قال مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون”، قبل أيام، إن نشر بطاريات صواريخ “باتريوت” في العراق، أحدث تأثيرًا كبيرًا على مخططات الجماعات الشيعية المسلحة التي تشن هجمات دامية على قوات “التحالف الدولي لمحاربة داعش”، غير أن خطر هجماتها المتكررة على القوات الأمريكية والمتعاملين معها مازال مستمرًا، وذلك عبر نوع جديد من الهجمات بواسطة ما يُسمى “فرق الموت”.

sss

وأضاف المسؤول العسكري الأمريكي أن المعلومات الأمنية المتوافرة لدى الولايات المتحدة، لا تستبعد أن تلجأ هذه المجموعات، ومنها “كتائب حزب الله” و”حركة النجباء” و”كتائب سيد الشهداء” وما عُرف أخيرًا بـ “عصبة الثائرين”، إلى إعادة إحياء تكتيكات وأساليب العصابات أو ما يعرف بـ “فرق الموت“، وذلك من خلال محاولات شن عمليات تحمل طابع مجموعات “التطرف العنيف”.

لكن المفارقة الغريبة التي لم يُشر إليها المسؤول الأمريكي من قريب أو بعيد، هي أن “فرق الموت” إحدى الوسائل التي ابتدعتها واشنطن في حروبها العسكرية، عبر تفويض أحد قادتها العسكريين بمهمة تشكيل وحدات قتالية غير رسمية من مواطني البلد أنفسهم، للقيام بمهام «غير شرعية»؛ مثل اغتيال المعارضين، أو إدارة مراكز اعتقال وتعذيب سرية، وهو ما حدث في العراق بعد غزو البلاد عام 2003، ويبدو أن السحر انقلب على الساحر أخيرًا! 

“عفريت” حضّره الأمريكان

في 2004، وبعد عام واحد من الغزو الأمريكي للعراق، ظهرت بوادر المقاومة العراقية الضارية للاحتلال، ونفذت هذه المقاومة خلال أشهر قليلة عمليات راح ضحيها المئات من القوات الأمريكية، ورافق ذلك تعثر جمع الخصوم السياسيين تحت مظلة واشنطن.

 

هذا الوضع المتردي في العراق دفع “البنتاجون” إلى إرسال خبير عسكري يُدعى جيمس ستيل إلى بغداد، كانت مهمته هي العمل بكل السبل على تثبيت النفوذ الأمريكي، الذي تعرض مبكرًا لهزات عنيفة.

 

بعد فترة قصيرة، قام الخبير العسكري الأمريكي بتشكيل “فرق الموت” من المسلحين الشيعة، بمن فيهم أعضاء قوات الأمن، واستهدف هؤلاء بالتصفية الجسدية شخصيات سنية قادت التمرد ضد الحكومة الموالية للولايات للمتحدة، التي كان يهيمن عليها التيار الشيعي، والتي اعتبرها معظم العراقيين آنذاك “حكومة عميلة” للاحتلال الأمريكي.

آنذاك، اعتقدت “البنتاجون” أن تشكيل فرق مُسلحة في العراق، سيكون الوسيلة الأساسية وعامل تهديد مُباشر لكُل مُخالف للرؤية الأمريكية التي عجزت عن تطبيقها على أرض الواقع، وأن استخدام وسائل ترهيبية مثل “فرق الموت” ضد كل من يعارض الاحتلال، سينعكس إيجابًا على الفصائل السنية من أجل الانضواء تحت «المظلة الأمريكية”.

تكونت هذه الفرق المُسلحة من ضباط عراقيين سابقين وعناصر أخرى، بلغ تعدادهم نحو 11 ألف من العراقيين، اختارتهم واشنطن بدقة وعناية بالغة؛ وأشرف الجنرالات الذين أوفدتهم برئاسة “ستيل” على تطوير قدراتهم القتالية.

كما أدى دمج عناصر شرطية عراقية سابقة في هذه الفرق، إلى تواطؤ الجهاز الشرطي معها في عمليات الانتقام الطائفية التي نفذتها، حتى وصل الحال إلى انكشاف لواء شرطة عراقي بأكمله يتألف من 800 عنصر، يعمل مع هذه الوحدات المُسلحة؛ ليصدر قرارًا بوقف هذا اللواء، وإحالة أفراده للتحقيق.

الجثث في شوارع بغداد

أخذ أسلوب التصفيات الجسدية التي نفذتها “فرق الموت” في العراق أشكالًا متنوعة، منها الاحتجاز وممارسة التعذيب حتى الموت، وإعدام الضحايا رميًا بالرصاص أو عن طريق الذبح، في نواحٍ بعيدة عن العمران، وأحيانًا في أماكن عامة، لبث الرعب في قلوب الناس.

