منحت أزمة الطاقة بأوروبا مصر فرصة لجذب استثمارات جديدة في مجال الطاقة المتجددة على هامش قمة المناخ “كوب 27” المنعقدة حاليًا بشرم الشيخ بجانب توقيع اتفاقيات تمويلية تنموية ميسرة بقيمة 12.5 مليار دولار لمشروعات متنوعة في مقدمتها مزارع الرياح.
وجذبت الطاقة المتجددة في مصر المستثمرين من أوروبا والخليج حاليًا باعتبارها استثمارًا مستدامًا، فصادرات الكهرباء ومشروعات الهيدروجين الأخضر ستدفع النمو طويل المدى لقطاع الطاقة المحلي، وتخلق فائض إمدادات طاقة مرتفعاً خلال السنوات العشر المقبلة.
وعلى هامش قمة المناخ، وقعت شركة إماراتية مع الحكومة المصرية اتفاقية لتطوير مشروع لطاقة الرياح البرية بقدرة 10 جيجا وات بمصر في مشروع سيكون الأضخم في طاقة الرياح عالميًا إذ يسهم وحده في تفادي انبعاث 23.8 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، ما يعادل 9% تقريبًا من انبعاثاته الإجمالية بمصر.
توفر محطة طاقة الرياح البرية الجديدة “المصرية ـ الإماراتية” للقاهرة ما يقدر بنحو 5 مليارات دولار من تكاليف الغاز الطبيعي السنوية إضافة إلى توفير ما يصل إلى 100 ألف فرصة عمل فالعمالة المباشرة في مرحلة البناء تناهز 30 ألف شخص بجانب 70 ألفً بشكل غير مباشر، بجانب حوالي 3200 وظيفة للتشغيل والصيانة بعد انتهاء عمليات بناء المحطة.
سعي خليجي
في يونيو/حزيران الماضي وقعت شركة أكوا باور السعودية اتفاقا مع وزارة الكهرباء المصرية لاستثمار 1.5 مليار دولار في مشروع إنشاء محطة توليد كهرباء من طاقة الرياح. وذلك بسعة 1.1 جيجاوات. كما أبدى جهاز قطر للاستثمار رغبته أيضًا في إنشاء مشروعات للطاقة المتجددة بمجالي الطاقة الشمسية والرياح.
وتتدفق الاستثمارات الخليجية بما يتماشى مع التقارير المتواترة من المؤسسات الدولية حول ربحية قطاع الطاقة المصري. فمؤسسة “فيتش سوليوشن” للأبحاث توقعت أن تصبح مصر “واحدة من أسرع أسواق الطاقة المتجددة غير الكهرومائية -توليد كهرباء من المياه- نموًا بالمنطقة على مدار عشر سنوات”. ورجحت الوكالة الدولية للطاقة نمو الطاقة الاستيعابية للطاقة المتجددة بنسبة 68% في مصر.
وتؤكد مؤسسات عالمية مكاسب مستقبلية للاستثمار بالطاقة في السوق المصرية. وذلك في ظل خطط الربط الكهربائي الحالية. التي تعزز نظرتها لنمو الصادرات. وعلى رأسها الربط بين مصر واليونان وقبرص. ما سيوفر مصدرًا موثوقا للكهرباء سيغذي الشبكة الأوروبية المترابطة عبر اليونان. ما يعني أن العائد الاستثماري في ذلك القطاع جيد ويمثل فرصة مستدامة.
مركز تصدير طاقة
يقول الدكتور صلاح الدين فهمي -رئيس وحدة الأبحاث العلمية بالمركز الدولي للاستشارات الاقتصادية- إن المستثمرين يرون في مصر مركزا لتصدير الطاقة والكهرباء. في ظل مشروعات الربط شرقا مع الأردن والسعودية والعراق. وشمالا مع أوروبا وجنوبا مع السودان وحوض النيل. وبالتالي المستثمرون يرون في مصر مكاسب مستقبلية كبيرة.
وتحتل مصر صدارة الدول العربية في القدرة الإنتاجية لطاقة الشمس والرياح بقدرة 3523 ميجاوات. كما تستحوذ حاليًا على 75% من مقدار التوسع في الطاقة الاستيعابية لمصادر الطاقة المتجددة بإفريقيا. والتي من المتوقع أن تتضاعف خلال الخمس سنوات المقبلة. بينما وصل إجمالي الاستثمارات بطاقة الرياح والطاقة الشمسية إلى 4.4 مليار دولار.
وأوضح “فهمي” أن مصر أنفقت مبالغ ضخمة على الاستثمار بمجال الطاقة. كما تشهد تنوعا في مزيج الطاقة بين الأحفوري والمتجددة كالطاقة الشمسية والرياح والكهرومائية. ونجحت في التحول من دولة عجز إلى دولة فائض طاقة. وهو أمر ينظر إليه المستثمرون في الخارج قبل اتخاذ قرارهم بالدخول في شراكات استثمارية.
