يبدو التسارع في التمدد الإرهابي في إفريقيا والتصاعد في إعلان دول تابعة لـ”داعش” على الأراضي الإفريقية أصبح من المهددات المتصاعدة للأمن القومي المصري. حيث تمتد الحدود الغربية لمصر مع دول غير مستقرة سياسيا لما يزيد على ألف كيلومتر. وذلك في ضوء أنه خلال عام 2022 أعلن تنظيم “داعش” ولايتين جديدتين تابعتين له في كل من موزمبيق وبوركينا فاسو. بينما كان حصاد 2021 للتنظيم أربع ولايات في منطقة بحيرة تشاد بقيادة مركزية في منطقة بورنو في نجيريا. والمناطق الأخيرة هي مناطق غير بعيدة عن مصر.

وإذا علمنا أن غالبية الدول جنوب غرب مصر هي دول حدودها مفتوحة على بعضها ولا تملك جيوش هذه الدول إلا قدرة محدودة في السيطرة على حدودها نعلم حجم التحدي الذي نواجه خلال العقد القادم. في ضوء المؤشرات المتوافرة بشأن حجم الظاهرة الإرهابية كنتيجة للتوسع العنقودي للتنظيمات الإرهابية. بحيث أصبح 48٪ من ضحايا الإرهاب حول العالم هم من الأفارقة. كما خسرت الاقتصادات الإفريقية نحو 171مليار دولار. بينما فقد 28960 شخصا حياتهم سنة 2021 فقط كنتيجة لنجاح 7234 هجوما إرهابيا في أرجاء القارة الإفريقية.

الفاعلون في هذا المشهد المرعب 27 جماعة إرهابية مدرجة ضمن قائمة العقوبات الأممية. وهي تنتشر في ثلاث مناطق تملك أهمية جيوستراتيجية. الأولى في شرق إفريقيا حيث تبدأ في الصومال لتنحدر جنوبا نحو تنزانيا والكونغو الديمقراطية وموزمبيق. حيث يتنوع ولاء هذه التنظيمات بين “القاعدة” التي يواليه تنظيم الشباب الصومالي وبين “داعش” الذي له وجود كبير في موزمبيق كنقطة انطلاق نحو جوارها الإقليمي.

في غرب إفريقيا يتسيد تنظيم “بوكو حرام” خصوصا في المنطقة الواقعة على بحيرة تشاد. حيث يؤثر نشاطه على نيجيريا والنيجر والكاميرون فضلا عن تشاد. أما التمركز الثالث للجماعات الإرهابية فهو منطقة خليج غينيا المؤثرة في ساحل العاج وتوجو وبنين.

وفضلا عن زيادة عدد الولايات لتنظيم “داعش” فإن التنافس والصراع بين “داعش” و”القاعدة” في كل من شرق إفريقيا ومنطقة الساحل يفرض مزيدا من التهديدات الأمنية على دول الإقليم.

وقد أسفر تصاعد مستوى التهديدات دفع دولة كبوركينا فاسو للإعلان عن تجنيد 50 ألف مدني لمواجهة الإرهاب المتسبب في حدوث أكثر من انقلاب عسكري فيها. في وقت تعلن فيه حكومة الصومال عن نجاحها في أربع عمليات ضد تنظيم الشباب على الأراضي الصومالية. وذلك في الوقت الذي تتعاظم فيه قدرات التنظيم. بحيث أصبح مهددا للعمق الإثيوبي بعد أن كان الجيش الإثيوبي مستهدفا تنظيم الشباب على الأراضي الصومالية في فترات سابقة.

أما على صعيد دول شمال إفريقيا فإن المغرب كما مصر وضعت مؤخرا أولويات عملها كرئيس جديد لمجلس السلم والأمن الإفريقي في محاربة الإرهاب في إفريفيا. وذلك في ضوء التحديات التي واجهتها مصر في الملف نفسه أثناء توليها مجلس السلم والأمن الإفريقي.

وعلى الرغم من المجهودات الإقليمية والدولية في محاربة ظاهرة الإرهاب يبدو أن النجاح في التصدي لها بات محدودا. والأخطر أن التقارير الدولية تنذر بمزيد من الانتشار والتصعيد في العمليات الإرهابية خلال العقد القادم بإفريقيا.

ونرصد هنا بعض العوامل السياسية المُفضية لهذه النتيجة. منها مثلا أن سياسات التدخل العسكري المباشر من جانب فرنسا في كل من مالي وإفريقيا الوسطي أسهمت في تغذية التنظيمات الإرهابية بعناصر بشرية إضافية تحت مظلة مقاومة الاستعمار الغربي الكافر الذي يحتل البلدان الإفريقية من جديد. وهو ما وفر للتنظيمات الأرهابية أيضا مصادر تمويل محلية. كما تحولت حركات سياسية منادية بالديمقراطية إلى حركات طائفية مسلحة بسبب تصنيف التدخل الفرنسي على أنه تدخل لصالح المسيحيين ضد المسلمين كالحالة في إفريقيا الوسطي التي أنتجت في الأخير حربا أهلية.

