أكثر من مليون شخص تتراوح أعمارهم بين 15 و49 عامًا، يصابون بأمراض منقولة جنسيا يوميا حول العالم، وتستخدم المرأة الواحدة 11 ألف فوطة صحية في متوسط حياتها منذ بداية الحيض وحتى سن انقطاع الطمث.

sss

هذه معلومات وأرقام يمكن أن نضعها في الحسبان أثناء الحوار الدائر عن مدى توفير الكمامات الصحية والتكلفة الاقتصادية لاستخدام هذه الكمامات للأسرة الواحدة  للوقاية من وباء فيروس كورونا، فالوقاية من الأمراض ضرورة لا مفر منها، وتوفير أدوات وطرق الوقاية هو جوهر الحق في الصحة  للجميع.

لكن الإجماع على أهمية استخدام الكمامات للوقاية، يقابله رفض في كثير من الأحيان للحديث العلني عن أهمية الفوط الصحية وتوفيرها لحماية النساء من الأمراض التي يمكن حدوثها  في حالة عدم توافرها لجميع النساء والفتيات اللاتي في حاجة إليها بشكل دوري لأغلب سنوات عمرهن، وهو الحال  عند الحديث عن توفير الواقي الذكرى والانثوي  للحماية من الأمراض المنقولة جنسيًا  وكوسيلة لمنع الحمل والتوعية بطريقة استخدامها بشكل آمن.

فعلى سبيل المثال هل يمكن أن نرى في يوم من الأيام اهتمام في البرلمان المصرى ومطالب بتوفير الفوط الصحية للنساء بأسعار مناسبة كما يتم الآن  من مطالب لتوفير الكمامات؟!، أو تدرج هذه المطالب في برامج الأحزاب؟.

وهل يمكن أن نسمع عن مطالب بتدريس مواد عن الصحة الإنجابية والصحة الجنسية  للمراهقين/ات، والبالغين/ات، عن أهمية الوقاية من الأمراض المنقولة جنسيًا وخطورتها وأدوات الحماية منها المتعددة التى منها الواقى / العازل الذكرى / الأنثوي، وممارسة الجنس الآمن؟!

الدروس المستفادة من تجربة وباء فيروس كورونا أن هناك معلومات صحية بسيطة وأولية قادرة على حماية الإنسان من الهلاك، هذه المعلومات يجب أن تتوفر ويتم التوعية بها والتدريب عليها مبكرا قبل حدوث الأزمة، وإلا فالخسائر ستكون في الأرواح.

البعض كان يظن ارتداء الكمامة فعل في منتهى السهولة، لكن التجربة أثبتت أن الموضوع يحتاج إلى كثير من التوعية وبذل المجهود، فحتى الآن بالرغم من مرور  أشهر على أزمة كورونا، لا يعرف الكثيرون كيفية التعامل وارتداء الكمامة بطريقة صحيحة، وبمقارنة سهولة ارتداء الكمامة بصعوبة التعامل مع الفوط الصحية والواقى الذكرى للمراهقين /ات، ندرك أهمية توفير المعلومات وتبسيطها من متخصصين في هذا الشأن.

الواقي/ العازل الذكرى/ الأنثوي    

تمثّل العوازل، عندما تُستخدم بطرق سليمة وباستمرار، أحد أنجع الأساليب للحماية من أنواع العدوى المنقولة جنسياً، بما في ذلك عدوى فيروس نقص المناعة البشرى المكتسب  HIV  وعلى الرغم من فعالية العوازل الأنثوية ومأمونيتها، فإنّها لا تزال غير مستخدمة على نطاق واسع في البرامج الوقائية الوطنية بسبب ارتفاع أسعارها مقارنة بالعوازل الذكرية.

فى يونيو 2019  أصدرت منظمة الصحة العالمية بيانات تفيد بإصابة الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و49 عاماً بأكثر من مليون حالة جديدة يومياً من حالات عدوى الأمراض المنقولة جنسياً القابلة للشفاء، وهو ما يمثل عدداً يزيد على 376 مليون حالة جديدة سنوياً للإصابة بأربع أمراض من عدوى هذه الأمراض ألا وهي الكلاميديا والسيلان وداء المشعرات والزهري.

وشهد عام 2016 الإصابة بحالات جديدة عددها 127 مليون حالة عدوى بالكلاميديا و87 مليون حالة عدوى بالسيلان و6.3 مليون حالة عدوى بالزهري و156 مليون حالة عدوى بداء المشعرات فيما بين الرجال والنساء الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و49 عاماً.

وتشير التقديرات إلى أن مرض الزهري لوحده أوقع 000 200 وفاة بين صفوف المواليد في عام 2016، مما يجعله واحداً من الأسباب الرئيسية لحصاد أرواح الرضع على مستوى العالم.