العجز والفائض
الدكتور محمد مصطفى الخياط -رئيس هيئة الطاقة المتجددة- يؤكد أن قطاع الطاقة الكهربائية تمكن خلال السنوات الخمس الماضية من التحول من العجز إلى الوفرة. إذ تجاوزت القدرات المركبة حاجز الخمسين ألف ميجاوات. ما أتاح احتياطيًّا دوارًا يسمح بتنفيذ برامج الصيانة الدورية والوقائية طبقًا للمخططات. ويعطي أولوية تشغيل للمحطات الأحدث -الأعلى كفاءة والأقل استهلاكًا للوقود.
وأشار إلى تنفيذ برامج ومشروعات لرفع جودة شبكات نقل الكهرباء بما يجاوز 100% من أطوالها الكلية. ما رفع مستوى مرونتها وكذلك مستوى جودة خدماتها. ولتودع برامج التشغيل اليومية بند قطع التيار المخطط الذي كان أحد أدوات التعامل مع زيادة الطلب على الكهرباء وقت عجز الإمدادات.
وزادت مشاركة الطاقات المتجددة التي تجاوزت 6 آلاف ميجاوات تمثل 18٪ من الحمل الأقصى للشبكة. ما انعكس إيجابيًّا على العديد من المحاور. المور البيئي بتقليل البصمة الكربونية “إجمالي الغازات الدفيئة الناتجة عن الانبعاثات الصناعي” كنتيجة مباشرة لزيادة إسهام المصادر المتجددة. والتقدم على مؤشر تحول الطاقة العالمي لتصل مصر إلى المركز السادس والسبعين.
مصر فرصة للأجانب
ارتفع إجمالي الاستثمارات الأجنبية بقطاع الطاقة المتجددة في مصر خلال 2021 بنحو 3.5 مليار دولار. ضعف نظيرتها في عام 2020. وتتضمن 78% من مشروعات طاقة الرياح بمنطقة خليج السويس على ساحل البحر الأحمر ذات سرعات الرياح العالية و22% للطاقة الشمسية.
وقد أعلن البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية -خلال قمة المناخ بشرم الشيخ- إطلاق شريحة جديدة بقيمة 5.5 مليون دولار أمريكي من القرض المقدم لشركة “طاقة بي في” للطاقة الشمسية. وهي التابعة لشركة “طاقة عربية” كجزء من التمويل الحالي للمشاريع الخضراء المشتركة بين شركات القطاع الخاص.
وتتألف الشريحة الجديدة من قرض بقيمة 4.95 مليون دولار أمريكي من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية. وآخر ميسر بقيمة 550 ألف دولار أمريكي من مرفق البيئة العالمية لتمويل إنشاء وتشغيل مشروع محطة طاقة شمسية بقدرة 7 ميجاوات في محافظة المنيا بصعيد مصر.
وتقوم شركة “طاقة عربية” ببيع إجمالي الطاقة المتجددة لصالح شركة أسكوم لتصنيع الكربونات والكيماويات. وذلك بموجب اتفاقية شراء الطاقة لمدة 25 عاما.
تأتي الشريحة بعد تقديم البنك قرضا أوليا بقيمة 4.2 مليون دولار أمريكي في ديسمبر/كانون الأول 2020 لتمويل إنشاء وتشغيل محطة للطاقة الشمسية بقدرة 6 ميجاوات في مزارع دينا بمحافظة البحيرة. وهي الواقعة على بعد 80 كيلومترا من العاصمة المصرية.
طاقة ما بعد الحرب
واستثمر البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في مصر حتى الآن أكثر من 10.3 مليار يورو في 154 مشروعًا تشمل مجالات استثمار البنك القطاع المالي والصناعات الزراعية والتصنيع والخدمات. بالإضافة إلى مشاريع البنية التحتية مثل قطاع الطاقة وخدمات المياه والصرف الصحي البلدية والنقل.
في الوقت ذاته قال أمبرواز فايول -نائب رئيس بنك الاستثمار الأوروبي- على هامش قمة المناخ إن البنك حريص على تسريع التكيف في إفريقيا. والذي أطلقه بنك التنمية الإفريقي لتعبئة 25 مليار دولار.
كما يستهدف زيادة التمويل الذي يسرع التحول الأخضر ومساعدة المجتمعات على التكيف مع آثار تغير المناخ ويحمي الطبيعة ويضع حدا لفقدان التنوع البيولوجي.
كما استوفت بنوك التنمية متعددة الأطراف في الوقت ذاته متطلبات زيادة التمويل المتعلق بالتغيرات المناخية. بحصول البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل -منها مصر- على تمويل بقيمة 51 مليار دولار. منها 33 مليار دولار (65%) للتخفيف و 18 مليار دولار (35%) للتكيف.
