يبدو أن أجواء الوئام بين المملكة العربية السعودية وبعض مكونات الحكومة الشرعية اليمنية التي فرضتها الحرب ضد عدو مشترك خلال السنوات الماضية ضربتها عاصفة خريفية، فعلى إثر تعارض توجهات الطرفين في التعامل مع جماعة الحوثي المدعومة إيرانيا، طفت على سطح العلاقات في الأيام القليلة الماضية تراشقات مصحوبة بلوم وتهديدات مبطنة كشفت عن أزمة مكتومة بين حلفاء الضرورة “الألداء”.
اقرأ أيضا.. «نصف حرب ونصف هدنة».. اليمن على حافة المجهول
فما إن دعا أمين عام مجلس التعاون الخليجي نايف الحجرف إلى «ضرورة إيجاد حل سياسي سلمي ينهي الصراع في اليمن»، حتى بادر رئيس مجلس النواب اليمني سلطان البركاني بتوجيه انتقادات حادة إلى دول الخليج في سابقة هي الأولى من نوعها لمسئول يمني رفيع.
البركاني دعا دول الخليج إلى «إيقاف صدقة الحل السياسي المستحيل وقوعه»، وطالبهم بألا يحولوا ما يجري في اليمن إلى «قضية إنسانية يُستجدى لها الحل أمام عدو لا يوجد لديه للسلم مكان وليس في حسبانه».
وقال البركاني في تغريدتين نشرهما على حسابه بموقع «تويتر»، إن «دول الخليج تعلم أن الحوثي أبعد مايكون عن الحل وأن اليمن بوابة عبور إيران للوصول إلى تلك الدول»، معتبرا أن «ما يدعو إليه الأصدقاء في الغرب من سلام أو يروج له المبعوث الدولي هو ملهاة ومجرد إسقاط واجب».
تصريحات البركاني الغاضبة جاءت بعد تعهدات الأمين العام لمجلس التعاون االخليجي الأسبوع الماضي، بدعم جهود الحكومة الشرعية اليمنية، وجهود الأمم المتحدة الرامية إلى «تمديد الهدنة وإيقاف إطلاق النار في اليمن والتوصل إلى حلٍ سياسي شامل للأزمة اليمنية لتحقيق تطلعات الشعب اليمني».
ما طرحه الحجرف من إشارات عن السلام والحل السياسي أعيد بصيغة مختلفة في بيان للخارجية السعودية التي رغم تنديدها بالعملية الإرهابية التي نفذتها جماعة الحوثي على ميناء بمحافظة حضرموت قبل أيام إلا أنها شددت على دعمها لـ«جهود الأمم المتحدة الرامية إلى تمديد الهدنة وإيقاف إطلاق النار في اليمن والتوصل إلى حلٍ سياسي شامل للأزمة اليمنية»، وهو ذات الموقف الذي اتخذته الإمارات العربية التي حثت في بيان لخارجيتها المجتمع الدولي على توحيد الجهود واتخاذ موقف حاسم لوقف الجرائم التي ترتكبها جماعة الحوثي، وذلك لـ«فسح الطريق أمام الوصول إلى وقف شامل لإطلاق النار في اليمن والعودة إلى عملية سياسية تؤدي إلى تحقيق السلام والأمن والاستقرار في اليمن».
ما أشعر بعض الأطراف اليمنية بالغصة أن تلك البيانات الاستنكارية الداعية إلى عودة العملية السياسية صدرت في أعقاب عملية وصفتها منظمات ومؤسسات دولية بـ«الإرهابية»، ففي تطور نوعي استهدفت جماعة الحوثي ميناء الضبة النفطي في محافظة حضرموت لمنع الحكومة من «نهب النفط الخام» على حد تعبير البيان الحوثي الصادر عقب تنفيذ العملية التي وصفوها بـ«التحذيرية».
البيان الحوثي قال إنّ الهجوم أتى «منعا لاستمرارِ عملياتِ النهبِ الواسعةِ للثروةِ النفطيةِ وعدمِ تخصيصِها لخدمةِ أبناءِ الشعبِ فيما يخصُ مرتباتِ موظفيه»، في إشارة إلى مطالبتهم بالحصول على حصة من مبيعات النفط اليمني لصالح موظفيهم المدنيين والعسكريين.
