كتبت- فاطمة الزهراء بدوي
وجبة العدس الدافئة التي تجمع الأسرة شتاء أصبحت مثار أمل بعد ارتفاع سعره إلى 65 جنيها للكيلو في مناطق عدة. ما يمثل قفزة تسعيرية تنذر بمزيد من المعاناة في العيش والمعيشة. خاصة في قطاع الحبوب والأغذية. الأمر الذي يدفع لطرح سؤال: “ماذا سيأكل المصريون هذا الشتاء؟”.
وتعتمد الأسرة المصرية ذات الدخل المحدود والمتوسط خلال فصل الشتاء على مأكولات ومشروبات -كالعدس- يفترض أنها قليلة التكلفة وذات قيمة غذائية عالية. ومنها أيضا الكرنب والقرنبيط والبطاطا والكشري. فضلا عن مشروبات الشتاء الشهيرة كحمص الشام والسحلب. قائمة تشكل ثقافة وعادات غذائية باتت تأخذ طابعا دائما بالنسبة لقطاعات واسعة من المصريين.
فمع التحرير الأخير لسعر صرف الجنيه قفزت أسعار بعض السلع بما يؤثر في سلة غذاء المصريين محدودي ومتوسطي الدخل. خصوصا في موسم الشتاء. فقد ارتفع سعر العدس إلى 65 جنيها بحسب متى بشاي -رئيس لجنة التموين والتجارة الداخلية بالغرفة التجارية.
وداعا للحوم
منال أحمد -ربة منزل متزوجة منذ 18 عامًا ولديها أربعة أبناء- تقول لـ”مصر 360″: “جوزي أرزقي وأنا باساعده في مصاريف البيت. وبنعمل جمعيات عشان نقدر نعيش. وكل دخلنا لا يتعدى 3000 جنيه. عايشين في شقة إيجار بتكلفنا 1000 جنيه. والباقي نصرف بيه على مدارس الولاد وأكل وشرب وعلاج. وسط الغلا اللي بيحصل كل يوم ده باسأل نفسي ازاي نكمل الشهر بالستر؟ أنا مش بقول عاوزين ناكل لحمة وفراخ. إنما العدس والبدنجان والفول يبقوا بالأسعار دي؟! مبقيناش قادرين على تمنهم خلاص”.
في سبتمبر/أيلول 2022 -حسب مؤشر منظمة الأغذية والزراعة- ارتفعت أسعار الحبوب بمقدار 11.2% عن مستواه في سبتمبر/أيلول 2021.
وتزيد الأزمة في مصر التي تستورد أكثر من 98% من احتياجها المحلي من العدس. والذى يبلغ نحو 280 ألف طن سنويًا وفقًا لبيانات وزارة الزراعة المصرية.
أحمد عادل -48 عامًا والد طفلين في المرحلة الابتدائية ويعمل بالحدادة- يقول لـ”مصر 360″: “قبل التعويم كان ممكن بالعافية أوفر مصروفات البيت اللي هي يدوب 100 جنيه يوماتي. كان ممكن نوفر من الفول والبيض واللبن والجبنة وعيش الفينو عشان فطار العيال. لكن دلوقتي لا يمكن نقدر على مصاريف البيت مهما زودت ساعات العمل اللي بتهلك صحتي. شوف كرتونة البيض بكام؟ وقزازة الزيت بكام؟ وكيلو العدس بكام؟ عشان تعرف الوضع عامل ازاي”.
“وجبة الفطار البسيطة في أي مطعم “بتقطم الضهر. تمن قرص الطعمية كان 50 قرشا بقى بجنيه ونص. وسندويتش الطعمية بـ3-4 جنيه. وسندويتش الفول زاد تمنه لـ4 جنيه. فازاي نوفر وجبة فطار يومية لأسرة؟”. يقول أحمد علي الذي يعمل بأحد مقاهي وسط البلد بالقاهرة. ويضيف: “علبة الكشري وصل تمنها 20 جنيه”.
وفي أحد محال الكشري في وسط القاهرة يقول سعيد محمد -عامل بالمطعم: “أسعار أطباق الكشري ارتفعت نتيجة لارتفاع أسعار المكرونة والأرز والطماطم والزيت. دا غير المرتبات والإيجار والكهربا وخلافه”. يضيف لـ”مصر 360″: “كان لازم سعر الكشري يزيد عشان نعوض التكاليف دي. يعني دلوقتي الطبق اللي كان بعشر جنيهات وصل سعره لـ20 جنيهًا. فالزباين قلت عن الأول”.