وتنجم أنواع العدوى المنقولة جنسياً عن أكثر من 30 نوعاً مختلفاً من الجراثيم والفيروسات والطفيليات التي تنتشر عن طريق الاتصال الجنسي بالدرجة الأولى، ويمكن أن تؤدي أنواع العدوى تلك إلى الإصابة بأمراض مزمنة كالإصابة بفيروس  نقص المناعة البشرى المكتسب ومضاعفات الحمل والعقم وسرطان عنق الرحم وإلى الوفاة.

وتندرج أنواع العدوى المنقولة جنسياً ومضاعفاتها، في البلدان النامية، ضمن أهمّ الفئات المرضية الخمس التي يلتمس البالغون خدمات الرعاية الصحية بسببها.

كما تصيب أنواع العدوى المنقولة جنسياً النساء والمراهقات بشكل مفرط، ففي كل عام تُصاب مراهقة واحدة من أصل عشرين مراهقة بأحد أنواع العدوى الجرثومية جرّاء الاتصال الجنسي، علماً بأنّ العمر الذي تُكتسب فيه أنواع العدوى تلك ما فتئ ينخفض، وينبغي أن تشمل جميع أنشطة التثقيف في مجال الصحة الجنسية وجميع الخدمات ذات الصلة وتحسين وعي المراهقات وتعريفهن بأنواع العدوى المنقولة جنسياً وكيفية الوقاية منها.

الفوط الصحية 

هي قطعة ماصة توضع في الملابس الداخلية للإناث خلال فترة الطمث أو النزيف التالي للولادة أو عند التعافي من جراحة نسائية أو في حالة الإجهاض، سواء كان إجهاض تلقائي أو غير ذلك، وفي أي حالة تتطلب امتصاص دم متدفق من المهبل.

تعتبر الفوط الطمثية أحد أنواع منتجات النظافة الأنثوية خارجية الاستخدام، على عكس السدادات القطنية (التامبون) وأكواب الحيض التي توضَع داخل المهبل، يجب تغيير الفوطة الصحية عدة مرات خلال 24 ساعة اعتمادًا على ما إذا كان تدفق الحيض غزيرًا أو خفيفًا.

ومن الجدير بالإشارة هنا إلى مصطلح (فقر الدورة الشهرية) وهو مصطلح يشير إلى صعوبة الحصول على منتجات النظافة الصحية، ونقص الثقافة الصحية المتعلقة بالدورة الشهرية، ودورات المياه، ومرافق غسل اليدين، أو إدارة المخلفات.

وتتعرض النساء والفتيات اللاتي تحضن حول العالم للنبذ من الأنشطة الحياة اليومية، وقد يجعل الخجل الثقافي المتعلق بالدورة الشهرية ونقص المصادر، الفتيات والنساء يتوقفن عن الذهاب إلى المدارس والعمل كل يوم.

تجربة الهند 

واحدة من كل خمس فتيات في الريف الهندي تُجبَر على ترك المدرسة بعد بلوغها، وفق تقرير لمنظمة «بلان إنديا»، ومن أصل 355 مليون سيدة بالغة، 12% فقط يستخدمن الفوط الصحية، مثال الهند يمكن أن ينسحب على القسم الكبير من الدول النامية والعربية، وعلى النساء المهمشات في كل أنحاء العالم، كالسجينات أو المشرَّدات أو عاملات الجنس.

لكن بالرغم من ذلك  كسرت الهند حاجز الصمت حول هذه المشكلة حيث تم صياغتها في إطار درامي من خلال فيلم  فيلم  padman أو “رجل الفوط الصحية”  فيلم مستوحى من قصة لحام في منطقة ريفية في جنوب الهند، يدعى أروناكلام  مورو جانانثام كرس 20 عاما من حياته لاختراع ماكينة تصنع الفوط الصحية قليلة التكاليف، كان مصدر إلهامه، زوجته التي وجدها تستخدم خرقا بالية خلال فترة الدورة الشهرية شأنها شأن 88 % من الإناث في الهند اللاتي لا يستطعن الحصول على المنتجات الصحية بسبب ارتفاع تكلفتها.

الفكرة نفسها كانت هي مصدر الإلهام لمنتجة الفيلم، توينكل خانا، والتي عانت هي نفسها من هذا النقص في المنتجات الصحية أثناء وجودها في مدرسة داخلية، والفيلم مأخوذ عن قصة قصيرة كتبتها خانا تتناول ذات الموضوع.

الفوط الصحية وأزمة كورونا 

نشر موقع  BBC تقريرًا عن مواجهة  طالبات المدارس في الهند نقصًا كبيرًا في الفوط الصحية لأن المدارس، وهي جزء حيوي من سلسلة توزيعها، مغلقة بسبب فيروس كورونا، ليترك ذلك الوضع ملايين المراهقات في جميع أنحاء البلاد في قلق، فخلال السنوات الماضية، كانت تتلقى كل فتاة مجموعة من 10 فوط صحية كل شهر من مدرستها حيث يتم توزيع الفوط الصحية على جميع الطالبات في المدارس الإعدادية والثانوية في إطار مشروع حكومي لتعزيز النظافة خلال الطمث.

