تعاني الجماعة الصحفية في مصر من أزمات عديدة أبرزها تراجع وتدني الرواتب في العديد من المؤسسات، الأمر الذي آثار غضبة الصحفيين بتحملهم الكثير من الأعباء الاقتصادية، بالإضافة إلي تصدر الذكور المشهد الصحفي وإقصاء دور المرأة من المناصب القيادية داخل المؤسسات الصحفية والإعلامية.

sss

مأزق اقتصادي

ومع تفاقم الأوضاع الاقتصادية خلال الأعوام القليلة الماضية، أصبح بدل تكنولوجيا المعلومات الذي يتقاضاه الصحفي كمصدر للتأهيل ورفع الكفاءة، مصدر أساسي لدخله و مساعدته على تجاوز أعباء الحياة الاقتصادية.

 وكشف تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، أن رواتب الموظفين في مصر زادت وبنسب متفاوتة بين 10 و15% في العام 2016، وبالرغم من هذه الزيادة، إلا أن رواتب الصحفيين متدنية، وبحسب العاملين، فإن الصحفي أو المحرر يتقاضى راتب تتراوح بين 2000 و2500 جنيه.

و رواتب الصحفيين في حالة من التدني ولا يوجد قانون يلزم صاحب المؤسسة.

يقول الكاتب الصحفي كارم محمود عضو مجلس نقابة الصحفيين السابق، إن تدني وضع الصحفي اقتصادياً، بدأ منذ منتصف التسعينيات، بعدما كانوا في الثمانيات والسبعينيات في المرتبة الرابعة بالمجتمع المصري في الأجور، وظلت حالة التراجع حتى أصبحوا في المرتبة الأقل من الأجور.

وعن الأسباب التي ساهمت في حالة التدني، يرى محمود، أن تزايد الخسائر وتراكم الديون على الجرائد القومية الورقية جعلت الدولة تهمل حق الصحفي، مما دفع الجرائد إلى تخفيض الميزانية، وخصوصًا مع عدم وجود آليات نقابية توحد الرواتب وتمنع تخفيضها.

أما عن تفاوت الأجور بين أبناء المهنة في المؤسسات الصحفية قال عضو مجلس النقابة السابق،” إن الأمر في الجرائد الخاصة أقل من القومية وخصوصا في زمن سابق، فخلال الأعوام الماضية كان هناك مجموعة من الصحفيين يسموا بالمحظوظين داخل المؤسسات القومية وهم المقربون من مجلس الإدارة ورؤساء التحرير فكان يتم تميزهم بالرواتب والمكافآت والعلاوات غير بقية زملائهم ومن هنا حدثت حالة من التفاوت بين أبناء المهنة والمؤسسة الواحدة.

 ” منذ عام 2007 أصبح الصحفي يعتمد بشكل كبير على بدل التكنولوجيا كدخل أساسي والذي يصرف له من النقابة بهدف التطوير،  بعد توقف المشاورات والحديث عن حد أدنى للأجور”.

ويقول محمد خراجة عضو مجلس النقابة الحالي في أحد مقالاته  الأخيرة  “ويسألونك عن البدل”، إن قصة البدل تعود إلى النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي، عندما استحدثته النقابة بالاتفاق مع الحكومة والمجلس الأعلى للصحافة؛ ليُصرف للصحفي خارج الأجر الأساسي؛ بهدف تطوير أدائه تحت مسميات مختلفة (بدل تدريب- بدل تكنولوجيا- بدل مَراجِع)، ثم أصبحت قيمته تزداد كل عامين مع انتخابات نقيب الصحفيين، فلا يأتي نقيب جديد، إلا وهو يعد الصحفيين بزيادته.

وأشار خراجة إلى أن تراجع أجور الصحفيين يعود إلى عدة عوامل، تتمثل في عدم اهتمام الحكومة، والقائمين على المهنة، وإدارات المؤسسات الصحفية القومية، وتقاعس نقابة الصحفيين عن المطالبة بحقوق الصحفيين؛ ما جعل وضع الصحفي مخزيًا أمام أسرته؛ لعجزه عن توفير متطلباتها.

ويرى الكاتب الصحفي وليد صلاح صاحب مجموعة أخبار نقابة الصحفيين على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك، أن الأزمة الحقيقة هي عدم وجود قوانين تجبر أصحاب المؤسسات على حد أدنى محدد يكون ملائم للأسعار والأوضاع الاقتصادية.