واعتبرت وسائل إعلام يمنية إن التصعيد الحوثي بقصف ميناء الضبة النفطي وإطلاق معارك ومناوشات في الضالع وشبوة ورفع مستوى التوتر الأمني كلها عناصر تسهدف جر السعودية والإمارات إلى اعتماد الطيران للرد على استفزاز الجماعة التي تسعى من وراء ذلك للحصول على مبرر لإعادة هجماتها بالصواريخ والمسيّرات على مواقع سعودية وإماراتية.
وقالت مصادر سياسية يمنية إن الحوثيين يهدفون إلى جر دول الخليج إلى تصعيد جديد خاصة في ظل التوتر بين الولايات المتحدة والسعودية على خلفية موقف (أوبك+) من خفض إنتاج البترول وهو مناخ يعتقدون أنه ملائم لتحصيل مكاسب سياسية.
اللافت أن عملية استهداف الميناء النفطي وقعت في وقت تسعى فيه أطراف الصراع إلى الوصول إلى اتفاق لتمديد الهدنة التي فشل المبعوث الأممي في الحصول على موافقة الحوثيين بتمديدها مطلع شهر أكتوبر الجاري، نتيجة تقدم الجماعة بمطالب وصفت بـ«التعجيزية»، شملت المطالبة بصرف رواتب القوات العسكرية والأمنية التابعة للجماعة من إيرادات النفط والغاز في المناطق المحررة.
وكان الحوثيون قد توعدوا في بيانات سابقة باستهداف المنشآت الاقتصادية للنفط والغاز في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، في حال لم تنفذ مطالبهم، كما لوحوا بتعطيل ممر الملاحة البحري في البحر الأحمر، في محاولة لابتزاز المجتمع الإقليمي والدولي.
وفي أول رد من «الشرعية» على الهجوم الحوثي، أكدت الحكومة اليمنية أن «كل الخيارات مفتوحة للتعامل مع الهجوم الإرهابي الحوثي»، وطالبت كافة الدول باتخاذ «إجراءات صارمة وقوية لإدانة هذا العمل الإرهابي، والنظام الإيراني المارق الذي يقف خلفه».
وكشفت الحكومة في بيان نشرته وكالة الأنباء اليمنية الرسمية عن أن الهجوم الحوثي الذي استهدف ميناء الضبة النفطي باستخدام الطائرات المسيرة، أثناء رسو سفينة لشحن النفط الخام من الميناء، هو الهجوم الثاني من نوعه بعد استهداف ميناء رضوم البترولي بهجمتين متعاقبتين في ليلتي 18 و19 أكتوبر الجاري.
وبعد ساعات من الهجوم اجتمع مجلس الدفاع الوطني اليمني برئاسة رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي وأصدر قرارا يصنف جماعة الحوثيين كمنظمة «إرهابية»، في تصعيد سياسي غير مسبوق منذ اندلاع الحرب.
بيان مجلس الدفاع أوضح أن التصعيد الحوثي يعفي الحكومة اليمنية من كافة الالتزامات بما فيها اتفاق ستوكهولم 2018 وبنود الهدنة الإنسانية المنهارة.
وتوقعت مصادر دبلوماسية يمنية انزلاق الأوضاع إلى تصعيد عسكري، مشيرا إلى مجلس القيادة اليمني وضع خططا لهذا السيناريو، لافتة إلى أن الحكومة اليمنية قبلت بالتهدئة في الأسابيع الأخيرة رغم عدم التوصل إلى اتفاق لتمديد الهدنة لتمنح الأطراف الدولية والإقليمية الفرصة لإقناع الحوثيين بقبول شروط الهدنة التي طرحها المبعوث الأممي.
وأشار المصدر إلى قبول الحكومة اليمنية بحل وسط يقضي بأن تقبل «الشرعية» بمنح الحوثيين رواتب العسكريين المتقاعدين، إلى جانب الموظفين المدنيين، لكنه شدد على أنهم لن يقبلوا بدفع رواتب العسكريين الحاليين «لا يوجد منطق يقبل بأن ندفع رواتب من يحاربوننا ويطلقون النار على شعبنا».