الشتاء ونزيف البسطاء
ارتفاع معدلات التضخم بوتيرة سريعة وبمعدلات هي الأعلى منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2018 -مثلما أعلن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أحدث غلاء كبيرا للسلع الغذائية الأساسية.
يقول فتحي محمود -أحد تجار الجملة- إن الزبائن قللت استهلاكها للعدس. “واللي كان يشتري كيلو بقى يشتري نص”. وسعر العدس وصل الآن إلى أكثر من 50 جنيهًا فما فوق. وحمص الشام بـ50 جنيهًا والسحلب المصري 80 جنيهًا.
“هل يُعقل أن نستورد الفول من الصين والزيت من إندونيسيا والقمح من أوكرانيا والكمون من الهند والملح من السعودية ثم نجمعهم في مصر لعمل سندوتش فول؟ يتساءل أكرم لاوندي -مرشح سابق لمجلس النواب عن العمرانية.
وفي سوق بمنطقة الجيزة يقول بائع الخضراوات والفاكهة محمد سيد إن هناك حالة ركود بسبب ارتفاع الأسعار. فسعر البامية مثلا 20 جنيهًا للكيلو والكوسة بـ15 جنيهًا والسبانخ من 15 إلى 20 جنيهًا. ما يدفع الأسر لشراء نصف/ربع الكيلو أحيانا. ويضيف أن الأسعار تتغير أحيانا بين صباح ومساء اليوم نفسه.
سبب الغلاء
الخبير الاقتصادي أحمد عبد الحافظ يلفت النظر إلى أن الأوضاع المالية العالمية أسهمت في الأزمة. مع استمرار البنوك المركزية في رفع أسعار الفائدة. ووسط بيئة عالمية تشوبها درجة عالية من “اللا يقين” في الاقتصاد.
“قضية التضخم الآن بلغت ذروتها مقارنةً بعدة عقود ماضية. وطبيعي أن يؤثر ارتفاع قيمة الدولار فينا. وأن يُثقل كاهل المستهلكين. خاصة أننا نستورد أغلب السلع الغذائية (نحو 70%) من الخارج بالدولار أو اليورو. فمثلاً نستورد زيت الطعام بنسبة 98% والعدس 95% والقمح 60% وسلع زراعية كثيرة عديدة.
نستورد بنحو 12 مليار دولار سلع زراعية. ومهما كان لدينا مخزون فنحن دولة عدد سكانها يتجاوز 105 ملايين نسمة. ويحتاج هؤلاء إلى احتياطي ضخم من السلع بحسب الخبير الاقتصادي أحمد عبد الحافظ.
تأثيرات خطيرة
بسبب ارتفاع الأسعار تلجأ كثير من العائلات إلى بدائل غير صحية يتم تسويقها بشكل كبير لأنها “أرخص”. لكنها تؤدي أيضًا إلى نتائج تغذية سيئة ما يهدد نمو الأطفال وتنشئتهم صحيا.
“أنا مبقيتش بعمل سندويتشات للأسف ومش عارفة أشتري لولادي لبن ولا بيض ولا فينو. لإنهم عاوزين ميزانية لوحدهم. فبادي لكل طفل 5 جنيه وأقوله صرف نفسك في وقت الفسحة”. تقول إحدى الأمهات بمنطقة دار السلام.
الشتاء وأمن الغذاء
ويُكثر الفقر من مخاطر الإصابة بسوء التغذية الناجمة عنه والأشخاص الذين يعانون الفقر أشد تعرضًا للإصابة بمختلف أشكال سوء التغذية. كما يزيد سوء التغذية تكاليف الرعاية الصحية التي ستؤثر في الدولة مستقبلا وتُحملها مزيدا من الإنفاق على القطاع الصحي. ما يبطئ النمو الاقتصادي ويحد الإنتاجية ويؤدي إلى حلقة لا نهائية من اعتلال الفقر والصحة معًا.
