لم يواجه العالم منذ الحرب العالمية الثانية (1939- 1945) خطرا وجوديا في حجم الإرهاب، الذي حصد أرواح مئات الآلاف من البشر خلال العقود الأخيرة، ومازال يمثل تهديداً أمنياً عالمياً رغم الجهود الدولية الحثيثة لمكافحته، حيث سجلت 71 دولة على الأقل مقتل شخص واحد بسبب عمليات إرهابية خلال العام الماضي، مع تصاعد مخاطر الإرهاب اليميني المتطرف للعام الثالث على التوالي، في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية.
ويقض الإرهاب مضاجع الناس في العالم أجمع، حيث لم تعد دولة على مستوى الكرة الأرضية في مأمن منه، وهو يفعل ذلك عمدًا؛ فهذا هو الهدف منه، ولذلك شغل جانبًا كبيرًا من اهتمام الدول في السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، وبات القضية الأكثر خطورة وأهمية على مائدة المجتمع الدولي، في الوقت الراهن.
وفي هذا الملف نرصد نشأة وتطور الجماعات والمنظمات الإرهابية على المستوى العالمي، وما هي الدوافع الكامنة وراء أعمال العنف في كل قارة على حدة، وكيف أصبح الإرهاب ظاهرة عابرة للحدود والثقافات.. وإلى تفاصيل الملف:
sss
أمريكا الشمالية تحت طائلة «الإرهاب الأبيض»
عانت أمريكا الشمالية منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى الآن، مما بات يُعرف في الأدبيات السياسية المعاصرة باسم «الإرهاب البيض»، الذي ترتكبه جماعات اليمين المتطرف، حيث تم خلال العقود الأخيرة تسجيل أعلى نسبة ضحايا بسبب الأعمال الإرهابية التي ترتكبها هذه الجماعات في الولايات المتحدة وكندا، وذلك بسبب سهولة الحصول على الأسلحة النارية في أمريكا الشمالية بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاص.
وشعرت الجماعات اليمينية المتطرفة في الولايات المتحدة بالجرأة والتمكين، خلال الحملة الانتخابية للرئيس دونالد ترامب عام 2016، حيث نُظر إلى فوز «ترامب» على أنه انتصارٌ كبير للقوميين البيض، ومثّلت أفكاره حافزا لهذه الفئة المتطرفة للتمدد، خصوصا أن «ترامب» جاهر بأفكار عنصرية رفضها المثقفون الأمريكيون والأوروبيون منذ الوهلة الأولى.
منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض مطلع عام 2017، شهد المجتمع الأمريكي موجات غير مسبوقة من جرائم الكراهية والتمييز العنصري، رفعت معدل حوادث إطلاق النار التي تحصد المزيد من أرواح الأمريكيين، فيما ارتفعت نسبة الجرائم والاعتداءات على الأقليات إلى أعلى مستوى لها.
وأزكت تصريحات ترامب التحريضية ونزوعه لما يسمى «التفوق العرقي للبيض»، نيران التمييز العنصري المتأصل في الولايات المتحدة وساعدت على انتشاره كما النار في الهشيم، فشهدت البلاد على أيدي الجماعات اليمينية المتطرفة بعضا من الأعمال الإرهابية المروعة.
يعتبر البعض أن مسؤولية «ترامب» عن ارتفاع جرائم الإرهاب الداخلي والكراهية وإطلاق النار، لا تقف فقط عند عنصريته ومواقفه القائمة على التمييز والتفرقة بين الأمريكيين، بل تتعداها إلى تجاهله عواقب هذه الجرائم ورفضه كل المحاولات الهادفة إلى تعديل القوانين الخاصة بحيازة السلاح، إرضاء للوبي الأسلحة الأمريكي الذي يتألف من جماعات ضغط وشركات لا يرغب ترامب بمعارضتها نظرا للمصالح المشتركة التي تجمعه بها.
