مقطع فيديو لطفل لم يتجاوز عمره العاشرة، انتشر بسرعة البرق على مواقع التواصل، تحدث فيه ببراءة مطلقة عن مخاطر تطبيق حظر التجوال الكامل بمصر، وفي مجتمع يعيش فيه البعض على “أجرة يومية” لا تتعدى خمسين جنيها في أكثر الحالات، ما العمل؟ ماذا يأكلون؟ ومن أين لهم توفير نفقاتهم؟، هكذا تساءل في رسالته، مؤكدا أن هؤلاء لا ينزلون إلى الشارع من أجل “التسوق”، بينما اعتبر البعض أن ما قاله الطفل في رسالته جاء ردًا على تصريحات الفنانة داليا البحيري، المثيرة للجدل مؤخرًا، والتي انتقدت خلالها الزحام في الشوارع، وتطرقت إلى العمالة اليومية قائلة :”حظر كامل يا ريس لو سمحت أرجوك، واللي حيقولي العمالة اليومية حديله بالشبشب على بقه أنا فاض بيا!”.
sss
ما بين الإعجاب بفيديو الطفل المعجزة، الذي يدعى “شيزو ستايل”، والانتقادات لـ”شبشب البحيري” يطرح الشارع المصري تساؤلًا منذ ظهور أزمة فيروس كورونا، مفاده “ماذا عن استعداد البلاد لقرار حظر التجوال الكامل على الصعيد الاقتصادي؟، أو الاستمرار في الإجراءات الاحترازية المتخذة بالفعل مع إمكانية تخفيفيها من عدمه؟.
سؤال الشارع
الجدل المصري يأتي في الوقت الذي بدأت فيه دول أوروبية تخفيف الإجراءات الاحترازية، بالتزامن مع تناقص أعداد الإصابات وتزايد أعداد المتعافين، ولكن المخاوف وفقا لتقديرات الخبراء تحذر من انتشار العدوى خلال الأيام المقبلة، بمناسبة احتفالات الأقباط بعيد القيامة المجيد، وأعياد شم النسيم، والتي تشهد تجمعات عدة في الحدائق والساحات، تترافق مع تناول بعض الأطباق الشهيرة في تلك المناسبة، وفي مقدمتها “الفسيخ”، وهو ما دعا منظمة الصحة العالمية إلى توجيه نصيحة للمصريين بشأن تناول وجباته.
بعد 100 يوم من ظهور كورونا.. إشادة عالمية بجهود مصر في مواجهة الوباء
ممثل الصحة العالمية في مصر، الدكتور جون جبور، حذر في رسالة مصورة له عبر “فيس بوك”، من تناول الفسيخ في أي مكان، كما لفت إلى ضرورة الحصول عليه من مصادر موثوقة وسليمة ونظيفة.
توصيات ” جبور” تضمنت منع التجمعات والازدحام خلال فترة الأعياد، حتى على المستوى العائلي، داعيا إلى الاحتفال مع العائلة الكبيرة والأقارب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كذلك تجنّب التدخين والشيشة، وحث أيَضا على ممارسة تمارين النشاط البدني، وتناول نظام غذائي يقوي مناعة الجسم ضد الأمراض والفيروسات.
وقررت الحكومة الخميس الماضي، إيقاف جميع وسائل النقل العام والنقل النهري فى شم النسيم الذي يوافق يوم الاثنين للحد من تجمعات المواطنين والحيلولة دون تفشي الفيروس.
وكانت البلاد قد فرضت حظر تجول أثناء الليل منذ 24 مارس الماضي، ومددته مرة أخرى حتى 23 أبريل الجاري.
التوازن بين حماية الصحة العامة وانتهاك الخصوصية
وفي الوقت الذي يحذر فيه خبراء الصحة وحقوق الإنسان الدول من صعوبة تحقيق التوازن بين مسألة حماية الصحة العامة وانتهاك الحريات الشخصية بسبب فيروس كورونا، ترصد تقارير دولية خسائر كارثية للاقتصاد العالمي، تزيد من تنامي تلك التحذيرات.
قبل شهرين، قال المتحدث باسم صندوق النقد الدولي جيري رايس، إن مصر التي أنهت مؤخرا برنامج مساعدات حصلت عليه من الصندوق، تحتاج إلى “موجة جديدة من الإصلاحات”.