سوق طاقة واعدة
تقول حنان رمسيس -خبيرة الاقتصاد والاستثمار- إن الأزمة الروسية الأوكرانية عززت توجه الأجانب نحو الاستثمار بالطاقة المتجددة في الخارج. ومصر واحدة من الأسواق الواعدة في ذلك المجال. خاصة في ظل وجود قطاع يعرف جيدا هامش الربح الجديد في مشروعات الطاقة المتجددة واستدامتها باعتبارها مشروعات طويلة الأجل.
وتستثمر 40 دولة أجنبية في مجال الطاقة المتجددة بمصر. وفي مقدمتها هولندا التي تستأثر وحدها بـ52% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مجال الطاقة المتجددة في مصر. في المقابل فإن مساهمة المصريين كانت بمجال الطاقة التقليدية (محطات كهرباء-خدمات بترولية) تفوق مساهمة الأجانب بنسبة نحو 84% من إجمالي استثمارات المجال. ما يظهر فارق التوجهات بين الطرفين فيما يتعلق بمستقبل الطاقة والاستثمار.
وتعتبر الطاقة المتجددة الأقل تكلفة في معظم أنحاء العالم. فأسعار تكنولوجياتها تنخفض بسرعة. إذ تراجعت تكلفة التوليد من الطاقة الشمسية بنسبة 85% بين عامي 2010 و2020. والرياح البرية والبحرية بنسبة 56% و48% على التوالي في الفترة ذاتها. ما جعلها أكثر جاذبية.
التحرر من النفط
تضيف “رمسيس” أن دول الخليج أيضًا ترى في مصر فرصة لتنويع اقتصادياتها والتحرر من النفط الذي اتسم بتقلب الأسعار بشدة إبان أزمة كورونا وارتباطه بحجم الطلب العالمي المتغير. ما يؤشر على موازناتها وخططها التنموية.
بحسب الدراسات فإن مساهمة الأجانب في مجال الطاقة المتجددة بالمشروعات الحكومية تفوق مساهمة المصريين بنسبة 77%. أما في مشاريع القطاع الخاص فمساهمة الأجانب تفوق مساهمة المصريين بنسبة 88% من إجمالي استثمارات هذه المشروعات.
يمكن أن توفر الكهرباء منخفضة التكلفة المولدة من المصادر المتجددة 65% من إجمالي إمدادات الكهرباء في العالم بحلول عام 2030. كما يمكن أن تزيل الكربون عن 90 في المائة من قطاع الطاقة بحلول عام 2050. مع الحد من انبعاثات الكربون بشكل كبير والمساعدة في التخفيف من آثار تغير المناخ.
تجري في مصر حالًيا مشروعات ضخمة للطاقة الشمسية. في مقدمتها مجمع بنبان الذي يعادل إنتاجه 90% من الكهرباء المنتجة من السد العالي بنحو 32 محطة شمسية. بقدرة تصل إلى 1465 ميجاوات باستثمارات تصل إلى ملياري دولار. بجانب محطة الكريمات التي تصل قدرتها إلى 140 ميجاوات.
معوقات الاستثمار
استفادت مصر من الاستثمار الأجنبي المباشر في جلب التكنولوجيا المطلوبة لإنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة غير المائية خلال الفترة (2018-1974). لكن يجب الاهتمام بنقل تكنولوجيا إنتاج ألواح الطاقة الشمسية. وكذلك تبادل الخبرات والمساعدة في الإنتاج المحلي ونقل المعرفة لإنتاج الكهرباء بواسطة الخلايا الشمسية المصنعة من السليكون.
وتقف بعض المعوقات أمام المستثمرين عند دخولهم مصر للاستثمار في مجال الطاقة المتجددة. ومن هذه المعوقات ما يتعلق بالجانب التشريعي والتنظيمي كعدم جاهزية أو وضوح اللوائح التنفيذية البيروقراطية. وعدم وجود منظمات مجتمع مدني مهتمة بالإحلال والتجديد والمحافظة على البيئة. وبعضها خاصة بالمعرفة الفنية مثل عدم معرفة الجهات الحكومية المنوط بها العمل بالجانب الفني لمشاريع الطاقة المتجددة،
وبحسب الدكتور خالد عبد الرحمن -نائب رئيس معهد الهندسة الجيوتقنية بجامعة هانوفر في ألمانيا- فلا بد من ربط الصناعة والبحث العلمي بخصوص كيفية رفع كفاءة مشروعات الطاقة المتجددة. وتشجيع الباحثين والعاملين في مجال البحث العلمي عن طريق تحويل مشروعات غنية وأفكار غير تقليدية (خارج الصندوق).
ويطالب “عبد الرحمن” بتدريب المهندسين والفنيين العاملين في هذا المجال عن طريق دورات بخصوص معالجة أو صيانة مشروعات الطاقة المتجددة من طاقة شمسية وطاقة رياح. فضلا عن تنظيم ورش عمل لتبادل الخبرات مع الدول الأوروبية. وكذلك مع الدول التي تستثمر في مجال الطاقة المتجددة. وتنظيم المؤتمرات العلمية والندوات بعمل ربط بين مختلف الباحثين لرفع الكفاءة وتطوير المشروعات الحالية.