تشهد عدة مدن ألمانية، منذ أيام، حملة مداهمات أمنية واسعة النطاق ضد جمعيات تابعة لـ”حزب الله” اللبناني، تنفذها هيئة حماية الدستور “الاستخبارات” بمعاونة قوات مكافحة الإرهاب، وتستهدف الحملة المقرر أن تستمر خلال الفترة المقبلة، مراكز وجمعيات تشتبه السلطات بأنها تابعة للحزب، وذلك بعد أقل من عشرة أيام على صدور قرار وزارة الداخلية الألمانية في 30 أبريل الماضي، بحظر أنشطة الجماعة في البلاد، وتصنيفها بجناحها السياسي والعسكري “منظمة إرهابية”.

sss

وقررت السلطات الألمانية منع مسيرة لنصرة مدينة القدس المحتلة، كان من المقرر أن ينظمها عدد من أنصار “حزب الله” في برلين، يوم 16 مايو الجاري، وهي المسيرة التقليدية السنوية التي كانت ستُمنع على كل حال، بسبب تدابير منع التجمعات المتخذة لمكافحة تفشي جائحة كورونا في البلاد.

وبمجرد صدور القرار، شنت السلطات حملاتها الأمنية المستمرة على الأرض ضد أنصار الجماعة الموجودين على الأراضي الألمانية، بصفة متزامنة تطبيقًا للقرار، اعتمادًا على أنظمة مراقبة وتصنيف حددت طبيعة انتشار الفئات والاتجاهات المعنية وبؤر الدعم والتأييد المفترضة لـ “حزب الله”.

ومن المتوقع أن تنشر “هيئة حماية الدستور” تقارير دورية بهذا الشأن، خلال الأيام المقبلة، تعبر عن الرؤية الرسمية الأمنية، بشأن طيف واسع من القوى والتيارات والمجموعات الألمانية والوافدة، وعلى رأسها “حزب الله” الذي لم يغب عن هذه التقارير عبر سنوات مديدة.

الخضوع للإدارة الأمريكية

وفي أول رد فعل له على قرار حظر نشاطات الجماعة في ألمانيا، اتهم الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله في خطبة له، برلين بـ “الخضوع” للإدارة الأمريكية، نافيًا وجود أية نشاطات أو تنظيم لحزبه في ألمانيا.

 

وتوقع «نصر الله» أن تُقدم دول أوروبية أخرى على قرار مشابه، وتحذو حذو ألمانيا، عبر حظر الحزب واعتباره جماعة إرهابية، مؤكدًا أنه لا وجود لأي أنشطة تقوم بها الجماعة الشيعية الموالية لإيران خارج الأراضي اللبنانية، حسب قوله، وهو ما تؤكد الوقائع عكسه تمامًا، حيث تم خلال الأعوام الأخيرة ضبط تنظيمات تابعة لـ “حزب الله” في أكثر من بلد أوروبي، فضلًا عن وجود قواعد له في دول أمريكا اللاتينية.

اقرأ أيضًا:

بعد قرار ألمانيا.. هل يصنّف الاتحاد الأوروبي “حزب الله” تنظيمًا إرهابيًا؟

خطوات صغيرة

يرى المراقبون أن ألمانيا تعي منذ سنوات نفوذ «حزب الله» لديها، وأنها اتخذت “خطوات صغيرة” في الماضي لمواجهة هذا النفوذ خشية تدهور علاقاتها السياسية والأمنية مع لبنان، وفي العام 2008، أعلنت حظر قناة «المنار» التلفزيونية التابعة للجماعة.

وفي عام 2014 أعلن توماس دي ميزيير، وزير الداخلية الألماني آنذاك، عن حظر جمعية تسمى «مشروع أيتام لبنان» نظرًا لالتصاقها بـ«مؤسسة الشهيد» التابعة لـ «حزب الله»، وجمعها تبرعات مالية كانت تذهب إلى الجماعة الأم في لبنان.

وأوضحت وزارة الداخلية الألمانية أن “الجمعية تأسست عام 1997 لدعم الأيتام” بحسب موقعها على الإنترنت وكانت موضع مراقبة منذ العام 2009، وتابعت أنه بين 2007 و 2013 تم تحويل حوالى 3.3 ملايين يورو من الجمعية إلى “مؤسسة الشهيد” في لبنان.

 

 

وقال هانس يورج ماسن، رئيس «هيئة حماية الدستور» آنذاك: «لقد أثبتت تحقيقاتنا أن كل الأموال تقريبًا التي جمعتها مشروع أيتام لبنان حوّلت لحسابات مؤسسة الشهيد التي هي جزء لا يتجزأ من منظومة حزب الله المالية المعقدة عبر العالم».

رئيس «هيئة حماية الدستور»: لقد أثبتت تحقيقاتنا أن كل الأموال تقريبًا التي جمعتها «مشروع أيتام لبنان» حوّلت لحسابات «مؤسسة الشهيد» التي هي جزء لا يتجزأ من منظومة حزب الله المالية المعقدة عبر العالم

المسؤولون الألمان قالوا إنّ الخطوة الجديدة تهدف إلى وقف أي نشاطات للحزب على الأراضي الألمانية، مشيرين بصفة خاصة إلى أنّها تستهدف منع الدعم وتمويل الإرهاب وغسل الأموال لصالح المنظمة اللبنانية.