عقود من الوحشية
ظهر الإرهاب في الولايات المتحدة مع نشأة جماعة «كو كلوكس كلان» عام 1865، حيث توسعت هذه الجماعة الدموية بشكل أخطبوطي في العشرينيات من القرن الماضي، وكانت تضم أكثر من خمسة ملايين عضو، بما في ذلك أعضاء في مجلسِ الشيوخ، وحكام بعضِ الولايات، وكانت تتصرف دون قيود قانونية، إما بسبب التعاطف وإما بسبب العجز من جانب سلطات إنفاذ القانون. وتمكنت من ممارسة نفوذ كبير من خلال ارتكاب أعمال عنف ضد الأمريكيين من أصل إفريقي، وضد العرقيات الأخرى وأصحاب الديانات غير المسيحية في البلاد، وغرست الخوف بين المجتمع الأمريكي عبر عقود عديدة من الوحشية والإرهاب.
صدر قانون لردع الـ«كو كلوكس كلان»، كان أول تشريع في الولايات المتحدة يمكن اعتباره قانونًا لمكافحة الإرهاب، عندما أصبح ذلك التشريع اتحاديًا في 1871، تم وضع تسع مقاطعات في ولاية كارولينا الجنوبية تحت الأحكام العرفية وأُلقي القبض على عشرات الأشخاص، وكانت أوهام ومخاوف أعضاء هذه الجماعة الذين برروا بها استخدامهم لسياسة القتل الإرهابي المنظم ضد السود، أن السود يغتصبون النساء البيض ويسعون للسيطرة على البلاد.
يضم اليمين الأمريكي المتطرف في الوقت الراهن طيفا واسعا من الجماعات القومية النازية، والفاشيست الجدد، وأعداء الأجانب العنصريين، منها حركة «كو كلوكس كلان» الشهيرة، والحركة الوطنية الاشتراكية، وهامر سكينز (Hammerskins)، واريان نايشنز (Aryan Nations). وتتشارك هذه الجماعات في عدد من الرؤى والأهداف والدوافع، حيث تنهل من معين أفكار النازية الألمانية والفاشية الإيطالية القديمة.
في كتابه «البديل الأمريكي: صعود اليمين المتطرف في عهد ترامب»، يقول الكاتب والمحلل ديفيد نيورت «إن معظم جماعات اليمين المتطرف في أمريكا، اليوم، تنتمي إلى طيف واسع من الجماعات، بات يطلق عليه في أدبيات الظاهرة، وفي وسائل الإعلام الأمريكية «اليمين البديل The alt-right»، أو (alternative right) وتشمل جماعات: القومية والعنصرية، الفاشية والنازية الجديدة، ومعاداة السامية، وإنكار المحرقة، والفوضوية، والمتطرفين المسيحيين، المؤيدين لنظرية المؤامرة، والشعبوية، ومعاداة الإسلام، ومعارضة حقوق المرأة، ومعارضة الهجرة واللاجئين، والجماعات التي تدعو إلى عزلة أمريكا والسياسات الاقتصادية الحمائية، والرأسمالية الفوضوية.
يعود أول استخدام للمفهوم إلى الفيلسوف الأمريكي المحافظ، بول جوتفريد، في نوفمبر عام 2008، لكنه أخذ شكله الحالي منذ عام 2008، مع ريتشارد سبنسر، مؤسس حركة «اليمين البديل»، وأحد أهم الشخصيات في تاريخ الجماعات المتطرفة، حيث أطلق هذا الاسم لوصف الأشخاص الذين لا يؤمنون بالمساواة أو التعدد الثقافي أو الهجرة المفتوحة للآخرين، قائلا «العرق هو أساس هويتنا». وهو أحد داعمي الحراك في شارلوتسفيل بولاية فرجينيا في عام 2017، الذي دفع بالحركة اليمينية إلى الواجهة. وقد كان يطلق عليها حركة الحقوق المدنية للبيض، كما أنه طالب بمعيشة البيض بعيداً عن اليهود أو العرب أو السود، الأمر الذي يؤكد تنامي ظاهرة «الإكزينوفوبيا» أو رهاب الأجانب الذي يتسم بالكراهية وعدم الثقة بمن يختلف، سواء في العرق أو اللون أو الدين أو الجنس.
