هذه القرارات كارثية وتؤذي الفقراء.. هكذا علق عدد من قياديي الأحزاب المصرية وخبير اقتصادي، على قرارات البنك المركزي الأخيرة. فرغم اختلاف توجهاتهم السياسية وخلفياتهم الإيديولوجية، إلا أنه كان هناك درجة من الاتفاق على خطورة تلك القرارات وضررها بالنسبة لمحدودي الدخل. غير أن هذا التقييم لم يمنع قياديين حزبيين آخرين من تأييد القرارات تحت دعوى الضرورة الاقتصادية.
وكان البنك المركزي المصري أعلن اتخاذ عدة إجراءات ترمي بحسب ما أعلن إلى تطوير سوق المشتقات المالية ورفع مستويات السيولة من العملات الاجنبية، ضمن القرارات، تحرير سعر صرف الجنيه، وزيادة الفائدة، غير أن القرار ألغى تدريجيا “التعليمات الصادرة بتاريخ 13 فبراير/شباط 2022” والخاصة باستخدام الاعتمادات المستندية في عمليات تمويل الاستيراد، وصولا إلى الإلغاء الكامل في ديسمبر/كانون أول 2022.
ومن أجل استقرار الأسعار على المدى المتوسط، قررت لجنة السياسة النقدية في اجتماعها الاستثنائي، رفع سعري عائدي الإيداع والإقراض لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 200 نقطة أساس ليصل إلى 13,25% و 14,25% 13,75%، على الترتيب، كما تم رفع سعر الائتمان، والخصم بواقع 200 نقطة أساس ليصل إلى 13.75%.
وذيل “المركزي” حزمة إجراءاته بـ”أن الاقتصاد العالمي واجه العديد من الصدمات، والتحديات التي لم يشهد مثلها منذ سنوات، تعرضت الأسواق العالمية في الآونة الأخيرة لانتشار جائحة كورونا وسياسات الإغلاق، ثم استتبعها الصراع الروسي الأوكراني والذي كان له تداعيات اقتصادية وخيمة، مما تسبب في الضغط على الاقتصاد المصري، حيث واجه تخارج لرؤوس أموال المستثمرين الأجانب، فضلا عن ارتفاع في أسعار السلع”.
واعتبرت لجنة السياسة النقدية أن هدف رفع أسعار العائد، أولا احتواء الضغوط التضخمية الناجمة عن جانب الطلب، وثانيا ارتفاع معدل نمو السيولة المحلية، وأيضا التوقعات التضخمية، والأثار الثانوية لصدمات العرض.
وبحسب البيان: “ستواصل لجنة السياسة النقدية إعلان المعدلات المستهدفة للتضخم، والتي بدأت منذ عام 2017، مضيفة أن تحقيق معدلات تضخم منخفضة ومستقرة على المدى المتوسط يدعم المواطن، ويحافظ على مكاسب التنافسية للاقتصاد المصري”.
اقرأ أيضا.. “المركزي”: تحرير كامل للجنيه ورفع الفائدة.. قرارات تؤثر سلبا على الاستثمار والتشغيل وتزيد فوائد الديون
نتائج كارثية
الدكتور طلعت خليل أمين عام حزب المحافظين، ومقرر لجنة الدين العام، والإصلاح المالي قال إن قرار “تحرير سعر صرف الجنيه” سيكون له نتائج كارثية. كما أكد أنه سيؤدي إلى موجة تضخمية جديدة، وغلاء غير مسبوق في الأسعار.
ولم يخف النائب السابق بمجلس النواب المصري اعتراضه على قرار التعويم في نوفمبر 2016. كما أشار إلى أنه سبق وحذر من آثار قرارات التعويم في زيادة الدين داخليًا، وخارجيًا.
وتستهدف الحكومة من إجراءات تحرير سعر الصرف “التعويم” حسبما أفاد مقرر لجنة الدين العام، والإصلاح المالي بالحوار الوطني، زيادة الإنتاج، وإعادة تشغيل المصانع الكبرى، لإدراك ميزة تنافسية في المنتج المصري.
لكن عمليا ومع تكرار “التعويم” مرة أخرى بعد 6 سنوات، وترك “قيمة الجنيه” للعرض، والطلب تحت مزاعم زيادة المعروض من السلع الواردة، وضبط الأسواق، سينتهي الأمر إلى انخفاض القوة الشرائية للمواطنين، دون أثر إيجابي على الاستثمار على حد قوله.