 

ذاع صيت «فرق الموت» حتى باتت شوارع بغداد مكتظة بالجثث، التي تم العثور عليها مقيدة ومعصوبة الأعين، وفي رأس كل منهم طلقة واحدة أو أكثر، مع وجود آثار تعذيب وحشي على أجسادها، حتى بات من المُعتاد أن تظهر 3 آلاف جثة شهريًا في الشوارع، فضلًا عن اضطلاع أفراد «فرق الموت» بإدارة مراكز اعتقال وتعذيب سرية بحق كُل معارض للوجود الأمريكي في العراق، وانتزاع اعترافات المتمردين تحت إشراف وسمع وبصر الإدارة الأمريكية.

واتهمت صحيفة “نيويورك تايمز” في مايو 2005، الجيش الأمريكي بتشكيل ما سُميّ “فرقة الذئب”، من منسوبي القوات الخاصة التابعة لوزارة الداخلية العراقية، التي كان الهدف منها هو قتل أعضاء بارزين في “حزب البعث”، كانوا يقودون عمليات مقاومة ضد الاحتلال، وذلك على غرار “عصابات الموت” التي لجأت إليها الحكومة المدعومة من واشنطن في السلفادور، خلال الثمانينيات من القرن الماضي لاغتيال المتمردين الماركسيين.

“نيويورك تايمز”: الجيش الأمريكي قام بتشكيل ما سُميّ “فرقة الذئب”، من منسوبي القوات الخاصة التابعة لوزارة الداخلية العراقية، التي كان الهدف منها هو قتل أعضاء بارزين في “حزب البعث”

رغم صدور أوامر من الحكومة العراقية والقيادة الأمريكية بحل هذه الفرق، إلا أنها عادت مجددًا إلى الظهور بقوة عام 2018، حيث ذكرت صحيفة «التليجراف» البريطانية في حينه، أن إعادة تشكيل هذه الفرق جاء بأوامر من قاسم سليماني، وأن الهدف منها هو “إرهاب خصوم إيران في العراق”.

وشهد العراق سلسلة من الاغتيالات عقب الانتخابات العراقية في مايو 2018، في محاولة من جانب طهران للتأثير على الحكومة العراقية بعد فشل الكتلة المدعومة من طهران في الحصول على نتائج جيدة بالانتخابات العامة.

وكان من أبرز الوقائع في هذه الفترة الزمنية مقتل القيادي الشيعي العراقي شوقي الحداد، في يوليو 2018 على يد مسلحين، بعد اقتحام منزله في محافظة النجف العراقية، وذلك عقب اتهامه لإيران بتزوير الانتخابات العراقية، إلى جانب عادل شاكر التميمي، المُقرب من رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، ويحمل الجنسية العراقية والكندية، وعمل مبعوثًا خاصًا للعبادي بصفة غير رسمية في العديد من القضايا الخارجية، إلى جانب دوره في التقريب بين السنة والشيعة.

وسبقت هذه الوقائع سلسلة اغتيالات تعرضت لها ناشطات عراقيات، إلى جانب نساء عراقيات شهيرات في مناطق مختلفة، يجمعهن الاهتمام بمجالات الموضة وعروض الأزياء من خلال الظهور في برامج تلفزيونية، أو الاشتراك في مسابقات الجمال، مثل رشا الحسن، خبيرة التجميل، ورفيف الياسري، التي كانت تدعم نشاطات إنسانية في علاج الفقراء وإغاثة النازحين العراقيين. وبلغ عدد جثث النساء مجهولات الهوية التي عُثر عليها من 6 أكتوبر 2015 إلى 21 سبتمبر 2016 وفق مصادر أمنية عراقية 52 جثة، تتراوح أعمارهن ما بين 20 و35 سنة.

عاودت «فرق الموت» ارتكاب عمليات اغتيال الناشطين بعد أيام من انطلاق المظاهرات الاحتجاجية المناهضة للنفوذ الإيراني في أكتوبر 2019

وعاودت «فرق الموت» ارتكاب عمليات اغتيال الناشطين بعد أيام من انطلاق المظاهرات الاحتجاجية المناهضة للنفوذ الإيراني في أكتوبر 2019. ومنذ ذلك التاريخ وهذه الفرق تمارس أعمالها بحرية كافية من دون أن تواجه أي ملاحقات أو اعتقالات من قبل السلطات الحكومية.

وقال علي البياتي، عضو مفوضية حقوق الإنسان العراقية، إن مجموع محاولات الاغتيال التي طالت ناشطين وصحافيين وداعمين للاحتجاج بلغت 54 حالة، قتل فيها 26 ناشطا، والبقية نجوا من موت محقق.

وفي 12 مارس الماضي، قام مسلحون من «فرق الموت» باغتيال ناشطين بارزين في الحراك الشعبي بمحافظة ميسان الجنوبية (350 كيلومترًا جنوبًا)، وهما الفنان والناشط في الحراك الشعبي عبد القدّوس قاسم الحلفي، والمحامي كرار عادل، في منطقة الحي الصناعي وسط مدينة العمارة.