في يونيو/ حزيران الماضي، أعلنت وزارة الزراعة تحقيق البلاد الاكتفاء الذاتي من الثروة الداجنة والبيض. حيث وصل إنتاج مصر من البيض – حينها – إلى أكثر من 13 مليار بيضة سنويًا. وقد بلغ إجمالي حجم إنتاج القطاع التجاري من الدواجن حوالي 1.4 مليار طائر، بحجم استثمارات في صناعة الدواجن يقارب 100 مليار جنيه، حسب بيانات مركز المعلومات الصوتية والمرئية بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي.
ومع ذلك، انخفض البروتين الحيواني بمصر في السنوات الأخيرة، وتراجعت نسبة الاكتفاء الذاتي من جملة اللحوم بنسبة 0.75% سنويًا. بينما تراجعت اللحوم الحمراء بنسبة 1.11% سنويًا، واللحوم البيضاء بنحو 0.42% سنويًا. وقد اعتمدت مصر في سد احتياجاتها من الأغذية البروتينية على الخارج. حيث بلغ حجم استيراد اللحوم حوالي 12.1% سنويًا، ونحو 20.2% من اللحوم الحمراء، ونحو 17.6% من الأسماك، ونحو 19.5% من الألبان ومنتجاتها. وذلك من إجمالي ما تستورده مصر من المواد الغذائية.
الأمر الذي تراجع معه معامل الأمن الغذائي للسلع الحيوانية في البلاد. إذ بلغ متوسطه في اللحوم الحمراء 0.012%، وفي الأسماك 0.02%، وقرابة 0.04% في اللحوم البيضاء. ما يشير إلى ضعف المخزون الاستراتيجي وحجم التربية في مصر.
لماذا-زادت-الفجوة-الغذائية-من-اللحوم-فتوضح بيانات البنك المركزي عن التقرير الشهري الصادر في سبتمبر/ أيلول الماضي، أن الميزان السلعي للمواد الغذائية دون الحبوب، سجل عجزًا بنحو 4.2 مليار دولار. حيث استوردت مصر لحومًا وألبانًا ودهونًا وزيوتًا بقيمة 7.5 مليار دولار، مقارنة بتصدير 3.4 مليار دولار خلال الفترة بين يوليو/ تموز 2021 ومارس/ آذار 2022.
انخفاض الثروة الحيوانية
وبالعودة إلى بيانات الثروة الحيوانية الصادرة عن جهاز الإحصاء المصري، فقد انخفضت أعداد رؤوس الماشية والحيوانات في مصر بنسبة تبلغ 62.1% خلال الفترة بين العامين 2014 و2020. فضلًا عن تراجع أعداد المذبوحات من الماشية من 7.5 مليون رأس عام 2015 إلى 3.9 مليون رأس عام 2020.
كما تراجعت كمية اللحوم الناتجة عن المذبوحات من 941 ألف طن عام 2014 إلى 672 ألف طن عام 2020، وفقًا لنشرة جهاز الإحصاء. وبحسب نشرة الثروة الحيوانية عام 2020، بلغت نسبة لحوم الأبقار 59.8%، ولحوم الجاموس 27.2%، والأغنام والماعز 10.4%، ولحوم الجمال 2.5% من إجمالي اللحوم الناتجة من مذبوحات الثروة الحيوانية.
وظل إنتاج مصر من الألبان متساويًا دون زيادة. إذ بلغ حجم الألبان المُنتجة في عام 2014 حوالي 5.47 مليون طن، وفي عام 2020 وصلت إلى 5.5 مليون، وفقًا لنشرة الثروة الحيوانية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
العجز باللحوم الحمراء
يشير الباحث الاقتصادي حازم الهواري، في دراسة أعدها لبنك الاستثمار القومي الحكومي، إن مصر تُعاني من فجوة غذائية كبيرة في عدم قدرتها على توفير احتياجاتها الغذائية من البروتين. ذلك بزيادة في نسبة العجز من اللحوم الحمراء بلغت نحو 141.6%، مع تراجع في نسبة الاكتفاء الذاتي إلى 57.5% عام 2018.
ويُضيف “الهواري” في دراسته، أن أحد أسباب تراجع الثروة الحيوانية هو انخفاض المساحات الزراعية بسبب التعديات وإقامة المساكن على الأراضي الزراعية. فضلًا عن التكاليف الباهظة لعملية استصلاح الأراضي الصحراوية.