وأضاف صلاح أنه حتى عام 2016 تقريبا كانت عقود التعيين للصحفيين ” عقود النقابة” كان يسجل فيها قيمة الحد الأدنى للأجور وفقا للنقابة وليست المؤسسة وكان مقدارها تقريبا 550 جنيهاً، وارتفعت بعد ذلك لتصبح 1200 جنيه، ومع غياب قوانين تلزم أصحاب المؤسسات بالحد الأدنى، أصبح من حق صاحب المؤسسة ألا يصرف للصحفي سوى القيمة الموجودة بعقد النقابة وفقط، ووفقا لذلك لا يكون هناك أية مسألة تواجه صاحب المؤسسة إذا قام بتطبيق ذلك”.

معاناة الصحفيات من الذكورية

ولا ينفصل ما تتعرض له المرأة المصرية داخل المؤسسات الصحفية والإعلامية عن الأزمات التي تعاني منها الجماعة الصحفية، وتواجه المرأة معوقات كثيرة للوصول لمناصب قيادية داخل المؤسسات.

مازال للرجال من المناصب القيادية داخل المؤسسات الاعلامية والصحفية المصرية نصيب الأسد، وتظل المرأة بعيدة عن أي منصب قيادي كرئيس تحرير أو رئيس مجلس إدارة .

وبدأت إيمان عوف الكاتبة الصحفية، حديثها حول وضع المرأة داخل المؤسسات الإعلامية قائلة:” لا يوجد مناصب قيادية للمرأة داخل المؤسسات الصحفية والإعلامية إلا قليلاً، ومع الأسف لا يختلف الأمر داخل مجلس نقابة الصحفيين كثيرًا، فمقاعد مجلس النقابة وفقا لأخر انتخابات سيطر عليها الرجال ولا مكان للمرأة”.

وأضافت عوف نادراً ما نجد رئيس تحرير أو رئيس مجلس إدارة سيدة داخل المؤسسات الصحفية إلا في الجرائد المتخصصة بالوضع النسوي وفقط، وامتد الأمر إلى مجالس التحرير التي أصبحت أغلبها من الرجال أيضاً، بالرغم من أن العديد من الصحفيات يحصدن الجوائز ومتفوقات في عملهن، مشيرة إلي أن الأمر في الأساس يعود إلى النظرة والثقافة الذكورية السائدة والحاكمة في المجتمع المصري.

واتفقت منى عزت  الصحفية وعضو مؤسسة المرأة الجديدة، مع  عوف فيما يخص وضع المرأة داخل المؤسسات الصحفية.

وأضافت” عزت” أن ذلك يعد تمييز وعنصرية ضد المرأة، فهناك بعض الوظائف التي لازال مالكي الصحف يرون أنها غير صالحة للنساء مثل وظيفة الديسك فهو في الأساس عرف في الجرائد والمؤسسات الإعلامية بمنصب” الديسك مان”، بالإضافة إلى العمل الميداني حتى وقت قصير كان مديرو التحرير يفضلون الرجال في التحقيقات والتغطيات الميدانية.

وفي دراسة سابقة  أعدتها عضو المرأة الجديدة بعنوان ” النساء والنقابات”، توضح أن هناك عدة عوامل أدت إلى تراجع كبير في تمثيل النساء سواء في مجالس الإدارات أو مجلس نقابة الصحفيين، منها :” انشغال النساء بالأعمال المنزلية و رعاية الأبناء يفرض عليهن أعباء داخل المنزل تحول دون تمكينها من تحقيق توازن بين أدوارها داخل الأسرة والعمل و النشاط النقابي”، بالإضافة إلى تبنى قطاعات واسعة من النقابيين – الرجال -للنظرة التقليدية وسيطرة الفكر الذكوري عليهم، مما يجعلهم يرفضوا فكرة أن تترأسهم امرأة، وبالتالي يرفضوا تطبيق أي إجراءات.

” هناك مشكلة في تمكين النساء من الوصول إلى مواقع صنع القرار، وتفعيل مشاركتهن في العمل النقابي ليقتصر على مجرد اتخاذ إجراءات وتدابير داخل النقابات فحسب، لكن يحتاج لتدخلات تساهم في تغيير نظرة المجتمع الدونية للنساء “.