“الإضراب عن الطعام لن يكون مقاومة إذا جاء مع رغبة الموت. إذا تعلقت بالحياة من الغريزة المطلقة وحدها، فما فائدة المقاومة؟ تأجيل الموت فقط لتجنب دموع أمي ينفي أي إمكانية للنصر”. قال المدون الناشط علاء عبد الفتاح، في رسالة من داخل محبسه بسجن وادي النطرون، تسلمتها والدته أستاذ الرياضة الحيوية بجامعة القاهرة ليلي سويف، أول أمس الاثنين.
في رسالته التي نشرتها “ليلى سويف” عبر صفحتها بـ”فيسبوك”، أعلن عبد الفتاح تصعيد إضرابه الذي بدأه في 1 إبريل/ نيسان الماضي احتجاجًا على استمرار حبسه، إلى إضراب تام [بالامتناع عن تناول أي سعرات حرارية] بدأه أمس الثلاثاء، على أن يصعد منه بالتوقف التام عن شرب المياه بدءًا من 6 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري بالتزامن مع انطلاق قمة المناخ في شرم الشيخ. ما يعرض حياته للخطر.
في أعقاب انتشار رسالة علاء، أعلنت الحركة المدنية والعديد من القوى السياسية وحزب العيش والحرية والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، ومهتمون بحرية الرأي والتعبير، عن تضامنهم، وطالبوا بالإفراج الفوري غير المشروط عنه حرصًا على حياته. وحذروا من الوضع الصحي الاستثنائي لعلاء عبد الفتاح حاليًا.
اقرأ أيضًا: سناء سيف ورامي شعث أمام البرلمان الأوروبي: هذه حقيقة وضع حقوق الإنسان في مصر
وقال مدحت الزاهد رئيس حزب التحالف الشعبي وعضو الحركة المدنية الديمقراطية (تضم 7 أحزاب وشخصيات سياسية)، في تصريح لـ”مصر360″، إن هذا الوضع يستوجب إجراءات مشددة من إدارة السجن، وإحاطته بالرعاية الصحية الدقيقة حفاظًا على حياته، في حضور طرف محايد من نقابة الأطباء مع إدارة السجن”.
“يجب ألا ينظر إلى قضية علاء عبد الفتاح على أنها تتم تحت ضغوط خارجية. الإفراج الفوري عنه هنا مطلبًا رئيسيًا للحركة المدنية، وأمر يخلق مناخًا مناسبًا لتحقيق الاستقرار والأمن وهو في صالح الدولة”؛ أضاف “الزاهد” الذي طالب بوأد ما اعتبره حالة احتقان تشهدها البلاد حاليًا، بإخلاء سبيل جميع سجناء الرأي، وأن تكون هناك انفراجة واسعة وحقيقية في هذا الملف، تشمل جميع المعارضين الذين لم يرفعوا السلاح في وجه الدولة مهما أبدوا من آراء كانت محل خلاف. بمن فيهم علاء عبد الفتاح، أسوة بما جرى مع الصحفيين حسام مؤنس وهشام فؤاد والبرلماني السابق زياد العليمي.
لماذا التصعيد؟
في رسالته الأخيرة، قال علاء: “النهاردة آخر يوم هشرب فيه مشاريب ساخنة، أو تحديدًا يعني بما إني هعد الأيام من فتح النور 10 صباحًا يبقى بكرا الثلاثاء 1 نوفمبر هشرب آخر كباية شاي في الأسر قبل فتح النور، وبعد ٥ أيام بالضبط (مع فتح النور يوم الأحد 6 نوفمبر) هشرب آخر كباية مياه.. بعد كدا في علم الغيب”.
وكتبت شقيقته سناء سيف، عبر حسابها بـ “فيسبوك”، أن شقيقها لا يرغب في الموت. “اللي حابس علاء هو اللي عايزه يموت في السجن. كل اللي علاء عمله إنه غيّر الخط الزمني وسرّعه شويتين. علاء مش عايز يموت، خلينا فاكرين ده كويس”.
اقرأ أيضًا: علاء عبد الفتاح إلى “وادي النطرون”.. تخفيف للقيد أم خطوة نحو “العفو”؟
وصل علاء لهذه الدرجة من التصعيد الذي يمثل خطورة على حياته، مع استمرار حبسه بشكل شبه دائم لفترة تقترب من 10 سنوات بـ”حجج واهية”، حسب تعبير والدته في منشور عبر “فيسبوك”. وقد حكم عليه بالسجن خمس سنوات وبعد خروجه خضع للمراقبة اليومية لمدة 12 ساعة في غرفة مغلقة داخل القسم، ولم تنقض الفترة حتى ألقي القبض عليه وحبس مجددًا لمدة سنتين دون اتهام محدد.
قُدم علاء للمحاكمة مرة أخرى بتهمة “نشر بوست” عبر “فيسبوك” عن وفاة مسجون في سجن العقرب 2، ليحكم عليه بخمس سنوات جديدة في السجن، حيث تعرض للتضييق بداية من إرساله إلى سجن العقرب، تحت إدارة الضابط نفسه الذي اتهمه علاء بمقتل السجين، قبل أن ينقل أخيرًا إلى سجن وادي النطرون؛ وفق إفادات والدته وشقيقتيه منى وسناء.
كما حُرم علاء من التريض، ومنعت عنه الكتب والجرائد والراديو، بالإضافة إلى حرمانه من “مرتبة” للنوم. وحددت الزيارة له من خلال حاجز زجاجي، والحديث عبر الهاتف مع زائره، لمدة 20 دقيقة فقط.