يعتنق معظم أعضاء الجماعات المتطرفة نظريات المؤامرة، التي تبسط لمعتنقيها عالمًا معقدًا ويزداد تعقيدا. إن الاغتراب والتفكك الناجمين عن الحداثة، وغضب البعض من الاتجاه الذي تسير إليه الأمور، والشعور بالتخلف عن الركب، كلها تمثل جوهر «خطاب المظلومية» لمثل هؤلاء الأعضاء في مواجهة أعداء وهميين، يسعون إلى «إلحاق الهزيمة» بجماعتهم.
ويرصد بعض المحللين مفارقة في كون بشار الأسد، رئيس النظام السوري، أصبح «أيقونة» لليمين المتطرف في أمريكا، وذلك بعد الإشادة به في احتجاجات حديثة لهذه الجماعات.
بشار الأسد أصبح «أيقونة» لليمين المتطرف في أمريكا
لوحظ أن سقوط آلاف الضحايا المدنيين نتاج أساليب «الأسد» القاسية عززت مكانته لدى الجماعات اليمينية المتطرفة، ففي فيديو نشر على «تويتر» أشاد 3 رجال شاركوا في احتجاجات «شارلوتسفيل» باستخدام الأسد البراميل المتفجرة لقهر المجتمعات التي انقلبت ضده، وارتدى أحدهم قميصًا يقول «شركة بشار لتوزيع البراميل». وأثنى ديفيد دوك، القائد السابق لحركة «كو كلوكس كلان»، على بشار الأسد، واصفًا إياه بأنه «قائد مذهل»، وأنه «يجب أن يكون الرئيس الأسد حليفنا الوثيق».
إلى ذلك، ترى صحيفة « الواشنطن بوست » أن «علاقة الحب» بين اليمين المتطرف و«الأسد» متوقعة تمامًا، باعتبار أن حزب «البعث» السوري الحاكم في سوريا قومي متشدد.، كما أن الحزب السوري القومي الاجتماعي هو واحد من الأحزاب السياسية القليلة المسموح بها في سوريا، كان من أشد داعمي بشار في الحرب، والذي يستلهم شعاره من شعار النازية، أي الصليب المعقوف.
جرائم «الإرهاب الأبيض»
نفذت جماعات اليمين الأمريكي المتطرف عددا من العمليات الإرهابية الكبرى في تاريخ البلاد، عُرفت خلال الأعوام الأخيرة باسم عمليات «الإرهاب الأبيض»، منها العملية التي نفذها تيموثي مكيفي، وهو رقيب سابق في القوات المسلحة الأمريكية، وشارك في حرب الخليج الأولى، في 19 إبريل 1995، عندما فجر شاحنة محملة بـ 2.2 طن من المتفجرات في مبنى ألفريد مورا الفيدرالي بمدينة أوكلاهوما، ما أدى إلى مقتل 168 شخصاً، من بينهم 8 ضباط أمن، وإصابة 680 شخصاً. وقد تمّ إعدام «مكيفي» في 11 يونيو 2001.
مناخ من العنف
وشهدت البلاد خلال العامين الماضيين عشرات من حوادث إطلاق النار كان أبرزها في أكتوبر 2017 عندما أطلق رجل النار على حفل موسيقي في لاس فيجاس بولاية نيفادا ما أسفر عن سقوط 58 قتيلا ونحو 500 جريح. ويمثل مناخ العنف بشكل عام سمة تطبع الأجواء في الولايات المتحدة، وهو ما يمثل بيئة مناسبة لممارسات اليمين العنصري العنفية، فقد سجلت حوالي 1.2 مليون جريمة عنف في 2018 في هذه الدولة العظمى. وسُجل في 2018 ما مجموعه 16214 جريمة قتل، ارتُكب نحو 75 في المائة منها بواسطة أسلحة نارية، وفقاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي.
وشهد عام 2019 وقوع أكبر عدد من عمليات القتل الجماعي منذ السبعينيات، بواقع 41 عملية قتل فيها فوق أربعة أشخاص باستثناء مرتكب الجريمة. ومن بين هذه العمليات كان هنالك 33 حالة إطلاق نار قتل فيها 210 أشخاص. وأشارت الإحصائيات إلى أنه تم تنفيذ معظم هذه الحوادث بالأسلحة النارية مبينة أن توصيف القتل الجماعي ينطبق على أي حادث ينطوي على مقتل أربعة أشخاص وما فوق باستثناء القاتل. وقالت الصحيفة إن معظم عمليات القتل الجماعي لم تجد طريقها إلى وسائل الإعلام الوطنية، لأنها لم تقع في أماكن عامة، ويتضمن غالبها قتل زملاء العمل، أو الأقارب، أو أفراد عصابات.
