“كلبٌ بلدي، حب كلبة لولو، و هي ساكنة ڤيلا ، وهو طلعان عين أبوه

كان بيشوفها كل يوم ، في جنينة بيتها كالعادة ، وطوقها الأحمر الجميل ، بيشوفه ينط من السعادة

أبوه كان كلب عجوز حكيم ، قال له خليك في السليم ، وشوف لك كلبة تكون من ثوبنا ، واستغفر الله العظيم”إلى آخر كلمات الأغنية خفيفة الظل سريعة الإيقاع  التي التي أبدعتها فرقة “سيتي باند ” بألفاظ عامية بسيطة المبنى، عميقة المعنى ، سلسلة الأسلوب، رشيقة النقلة في إسقاطاتها التي تركز على  حاجز الطبقية الاجتماعية  الذي تمثل في هذه الأغنية بسور الفيلا الذي كان “جدارا عازلا” فصل إلى الأبد  بين الكلبين العاشقين ، فالخليلة المعشوقة تتزوج تحت إكراه “التقاليد العائلية الأرستقراطية  ” في بهو الفيلا الدفيئ الفخيم ،  كلبا ذا حسب ونسب ومال من عائلة  “بوكسر ” التي تنحدر سلالتها في العاصمة الفرنسية باريس، بينما ينعي الكلب البلدي المصري ابن الطبقة المشردة  حظه العاثر في العراء الموحش  مطلقا  “عواءً ” احتجاجيا مدويا ”

sss

 

بعد أن غزا الفرنسيون ، مواطنو الكلب “البوكسر ” مصر عام 1797 ، أقدمت قوات نابليون بونابرت على قتل  كلاب الشوارع في القاهرة بسبب أصواتها الصاخبة ، على مدار يومين .

لم تستطع الإبادة المنظمة سواء من المحتل الفرنسي أو الحكومة المصرية فرض الصمت على عواء الكلاب ، التي وجدت منظمات حقوقية تدافع عنها كمخلوقات ضعيفة تستحق الرفق والرأفة وهو المعني الذي أكدت عليه دار الافتاء المصرية تفصيليا في فتوى لها .

غير أن  نباح الكلاب البلدي ظل يشكل دراما عرض مستمر ، يشق ضجيجها أستار الليل ليرتطم  بالأسماع ، ولكن ظلت اعتداءتها المتكررة على المواطنين تثير نوعا من  “الفزع العام ” الذي يخلع قلوب الأطفال الصغار ، ويقلق كثيرا من الكبار وقت النوم ، مما جعل هذه المخلوقات “الأليفة ” منها  و”المتشرسة ” عرضة للتصفية  الجسدية من جانب الحكومة قتلا بالسم أو تعقيما  لقطع نسلها والحيلولة دون انجاب جراء جديدة .

15 مليون ضال

حررت دائرة قسم شرطة أول المنتزه شرق الإسكندرية واقعة عقر 5 أشخاص من كلب مسعور وتم نقلهم للمستشفى لتلقى العلاج تبين أنه أثناء تواجد المواطنين بمكان الواقعة، هاجمهم كلب بلدى ضال “مسعور” وعقر أحد الأشخاص، وأثناء التدخل لإنقاذه قام بعقر باقى المواطنين ، تم القضاء على الكلب على الفور.

سجل عدد الكلاب في مصر أرقاما  “ضخمة ” تحسب بالملايين ولكنها “متضاربة ” ، ووسط هذا التضارب في الأرقام ، رصدت جمعية الرفق ورعاية الحيوان المصرية  تعداد الكلاب في مصر الذي  يتجاوز أكثر من 15 مليون كلب ضال ، حسبما أكد عز الدين أبو ستيت وزير الزراعة السابق في جلسة برلمانية ، وهي أعداد تزيد على احتياجات التوازن البيئي بنسبة 400% أي أربعة أضعاف  ، حسب رئيس الجمعية شهاب عبد الحميد ، الذي أكد أن القمامة المتراكمة في الشوارع هي السبب الرئيسي لهذه الأزمة.