علاء لا يكذب
تقول ليلى سويف، عبر حسابها بـ”فيسبوك”: “علاء وصل له المعنى واضحًا. وهو قرر إنه لو المطلوب موته سيختار أن يموت وهو يقاوم بدلًا من أن يموت وهو مكسور ومهان”.
المحامي الحقوقي ناصر أمين، مدير المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، ندد بعملية التشكيك في إضراب علاء عبد الفتاح عن الطعام. ووصفه بأنه من أكثر الناس اتزانًا ودقة في استخدام الكلام. مضيفًا أنه لا يعلن إلا ما يفعله بصدق. خاصة وأنه لم يطلب إلا العدل.
وقد بدأت شقيقتاه منى وسناء اعتصامًا مفتوحًا أمام مقر وزارة الخارجية البريطانية في لندن، التي يحمل علاء جنسيتها. ودعا المشاركون في الاعتصام، الحكومة البريطانية لبذل مزيد من الجهود من أجل إطلاق سراحه.
وطالب عضو مجلس العموم (أي النواب) البريطاني، ديفيد لامي، المشارك في الاعتصام، وزير خارجية بلاده بالتدخل العاجل من أجل تأمين إطلاق سراح عبد الفتاح. وقال: “مواطن بريطاني على أبواب الموت يقبع في السجن بسبب معتقداته السياسية”.
محطات في حياته
بدأ علاء عبد الفتاح مشواره كمبرمج ومدون وناشط سياسي في 2004 عندما أطلق مع زوجته مدونة “دلو معلومات منال وعلاء”. وذلك لتغطية الأخبار كدعم للصحافة الشعبية. وهي المدونة ذاتها التي فازت بجائزة منظمة “مراسلون بلا حدود” في العام 2005.
فقد علاء البالغ من العمر 41 عامًا، خلال سنوات حبسه والده المحامي أحمد سيف الإسلام عبد الفتاح، وجده و خالة والدته. كما فقد الوقت اللازم للتواجد إلى جانب ابنه “خالد” الذي بلغ سن العاشرة محرومًا من حضن والده.
ويواجه علاء حكمًا مشددًا بالحبس خمس سنوات، مدانًا بنشر أخبار كاذبة، وكذلك الانتماء إلى جماعة محظورة. وهو الحكم الذي أصدرته محكمة أمن الدولة طوارئ الاستثنائية التي لا يمكن الطعن على أحكامها.
وقضى في الحبس الاحتياطي أكثر من عامين منذ إعادة القبض عليه في سبتمبر/ أيلول 2019.
تضامن القوى المدنية
أصدر حزب العيش والحرية بيانًا تضامنيًا مع علاء عبد الفتاح، وحمّل السلطات مسئولية سلامته الصحية. وذكر البيان أن هناك “تجاهل عن قصد لجميع المناشدات والدعوات التي تطالب بضرورة وسرعة إطلاق سراحه، وأن ما يحدث يتنافى مع ما أعلنته الدولة مسبقًا فيما يخص الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وما وعد به الرئيس من رغبة السلطة في الحوار مع المعارضة، الأمر الذي انطلقت على أساسه جلسات الحوار الوطني.
كما أشار البيان إى “أن استمرار حبس علاء عبد الفتاح هو وغيره من سجناء الرأي واستمرار التنكيل بهم كرد فعل على استخدامهم لحقهم في التعبير عن رأيهم هو إهدار للكرامة الإنسانية”. بينما تقدم محاميه ببلاغ إلى النائب العام حمل رقم (51452) عرائض النائب العام، بشأن توقف علاء عن الإضراب الجزئي الذي دام أكثر من 200 يوم ودخوله في إضراب شامل عن الطعام بداية من 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 ولمدة خمسة أيام، قبل أن يدخل في إضراب شامل بالامتناع عن الأكل والشرب من يوم الأحد المقبل 6 من الشهر الجاري.
وجددت المفوضية المصرية للحقوق والحريات مطالبها بالإفراج عن علاء إنقاذًا لحياته، وحملت مسئولية أمنه وسلامته لكل المتهاونين في الإفراج عنه.
الحوار والحالة الأمنية
في تصريحاته لـ”مصر 360″، قال مدحت الزاهد إن الحوار الوطني ما يزال في مرحلة الإجراءات، والدعوة له لا تعني أن هناك تغيرًا في توجهات النظام. لكن هناك مطالبات دائمة من الحركة المدنية بالإفراج عن سجناء الرأي كأحد الضمانات لإنجاح هذا الحوار.
وفيما يرى الزاهد أن تجاوبًا حدث بالفعل مع هذه المطالب، بالإفراج عن دفعات متعددة، طالب باستكمال الإفراجات بشكل أوسع يحقق الاستجابة لمطالب الشارع السياسية والاقتصادية، وينهي أزمة سجناء الرأي.
“الردود الرسمية تؤكد للحركة أن تأخر الاستجابة المتوقعة يأتي في إطار فحص الأوضاع مع الأجهزة المختصة ولا يوجد مانع في الإفراج عن أي من الأسماء المطروحة، وعلى رأسها علاء وأحمد ودومة”؛ يضيف الزاهد: “هناك وعود بالعمل على الإفراج عن المعارضين السلميين. لكنها مرتبطة بمواقيت محددة لدى الأجهزة الأمنية، وتأخير بعض الأسماء يكون لتسهيل خروج آخرين”.
وبحسب الزاهد، فإن هناك في الوقت الحالي، توجهات مختلفة عما سبق، في إعادة تقييم الموقف، وأن الأبواب ليست مغلقة، متوقعًا ارتباط بدء إجراء الحوار الوطني بهذه الإجراءات قريبًا، وتوسيع عملية الإفراج عن السجناء.