تظل فرنسا بصورتها الذهنية في مخيلة الكثيرين بلد الثورة الكبرى والعقلانية والاستنارة أو كما درجت الذاكرة الجماعية بلد عاصمة النور. إلا أنه رغم هذا التاريخ الساطع، عانت بلد الأنوار، من ظلام ضربات الإرهاب على مر تاريخها وحاضرها.

sss

فقد ألقت الاستخبارات الفرنسية في يونيو 2018، القبض على تسعة رجال وامرأة في أربع مناطق مختلفة من البلاد، تتراوح أعمارهم ما بين 32 و69 عاماً، يشكلون مجموعة لها رأس مدبر، ونشاطات وتحضيرات لأعمال إرهابية ضد مساجد ومؤسسات إسلامية، وينتمون إلى ما يسمى «مجموعة عمل القوات الميدانية»، وهي منظمة يمينية متطرفة تستهدف تنفيذ أعمال عنف ضد المسلمين.

وأعضاء هذه المجموعة الإرهابية، رغم تفرقهم الجغرافي على الأراضي الفرنسية، تجمعهم أيديولوجية يمينية عنصرية معادية للإسلام، الذي يرون أنه «استعمر فرنسا».

الإرهاب بالألوان

إنهم يقسمون البلاد إلى مناطق بألوان مختلفة: المنطقة الحمراء التي أصبحت تحت سيطرة «العدو» وهو يحاول أن يطبق فيها الشريعة الإسلامية، والمنطقة البرتقالية التي تحاذي الأولى ويتعين الدفاع عنها في إطار «حرب فرنسا» وفيها توجد مقار الشرطة والدرك والمستشفيات والمواقع الحساسة الأخرى. وأخيراً هناك المنطقة الزرقاء التي ما زالت في أيدي «الأوفياء» بعيدة عن النفوذ الإسلامي.

وفي موقع الجماعة على الإنترنت، يقول زعيم التنظيم صاحب الاسم الحركي «جي إس» والذي يسمي نفسه «الكابتن»، وهو عسكري سابق خدم 15 عاماً في صفوف الجيش الفرنسي: «نحن في حالة حرب ضد عدو منغرس على أرضنا، ولقد تركناه بسذاجة يأتي إلينا ليأخذ منحى راديكالياً ويتلقى دعماً دينياً ومالياً كثيفاً».

وسبق أن اعتقلت فرنسا 15 شخصاً بسبب جرائم اليمين في 2017، ما يؤشر إلى تحوّل الإرهاب اليميني إلى معضلة سياسية وأمنية في البلاد، ويؤكد وجود «جريمة إرهابية منظمة» بدأت تطل برأسها القبيح للعيان خلال الأعوام الأخيرة.

وإلى ذلك، نفذ رجل مسن ينتمي إلى اليمين المتطرف هجوما مسلحا على مسجد في مدينة «بايون» جنوبي البلاد، في أكتوبر 2019، مما أوقع جريحين حاولا منعه من إضرام النار في المسجد.

فرنسا

 

مبدأ «الهوياتية»

كشف تقرير «ائتلاف مناهضة الإسلاموفوبيا» في باريس، الصادر مارس 2018، أن تعداد المسلمين في عموم فرنسا يبلغ ما بين خمسة وستة ملايين، ما يجعل من الإسلام الديانة الثانية في البلاد، تعرضوا العام الماضي لـ 675 عملية اعتداء عنصري، منها ما هو لفظي أو جسدي، من قبل أشخاص منتمين لليمين المتطرف.

وتتدرب مجموعات اليمين المتطرف في فرنسا بشكل شبه عسكري منذ الستينيات من القرن الماضي، ويحمل أفرادها أسلحة مرخصة قانونا، لكون أغلبهم – في الأصل- عسكريين وشرطيين، أي منتمين إلى المؤسسة الرسمية، وهو الأمر الذي يؤكد مدى خطورة أعضاء هذه المجموعات على الأمن القومي للبلاد.  

اليمين المتطرف

 

من أقدم وأكبر التنظيمات اليمينية المتطرفة في فرنسا حزب «الجبهة الوطنية»، الذي أنشئ في 5 أكتوبر 1972 باسم حزب «الجبهة الوطنية من أجل الوحدة الفرنسية»، وهو يضم عناصر ينتمون إلى تيارات فكرية متعددة، تتوافق جميعها على كراهية الأجانب.

يعتنق عناصر هذا الحزب مبدأ «الهوياتية» الجديد، الذي نما في السنوات القليلة الماضية ليصبح شبكة للشباب اليميني المتطرف منتشرة في شتى أرجاء القارة الأوروبية، حيث يؤمن هؤلاء بحق كل حضارة في الحفاظ على هويتها الخاصة والمنفصلة، ما يعني من الناحية العملية الفصل بين الإثنيات المختلفة.

«الجبهة الوطنية»

 

وثمة منظمة محظورة تحت اسم «العصفور الأسود»، تتبنى أيديولوجية يمينية متطرفة قريبة من الطروحات «النازية الجديدة»، وكانت تخطط لاستهداف المؤتمر السنوي للمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا.

تعد مجموعة «عمل القوات الميدانية» التنظيم اليميني الأكثر خطورة على الإطلاق في فرنسا، وهي تدعو إلى «تشكيل مجموعات دفاعية، تضم مواطنين متأهبين لخوض المعارك»، وتحض على جمع كل ما يمكن أن يستخدم كسلاح إلى جانب البنادق الحربية والمسدسات.

منظمة العصفور الاسود

 

اليمين.. «حصان طروادة»

ينظر بعض المعلقين الفرنسيين من أنصار نظرية المؤامرة إلى اليمين المتطرف في بلادهم، باعتباره بمثابة «حصان طروادة»، الذي يُخفي في داخله مخططات الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، الهادفة إلى إضعاف أوروبا الموحدة، لكي لا تتحول إلى قوى عظمى تهدد توازن القوى في العالم.

وقدّر ستيفان فرانسوا، الخبير الفرنسي المتخصص في مكافحة الإرهاب وحركات اليمين المتطرف، عدد الأشخاص الأكثر تشددا المرتبطين بحركات أقصى اليمين المتطرف في فرنسا بـ(3000) شخص، من بينهم حوالي ألف شخص على «درجة من التصميم لترجمة تطرفهم إلى أفعال».

خبير فرنسي: عدد الأشخاص المرتبطين بحركات أقصى اليمين المتطرف في فرنسا 3000 شخص

ويرى فرانسوا أن «مراقبة أجهزة الاستخبارات الفرنسية للمجموعات المتطرفة مهمة صعبة نظرا لتوزعها في عدة مناطق في البلاد، وتعدد الأيديولوجيات التي تتبناها كل منها. كما أن هذه المجموعات تعمل غالبا بشكل شبه سري وغير رسمي، ويصعب على أجهزة الاستخبارات الفرنسية متابعتها، خصوصا إذا تجنبت هذه المجموعات استخدام وسائل الاتصال الحديثة للتواصل فيما بينها».

المصادر:

مكافحة الإرهاب في فرنسا.. مواجهة اليمين المتطرف

إلقاء القبض على مجموعة يمينية متطرفة كانت تخطط لاستهداف مسلمين في فرنسا

المركز الفرنسي لمكافحة الإرهاب| الإسلاموفوبيا في فرنسا.. جدل ومخاوف