عضة الكلب ومسؤولية الحكومة

وبدورها اعترفت الهيئة العامة للخدمات البيطرية التابعة لوزارة الزراعة بأن ظاهرة انتشار الكلاب الضالة مشكلة مجتمعية تتطلب التعاون والتنسيق بين الجهات المعنية  وهي وزارت الزرعة والصحة والبيئة إلى جانب المحليات، مؤكدة أن الأماكن المهجورة وتراكم القمامة تعتبر العامل الرئيسى فى تكاثر وانتشار الكلاب الضالة، حيث لا تقتصر ظاهرة انتشار الكلاب الضالة على نقل الأمراض المشتركة وأهمها مرض السعار، بل تمتد إلى ما تسببه هذه الحيوانات من حالات الرعب والهلع والتخويف، وما ينتج عنها من إصابات عضوية ونفسية للآدميين.

“البطران ” : يجب أن نحافظ على ملكية البلا للكلب البلدي و وقف التصدير العشوائي 

وينقل الكلب أخطر مرض في العالم وهو السعار الذي يمكن أن يقتل الإنسان في 24 ساعة لتدميره الخلايا العصبية ، وشدد  تقريرهيئة  الخدمات البيطرية على ضرورة الإسراع في مكافحة المرض وكسر دورة انتقاله في الحيوانات والكلاب الضالة، بإجراء خطة شاملة للمكافحة طبقًا للإمكانيات المتاحة ووفقًا للقرارات والقوانين المنظمة لذلك.

النائب غريب حسان، عضو مجلس النواب بمحافظة جنوب سيناء، حمل الحكومة مسؤولية انتشار الكلاب الضالة فى الشوارع، قائلا :”رغم وعود الوزراء بإيجاد حلول عاجلة لهذا الأمر خلال جلسة موسعه عقدت بلجنة الإدارة المحلية فى حضور الوزراء والمحافظين، لم يتم أى شيء على أرض الواقع .

واضاف :” الكلاب تنتشر كالذباب وهي كارثة على مصر ، وهناك من يدافعون عن حقوق الحيوان، ولكن ماذا عن الـ100 ألف مواطن الذين تعرضوا للعض من الكلاب الضآلة، إننى أحمل المسئولية للحكومة فى تعرض المواطنين للعض، أولادنا بتموت.”

 السعار من أخطر الأمراض والذي قد يقتل الإنسان في 24 ساعة لتدميره الخلايا العصبية 

هيئة الطب البيطري  أفادت أن هناك أكثر من 300 مرض آخر مشترك تنتقل من الكلاب إلى الإنسان تتمثل فى الجرب والسل وبلازما، والبروسيلا والقراع فضلا عن وجود حشرة الجراد التي تنقل أمراض الدم من الكلاب للإنسان

تطعيم 70% على الأقل من الكلاب ، بما في ذلك الكلاب الضالة ، من شأنه أن يمنع انتقال مرض الكلب إلى البشر ، بحسب منظمة الصحة العالمية

تصديرها يثير جدلا برلمانيا

مجلس النواب وأعضاء البرلمان نقاشوا في عديد من المناسبات جوانب الأزمة مع اقتراح حلول لها ، وهي المناقشات التي أثارت جدلا واسعا خاصة  تصدير الكلاب لتعظيم الاستفادة الاقتصادية منها من جانب ، و وضع حد لأخطارها المتكررة  من جانب آخر .

النائبة مني جاب الله، أمين سر لجنة الإدارة المحلية بالبرلمان، أكدت إن توجه مصر لتصدير الكلاب للخارج “حل واقعي “، نظرا لعدم إمتلاك الدولة الإمكانيات الكفيلة لعمل مزارع أو تدشين حملات صحية لهم ولزيادة اعداد الكلاب الضالة ، وما تحمله من أمراض خطيرة 

وهو الرأي نفسه الذي تبناه  النائب السيد حجازي، عضو لجنة الطاقة والبيئة بالبرلمان، “فتصدير الكلاب يعد أمرا اعتياديا لا يستحق الجدل القائم، فمصر تستورد الكلاب ايضا بغرض الحراسة وان الموضوع يعد بمثابة عملية تجارية تعود بالنفع علي زيادة دخل الدولة.”

