تقول إحدى النكات المؤلمة إن رجلا كان مدعوًا لفرح ولم يكن يملك حذاء مناسبا، فذهب إلى صديق له يستعير منه حذاء، وفى الفرح، كلما خطى الرجل خطوة حذره صاحب الحذاء من أن يدوس في الماء، أو في الطين، أو مكان يراه صاحب الحذاء سيلوث حذاءه، شاهد الموقف صديقًا آخر، فسأل الرجل وعرف القصة، فعرض عليه أن يُعيره حذاء ويرد للأول حذاءه ففعل الرجل، فما كان من الصديق الثاني إلا أنه مع كل خطوة يقول له دوس ولا يهمك، تلك النكتة تمثل شكلين من الضغط الذي يقع تحتهما الإنسان؛ أحدهما من شخص يترصد أخطاءك، والآخر ممن يفترض أنه داعم. حتى الداعمين يضعوننا تحت ضغوط أحيانا.
انفجار بضغوط الحب
الطبيعي أن يكون الحب هو مساحة الراحة والسعادة في حياة الأشخاص. لكن هناك بعض المحبين الذين يضعون أنفسهم في مكانة العارف ببواطن الأمور.
هؤلاء يمنحون أنفسهم حق تقرير مصيرك. فيبدأون في رسم مسارات حياتك، ويحاسبونك لأي خروج عن المسار، وهم أصحاب نوايا صادقة بتمني الخير لك. وهذه النية الصادقة ويقينك بالمحبة هو ما يجعلك تتحمل وتصمت، لتكتشف بعد فترة أنك لم تعد نفسك، بل صرت شخصًا آخر، ينتزع الأحبة أهليتك، وبصورة أو أخرى يمحون عقلك، متخذين أخطاءك السابقة، وسوء تصرفك أحيانا كدليل إدانة تجاهك. وشيئًا فشيء تمتلئ بالضغوط التي تجعلك على وشك الانفجار. لكن تسعى للتكتم، فالفاعل محب صادق النية غير مشكوك فيه.
المشكلة الحقيقية هنا أن الإنسان الذي يتعرض لمثل هذا النوع من الضغوط هو شخص قد وقع في أخطاء نتيجة سوء تقدير منه، أو نقائص في شخصيته.
الأمر يبدأ حين تشعر أنت نفسك بأنك لا تعرف أو أنك تخطئ وبحاجة لمساندة، الوقوع في فخ الضعف وتصديق أنك لا تحسن التصرف تكون بداية المشكلة، حيث يكون فقدان ثقتك بنفسك هو أول خطوة لوقوعك تحت الضغوط، بفقدان الثقة تفتح ليس ثغرة فقط في حياتك، ولكنك تفتح ممرًا آمنًا لكل المقربين لاختراق حياتك والتصرف بها سلوك العارفين وأصحاب القرار، ويكون عليك طيلة الوقت الانصياع لنصائحهم التي تأخذ صيغة الأوامر بعد قليل، جزء من هذه الضغوط يكون نابع من داخلك ومن الخوف من الفشل أو تكرار الخسائر، ومع تكرار الأمر تُصبح تابع وليس شريك.
إحساس أنك لا تُحسن التصرف، وتبعيتك لمن تُحب، والخوف من الوقوع في الخطأ بالإضافة إلى تلك التعليمات التي يبادر بها الرفقاء كل ذلك يصنع ضغوطًا ستؤدي حتمًا إلى حالة من الانفجار، والذي لن تعرف متى سيحدث، لكنه مؤكد الحدوث وحينها ستخسر كل شيء.
