تتصدر مصر قائمة مؤشر صدمات المناخ والبيئة حسب تقرير أخير لمنظمة “يونيسيف”. ويرتكز حساب المؤشر على أمرين. أحدهما قياس تعرض الأطفال للمخاطر المناخية والبيئية والصدمات والضغوط. والآخر تسجيل مدى هشاشة الأطفال أمام الصدمات المناخية وضغوطاتها.
وتقع مصر في فئة “المخاطر الشديدة للغاية” بحصولها على درجة 7.3 من 10 –حسب التقرير. وهي النسبة الأعلى في الشرق الأوسط بين 4 بلدان عربية تتصدر المؤشر.
سبب الصدمة المناخية
يقول الدكتور منصور صالح -خبير تغير المناخ بالأمم المتحدة- إن متوسط درجات الحرارة في مصر ارتفع بمقدار 0.53 درجة مئوية خلال الثلاثين عاما الماضية. لافتًا إلى أن نحو 5.3 مليون طفل يتعرضون لموجات حر. بما يضع مصر في المركز الأول من بين 3 دول بالمنطقة العربية في مؤشر أخطار تغير المناخ.
وأضاف لـ”مصر360″ أن تقرير التقييم السادس الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ((IPCC عام 2022 يشير إلى أن الاحترار البشري المنشأ بلغ درجة مئوية واحدة تقريبا فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي عام 2017.
ومن المحتمل أن نصل إلى 1.5 درجة مئوية خلال عام 2040 إذا لم يتم اتخاذ إجراءات رادعة لتخفيف الانبعاثات الحرارية.
وحسب تقرير “يونيسيف” فإن هناك أربعة بلدان لديها أطفال يواجهون مخاطر من “عالية” إلى “عالية جدا” من تغير المناخ في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عام 2021.
يعني هذا أن نحو 86 مليون طفل بين (0-17 عامًا) وأكثر من 34 مليون شاب (15-24 عامًا) يواجهون هذه المخاطر. ومن المحتمل أن يكون لهذه البلدان أكثر من 103 ملايين طفل و53.5 مليون مراهق بحلول عام 2050. والذين بدون التخفيف العاجل والتأقلم العاجل سيصبحون أكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ.
أسباب “يونيسيف”
في هذا السياق لفت محمد الحواري -مسئول الإعلام في منظمة يونيسيف للشرق الأوسط وشمال إفريقيا- خلال تصريحات متلفزة تزامنًا مع انعقاد مؤتمر المناخ cop27 بمدينة شرم الشيخ المصرية- إلى أن مؤشرات تقييم التغير المناخي تتمثل في ندرة المياه الصالحة للشرب. والأعاصير الداخلية والساحلية والأمراض المنقولة عن الحشرات والمياه غير النظيفة.
وأشار إلى أن ثمة دلائل في البلاد ذات الاقتصادات الهشة تؤثر في مناطقنا العربية. ولهذه الأسباب تمت الدعوة لمؤتمر المناخ المقام حاليًا لنستمع إلى أصوات الشباب ودراسة مقترحاتهم.
ورغم أن الأطفال هم الفئة الأقل مسئولية عن تغير المناخ فإنهم حسب تحليل الخبراء يتحملون العبء الأكبر لتأثيراته. نظير شدة الظواهر الجوية وموجات الحر والفيضانات التي أضعفت مرافق المياه والصرف الصحي. وما نتج عنها من أمراض تداهم الأطفال بصفة خاصة -وفق تقرير “يونيسيف“.
لماذا مصر؟
وتعهدت مصر في رؤية 2030 واستراتيجية التنمية المستدامة بإدماج تغير المناخ في سياسات التنيمة الوطنية و”خضْرنة” ميزانيتها تدريجيًا عبر القطاعات.
واعتبرت “يونيسيف” قمة المناخ cop27 ضمان لاعتراف بأزمة المناخ على أنها أزمة للأطفال وحقوقهم. ولتعزيز مناهج تقليل مخاطر المناخ كجزء من الجهود لدعم مشاركة الأطفال والشباب في صنع القرار.
ورأى الدكتور محمد علي فهيم -أستاذ التغيرات المناخية بمركز البحوث الزراعية- أن العالم النامي انتبه إلى قضية تغيرات المناخ مؤخرًا بعد أن درستها الدول المتقدمة قبل 30 عامًا. لافتًا إلى أن زيادة معدلات النشاط البشري الصناعي أدت إلى زيادة تركيز غازات معينة في الغلاف الجوي وتسببت فيما يسمى بـ”الاحتباس الحراري”.
كما أن مصر تقع في منطقة جغرافية فقيرة وهشة مناخيًا -حسب وصفه- إذ لا يتجاوز المطر 100 مم إلا في المناطق الساحلية في أقصى الشريط الشمالي الضيق. أما على مستوى باقي مناطق الجمهورية فمعدلات المطر لا تُذكر.
وفي جنوب مصر يمكن أن تصل الأمطار إلى صفر مم. ويعني ذلك أن مصر تقع في منطقة جافة لا تزيد مياهها على 3 إلى 4% من مساحتها والباقي صحراء. وهو النطاق الذي يتأثر أكثر بالمناخ.
