مع بداية إجراءات التباعد الاجتماعي، التي اتُخذت ضمن إجراءات مكافحة انتشار فيروس كورونا المستجد، اتجه العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي إلى إشراك أبنائهم في إنتاج محتويات ترفيهية على تطبيق “تيك توك”، لكن إلى أي مدى تؤثر تلك الممارسات على الصحة النفسية للأطفال؟.
sss
السخرية من مواطنين على “تيك توك”
النائب العام المستشار حماده الصاوي، قرر حبس 4 أطفال 4 أيام على ذمة التحقيقات، لاتهامهم بالسخرية من مواطنين على تطبيق “تيك توك” وإيذاء الغير، والتعدي على المبادئ والقيم الأسرية في المجتمع المصري.
ووجهت لهم النيابة أيضا تهمة انتهاك حرمة الحياة الخاصة، ونشر مقاطع مصورة عن طريق الشبكة المعلوماتية تنتهك خصوصية أشخاص دون رضاهم، وقيادتهم دراجات آلية بدون ترخيص بطريقة ينجم عنها الخطر.
وكانت قد رُصِدت مقاطع مصورة، نُشِرَت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تضمنت مرور 4 أشخاص، يستقل كلُّ اثنين منهم دراجة آلية، ويعرقلون المارة، ويطرحونهم أرضاً خلال سيرهم، وبتحديد هويتهم؛ أصدرت النيابة العامة قراراً بضبطهم.
كما شهد أحد المارة بأن متهمًا منهم قد عرقله أثناء جلوسه خلف قائد دراجة آلية، ولمَّا طرحاه أرضاً؛ أبصر متهماً آخر بجانب الطريق يُصوِّر الواقعة بهاتفه المحمول.
ثم شاهد انتشار ذلك المقطع ومقاطع مماثلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ فأبلغ عن الواقعة، كما تعرَّف خلال التحقيقات على المتهم القائم بالتصوير.
وأقر حينها المتهمون الأربعة بارتكابهم وقائع مماثلة ونشرهم بعض المقاطع المتداولة عبر “تيك توك”؛ سعياً وراء الشهرة.
النيابة العامة في بيانها حول الواقعة أهابت بالآباء بأن يرسِّخوا لدى أبنائهم قيم احترام الكبير ورعاية الصغير، قائلة “علموهم أن السخرية من الغير وإيذاءه مدعاة للعقاب والاحتقار وليس للمرح والنشر والافتخار”.
كما أهابت بالآباء بـ”توجيه أبنائهم في استخدامهم مواقع التواصل المختلفة، وكيف ينتفعوا بخيرها ويتجنبوا شرورها؛ اجعلوها أداة نفع وعلم، وليست أداة إضرار وهزل”، مؤكدة على تصدِّيها لكل مُتعدٍّ على تلك القيم والمبادئ الراسخة في مجتمع مصر العريق”.
تأثير سلبي جسديًا ونفسيًا
في العراق رصد مركز الإعلام الرقمي DMC في دراسة له، وجود عشرات الحسابات يقوم بإنشائها أطفال لا يتعدون السن القانونية التي تسمح لها بإنشاء الحساب، ويقومون من خلالها بنشر فيديوهات خاصة لعائلاتهم دون علم تلك العائلات.
وأكد فريق الرصد على ضرورة قيام الأهل بمراقبة منشورات وحسابات الأبناء على منصة “تيك توك” التي بدأت تشهد رواجا كبيرا في العراق، مشيرا إلى أن العديد من الفيديوهات تخترق خصوصية هذه العائلات وتكشف عن حياتهم الشخصية بشكل فاضح، وأن الكثير من الآباء لا يعلم بما يجري، وما ينشر أبناؤهم وبناتهم.
“اليقظة والحذر مطلوبين في هذه الحالة ويجب معرفة ما ينشر هؤلاء المراهقين من فيديوهات عن حياتهم الشخصية في داخل البيت وعلى نحو يخلو من أي احترام لخصوصية البيت وأسراره”، بحسب راصدي المركز.
ونوه المركز بأن “تيك توك” غير موجه لمن هم دون الـ13 عاما، وحسب شروط استخدام المنصة ربما يكون هذا العمر أعلى بسبب المتطلبات التنظيمية المحلية”.