مجلس القيادة الرئاسي أكد عقب اجتماع عقده الثلاثاء الماضي على ضرورة حشد وتعبئة كافة القدرات والطاقات لتعزيز حضور الدولة، ووحدة الصف في مواجهة جماعة الحوثي وانتهاء انقلابها على الدولة، متعهدا بالعمل على تحييد النشاط الإنساني عن الإجراءات والآليات المعتمدة لتنفيذ قرار مجلس الدفاع الوطني الأعلى بتصنيف الجماعة الحوثية كمنظمة إرهابية.
وفيما وصف بأنه محاولة لتدارك الأزمة التي تسببت فيها تصريحات رئيس مجلس النواب سلطان البركاني أشاد مجلس القيادي الرئاسي اليمني بـ«المواقف المشرفة لتحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وكذا الإدانة والتنديد العربي والدولي الواسعين بهجمات واعتداءات الحوثيين وداعميهم الإيرانيين، والتي سيكون لها تداعيات كارثية على الأمن والسلم الدوليين».
كانت وسائل إعلام سعودية ألمحت إلى أن هناك اتجاه بحل مجلس النواب اليمني وتكليف هيئة التشاور والمصالحة كبديل عن برلمان البركاني.
وسخر نائب رئيس تحرير صحيفة عكاظ الرسمية السعودية، عبدالله آل هتيلة، من البركاني وقال له في تغريدة له على حسابه بمواقع التواصل الاجتماعي «تسلطن مع نفسك.. خربشاتك لا تقدم ولا تؤخر»، مؤكدا عزم بلاده على المضي قدما في تنفيذ قرار كانت أطراف نافذة في الحكومة الموالية للسعودية تحاول تعطيله.
ولفت مصادر يمنية إلى أن انتقادات البركاني تعكس حالة غضب من الموقف الخليجي، «كان أولى بعد إعلان مجلس الدفاع الوطني اليمني تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية أن تبدأ دول الخليج المنضوية في التحالف العربي في الاستعداد لخوض معركة لكسر المليشيا الإيرانية بدعم وغطاء دولي».
وكما انتقدت أطراف يمنية تراخي دول الخليج إزاء حالة الأمر الواقع التي فرضها الحوثيين في الشهور الأخيرة، حملت تلك الأطراف مجلس القيادة الرئاسي مسئولية ما آلت إليه الأمور، خاصة أنه تعهد في بداية تسلمه السلطة من الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي بحسم الصراع سياسيا أو عسكريا، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
وترى تلك الأطراف أن مجلس القيادة صار رهينة للموقف الخليجي المرهون هو الآخر بالحسابات الإقليمية والدولية المعقدة «السعودية لا تسعى إلى التصعيد في هذه المرحلة فمن ناحية لا تريد الرياض منح واشنطن ذريعة بتحميلها مسئولية انهيار الهدنة الإنسانية في اليمن، ومن ناحية آخرى لا تسعى إلى إشعال جبهة الصراع مع إيران في اليمن حتى تتضح نوايا الأخيرة من الوصول إلى تسوية العديد من ملفات المنطقة المشتعلة».
«الموقف السعودي لا يجب أن يكون ملزما لحلفائها في اليمن» يقول مصدر يمني، لافتا إلى أن جماعة الحوثي ستصعد من مطالبها وتشدد في مواقفها إن لم يكن هناك رد حازم على هجماتها الأخيرة، مضيفا «لا يعقل أن يتم استهداف مواقع يمنية من قبل الحوثيين وتقف الحكومة اليمنية الشرعية موقف المتفرج».
وأكد المصدر أن حلفاء الرياض في اليمن هم خط الدفاع الأول عن الحدود السعودية، «لو لم نواجه الحوثيين في جبهات اليمن لانتقلت الحرب إلى داخل الأراضي السعودية»، معتبرا أن الإصرار على استجداء السلام من الحوثيين سيمنحهم فرصة لترتيب صفوفهم وهو ما يعني مد أمد الحرب وتمكين إيران من التلاعب بأمن المنطقة.