شهد عام 2019 أكبر عدد من عمليات القتل الجماعي منذ السبعينيات، بواقع 41 عملية و 33 إطلاق نار
وفي أغسطس 2017، نظمت الجماعات المتطرفة تظاهرة تحت عنوان «وحِّدوا اليمين» في مدينة شارلوتسفيل في فرجينيا، وقاد أحد أعضائها ويدعى أليكس فيلدرز سيارته، وصدم حشدًا من المتظاهرين المناوئين للحركة، ما أدَّى لقتل أحدهم، وإصابة 28 آخرين.
«دواعش أمريكا»
وتشترك الهجمات الإرهابية المرتبطة باليمين الأمريكي المتطرف مع تنظيم «داعش» في انتهاج نفس الأساليب، سواء من دعم «الذئاب المنفردة» أو ظهور أفراد متأثرين بالفكر المتطرف وحملاته الإعلامية، ومن ثم ارتكاب عمليات إرهابية عشوائية أشبه بجرائم منفردة، مثل إطلاق النار على مصلين أو مناطق تجمع جماعات إثنية معينة، مثل حادثة بيتسبرج في أكتوبر 2018، حين هجم سائق شاحنة يدعى روبرت باورز على الكنيس اليهودي، ما أسفر عن مقتل 11 شخصاً. وذكر حينئذ أن اليهود هم «أبناء الشيطان»، وتبع ذلك حادثة إطلاق نار قرب معبد بمناسبة عيد الفصح في إبريل 2019، في مدينة سان دييجو الأمريكية، وهو يصيح «الموت لكل اليهود».
وقُتل 22 شخصا في الثالث من أغسطس 2019، في إطلاق نار بأحد الفروع المكتظة من متاجر «وولمارت» بمدينة إل باسو في ولاية تكساس، حيث قاد مُطلق النار وهو شاب أبيض في الـ21 من العمر، يدعى باتريك كروزياس، سيارته لمدة تسع ساعات من إحدى ضواحي مدينة دالاس، ليرتكب مجزرة في ساعة ذروة داخل مركز تجاري، حيث قتل 22 شخصاً وأصاب 24 آخرين قبل أن يستسلم للشرطة.
وترك منفذ الهجوم، بعض الرسائل التي عبر من خلالها عن كراهيته للمهاجرين، ورفضه لعيشهم داخل البلاد، معتبرا أنهم «أكبر خطر» يهدد الولايات المتحدة. وقال للشرطة عقب القبض عليه: إنه كان ينوي قتل أكبر عدد ممكن من المهاجرين المكسيكيين، لذا اختار المدينة الواقعة على الحدود.
وبعد هذه الحادثة الدموية بساعات قليلة، زرع مسلح الرعب بإطلاق نار جماعي في أحد أحياء دايتون في ولاية أوهايو، فقتل تسعة أفراد وأصاب 26 آخرين، قبل أن ترديه الشرطة قتيلا.
وتسببت هذه الحوادث في إحداث حالة من الاعتراك الإيديولوجي والسياسي داخل البلاد؛ حيث غرّد المسؤول الجمهوري في ولاية تكساس جورج ب. بوش، ابن جيب بوش حاكم ولاية كاليفورنيا السابق، وشقيق الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، إثر الحادث، على موقع «تويتر» في حينها قائلا «إن مكافحة الإرهاب هي أصلا أولوية، لكنني أعتقد أنه بات من الواجب حاليا أن تتضمن أيضا الوقوف بحزم بوجه هذا الإرهاب الأبيض».
جورج ب. بوش على «تويتر»: «إن مكافحة الإرهاب هي أصلا أولوية، لكنني أعتقد أنه بات من الواجب حاليا أن تتضمن أيضا الوقوف بحزم بوجه هذا الإرهاب الأبيض».