أما مسألة رفع سعر الفائدة لامتصاص التضخم أمر مقبول نظريا، غير أن الأجدى هو العمل على دفع الاقتصاد المصري للتنافسية، واستطرد قائلا: “الحل في سياسات اقتصادية جادة. كما أعرب عن قلقه على المواطنين الذين لن يتحملوا مثل هذه القرارات”.
وفي 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وبعد اجتماع استثنائي أعلن البنك المركزي المصري تحرير سعر الصرف، ورفع سعر الفائدة إلى 3%. وبمجرد صدور القرار، وضع البنك سعرا استرشاديا لصرف الدولار عند 13 جنيها، بعد أن كان مستقرا عند 8,18%، أعقب ذلك ارتباكًا في الأسواق، وحركة مضاربة على الدولار، حقق معها التجار مكاسب ضخمة. لكن في نهاية العام، قفز سعر صرف الدولار إلى 19,60 جنيه.
الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الخالق فاروق اعتبر أن أهم قرارين للبنك المركزي هما “تعويم الجنيه” بما يعني تركه يتحدد حسب قوى العرض والطلب، ورفع سعر الفائدة بنسبة 2%. كما أشار إلى أن قيمة الجنيه ستنخفض، لأن البلاد أدمنت الاعتماد على الخارج في كل شيء، ما سيؤدي بالضرورة إلى ارتفاع الأسعار.
التضخم سيستمر
عبدالخالق أضاف لـ”مصر360″ أن رفع سعر الفائدة بنسبة 2% جاء لامتصاص التضخم، لكن لم يخبرنا أحد كيف سينخفض التضخم؟. كذلك أكد: “هناك تخبط واضح، وسيسفر عن موجة شديدة من التضخم”.
ووصف الخبير الاقتصادي الإلغاء التدريجي الخاص بـ”الاعتمادات المستندية” والذي سينتهي بنهاية العام الجاري بـ”العك”، واستطرد: “لا أحد يقول لنا إنهم لم يعرفوا، لأن الاقتصاد المصري ليس حقلًا للتجارب”.
تحفظ دوائر الأعمال
بدوره، وفي سياق متصل قال عبد المنعم إمام رئيس حزب العدل، وأمين سر لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، إن قرار البنك المركزي بوقف التمويل، والائتمان لمعاملات الاستيراد وفق “مستندات التحصيل” والعمل فقط باستخدام “الاعتمادات المستندية” يحتاج إلى توضيح. كما لفت إلى أن القرار قوبل برفض تام من ممثلي الغرف التجارية، والصناعية، ورجال الأعمال، والمصدرين.
رفض القرار -بحسب تصريحات إمام- يستند إلى التبعات المتحققة من آلية عمل الاعتمادات المستندية، وما تفرضه من عوائق على فئات المستودرين والمصدرين، والمصنعين، وأصحاب الأعمال نظير رفع أعباء التسهيلات الائتمانية، أو الفوائد على تمويل البنوك للمستوردين جراء اعتماد كامل قيمة الشحنة للموردين. خلاف ما كان معمولا به في نظام التحصيلات المستندية الذي كان يتيح للمستورد تحويل نسبة من إجمالي القيمة. وليس كامل القيمة المحصلة والتي تصب في ارتفاع التكلفة التمويلية على المستوردين، وما يتبع ذلك من آثار ضمنها رفع تكلفة الإنتاج والتصنيع، ومن ثم رفع الأسعار النهائية على المستهلكين.
ولفت إلى أن قرار كهذا سيتسبب في تراجع استيراد احتياجات الصناعة، ومستلزمات الإنتاج، والسلع الوسيطة، بما ينعكس على حجم الإنتاج، ووفرة السلع، وبما سيؤدي إلىآثار سلبية على المنتج، والمستهلك.
وأوضح أن قرار “الاعتمادات المستندية” المدرج في بيان البنك المركزي، سيعطل وصول مدخلات الإنتاج المستوردة، سواء خامات، أو قطع غيار. كما سيلحق ضررا بمستهدفات الشركات المصدرة للخارج، وقدرتها التنافسية، وسيؤثر كذلك على التزاماتها. وما قد يتبعه من فقد للعملاء والأسواق، على عكس تطلعات الدولة التي تستهدف زيادة حجم الصادرات بقيمة 100 مليار جنيه.
“تحرير الاقتصاد”
وينفرد رئيس حزب المؤتمر عمر صميدة في تأييده وتقييمه عما ورد من آراء سابقا، فيرى أن إجراءات البنك المركزي متوقعة ومنتظرة لتحرير الاقتصاد من تقييم غير واقعي للجنيه أمام العملات الأخرى. مؤكدا حاجة الاقتصاد المصري لمزيد من القرارات الحاسمة.