تشير منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” إلى أن عدد الأطفال الذين يعانون الهزال كان مرتفعا قبل أن تهدد الحرب في أوكرانيا بإغراق العالم في أزمة غذاء عالمية متصاعدة. واليوم تكاليف الصحة مرشحة للتصاعد مع ارتفاع تكاليف العلاج.
وترتبط نسبة 45% تقريبًا من وفيات الأطفال دون سن الخامسة بنقص التغذية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. وفي ذات الوقت تتزايد نسبة فرط الوزن والسمنة بين الأطفال في هذه البلدان نفسها. وفق ما أوردت منظمة الصحة العالمية في يونيو/حزيران لعام 2021.
عدم توافر المنتج
ويقول الخبير الاقتصادي إيهاب سمرة “ما نُعاصره من أزمات مرتبط بغلاء الأسعار ونتيجة طبيعية لانفراد مجموعة بكل القرارات. ويضيف فضلا عن التوسع في الاقتراض والاستدانة المستمر، بالتوازي مع فرض الرسوم والضرائب على المواطنين. إضافة إلى أزمة توقف الاستيراد، ووقف شحنات استراتيجية مثل الأعلاف التي تسببت في أزمة صناعة الدواجن.
وتابع: “سيطال العجز أشياء كثيرة قد بدأت باللحم الداجن وبيض المائدة. وسينسحب على المواشي ومُشتقاتها. والمزارع السمكية ستعاني عجز الإنتاج بسبب عدم توافر الأعلاف. ومع استمرار عجز الدولار ستتأثر سلع كالزيت والسكر. فالمسألة لن تكون سعر المنتج الغذائي مطلقًا. لكنها ستكون في عدم توافر المنتج الغذائي نفسه. ما سيترتب عليه الإحساس بالفروق المرعبة في الدخول ومستويات المعيشة.
على الجانب الآخر يرى الدكتور حمادة صلاح -الخبير الاستشاري بالبنك المركزي- أن “الأزمة الروسية الأوكرانية أحدثت أزمة للاقتصاد المصري. ويضيف “لـ مصر 360”: “لا شك أن الأزمة الآسيوية والأزمة التمويلية الأمريكية أثرت في معدل النمو الاقتصادي المصري. ويجب على الدولة الاستثمار في دعم البُعد الاجتماعي بتوسيع نطاق برامج تكافل وكرامة والتضامن الاجتماعي كمظلة حمائية للفقراء الأكثر احتياجًا”.
دوامة مفتوحة
وفيما يخص الغلاء وعدم كفاية دخل المواطن لسداد التزاماته فيما يتعلق بالغذاء أشارت عضوة مجلس النواب سميرة الجزار في طلب إحاطة لرئيس الوزراء إلى أن سياسات الحكومة الاقتصادية وتوصيات صندوق النقد الدولي أفقرت المواطن وأضرت بالطبقة الوسطى حتى تحول المجتمع إلى طبقتين فقط. طبقة مرتفعة الدخل ولديها قدرة شرائية كبيرة ترفع حجم الطلب في السوق. ما يؤدي إلى رفع أسعار السلع ويؤثر سلبًا في متوسطي ومحدودي الدخل. وطبقة فقيرة تعاني صعوبة العيش وهي تمثل السواد الأعظم من الشعب.
وأعلنت وزارة التموين طرح كميات كبيرة من السلع الغذائية عبر المجمعات الاستهلاكية. حيث قالت الوزارة في بيان إنه تم فتح جميع مخازن الشركة القابضة للصناعات الغذائية وعددها 1500 لتوفير متطلبات الغذاء عبر أكثر من 40 ألف منفذ بيع. وبحسب البيان “سيتم ضخ كميات كبيرة من السلع بالأسعار نفسها لضبط الأسواق. مع تشكيل غرفة عمليات مركزية لتلقي شكاوى المواطنين ووجود حملات الرقابة على الأسواق”.
“إن كل ما تملكه الوزارة من سلع غذائية في مخازنها لن يكفي. ولن يحل الأزمة أو يلبي جزءًا بسيطا من احتياجات السوق في ظل الصعود العنيف للأسعار الذي نشهده. ونحن مُقبلون على دوامة مفتوحة لارتفاع الأسعار ليس لها أفق زمني”. يقول الخبير الاقتصادي الدكتور وائل النحاس ردا على ما أعلنته الوزارة.