وضعية الانفجار
هل الحياة تجربة تحتمل الفشل في بعض خطواتها والنجاح في خطوات أخرى؟ هذا السؤال تكمن في إجابته النجاة من فخ الضغوط. فنحن البشر جئنا الحياة لنختبرها وتختبرنا، نكتسب مهارات ونفقد وقت ومال ورفقة، الفقد والمكسب، النجاح والفشل، كلها ثنائيات قابلة للتحقق طيلة الوقت، والوصول إلى معادلة التوازن بقبول الفشل والخطأ والخسارة، بحيث يمكن عبورها وتصحيح ما نراه خطأ هو الجسر الذي نعبر عليه من شيء إلى نقيضه. وبالتالي، فإن الإنسان إذا اعتمد نفسه فاشلا أو مخطئ أو خاسرا بشكل دائم، فإنه أول ما يُمارس ضغطًا على نفسه، ويُصبح كل فعل يقوم به أو بصدد اتخاذ قرار بشأنه هو ضغط دائم.
فالضغوط التي نتعرض لها ليس بالضرورة أن تكون جميعها ضغوط من الخارج، بل أسوأها أن تكون أنت نفسك مصدر ضغوطك، حينها تفقد الثقة بنفسك، وتقع في فخ التردد، فلا تتقدم.
المؤكد أن عدم التقدم هو خسارة، لأن الحياة تمضي، ولا تقف لتنتظرك. إحساس الفشل نوعًا من الضغوط التي قد تدفع صاحبها أحيانًا للتخلص من حياته، أو تُخرجه من سباق الحياة، الذي مبدأه الأساسي البقاء للمقاتلين والمثابرين.
تعطيل مفتاح الانفجار
ما الذي يدفع إنسان للانفجار؟ بالتأكيد إنها الضغوط المتنوعة، ضغوط العمل والحياة والأصدقاء. لكن أكبرها أثرا تلك التي تولدها بنفسك، بسبب المبالغة في توقع الأثر والتأثير، فمثلا ارتفاع الأسعار قد يدفع البعض للإحساس بعدم جدوى الحياة وأنه لن يمكن توفير الحد الأدنى لبيته، بينما التفكير بهدوء قد يفتح عينيك على بدائل أخرى.
إذا الهدوء هو أول خطوة لتعطيل حالة الانفجار. نحن مشاريع براكين خاملة، لا ندرى متى سننشط، ويحدث الانفجار الذي يؤدي إلى تدمير الحياة.
فقدان الثقة بالنفس والثقة بالقدرة على إعادة المحاولة يصنع ضغطا ويعطي أحقية للمحيطين للتدخل في حياتك بما يقدم ضغطًا جديدًا ثم تكرار الأوامر والتوجيهات التي يكون بعضها لا يتوافق مع قناعاتك، لكنك تخاف الرفض حتى لا تخطئ مجددًا، وتخاف الرفض اتقاء غضب صاحب التوجيهات. وهو بالتأكيد واحد ممن تُحبهم. وحل هذه النقطة أن تثق أننا نخطئ ونُصيب، ليس في الخطأ عيب وأنك قادر أن تقف من جديد.
الدعم لا يعني أن يتدخل أحد في حياتك او يفرض عليك قناعاته. الدعم يعني أن يساندك الرفاق فيما تريده، مع المساعدة في تصحيح الخطأ في الرؤية أو التفكير أما التوجيهات التي تلغي عقلك وقدرتك على اتخاذ القرار، فإنها تصنع ضغطا يختلف بقدرة كل منا على تحمله. وحتى تنجو من تلك الضغوط عليك باتخاذ مسافة لنفسك وأن تصدق أن آراء الآخرين هي استرشادية وليست توجيه، أو أنهم أكثر قدرة منك على اتخاذ القرار.
هل جربت أن تمشي عندما تواجهك مشكلة، المشي بلا هدف نوعًا من تنفيس الضغوط، ومحاولة إعادة التفكير، الفضفضة ضرورة، لكنها ليس دائمة، فلا تحكِ كل شيء، ولا تقترب تمامًا من شخص مهما كانت درجة المحبة والوثوق بينكما، وكلها أمور تعمل على خلق حالة من الهدوء حتى تتمكن من التفكير بشكل صحيح والبعد عن أي ضغوط، أو على الأقل تقليل الضغوط، فيمكنك الاستمرار.