ونشرت صحيفة «نيوزويك» في 3 أغسطس 2019 تقريرًا قدمت من خلاله حوارًا مع فرانك فيجليوزي، المساعد السابق لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، الذي اتهم الرئيس دونالد ترامب وإدارته بتمكين الشباب الأمريكي من ارتكاب العمليات الإرهابية.
وقال فيجليوزي إن «الوضع في الولايات المتحدة أصبح شديد التشابه مع التطرف الإسلامي، مؤكدًا أن البلاد تعاني مشاكل كراهية ومشاكل انتشار الأسلحة والعنف، ولكن تتنامى في الوقت الحالي إشكالية الكراهية المرتبطة، بالعرق ويجب أن تتعامل معها الدولة كـ«إرهاب» يهدد البلاد»، مشيرًا إلى أن نصف القضايا المعروضة على مكتب التحقيقات الفيدرالي ترتبط بالإرهاب الأبيض، وهذا النوع من الكراهية التي تدعمها إدارة ترامب.
ولا يواجه مرتكبو هذه الأعمال الإرهابية أي عائق أمام ارتكاب فظائعهم، فالقانون الأمريكي يسمح بحيازة الفرد للسلاح. ورغم تزايد عدد حوادث إطلاق النار وانتشار الرعب في المدارس على وجه الخصوص بعد أن تكررت مثل هذه الحوادث فيها، إلا أن الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب لم تحرك ساكنا، بل عرقلت أي تحرك قانوني لسن تشريعات جديدة تحد من انتشار الأسلحة في الولايات المتحدة وسهولة حيازتها. حيث يعد ترامب من أبرز المدافعين عن حرية اقتناء السلاح، وسبق أن تعهد خلال حملته الانتخابية عام 2016 بالدفاع عما اعتبره «الحق» لدى فئات من الأمريكيين بحمل سلاح، ورفع القيود التي وضعها الرئيس السابق باراك أوباما على شراء الأسلحة.
أعداء الداخل
كشفت دراسة أجراها المركز الاستراتيجي للدراسات الدولية «سي إس آي إس» الأمريكي، في أغسطس 2019 أن الهجمات الإرهابية المرتبطة باليمين المتطرف تصاعدت في الفترة بين 2017 و2019 في الولايات المتحدة، مشيرة إلى أن الهجمات المرتبطة باليمين المتطرف تفوق تلك المرتكبة من التنظيمات الإسلامية المتطرفة، وذلك منذ عام 2014.
من جهة أخرى، أشار كريستوفر راي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، إلى أن الاعتقالات المرتبطة بالإرهاب المحلي في تصاعد، لا سيما تلك المرتبطة بالفوقيين البيض، وأن عدد هذه الاعتقالات وصل إلى مائة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الماضي، وهو ما يزيد على عدد الاعتقالات لعام 2018 بأكمله.
وفي يناير 2019، أفاد مركز «رابطة مكافحة التشهير» حول التطرف بأن كل عملية «قتل متطرف» في الولايات المتحدة عام 2018 كانت مرتبطة بأفراد أو منظمات من أقصى اليمين.
دراسة لـ”المركز الاستراتيجي للدراسات الدولية”: الهجمات الإرهابية المرتبطة باليمين المتطرف تصاعدت في الفترة بين 2017 و2019 في الولايات المتحدة
ويقول ستيف كيليليا، مؤسس والمدير التنفيذي لمعهد الاقتصاد والسلام الأمريكي، إنه على الرغم من أن اليمين المتطرف بدأ من «قاعدة منخفضة»، إلا أن هناك زيادة بنسبة 320% في هجمات القوميين البيض خلال الفترة بين 2014 و2018، وهو ما يثير القلق.
وذكرت دراسة إحصائية أعدها باحثون في جامعة جورجيا الأمريكية، شملت الدراسة كل ما يتعلق بالهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة الأمريكية ما بين عامي 2006 و2015، بأن الهجمات التي شنها «مسلمون» تبلغ 12.5 في المائة فقط من هذه الهجمات. بمعنى أن 87.5 في المائة الأخرى من الهجمات شنها أشخاص ينتمون إلى جماعات اليمين المتطرف.
