه مع السعودية، لاعتبارات التمويل والتنفيذ.

وفي 11 أغسطس/ آب الماضي، وقعت الشركة السعودية للكهرباء اتفاقية تسهيلات ائتمانية قيمتها حوالي 567.5 مليون دولار، سيجرى استخدامها في تمويل جزء من مشروع الربط الكهربائي بين السعودية ومصر.

وقالت الشركة إن الاتفاقية تم توقيعها مع بنك “ستاندرد تشارترد”، وشركة “سوميتومو ميتسوي” المصرفية. على أن يتم ضمان التسهيلات من قبل وكالة الصادرات السويدية، وبتمويل من مؤسسة ائتمان الصادرات السويدية.

أما على الجانب المصري، فصرحت مصادر مسئولة بوزارة الكهرباء أنه سيتم تنفيذ مشروع الربط مع السعودية في الوقت الذي يتم فيه تدبير تمويل تصل قيمته إلى نحو 600 مليون دولار، لإنهاء مرحلتي المشروع بنهاية 2025 على أقصى تقدير ممكن.

اقرأ أيضًا: شركات الطاقة الشمسية تتعثر في “نفق نقص المكونات”.. أية مسئولية للحكومة؟

كيف نحجم الفاقد؟

وفق شومان، فإن المسلك الوحيد أمام قطاع الكهرباء هو تقليل المشروعات الكهربائية المطروحة أمام المستثمرين، وفي الوقت نفسه زيادة حجم القدرات المربوطة بالفعل مع كل من الأردن وليبيا والسودان، لتقليص حجم الخسائر السنوية من الفائض.

يشير إلى مشروعات الهيدروجين الأخضر التي قد تكون منفذًا آخر أمام وزارة الكهرباء لاستغلال فائض الكهرباء. وهي مشروعات تعتمد في تشغيلها على الطاقة النظيفة فقط. وبالتالي، قد يتم توجيه جانب كبير من الكهرباء إلى الهيدروجين الأخضر وتوزيع باقي القدرات المولدة من المحطات التقليدية إلى أنحاء الجمهورية.

لكن الإشكالية هنا أن مشروعات الهيدروجين في بداياتها، وتحتاج استثمارات كبيرة للتوسع فيها.

يقول مدير عام بشركة سيدمو لحلول الطاقة إن الفائض الذي تحقق كان من المفترض استغلاله منذ سنوات لتحقيق عائد دولاري للدولة بدلًا من إهداره. “حتى الآن لا يتم استغلال الفائض في إنتاج الكهرباء -يمثل حوالي 20% من الطاقة المولدة- لأن الطلب لا يزال أقل من المعروض؛ بسبب حجم المشروعات المطروحة غير المدروسة التي طرحت على المستثمرين السنوات الماضية”.

ومع طول مدة تنفيذ الربط بين مصر والسعودية؛ فإن مصر تحتاج إلى تقليل معدلات طرح مشروعات الطاقة، بحيث لا يتم إضافة محطات بقدرات كبيرة تزيد من فاقد الكهرباء بالشبكة. “طرح المشروعات غير المدروسة هيزود الخسائر لأن الفائض غير مستغل لغاية دلوقتي”؛ يوضح خالد سيف مدير تطوير الأعمال بمؤسسة توكل لمشروعات الطاقة.

ويقول إن تحجيم الفاقد مرتبط بإقامة مشروعات قومية لاستهلاك الإنتاج الزائد عن حاجة السوق. ويتراوح الفائض اليومي ما بين 40 : 45% من حجم استهلاك السوق المحلي من الكهرباء.

يرى سيف، أن وزارة الكهرباء قد تبدأ في تقليص حجم المشروعات المطروحة وتكتفي بتوجيه الفائض للمشروعات الاستثمارية بالقطاعات المختلفة التي تتبناها الدولة. ومع اقتراب موعد تشغيل خط الربط يتم إضافة قدرات جديدة تسمح بالتوسع في التصدير لأسواق أخرى عربية وأوروبية.

شبكة عربية مستهدفة

ومع اكتمال مراحل التنفيذ سيكون مشروع الربط المصري السعودي نواة لربط عربي مشترك مستهدف، إضافة إلى أنه يأتي مكملًا وداعمًا لرؤية كلا البلدين 2030، وفق علي عبد النبي خبير الطاقة.

وأضاف عبد النبي -في تصريح خاص- أن الربط المصري السعودي يمثل ارتباطًا قويًّا بين أكبر شبكتين كهربائيتين في المنطقة، وسينعكس ذلك على استقرار وزيادة اعتمادية التغذية الكهربائية بين البلدين، إضافة إلى حجم المردود الاقتصادي والتنموي لتبادل كمية تصل إلى 3000 ميجاوات من الكهرباء. وعلى المدى المتوسط سيكون المشروع هو مركز لشبكة عربية كهربائية تربط بين دول الشرق الأوسط لتعزيز الشبكات بتلك الدول وتوفير كامل احتياجاتها من الطاقة.

وفي ضوء خطط البلدين للتوسع في الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، فإن هذا الربط يمثل صمام أمان للشبكتين الكهربائيتين لمواجهة طبيعة عدم استقرار الطاقات المتجددة بشكل عام، ويوفر استثمارات هائلة لمعالجة أي آثار تنتج عن ذلك. بحيث سيعزز المشروع -عند تشغيله- موثوقية الشبكات الكهربائية الوطنية، ودعم استقرارها، والاستفادة المثلى من قدرات التوليد المتاحة فيها.