في كتابه «مديرية إس: السي آي إيه وحروب أمريكا السرية في أفغانستان وباكستان، 2001- 2016» الصادر في فبراير 2018، يغطي ستيف كول، مراسل صحيفة «الواشنطن بوست» السابق في جنوب آسيا، فترة طويلة من الحرب الأمريكية في أفغانستان، المستمرة منذ عام 2001 وحتى توقيع اتفاق السلام الأخير مع حركة «طالبان» الأفغانية، فضلا عن الوجود العسكري والسياسي الأمريكي في باكستان المجاورة.
sss
الكتاب هو الجزء الثاني من سلسلة تغطيات صحفية موسعة للوجود الأمريكي في أفغانستان وباكستان، منذ الغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1979، وحتى عهد قريب، بدأها المؤلف عام 2016 بكتاب عنوانه «حروب الأشباح».
وأجرى الكاتب في «مديرية إس»، بصفته مراسلًا صحفيًا، لقاءات مع العديد من القادة العسكريين الأفغان، ما يمثل أهمية كبيرة في التعرف على الطريقة التي كانوا يتعاملون بها وموقفهم من الجانب الأمريكي، وكذلك التعرف على دور وكالة الاستخبارات الأمريكية خلال حرب التحرير الأفغانية التي انتهت بخروج القوات السوفيتية من البلاد عام 1989، أي بعد 10 سنوات من الغزو، تحت وطأة البسالة التي أبدتها الجماعات «الجهادية» في القتال، ما دفع الأمريكيين إلى تقديم دعم لوجيستي ومالي كبير لهم، من أجل دحر السوفييت وضمان خروجهم مهزومين من أفغانستان.
اقرأ أيضًا: واشنطن و«طالبان».. القصة الكاملة من الحرب إلى السلام (1- 2)
يقول «كول»: إن «سي آي إيه» قدمت مساعداتها للمتمردين الأفغان عبر وكالة الاستخبارات الرئيسية في باكستان، المعروفة اختصارا باسم «آي إس آي». وبحلول عام 1989، أصبحت تلك الوكالة قوة متنفذة ومخرّبة داخل باكستان. وكانت بمثابة دولة عميقة تتلاعب بالوضع السياسي لحساب الجيش.
ستيف كول: «سي آي إيه» قدمت مساعداتها للمتمردين الأفغان عبر وكالة الاستخبارات الرئيسية في باكستان، المعروفة اختصارا باسم «آي إس آي».
ويكشف الكتاب عن مفارقة غريبة، وهي أن الولايات المتحدة أمدت بعض الجماعات الإرهابية في أفغانستان بأموال طائلة، كانت هذه الجماعات تستخدمها في تمويل عملياتها ضد الاحتلال الأمريكي ولدفع رواتب مسلحيها، ومن ذلك حصول تنظيم «القاعدة» على ملايين الدولارات من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA عن طريق «فدى» كانت واشنطن تدفعها للحكومة الأفغانية التي تسلمها بدورها لـ «القاعدة» من أجل الإفراج عن رهائن تابعين للحكومة الأفغانية.
ويقدم كتاب «مديرية إس» تاريخًا دقيقًا موثوقًا حول كيف أن وكالة «السي آي إيه» وجهاز الاستخبارات الباكستاني والمخابرات الأفغانية أسهمت في اندلاع حرب جديدة في أفغانستان عقب سقوط حكم «طالبان»، وكيف أدّى ذلك إلى إعادة إحياء تنظيم «القاعدة» والشبكات الإرهابية الحليفة، فضلًا عن ظهور أفرع تنظيم «داعش».
يربط الكتاب بين «فشل» السياسات الأمريكية والباكستانية والأفغانية واستمرار الإرهاب «الجهادي» حول العالم
ويربط الكتاب أيضا بين «فشل» السياسات الأمريكية والباكستانية والأفغانية واستمرار الإرهاب «الجهادي» حول العالم، انطلاقًا من هذه المنطقة المضطربة، حيث يقول المؤلف «لقد فشلت أمريكا في أفغانستان رغم أنها ضحت مليارات الدولارات في هذا البلد، وذلك لعدة أسباب، منها ضعف الاستثمار في مجالات البنية التحتية والأمن بعد سقوط طالبان، وتبديد الموارد، والاستفزازات الناتجة عن الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، فضلا عن انتشار الفساد بسبب الصفقات التي عقدتها الاستخبارات الأمريكية مع رجال البلد الأقوياء.
اقرأ أيضًا: واشنطن و«طالبان».. القصة الكاملة من الحرب إلى السلام (2- 2)
ويرصد المؤلف مفارقة تتمثل في أن مجموع ما أنفقته واشنطن في أفغانستان منذ مطلع 2011 وحتى نهاية 2015، بلغ أكثر من 8.5 مليار دولار، خصص أكثر من نصفها لمجالات تنموية، في حين أن أعداد اللاجئين الأفغان حول العالم تزايدت بشكل غير مسبوق منذ مطلع عام 2014، فقد فاق عدد طالبي اللجوء الأفغان في أوروبا نظراءهم العراقيين، وقارب أعداد السوريين في بعض المراحل، بالرغم من المسافة المضاعفة التي تفصل بينهم وبين أوروبا مقارنة بالعراق وسوريا، الأمر الذي كان يعني وجود «فشل أمريكي» آخر في الملف الأفغاني، يضاف إلى سلسلة الإجراءات الفاشلة التي اتخذها ثلاثة رؤساء أمريكيين على التوالي، هم: جورج بوش الابن، وباراك أوباما، ودونالد ترامب.