ويرى كثيرون أن المعركة المستقبلية في أمريكا الشمالية، ينبغي أن توجه نحو «أعداء الداخل”؛ فالخوف الآن بات من الإرهاب الداخلي والعنصرية البيضاء. لكن المأزق الذي تتقاسمه أمريكا وعديد من الدول الغربية، هو استمرار نخبها الحاكم في مغازلة عواطف اليمين القومي المتطرف، بكثير من النفاق والأخبار المزيفة، وتعليق فشلها على الأصعدة كافة، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وأمنيا، بالتحريض على الآخرين باعتبارهم مهاجرين يسرقون عمل البيض، ويدمرون «ثقافة الرجل الأبيض».
كندا «دم وشرف»
أما في كندا، فقد أسفر حادث دهس متعمد عن مقتل عشرة أشخاص وإصابة 16 آخرين، بشارع مزدحم في تورنتو، في إبريل 2019.
استقلَّ شاب (26 عاماً) ينتمي لإحدى الجماعات اليمينية شاحنة، ودهس بها حشداً من المشاة على رصيف مزدحم في شارع «يونج ستريت» في ضاحية «نورث يورك» بتورونتو. وتوفِّيت ثماني نساء ورجلان تتراوح أعمارهم بين 22 و94 عاماً جراء هجوم الشاحنة.
وفي يونيو 2019، أدرجت كندا مجموعتين من اليمين المتطرف في قائمة مراقبة الإرهاب للمرة الأولى، بعد إعلان أجهزة أمنية كندية رفع مستوى اليقظة والحذر تجاه هاتين المجموعتين.
ونشرت هيئة «السلامة العامة» الكندية في حينه تحديثاً لقائمتها حول «الكيانات الإرهابية»، لتضيف إليها منظمة «دم وشرف» وفرعها العسكري «كومبات 18». وقال بيان للهيئة إن منظمة «دم وشرف»، التي تأسست في بريطانيا عام 1987، قامت بأعمال عنف «بما في ذلك القتل والتفجير» عبر ذراعها «كومبات 18».
وأضاف البيان أن «هجمات منظمة دم وشرف وقعت في أمريكا الشمالية والعديد من دول الاتحاد الأوروبي»، في إشارة إلى إدانة أربعة من أعضاء المنظمة في ولاية فلوريدا الأمريكية عام 2012 بتهمة قتل رجلين مشردين.
وتضم «قائمة الكيانات الإرهابية» في كندا 60 مجموعة ومنظمة، معظمها جماعات إرهابية وقومية عنيفة إضافة إلى ميليشيات يسارية. وجاءت إضافة مجموعتي «النازيين الجدد» إلى القائمة بعد نشر جهاز الاستخبارات الكندي تقريره لعام 2018 الذي قال فيه أن «كندا تعرضت لهجمات عدة عنيفة منذ 2014 ارتكبها أفراد تأثروا كلياً أو جزئياً بالتطرف اليميني».
وأورد التقرير إطلاق النار على ثلاثة من ضباط الشرطة في مدينة مونكتون عام 2014 وعلى المركز الثقافي الإسلامي في مقاطعة كيبيك ثاني أكبر المقاطعات في البلاد، عام 2017 والهجوم بحافلة على مارة عام 2018 في تورنتو، وهي أكبر مدن كندا.
مصادر:
- “اليمين المتطرف”.. كابوس يطارد الحلم الأمريكي.
- الإرهاب «الأبيض».. معركة الداخل الأمريكي.
- البديل الأمريكي.. صعود اليمين المتطرف في عهد ترامب.
- الولايات المتحدة وتأزم اليمين المتطرف.
- تقرير دولي: أمريكا ضحية الإرهاب الأبيض.. والسبب سياسات ترامب.
- أمريكا بمواجهة “الإرهاب الأبيض”.. ديمقراطيون يتهمون ترامب.
- «الإرهاب الأبيض».. شبح التطرف يغتال مستقبل الولايات المتحدة؟
- مصطفى قطبي يكتب.. الإرهاب الأبيض يهزّ أمريكا.
- كندا تدرج مجموعتين من اليمين المتطرف على قائمة الإرهاب.