 دار الافتاء :لا يجوز اللجوء إلى الطرق الوحشية في قتل الكلاب، و العبث بجثثها أو تشويه أجسادها

لكن النائبة مي البطران اعترضت على تصدير الكلب البلدي ، والذي جرى بشكل كبير في الفترة الأخيرة، مشددة على ضرورة الحفاظ على ملكية مصر لهذه السلالة ، ووقف عمليات التصدير العشوائي، حرصا على هذا النوع ولأهميته ، لم تكن هذه هي المرة الأولى الذي يقدم فيها هذاالاقتراح ،  فوكيل لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، مارغريت عازر، أثارت في وقت سابق كيفية الاستفادة من الكلاب الضالة من خلال  تصديرها إلى دول تأكلها، مثل كوريا الجنوبية.

 رفض حقوقي وقبول شعبي !

لكن مقترح التصدير أثار نقاشا واسعا، اعتبره نواب خطوة جيدة تحقق عائدا ماديا، بينما اعترض حقوقيون ووزارة الزراعة،، حيث انتقدت الناشطة في مجال حقوق الحيوان منى خليل، مقترح التصدير،وقالت إن المواطنين في كوريا الجنوبية يأكلون الكلاب بشكل غير إنساني ، باقتطاع أجزاء من جسدها وهي على قيد الحياة، ويتم حرقها ، كما استنكرت قتلها  في الشوارع باستخدام السم.

كشف تقرير الهيئة العامة للخدمات البيطرية، التابعة لوزارة الزراعة واسنصلاح الأراضي، أنه تم إعدام 295 ألف كلب خلال عام 2019

المدافعون عن حقوق الحيوان ، نددوا في مناسبات عديدة  باستخدام بعض الوسائل للحد من عدد الكلاب مثل الأعيرة النارية  واستخدام الحكومة  “الاستركنين” في إبادتها ، وهو نوع من السموم محرم دوليا ، استخدمته مديرية الطب البيطري بالقاهرة فيما عرف “مجزرة المعادي ” الشهيرة التي أثارت حالة غضب بين أهالى المعادى بعد انتشار جثث العشرات من الكلاب المقتولة  

الخدمات البيطرية تعترف بإعدام 295 ألف كلب خلال عام 2019

كما تكررت هذه الواقعة في منطقة حدائق أكتوبر بعد أن أمر أشرف فتحي محمود ، رئيس الجهاز  بقتل الكلاب بوضع لحم وعيش مسمم الذي طالب الأهالي بإقالته

وعلى خلفية المطالبات الحقوقية بانتهاج أساليب رحيمة في التخلص من الكلاب من بينها التعقيم بالإخصاء ، قالت  وزارة الزراعة إن  عمليات الإخصاء  مكلفة جدا، و تحتاج  إلى استخدام البنج الذي يتكلف نحو 500 جنيه أي أكثر من 28 دولارا. 

وكالة أسوشيتدبرس الأمريكية  قالت إن الكلاب الضالة في مصر تلقى  قبولا شعبيا ، والتي نقلت عن طبيب بيطري بالمعادي تأكيده بأن :”هناك تغير كبير ، فلم يعد يتم يقتصر على علاج الكلاب ذات السلالات الأجنبية ، بل إن هناك عددا متزايدا من الكلاب الضالة التي يتم تبنيها حتى الزبائن المتدينين بدأوا يأخذون كلاب الشوارع وغالبا ما يوفقون بين معتقداتهم الدينية وحبهم للكلاب بإبقائهم على أسطح المنازل أو في الساحات المرفقة بمنازلهم.”

 وفي هذا السياق أكدت دار الافتاء المصرية أنه لا يجوز اللجوء إلى الطرق الوحشية في قتل الكلاب، رافضة العبث بجثثها أو تشويه أجسادها ، وقالت :”  على من أراد قتل الكلاب والحيوانات المؤذية -إذا لم يجد سبيلًا غير ذلك- أن يتحرى الطرق السهلة السريعة في ذلك بحيث لا يكون فيها تعذيب ولا إيلام لها”

وأضافت :” ينبغي ألا  يصير القتل سلوكا عاما  يتسلط فيه الإنسان على هذه الحيوانات بالإبادة والإهلاك، بل على الجهات المختصة إيجاد البدائل التي تحمي الناس من شرورها وتساعد في نفس الوقت على الحفاظ على التوازن البيئي في الطبيعة التي خلقها الله تعالى على أحسن نظام وأبدعه وأحكمه”

 السينما المصرية بدورها احتفت بالكلاب الضالة ، فعرضت  فيلما كوميديا عام 2016 باسم “كلب بلدي ” وهو الفيلم الذي ظهر فيه نحو 150 كلبا.