٣ أسابيع فاصلة بين الرابح والخاسر في معركة كورونا والمصريين
واستفادت مصر من خطة دعم مالي من الصندوق بقيمة 12 مليار دولار، بدأت في نوفمبر 2016 وانتهت بعد 3 سنوات.
وقال رايس إن “البرنامج كان ناجحا في جلب الاستقرار للاقتصاد المصري وانتعاش النمو وتراجع التضخم وعجز الميزانية، وبالتالي سجلت مصر زخما جيدا في المستوى الاقتصادي لكنها بحاجة لمواصلة إصلاح الشركات، ولكن ليس لدينا حاليا برنامج تمويل لمصر”.
بيانات صندوق النقد الدولي أظهرت أن مصر هي الدولة الوحيدة التي ستحقق نموا اقتصاديًا إيجابيًا خلال العام المالي الجاري في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنحو 2%، مقارنة بتحقيق بقية الدول انكماشًا اقتصاديًا نسبته 3.3% خلال العام المالي الجاري جراء انتشار الفيروس.
كانت تلك المؤشرات على الأمد القريب، فماذا عن الأمد البعيد؟، وماذا عن خسائر “كورونا” بالنسبة للاقتصاد العالمي وكذلك مصر؟.
خسائر الاقتصاد العالمي
وفقا لآخر التقارير الصادرة عن صندوق النقد الدولي، نهاية الأسبوع الماضي، فقد حذرت من خسارة الاقتصاد العالمي 9 تريليونات دولار بسبب كورونا خلال عامين.
الصندوق قال في تقريره إن الاقتصاد العالمي في 2020 هو الأسوأ منذ الكساد العظيم، لأنه سينكمش 3%، إلا أنه سيرتد في 2021 بنمو 5.8%.
التطورات الأخيرة دعت النقد إلى تقديم تخفيف فوري لخدمة الديون إلى 25 دولة من أعضائه بموجب صندوقه الائتماني المخصص لاحتواء الكوارث، لتمكينها من تركيز مواردها الشحيحة على محاربة كورونا.
بين الإنكار والانتشار.. أسباب دخول “كورونا” مصر
بحسب ما أكدته المديرة التنفيذية لصندوق النقد، كريستالينا جورجيفا، بأن المجلس التنفيذي للصندوق وافق على المجموعة الأولى من الدول التي ستحصل على منح لتغطية التزامات خدمة ديونها المستحقة لصندوق النقد لفترة مبدئية ستة أشهر، مضيفة أن الصندوق الائتماني لاحتواء الكوارث لديه موارد تبلغ نحو 500 مليون دولار، بما في ذلك تعهدات جديدة بقيمة 185 مليون دولار من بريطانيا و100 مليون دولار من اليابان ومبالغ لم يُفصح عنها من الصين وهولندا ودول أخرى.
رغم تطمينات خبراء الاقتصاد وأسواق المال، بأن الإجراءات التي قامت بها مصر عقب تحرير أسعار الصرف منذ 2016 ساهمت في تقليص الآثار الاقتصادية جراء انتشار الفيروس، والتي أكدها البنك المركزي في أحدث تقرير له، بأن الاحتياطي النقدي بالرغم من وصوله لـ40 مليار دولار مازال في الحدود الآمنة ويتجاوز فترة تأمين احتياجات البلاد بأكثر من8 أشهر من السلع الاستراتيجية والمواد الخام، إلا أن البعض أعرب عن مخاوفه من عدم صمود الاقتصاد حال استمرار الأزمة لفترة أبعد من المتوقع.
العلاج الجديد
بحسب ما صرح به الدكتور عوض تاج الدين، مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الصحة، فإنه تجري حاليا اختبارات سريرية للعقار الياباني “أفيجان” على 50 مصابًا بكورونا.
وقال “تاج الدين” في تصريحات متلفزة: “حال نجاح العلاج سيتم تصنيعه في مصر، والمادة الخام حصلنا عليها بتعاون مع اليابان وتدخل سياسي على أعلى مستوى كما أن مصر تعاملت مع أزمة كورونا بمثالية منذ البداية من خلال الترصد الجيد خاصة للعائدين من الخارج، وإغلاق المدارس والجامعات والمطارات مبكراً”.