وهنا لجأت الدولة إلى الاستيراد، وكان السودان إحدى الدول المهمة التي تستورد مصر منها اللحوم الحمراء الطازجة، لقربها الجغرافي. وهي أفضل من السوق البرازيلي أو الأمريكي لهذا السبب، وفق الدراسة.
الدواجن وارتفاع أسعار
تُحقق مصر نسبة اكتفاء من الدواجن تقترب من 90%، حسب بيانات وزارة الزراعة المصرية. ومع ذلك ترتفع أسعار الدواجن ومنتجاتها من البيض بشكل كبير. الأمر الذي يُرجعه الدكتور ثروت الزيني، نائب رئيس اتحاد مُنتجي الدواجن، إلى ارتفاع أسعار الأعلاف بفعل انخفاض المخزون من الذرة وفول الصويا. وهما يشكلان معًا المكون الأساسي للأعلاف.
ويشير الزيني إلى أن تعثر الاستيراد – خلال الفترة الأخيرة – بسبب عدم فتح اعتمادات مستندية في البنوك، إضافة إلى أن عدم الإفراج عن كميات كبيرة من الذرة وفول الصويا المكدسة على أرصفة المواني أحدث ضررًا على مستوى قطاع الدواجن.
وارتفعت أسعار طن الذرة عالميًا بسبب الحرب الروسية الأوكرانية. حيث قفز سعر الطن إلى قرابة 15 ألف جنيه، وطن فول الصويا إلى نحو 19 ألف جنيه.
“مع هذه الزيادات باتت نسبة العلف من تكلفة إنتاج وتربية الدجاجة 40% من سعرها”؛ يوضح الزيني في حديثه لـ”مصر 360”.
الأسماك مقارنة بالدواجن
لا تزال أسعار الأسماك، خاصة البلطي والبوري والقراميط منخفضة مقارنة بأسعار الدواجن أو اللحوم الحمراء. لكنها أيضًا مرتفعة مقارنة بالأسعار التي تُورد بها الأسماك من المزارع السمكية.
يقول الدكتور محمد فتحي عثمان، الرئيس السابق لهيئة الثروة السمكية، إن مصر تنتج حوالي 2 مليون طن من الأسماك سنويًا، بمتوسط سنوي للفرد أقل من 20 كيلو. وهذا يقترب من المتوسط العالمي البالغ 21 كيلو للفرد سنويًا. لكن المشكلة تكمن في زيادة سلاسل التوريد الجزئية. فما بين خروج السمك من المزرعة أو مكان الصيد ووصوله للمستهلك العادي هناك نحو 4 أو 5 حلقات التسويق.
حلقات التسويق التي يتحدث عنها “عثمان” تبدأ بتاجر ثم شركة توزيع ثم شركة توزيع أصغر ثم تاجر تجزئة”. وهكذا تتسبب تلك الحلقات في زيادة أسعار السمك بنسبة كبيرة.
ولا يرى الرئيس السابق للثروة السمكية أن أزمة سلاسل التوريد الجزئية تقتصر على صناعة وتربية الأسماك فقط. لكنها مشكلة مرتبطة بكل العملية الزراعية في مصر بشكل عام. إذ يصل الفارق ما بين سعر المنتج في الأرض أو المزرعة إلى النصف أو أكثر قليلًا من سعر بيعه النهائي للمستهلك. وذلك بفعل مشكلات سلاسل التسويق أو التجارة الوسيطة.
ويتضح ذلك بصورة أكبر في مقارنة سعر كيلو السمك البلطي أو البوري الذي أحيانًا لا يزيد عن 25 أو 27 كيلو في المزرعة، بينما يتم بيعه بـ45 أو 60 جنيهًا.
هنا، يكون متوسط ربح المربي في مزرعة الأسماك حوالي جنيهين أو أكثر، فيما يتراوح ربح التاجر أو الوسيط ما بين 10 إلى 15 جنيهًا.
ويرجع “عثمان” أسباب زيادة حلقات التجارة الوسيطة في الأسماك إلى صعوبة الاحتفاظ بالأسماك مع غياب التكنولوجيا اللازمة لدى المربي. وهو يعتقد أن الحل لكسر عملية ارتفاع الأسعار تلك يبدأ من توطين تصنيع الأسماك مثلما يحدث مع الدواجن.
النقص في تغذية الأسماك
تضم مصر نحو 105 مصانع لعلف الأسماك (العلائق)، إلا أنها تعاني نقصًا في توفير الذرة الصفراء وفول الصويا (المكونان الأساسيان للأعلاف)، وفق “عثمان” الذي يلفت إلى أنها مشكلة تؤثر على القطاعين معا؛ الداجني والسمكي.