وتسهم مصر بنسبة ضئيلة جدا بلغت 0.67% من إجمالي الانبعاثات العالمية. لكن النظم الإيكولوجية والبيئة الطبيعية المصرية تعتبر من أكثر النظم والبيئات هشاشة لتأثير تغير المناخ. فوجود غازات كالميثان وأول أكسيد النيتروز وثاني أكسيد الكربون وأول أكسيد الكربون في الغلاف الجوي هو أمر طبيعي لحفظ حرارة الكرة الأرضية في أثناء فترات الشتاء والليل. ولولا وجود هذه الغازات بتركيزاتها الطبيعية لانخفضت درجة حرارة الكرة الأرضية شتاءً إلى سالب 30. ولكن مع زيادة معدلات النشاط الصناعي -خاصة بداية ستينيات القرن الماضي- زادت تركيزات هذه الغازات.
ظواهر وأعراض
وحسبما أفاد الدكتور منصور صالح -خبير تغير المناخ بالأمم المتحدة- فإن الأطفال المصريين هم الأكثر عرضة لأمراض التغير المناخي. من ناحية تسبب الموجات الحارة في إجهاد حراري. وتعرضهم لضربات شمس. ما يؤثر على حياتهم بشكل مباشر.
أضاف “صالح” أن انخفاض نوعية الهواء يتسبب في زيادة نوبات الربو والحساسية وتأخر النمو. فضلا عن زيادة مشكلات الصحة العقلية. فضلًا عن التأثيرات الخاصة بالأمن الغذائي وانعكاسها على الصحة العامة للأطفال.
بجانب ذلك فإن حرق الوقود “الأحفوري” يسبب انبعاثات تلوث الهواء. وتؤثر في صحة الأطفال تحت سن الخامسة. لافتًا إلى أن تلوث الهواء يتسبب في وفيات 20% من الأطفال حديثي الولادة.
حسب رؤية خبير تغير المناخ بالأمم المتحدة فإن ارتفاع ثاني أكسيد الكربون في الهواء يؤثر في زيادة إنتاج حبوب اللقاح في النباتات. ما يتسبب في حساسية موسمية وبالأخص في المناطق الريفية.
أمراض جديدة
ووقعت مصر على اتفاقية “باريس للمناخ” عام 2015 ضمن 194 دولة. وكانت أهم بنودها: “تعهد المجتمع الدولى بحصر ارتفاع درجة حرارة الأرض وإبقائها دون درجتين مئويتين. قياسا بعصر ما قبل الثورة الصناعية. وبمتابعة الجهود لوقف ارتفاع الحرارة عند 1.5 درجة مئوية. والسعي لتقليص انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. واتخاذ إجراءات للحد من استهلاك الطاقة. والاستثمار في الطاقات البديلة. وإعادة تشجير الغابات والسعي لوضع آلية مراجعة كل 5 سنوات للتعهدات الوطنية.
ومؤخرًا سمح ارتفاع درجات الحرارة لآفات وحشرات حاملة للأمراض للعيش في مصر. مثل ظهور بعوضة “الملاريا”-جنوب البلاد- ما دفع بأمراض جديدة على البيئة المصرية. ليس لها تطعيم كاف. وقد داهمت الأطفال بقوة -على حد قول خبير تغير المناخ.
وتتأثر صحة الأطفال أيضا بالأمطار الغزيرة والفيضانات نظير غياب القدرة على مواجهتها من ناحية. وانتشار أمراض مصاحبة لها مثل الإسهال. وقد يؤدي ذلك ونحوه إلى مضاعفات مثل الغرق والصعق بالكهرباء. كما يؤثر الطقس السيئ في تأخر وصول الرعاية الطبية والصحية إلى الحالات المتضررة الناتجة عن السيول المدمرة، والعواصف وغيرها من الكوارث الناتجة عن تغير المناخ.
“مؤتمر المناخ” والعلاج
ويأمل متخصصون في اتفاق أطراف مؤتمر المناخ cop27 المنعقد حاليًا بمدينة شرم الشيخ على وثيقة تسمح بوجود عدالة مناخية تساعد الدول النامية غير المسؤولة عن تغير المناخ. وتتضرر منه بشكل مباشر عن طريق تقديم الدعم المادي الذي تم الاتفاق عليه بموجب اتفاق باريس 2015. والذي يقدر بـ100 مليار دولار سنويًا. إلى جانب بناء القدرات ونقل وتوطين التكنولوجيا للتكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ والمساعدة في تخفيف حدة الانبعاثات الحرارية.
ولمعالجة مخاطر تعرض أطفال مصر للإصابات بسبب تغير المناخ طرح “صالح” روشتة علاج علمية تنطلق مما دشنته الحكومة المصرية مؤخرا من مشروعات قومية تستهدف الريف على رأسها “حياة كريمة”. فضلا عن المشروعات الخضراء التي بلغت نسبتها 15% من جملة الاستثمارات العامة بموازنة الدولة لعام 2020-2021.
خطوات للحل
خبير تغير المناخ رأى أن مشروع تبطين الترع والبحيرات الصناعية للحفاظ على مياه الأمطار. ومحطات معالجة المياه ومحطات الطاقة الجديدة والمتجددة مثل محطة “بنبان للطاقة الشمسية”. والتوسع في استصلاح الأراضي الصحراوية والتنمية الزراعية الأفقية التي تراعي البعد البيئي. ووضع استراتيجية التنمية المستدامة لعام 2030. خطوات إيجابية تفي بتقليل أثر التغيرات المناخية على الأطفال.
واستطرد قائلًا: “هذا أيضًا من شأنه تنويع مصادر الإنتاج والأنشطة الاقتصادية ودعم التنافسية وتوفير فرص عمل جديدة. وتخفيف حدة الفقر وتحقيق عدالة اجتماعية بجانب توفير بيئة نظيفة وصحية وآمنة للإنسان المصري”.