واقع الحال أنّ حزب الله لا يحظى بأي تمثيل أو حضور مباشر على الأراضي الألمانية، بما جعل المستهدف من الحظر أشكال حضور محلية ونشاطات متفرِّقة، حيث تقدر السلطات الأمنية الألمانية أن ناشطي المنظمة اللبنانية ومؤيديها في البلاد يتجاوزون ألف شخص، وهو ما يفسر طبيعة الأهداف والمنشآت التي تمت مداهمتها.

وفي مسعى لإسباغ بُعد سياسي على القرار الألماني، تساءل حلفاء حزب الله عن مغزى إعراب يسرائيل كاتس، وزير الخارجية الإسرائيلي، عن شكره العميق للحكومة الألمانية على هذه الخطوة، وإشارته إلى أنها خطوة مهمة وكبيرة في الحرب ضد الإرهاب في العالم، معتبرين أن «القرار يندرج ضمن مخطط كبير هدفه إضعاف قدرة المقاومة، وتغيير نظرة الشعوب تجاهها، من خلال طبعها بصورة الإرهاب».

ويراهن خصوم إيران على امتلاكهم معلومات تتعلق بأنشطة «حزب الله» يمكن أن تتكفل بتغيير نهج سائر دول الاتحاد الأوروبي، وفي هذه الحال، سيفقد الحزب هامش تحرك حيوي في ظل الحصار الأمريكي.

 

في المقابل، اعتبر خصوم حزب الله أن النظرة الأوروبية تجاه الجماعة سوف تتغير من الآن فصاعدًا، مؤكدين أنها فقدت مصداقيتها السياسية في معظم الدول الأوروبية، التي لم تعد تُميز بين حزب الله وداعش، فكلاهما أصبحا على اللائحة ذاتها، لائحة الإرهاب.

النوم على “وسادة الوهم”

يقول الباحث رالف غضبان، إن الاستخبارات الألمانية تعد 1050 شخصًا أعضاء منتمين لـ«حزب الله» في ألمانيا، فإن أعدادهم الحقيقية قد تكون أكبر بكثير من ذلك، إذ أنه منذ سقوط جدار برلين عام 1991 وصلت موجة كبيرة من اللبنانيين إلى ألمانيا، بينهم عدد كبير من الشيعة، وكانت هذه الموجة الثانية من اللبنانيين الشيعة التي تصل ألمانيا، بعد موجة أصغر وصلت عام 1982 بعدما احتلت إسرائيل جنوب لبنان، وهؤلاء وصلوا حاملين معهم انتماءاتهم السياسية نفسها، أي أنهم بغالبيتهم مؤيدون لـ «حزب الله» و«حركة أمل» الشيعية.

الباحث رالف غضبان: الاستخبارات الألمانية تعد 1050 شخصًا أعضاء منتمين لـ«حزب الله» في ألمانيا، فإن أعدادهم الحقيقية قد تكون أكبر بكثير من ذلك

ويقدّر “غضبان” أعداد اللبنانيين في ألمانيا بقرابة 60 ألف شخص، نحو 40 في المئة منهم من الطائفة الشيعية، مشيرًا إلى مناصري «حزب الله» في ألمانيا يستغلون الجمعيات الخيرية في الواجهة للترويج لعقيدة الحزب وجمع الأموال له، ويرى أن حظر نشاطاتهم في ألمانيا قد لا يكون إجراءً كافيًا لأن حلفاءهم في الطائفة مثل مناصري حركة أمل ما زالوا موجودين، كما أن «حلفاءهم» من «العشائر» كذلك يتمتعون بشبكات قوية ومتينة في ألمانيا.

اقرأ أيضًا:

المتطرفون الهندوس يتهمون “المسلمين” بممارسة “جهاد الكورونا”

من جانبه، تساءل الكاتب مشاري الزايدي: «ما هي الدول الأوروبية التي ما زالت بعد غافية على وسادة الوهم، ولم تر بعد الوجه الإجرامي الكالح لهذه الشبكة الدولية المحترفة للإرهاب والاغتيالات والتفخيخ، وصناعة العبوات الناسفة، وغسل الأموال وتجارة المخدرات والتعاون مع الشبكات الإرهابية الأخرى مثل تنظيم القاعدة؟».

وأضاف الكاتب: «عجيبٌ جدًا هذا الصمت الأوروبي عن النشاط الإرهابي الإيراني، عبر ذراعه اللبناني حزب الله، أو مباشرة من خلال الحرس الثوري رغم ثبوت الأدلة المادية على تورط هذه الشبكات الإيرانية بعمليات اغتيالات أو تفجيرات جماعية».

 

ويرى المراقبون أن ثمة اتجاه سياسي عام في دول الاتحاد الأوروبي، باستثناءات قليلة، ينحو إلى تصنيف «حزب الله» تنظيمًا إرهابيًا، وأن الكرة الآن في ملعب الاتحاد، ومن المفترض في الخطوة الألمانية الأخيرة، وفي سابقتها البريطانية العام الماضي، أن تحفز مساعٍ شبيهة في دول أوروبية أخرى، ولكن العقبة الأولى في وجه محاصرة الجماعة أوروبيًا هي فرنسا، الراغبة في الاحتفاظ بعلاقاتها المتوازنة بين واشنطن وطهران، فهي تلتزم القرار الذي يعتمده الاتحاد الأوروبي منذ 2013، بعد عام من عملية التفجير في بلغاريا، والذي يكتفي فقط بحظر الجناح العسكري لـ «حزب الله»، دون جناحه السياسي، حتى إشعار آخر.