ويضيف، في حديثه لـ”مصر360″ أن مصر تلجأ مع أزمة نقص الذرة الصفراء وفول الصويا إلى الاستيراد من الخارج. وهذا يؤدي إلى زيادة تكلفة المنتج في النهاية سواء أسماك أو دواجن. خاصة مع توقف عملية استيراد الذرة من أوكرانيا. وقد فاقم الوضع نقص العملة الأجنبية في مصر، ما أدى إلى تكدس المنتجات من الذرة وفول الصويا على أرصفة المواني.
فاتورة استيراد الأعلاف
تكشف مراجعة بيانات استيراد الذرة وفق التقرير الشهري الصادر عن البنك المركزي، ارتفاعًا في فاتورة استيراد الذرة بين عامي 2016/ 2017 و2020/ 2021، بنسبة 47.7%، حيث ارتفعت تكلفة الاستيراد من 1.5 مليار دولار عام 2016/ 2017 إلى 2.2 مليار دولار في 2020/ 2021. هذا قبل حدوث أزمة سلاسل التوريد والحرب الروسية الأوكرانية التي رفعت من سعر طن الذرة عالميًا.
وتُوضح بيانات البنك المركزي، أنه خلال الفترة بين يوليو/ تموز 2021 ومارس/ آذار 2022 بلغ حجم واردات مصر من الذرة قرابة 2.1 مليار دولار. فيما استوردت فول صويا بقيمة 832 مليون دولار خلال الفترة ين يوليو/ تموز 2020 إلى مارس/ آذار 2021، وارتفعت إلى 1.6 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام المالي 2021/ 2022.
وبحسب البيانات، تُقدر تكلفة استيراد فول الصويا والذرة سنويًا بنحو 5 مليارات دولار أو أكثر. ما يشكل عبئًا على ميزان مصر التجاري الذي يُعاني عجزًا مزمنًا في الأصل.
لماذا لا نزرع ذرة كافية؟
“تبلغ مساحة الرقعة الزراعية في مصر قرابة 8.5 مليون فدان، يزرع منها بالذرة حوالي 2.7 مليون فدان، لا يكفي إنتاجها الاحتياجات المحلية، في حين تستورد مصر نحو 7 ملايين طن من الذرة كل عام، وفق الدكتور محمد القرش، المتحدث باسم وزارة الزراعة.
يقول المهندس حسام رضا، مدير عام الإرشاد الزراعي الأسبق بالإسماعيلية، في حديثه لـ”مصر 360″، إن محصول بنجر السكر والأرز منافسان للذرة في بعض المناطق، خاصة في الساحل الشمالي وشمال الدلتا، بسبب ارتفاع ربحيتها وإنتاجها مقارنة بالذرة التي تحتاج مناخًا معين وملوحة معينة في التربة.
وكانت الذرة تورد إلى مصر من الولايات المتحدة ضمن برنامج المعونات الغذائية المنصوص عليه باتفاقية كامب ديفيد للسلام الموقعة سنة 1979. إلا أنه مع تذبذبها خلال السنوات الماضية، اتجهت مصر إلى الاستيراد من البرازيل والأرجنتين وأوكرانيا. وقد ساهم ذلك في الارتفاع بأسعار استيرادها.
هنا، يقترح مدير عام الإرشاد الزراعي الأسبق بالإسماعيلية لجوء مصر إلى عملية الاستثمار الزراعي في السودان أو في بعض دول إفريقيا، وإحداث نوع من التكامل الزراعي. خاصة وأن دولة مثل السودان أو إثيوبيا لديها فائض ضخم من الثروة الحيوانية.
وقد أوصت دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية، بأنه لابد للدولة من القيام بدور فاعل في عملية تنظيم العملية الزراعية ومحاولة معالجة الفجوة الغذائية الناتجة عن نقص الأعلاف بسبب استيراد الذرة الصفراء وفول الصويا.
وطالبت بإقرار نظام توريد رسمي لمحصول الذرة مثل محصول القمح، ووضع حزمة من الإجراءات الحمائية لخفض الاستيراد ودعم المنتج المحلي، والعمل على إنشاء تعاونيات زراعة متخصصة في محصول الذرة الصفراء لدعم التوسع في إنتاج وتسويق المحصول. مع فرض سعر عادل يُحقق هامش ربح معقول، لزيادة حد الاكتفاء الذاتي من البروتين الحيواني، ومعالجة الفجوة الغذائية التي تعانيها مصر حاليًا.