لكن عبد الخالق فاروق فرق بين أنواع السلع الواردة التي سيوفرها “تحرير سعر الجنيه المصري”، مشيرًا إلى أنه حال كونها سلع استهلاكية، أو مستلزمات مصانع تقوم بنسبة 70% على خامات مستوردة، فإن ذلك سيشكل ضغطًا عليها.
وهم التعويم
وأردف قائلا: “المراهنون على أن التعويم سيجعل اقتصادنا أفضل واهمون”، مستشهدًا بـ”صناعة السيارات” على سبيل المثال-، باعتبارها –على حد قوله –عنابر لتجميع السيارات. وستواجه بتكاليف إنتاج أعلى، ومثلها “الألبان، والسلع الغذائية” المستوردة من الخارج.
وتساءل “فاروق”: التعويم سيوفر الدولار، لكن سيوفر لمن؟. واستطرد: “لو عندي مصنع ستزيد تكاليف إنتاجه، هل سيتحمل السوق هذا؟. وهل هذه هي الطريقة الوحيدة لتوفير الدولار؟”.
سياسات الحكومة –حسب رؤية “فاروق”- هي المسئولة عن هذا المصير، نظير تباهي بعض المسئولين بإقبال عالمي على أدوات الدين الحكومية، دون وعي بأنها بلغت 18%، ومعفاة من الضرائب. رغم مطالبات بفرض رقابة على الأموال الساخنة، وخلال أسبوع واحد خرج 20 مليار دولار من مصر، عندما رفع الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة.
كما طالب الخبير الاقتصادي بوضع ضوابط، ومدد محددة كحد أدنى 3 أشهر، حتى لا يترك المتعاملون في أدوات الدين لهواهم، والخروج من مصر فجأة، ودون مقدمات.
وأظهر تقرير حديث لوكالة “ستاندرد آند بورز” للتصنيف الائتماني أن استثمارات الأجانب في أذون وسندات الحكومة المصرية ارتفعت إلى 33 مليار دولار، في أوائل أغسطس 2021.
تأييد لرفع الفائدة
وحسب تصريحات ناجي الشهابي رئيس حزب الجيل فإن رفع سعر الفائدة المضمن في بيان البنك المركزي جاء لمواجهة ارتفاع التضخم. كما أنه يتسق مع السياسات النقدية للحد من انعكاسات سلبية لموجة التضخم على الوضع المعيشي للمواطنين.
غير أن “فاروق” اعتبر رفع سعر الفائدة بنسبة 2% بمثابة زلزال في سوق المال، والنقود المصري، كما أن ما اعتبره البعض ضرورة للسيطرة على التضخم لا يعدو كونه “كلام كتب”. كما أوضح أنه يجب الأخذ في الاعتبار طبيعة البيئة الاقتصادية، والتي تعتمد على الخارج بنسب مرتفعة.
أما الحديث عن انخفاض معدل التضخم، بعد ارتفاعه، فهذا يحتاج إلى السيطرة على عناصر الإنتاج في السلع الاستهلاكية.
الخبير الاقتصادي قال: “إن أثر التعويم سيظل موجودًا، وقدرة الحكومة على ضبط الأسواق محدودة، لأن السلعة الواحدة لها أكثر من سعر في الأسواق”.
وطبقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، زاد التضخم السنوي لأسعار المستهلكين إلى 15% في سبتمبر/أيلول مقابل 14.6% أغسطس/آب الماضي، وهو أعلى معدل للتضخم منذ عام 2018.
حتمية ولكن
من جانبه وصف الدكتور فريدي البياضي عضو الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي قرارات البنك المركزي بـ”الحتمية” من الناحية الاقتصادية. لكنه أضاف أن الأزمة تكمن في الحكومة التي لم تنتهج تحريرا كاملا للعملة، وقررت التحكم في سعر العملة لفترات طويلة، على أن تحركها بشكل مفاجئ ما قد يتسبب في صدمة بالأسواق، ويترك تأثيرًا بالغًا على المواطن.
أضاف في تصريح لـ”مصر360″ أن الحكومة بعد إقرار حزمة حماية اجتماعية، مطالبة بتقديم مزيد من الضمانات والمساعدات الاجتماعية لحماية الطبقات الأكثر تضررًا، وإصلاح السياسات الضريبية لتقديم مزيد من الإعفاءات.
ولفت إلى أن آثار تعويم 2016 لم تنقض، وتحمل المواطن أعباءً كثيرة، وكان من المفترض البناء عليه، لكن الحكومة الحالية يجب أن تتحمل مسئولية ما آلت إليه الأوضاع-على حد وصفه.