وبحسب ” تاج الدين”، فإن مصر تسير ببطء شديد في معدلات الإصابة أفقياً، وهي عادة فترة تستمر بنفس النمط لمدة ما بين شهر أو شهرين، وأن هناك أسباب علمية لعدم تفشي كورونا في مصر، من أبرزها أن الهرم السكاني يمثل الشباب والأطفال وهي القاعدة الأكبر فيه.
“هدية اليابان للعالم” .. هل يوقف “أفيجان” زحف كورونا داخل مصر؟
وكشف أن مصر لديها احتياطي استراتيجي لأجهزة التنفس الصناعي بالآلاف تحسباً لتفاقم الأوضاع، وهي التصريحات التي ربطها البعض بتصريحات سابقة للمتحدث باسم مجلس الوزراء نادر سعد، في 9 أبريل الماضي.
وبحسب ما ذكره “سعد” فإن هناك اتجاه لدى الحكومة فيما يتعلق بحظر التجوال في رمضان والذي يتزامن مع انتهاء قرار مد الحظر في 23 أبريل الجاري.
وذكر “سعد” حينها “أن ما سيتم تطبيقه سيختلف عن الوضع في رمضان، وسيكون مرهونا بتحسن الأوضاع خلال الأسبوعين المقبلين، ولو تحسن الوضع سنسهل الأمور في رمضان، وفي حالة زيادة الأمور سوءا فسنتخذ إجراءات أشد مما هو مطبق حاليا”.
مسارات مواجهة الأزمة
ويرى خبراء أن دول العالم في تعاملها مع أزمة كورونا، تنقسم إلى صنفين، الأول يتفاعل مع أزمة انتشار الفيروس ولا يفكر في مرحلة ما بعد الازمة، والثاني يحاول معالجة الأزمة بطريق متزنة ويفكر في مرحلة ما بعدها وهذا ما تسعى مصر إلى تنفيذه.
وقبل إعلان الحكومة الحظر الكامل في شم النسيم، تقدم عدد من أعضاء مجلس النواب، بطلب إحاطة لرئيس الوزراء بفرض حظر تجوال كامل من الخميس إلى الثلاثاء المقبل، من بينهم النائب حسن بسيوني، عضو لجنتي الشئون الدستورية والتشريعية والقيم بمجلس النواب، والذي تقدم بالطلب بشأن استمرار ازدحام المواطنين بالأسواق العامة رغم إعلان العمل بالإجراءات الاحترازية لمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد، وضرورة فرض حظر تجوال كامل في الأيام المقبلة بدءا من الخميس الماضي وحتى الثلاثاء المقبل والتي يتخللها أيام عيد القيامة وشم النسيم.
الاقتصاد والإغلاق الكامل
“الاقتصاد المصري لن يتحمل حظر تجوال كامل”.. بهذا التصريح كشف أسامة هيكل، وزير الدولة للإعلام، عن صعوبة إمكانية تحمل الدولة فرض حظر تجوال كامل.
لمساندة القطاع الطبي.. المؤسسة العسكرية تتصدر معركة كورونا
تصريحات “هيكل” جاءت ضمن حوار تلفزيوني، قال فيه “إن الدولة في وضعها الحالي لا تستطيع تحمل تكاليف الحظر الكامل بسبب الضغط المتزايد وبسبب ضخامة التعداد السكاني، وعند قرار تطبيق الحظر الكامل أول المتضررين سيكون الاقتصاد الذي بالتبعية سيؤثر على المواطنين وهو الأمر الذي يصعب تطبيقه للغاية في ظل الوضع الحالي للدولة”.
ويشارك محسن عادل نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار”هيكل” في رؤيته، ويقول إن استراتيجية مصر هي الحفاظ على الاقتصاد ووجود مرونة لامتصاص أي ضغوط مع ضمان تواجد السلع في الأسواق وعدم ارتفاع الأسعار، مشيرا إلى أن مصر دولة متماسكة ومؤهلة لاستكمال خطة النمو الاقتصادي، وليس في مواجهة حظر تجول كامل فقط”.