ويمكن القول أيضا أن بعض الشركات الغربية باتت ممولا لبعض التنظيمات الإرهابية عن طريق دفع إتاوات لضمان استمرار الأعمال. حيث رشحت أدلة عن أداء لشركة “فارج” الفرنسية بهذا الشأن. كما تحوم شبهات حول دور الروسية “فاغنر” في تمويل وتدريب بعض المليشيات المناوئة أو المنافسة في إطار المعادلات الداخلية لبعض الدول الإفريقية.

هذا الأداء أيضا غير بعيد عن بعض الشركات الصينية العاملة في مجالات الرصف والتشييد في الطرق ببعض دول الساحل الإفريقي.

وفيما يخص التنافس الدولي على إفريقيا ودوره في دعم الإرهاب فإن شهادة المحلل الليبي محمد الترهوني تبدو كاشفة حول هذه النقطة. مشيرا إلى أن “التوافق بين تركيا وإيطاليا وصل إلى مستوى دعم المليشيات الإرهابية في طرابلس. واستهداف المصالح الفرنسية في منطقة الساحل والصحراء التي تضم تشاد والنيجر ومالي ووسط إفريقيا وغيرها من مناطق نفوذ باريس في القارة”.

وبطبيعة الحال تلعب الأنشطة التبشيرية الغربية في مناطق الساحل الإفريقي دورا في استثارة التنظيمات “الجهادية الإسلامية” وتجعلها قادرة على بلورة خطابات تكفيرية متشددة إزاء الأداء الغربي في هذا الملف. حيث يتم رصد جماعات تبشيرية في إقليم دارفور السوداني مثلا الذي كان من سماته أن أهله من حفظة القران الكريم وهم مسلمون. وطبقا لمواقع تشادية إسلامية فإن حجم موازنة مجلس الكنائس العالمي المرصودة للتبشير في إفريقيا تبدو مليارية. وهو أمر إن صح يكون جد خطير وإن كان يتم توظيفه واستخدامه من جانب هذه المواقع للتحريض فإنه أخطر.

وطبقا لهذا الواقع فإن السياسيات المصرية الراهنة في مكافحة الإرهاب تعتمد على آليات ومداخل أمنية. ومنها مركز مكافحة الإرهاب التابع للقوات المسلحة في القاهرة. وذلك فيما يتعلق بالتدريب ودعم القدرات لدول غرب إفريقيا. كما يقوم الأزهر بدور خصوصا عبر مرصده لمكافحة الإرهاب ومجهوداته في التعريف بالإسلام طبقا لأصوله الوسطية. خصوصا مع هشاشة الإلمام بالدين في دول غرب إفريقيا بما يسهل الاختراق التكفيري.

وعلى الرغم من هذه المجهودات فإن الواقع الراهن وإمكانية تصاعد مستوى التهديدات الإرهابية يتطلب في تقديري أمرين: الأول بلورة مداخل متعددة ومتوازية للتعامل مع الظاهرة الإرهابية. بعضها لا بد أن يكون تعاونا بين مصر ودول الساحل الإفريقي المتاخمة لنا وكذلك دول شرق إفريقيا في المجالين التنموي والثقافي. حيث يشكل التعاون مع دولة تشاد اقتصاديا وتجاريا وثقافيا مسألة هامة لمصر يجب أن تتفهمها فرنسا وتقر أن الثقافة الفرنسية السائدة حاليا ليست كافية لاستمرار ولاء دول غرب إفريقيا لفرنسا التي نزحت مواردهم وتركتهم في العراء فقراء اعتمادا على علاقات عضوية بالنخب الحاكمة في غرب إفريقيا عموما وفي تشاد خصوصا.

أما الأمر الثاني فهو البحث عن المسكوت عنه في التقارير الدولية بشأن أسباب الظاهرة التي غالبا ما يكون الفاعلون وراء تسيّدها في المشهد الإفريقي هم غربيون. وفضح هذه الممارسات ربما عبر الآليات الثنائية الدبلوماسية أو عبر الاتحاد الإفريقي أو كلاهما بالتوازي.

وفضلا عن ذلك فإن الاهتمام بدولة تشاد في هذه المرحلة يبدو فرض عين إلى جانب السودان. فهما دولتان مفتاحان بالنسبة لمصر في حماية أمنها القومي من تداعيات انتشار الإرهاب في عموم إفريقيا.

وقد يتوج هذه السياسات جميعا الاهتمام بالتعليم سواء في مصر أو دول الجوار عبر البعثات التعليمية المصرية. ذلك أن نصيب التعليم في الموازنة العامة بات أقل في دولة كإثيوبيا التي يحوز التعليم فيها 4.8 من الناتج القومي الإثيوبي.