إنها حملة مهمة في بلد تستخدم فيه فقط 36 في المئة فقط من الإناث في سن الحيض والبالغ عددهن 355 مليونا الفوط الصحية (ويستخدم العدد المتبقي القماش القديم أو الخرق أو الرماد)، فضلا عن تسرب ما يقرب من 23 مليون فتاة من المدرسة سنويا بعد دخولهن مرحلة الحيض، لكن مع إغلاق المدارس الناجم عن فرض الإغلاق بسبب فيروس كورونا، توقف توريد الفوط الصحية أيضا.

رواندا 

أعلنت دولة رواندا، إلغاء 18٪ من ضريبة القيمة المضافة، على الفوط الصحية، بحيث تكون أرخص بالنسبة للفتيات اللائي يجبرن على التسرب من المدارس خلال فترات الدورة الشهرية، هذه الخطوة، جاءت بعد ضغوط ضارية من مطالبات الجمعيات النسوية ومنظمات غير حكومية، حثت الحكومة على التحرك لخفض أسعار الفوط الصحية في البلاد.

وفي بريطانيا، تضطر واحدة من بين كل عشر فتيات لاستخدام الجوارب، أو ورق الجرائد أو ورق التواليت لعدم القدرة على شراء علب الفوط الصحية، وهو ما دعى البرلمان في 27 أكتوبر 2015 لمناقشة ذلك حين  سلّطت عضوة مجلس النواب الإنجليزي ستيلا كريسي الضوء على أزمة الضريبة المضافة على سعر الفوط الصحية، وتبني حزب العمل، الذي تنتمي له كريسي، حملة داخل المجلس لإلغاء الـ5% المضافة على سعر الفوط رافضًا اعتبارها “سلعة ترفيهية”.

عضوة البرلمان الشجاعة التى قالت في كلمتها إن “الحفاضات والفوط الصحية كانت دائمًا تعتبر ترفًا.. وهذا الأمر ليس صدفة لأنه نتاج مجتمع غير متساوٍ. لا يتعامل مع اهتمامات النساء بنفس القدر الذي يتعامل به مع اهتمامات الرجال”.

وأنهت كلمتها ساخرة من عدم إضافة ضريبة على ماكينات الحلاقة لأنها ليست من السلع الترفيهية باعتبار نظافة ذقون الرجال من الضرورات.

لكن للأسف الحملة لم تنجح في هدفها حيثُ صوت 287 عضوًا لدعم طلب إلغاء الزيادة في حين رفض 305 هذا الطلب.

وفي الولايات المتحدة الأميركية يُعرّف قانون الضرائب لولاية نيويورك “الفوط والحفاضات الصحية أنها منتجات النظافة الأنثوية” فهي ليست معفاة من ضريبة المبيعات “لأنها ليست معدة للاستخدام داخليا أو خارجيا، في التشخيص والعلاج والتخفيف والعلاج، أو الوقاية من الأمراض أو من الأمراض البشرية”، ويماثل هذا التعريف تعريفات القوانين الضريبية في الولايات الأخرى للوازم والأدوية الطبية.

هناك مصطلح اقتصادي يشرح سبب ذلك الانحياز هو Gender bias taxation ويعني وضع سياسات ضريبية وفقا لانحياز النوع.

هذا الانحياز أقر به الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما حين سُئل عن رأيه في الضريبة المفروضة على الفوط الصحية فقال “لا يوجد لدي أدنى معرفة لماذا قد تقوم الولايات بإضافة ضريبة للفوط واعتبارها سلع ترفيهية. أعتقدُ أن هذا بسبب أن تلك القوانين مُررت في وقت عندما كان المشرعون من الرجال فقط”.

لكن في مارس 2019، أعلنت عضوة الكونجرس الأمريكي غريس منغ قانون المساواة للجميع في فترة الحيض قبل الكونجرس وهو أول مشروع قانون شامل للتصدي للتحديات التي تواجهها النساء والفتيات في أمريكا للحصول على منتجات صحية نسائية، سيجعل مشروع القانون المنتجات الصحية النسائية مجانية للنساء في السجون، وسيسمح القانون للولايات استخدام الأموال الفيدرالية لتوفير فوط صحية للفتيات في المدارس. مما يتطلب أن يغطي برنامج المساعدة الطبية Medicaid هذه المنتجات.

قبل ذلك فى  2018 قررت أستراليا إلغاء ضريبة مثيرة للجدل على منتجات النساء الصحية بعد سنوات من حملات قادتها منظمات وجماعات حقوقية.

وفى نفس العام  أطلقت الحكومة الأسكتلندية برنامج وصل تكلفته إلى 6.7 مليون دولار، للقضاء على ما أطلق عليه «فقر الدورة الشهرية» بعد اكتشاف أن هناك مئات الآلاف من الشابات لا تتوافر لديهن القدرة المالية لشراء الفوط الصحية وهو ما يتسبب في غيابهن المتكرر عن الجامعة والمدرسة.