وبحسب دراسة أخرى نشرتها مجلة “صحة الطفل والمراهقة” العلمية المتخصصة، فإن الأطفال والمراهقين الذين يقومون بشكل متواصل بالنشر أو حتى يكتفون بمجرد التعليق والإعجاب بما ينشره الآخرون على مواقع التواصل الاجتماعي، يخصصون وقتا أقل للقيام بأنشطة أخرى وخاصة النوم وممارسة الرياضة، وهو ما يؤثر عليهم بشكل سلبي نفسيًا وجسديًا.
“التربية أمانة مش بالإهانة” .. الأطفال ضحايا جدد للعزل المنزلي
وينبه الباحثون إلى أن المشكلة ليست في وسائل التواصل نفسها، وإنما وقوع الأطفال والمراهقين فريسة للآثار السلبية بسبب عوامل أخرى متعلقة بمدى الانخراط في المجتمع الافتراضي، ويتوقف ذلك التأثير السلبي على مدى تعرض الفرد للتنمرعبرها، ومقدار ما يحصل عليه من نوم يوميًا وما يمارسه من نشاط جسدي.
نصائح وتحذيرات
أخصائي الطب النفسي أحمد أبوالوفا، يقول إن مشاركة الأطفال في فيديوهات مواقع التواصل الاجتماعي يحسّن القدرات التعبيرية لدى الأطفال، ويمكن اعتبارها أنشطة مفيدة في ظل العزل المنزلي ومنع التنزه، بشرط أن تكون محتويات مناسبة للفئة العمرية لديهم.
وفي الوقت نفسه حذر “أبوالوفا” من استمرارية الطفل “تحت الأضواء” من خلال الفيديوهات والتفاعل معها، مما يجعله عرضة للتقييم من قبل الجمهور، بشكل لا يناسب عمره، بالإضافة إلى الارتباط الشرطي بين استمداد ثقته بنفسه ورأي الجمهور عنه، مما يعرضه لخلل نفسي، ويتحول لشخص “جائع انتباه” ولا يتوازن نفسيًا إلا من خلال أضواء الشهرة والفيديوهات ومن ثم الإطراء عليه.
تحذيرات وقائية من جرائم الأطفال الجنسية عبر النت
ويشير أخصائي الطب النفسي في تصريحات لـ”مصر360″ إلى أنه في حالة افتقاد الاهتمام والحالة النفسية المصاحبة لتلك الفيديوهات ينتاب الطفل حالة إحباط، تجعله شغوف بالانتباه لمجرد الانتباه من خلال طرق أخرى ربما تكون مؤذية وغير ملائمة لعمره أو منافية للآداب والقانون، مثلما حدث فى واقعة الأطفال الأربعة.
ويصف “أبوالوفا” فيديوهات الأطفال بأنها أشبه بالإذاعة المدرسية، مصرحًا بأنها “طالما في إطار ومحتوى يناسب عمر الطفل فهي أنشطة إيجابية، لكن عندما يتحول لأداة تقييم له من قبل الأهل أو الجمهور تكون أمرًا سلبيًا للغاية، والأخطر منها تحويل الأمر لتجارة رابحة من خلال زيادة المشاهدات والإعلانات، فإنها ستشبه عمالة الأطفال حتى لو كان المحتوى ترفيهيًا”.
ويحذر أخصائي الطب النفسي من تحول تلك الفيديوهات لـ”بيزنس” الآباء، وينتج عنها إجبار الطفل على التصوير وتلقينه كلامًا معينًا دون رغبته، قائلا: “وقتها الطفل يكبر قبل آوانه ويثقل بأشياء أعلى من مستوى إدراكه، ويحرم من طفولته المتسمة بالتلقائية، ومن ثم يتحول لضحية أهله ويصبح شخصًا مُستغلة حقوقه فى المستقبل”.
وفي السياق ذاته، يقول خبير أمن المعلومات وليد حجاج إن هوس “الشير واللايك” يدفع المراهقين إلى خوض تحديات تهدد حياتهم، مؤكدًا ضرورة التعامل مع انتشار هذه الظاهرة بحرص أكبر والسعي للاستفادة من الإنترنت وترك كل ما يضر، مع الانتباه إلى طريقة تعامل الأطفال مع مواقع التواصل الاجتماعي.
ويدلل على ما ذهب إليه بالقول في تصريحات تلفزيونية: “التيك توك أصبح هو السبب الرئيسي في انتشار الكثير من المظاهر السيئة، بسبب إقدام البعض على تقليد ما يقوم به الآخرون على هذه المنصة، التصدي لمثل تلك الممارسات وتوعية الأطفال والمراهقين بخطورتها على سلوكياتهم وحياتهم أمر ضروري”.
اقرأ أيضا: