لم يعرف العالم «إرهاب النساء» كظاهرة مستحدثة، مرتبطة بالجماعات «الجهادية» في الشرق الأوسط، بل إن جذور هذه الظاهرة تمتد إلى الجماعات اليسارية الأوروبية المتشددة، حيث استعانت تنظيمات مثل «الجيش الأحمر الألماني» (بادر ماينهوف) بالنساء، لتنفيذ أعمال إرهابية و«انتحارية» في السبعينيات من القرن الماضي.

sss

ظهر مصطلح «الجهادية النسائية» بدلالته المعاصرة، في مطلع تسعينيات القرن الماضي، ووجد جذور هويته الأيديولوجية في السلفية والإخوانية «القطبية»، نسبة إلى سيد قطب في كتابه «معالم في الطريق»، الذي أفرد فيه حديثاً عن «النساء المجاهدات»، بإعادة أسلمة الدولة والمجتمع عبر العمل المسلح العنيف، بوصفه أداة للتغيير.

تقول الأكاديمية التونسية آمال قرامي في كتابها «النساء والإرهاب – دراسة جندرية»: «تتنوع صور مشاركة النساء الفعلية في المعارك من «الأعمال الانغماسية» كما يسميها الإرهابيون، بتفجير الأجساد مستخدمات الأحزمة الناسفة وما شابه، إلى القيام بأدوار وسيطة بالتجسس وتوصيل الرسائل وجمع الأموال والإعلام الإلكتروني، إلى الاقتصار على الدعم المعنوي بالحشد والمساندة».

 

ذكر تقرير «المؤشر العالمي للإرهاب» لعام 2019، الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام (IEP) الأمريكي، تحت بند «النوع الاجتماعي والإرهاب»، أنه تم تسجيل أكثر من 300 هجوم انتحاري تورط بها امرأة واحدة على الأقل منذ عام 1985، والتي أدت إلى مقتل 3017 شخصا عبر العالم.

 

«الأرامل السوداء»

رغم ظهور «الانتحاريات» في النصف الثاني من القرن العشرين عبر الجماعات الماركسية الأوروبية، يرى مراقبون أنه منذ التسعينيات تبنت التنظيمات المسلحة استخدام الانتحاريات خلال حرب الشيشان، وكان يُشار إليهن باسم «الأرامل السوداء». فقد كان من نتائج حربين تعرض فيهما الشعب الشيشاني للتطهير والتهجير وسط تجاهل المجتمع الدولي، أن ظهر جيل من النساء ممن فقدن الزوج والأب والأخ والابن، وتجاوزن في أنشطتهن ما ارتبط بالمرأة من أدوار تقليدية وهامشية ليقدن عمليات انتحارية ويقمن بتجنيد نساء أخريات.

مراقبون: منذ التسعينيات تبنت التنظيمات المسلحة استخدام الانتحاريات خلال حرب الشيشان، وكان يُشار إليهن باسم «الأرامل السوداء»

هكذا، جاءت الموجة الثانية بين 2002 و 2004، والتي أصبحت الهجمات الانتحارية بواسطة نساء سمة معتادة في النزاع الروسي الشيشاني. حيث سجلت روسيا وقوع 52% من الحوادث و91% من عدد القتلى بسبب التفجيرات الانتحارية بواسطة نساء خلال تلك الفترة.

وقام أبي مصعب الزرقاوي (1966-2006) أحد زعماء تنظيم «القاعدة» الإرهابي، لأول مرة، بإدراج النساء في العمليات الانتحارية بدءاً من العام 2005، الذي شهد تنفيذ ساجدة الريشاوي، مع إرهابيين آخرين، «تفجيرات عمان» بالمملكة الأردنية، التي وقعت في 9 نوفمبر من تلك السنة، وأودت بحياة ستين شخصاً.

بلغ إرهاب النساء ذروته مع تصاعد نفوذ تنظيم «داعش» في مساحات شاسعة من سوريا والعراق، وتأسيسه كتيبة خاصة بالنساء، عام 2014، تسمى «كتائب الخنساء»، باتت جزءاً من البؤر الإرهابية المشاركة في العمليات العسكرية آنذاك.

بلغ إرهاب النساء ذروته مع تصاعد نفوذ تنظيم «داعش» في مساحات شاسعة من سوريا والعراق، وتأسيسه كتيبة خاصة بالنساء، عام 2014، تسمى «كتائب الخنساء»

نساء «بوكو حرام»

يرصد المؤشر أن معظم الهجمات الانتحارية التي قامت بها نساء في السنوات الخمس الماضية، نُسبت إلى تنظيم «بوكو حرام» الإرهابي الناشط في نيجيريا ودول وسط أفريقيا. ومنذ 2014، كان هذا التنظيم (بوكو حرام) مسؤولا عن 83% من القتلى بسبب الهجمات الانتحارية التي قامت بها نساء، وذلك مع 146 هجوم انتحاري على الأقل نجم عنها مقتل أكثر من 900 شخص.

تفاقم استغلال جماعة «بوكو حرام» للنساء بعدما قامت باختطاف وتجنيد العديد من النساء للقيام بعمليات انتحارية، ومنها عملية اختطاف الجماعة لـ 276 تلميذة من قرية «شيبوك» عام 2014 أثارت ضجة عالمية، وهي عملية واحدة من جملة العمليات التي تُنسب إلى الجماعة، حيث كان من المؤكد أن الجماعة الإرهابية تقوم بجمع النساء للدفع بهن للقيام بعملياتها الإرهابية، تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 50% من المفجرين الانتحاريين لـ«بوكو حرام» في العمليات التي ارتُكبت بين أبريل 2011 ويونيو 2017 هم من النساء.

 

في المجموعات الإرهابية الأخرى سوى «بوكو حرام»، كانت أكثر المجموعات التي يرجح المؤشر استخدامها للهجمات الانتحارية بواسطة نساء في السنوات الخمس الماضية، هي: «داعش» بأربع هجمات، وجماعة «التوحيد الوطنية»، وهي مجموعة مسلحة منشقة عن «الجماعة الإسلامية» تنشط في دول جنوب شرق آسيا، بثلاث هجمات.

رغم ذلك لا تزال الهجمات الانتحارية المنفذة بواسطة نساء تمثل نسبة صغيرة من مجموع الهجمات الإرهابية عبر العالم، بنسبة 0.3% من كل الهجمات في 2018. وهي تمثل 5% من إجمالي الهجمات الإرهابية في العالم من 1985 إلى 2018.

باحثون: «إرهاب النساء» يعد ظاهرة معقدة، إزاء تداخل جوانب نفسية وأيديولوجية ومجتمعيّة متعددة ضمنها، ناجمة عن خصوصية نوعية «جندرية»

يرى بعض الباحثين أن «إرهاب النساء» يعد ظاهرة معقدة، إزاء تداخل جوانب نفسية وأيديولوجية ومجتمعيّة متعددة ضمنها، ناجمة عن خصوصية نوعية «جندرية»، لا سيما في المجتمعات العربية والإسلامية، التي يتم فيها تحديد موقع مغاير لدور المرأة عن نظيره الخاص بالرجل، وهي قضية إشكالية تبرز في الأوساط الجهادية التي ترى أن عملية الفصل والتمييز بينهما مسألة دينية فقهية تستند إلى أحكام ثابتة ومستقرة لا جدال فيها، مما يخالف مسار التنظيمات المتطرفة، التي زجت بمئات النساء في أتون هياكلها التنظيمية وعملياتها الإرهابية.