تجاهلت خطة السلام في الشرق الأوسط بين فلسطين وإسرائيل، التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في نهاية يناير الماضي الحقوق التاريخية للفلسطينيين.
الخطة التي جاءت في 80 صفحة وصاغها مستشار ترامب وصهره جاريد كوشنر، تضمن منح إسرائيل السيادة على معظم مناطق الضفة الغربية التي احتلتها عام 1967، وضم الكتل الاستيطانية بها إلى إسرائيل، واعتبار مدينة القدس عاصمة موحدة ودائمة لدولة إسرائيل، كما أنها وضعت قيودا على عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم.
“لن يكون هناك حق العودة”

sss

ترفض خطة السلام الأمريكية صراحة فكرة عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضي أجدادهم التي هُجّروا منها عام 1948، حيث يقول الكاتب المتخصص في شؤون الأمن والدفاع الدولي أليكس وارد، في مقال نشره موقع “فوكس” الأمريكي، إنه “لا يمكن لإسرائيل أن تقبل حق العودة دون أن تتخلى عن هويتها اليهودية، لأن تجنيس الكثير من غير اليهود من شأنه أن يؤثر على الأغلبية اليهودية في دولتهم الدينية”.

عند مناقشة موضوع اللاجئين الفلسطينيين، الذين يقدر عددهم بحوالي 6 ملايين لاجئ، تبدأ الخطة الأمريكية برفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وهو حق منصوص عليه في القانون الدولي بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 194.

وتتضمن الخطة ثلاثة خيارات للاجئين الفلسطينيين الذين يبحثون عن مكان إقامة دائم:

الأول، هو استيعابهم داخل دولة فلسطين، وذلك وفقا لتقدير جهاز الأمن الإسرائيلي

الثاني يتضمن فكرة الاندماج المحلي في البلدان المضيفة حاليا لهؤلاء اللاجئين، وذلك رهنا بموافقة تلك البلدان، سالبا منهم حقهم في العودة إلى أراضي أجدادهم، المكفول بموجب القانون الدولي، والذي يعتبر حق إنساني فردي لا يمكن التخلي عنه كتنازل سياسي.

الخيار الثالث، يشمل قبول آلاف لاجئ كل عام، لمدة تصل إلى عشر سنوات، بإجمالي 50 ألف لاجئ، في كل دولة من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي الذين يوافقون على المشاركة في إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين.

وتقترح الخطة أيضا صندوق تعويض للاجئين المؤهلين للحصول على تعويضات، وتديره الولايات المتحدة والدولة الفلسطينية المستقبلية، على أن تنتهي صفة اللجوء بتوقيع الاتفاقية، وسيحتاج الفلسطينيون إلى “تفكيك” جميع مخيمات اللاجئين، وستعمل “خطة ترامب الاقتصادية” على بناء مساكن جديدة بدلاً من مخيمات اللاجئين، وذلك على الرغم من أن الخطة لا تحدد مكان بناء المساكن الدائمة الجديدة، وما إذا كان سيتم تعويض سكان مخيمات اللاجئين عن “تفكيك” منازلهم ومجتمعاتهم.

حيث يقول فيليب لوثر مدير البحوث وأنشطة كسب التأييد في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية: “هناك مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين محاصرون في مخيمات مكتظة، بعد أكثر من 70 عاما من إجبارهم أو آبائهم أو أجدادهم على ترك منازلهم”، مضيفا أن “هذا الاقتراح يتجاهل حقوق اللاجئين بموجب القانون الدولي، وعقود من المعاناة التي قاسوها”.

ومن المقرر أيضا أن تنتهي مهمة عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، وبدلا من ذلك ستحل محلها “الحكومات ذات الصلة”.

تعزيز التعايش سيف على رقاب الأسرى

قضية أخرى تضيع فيها حقوق الفلسطينيين، تناولتها الخطة الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط، وهي قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.

لطالما احتلت قضية الأسرى الفلسطينيين، ومبادلة الأسرى مكانة كبيرة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث أن أحد المطالب الرئيسية للفلسطينيين في المفاوضات هي إطلاق سراح جميع المعتقلين المحتجزين لدى إسرائيل.

احتجاجات على صفقة القرن

فوفقا للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، فمنذ عام 1967 حتى الانتفاضة الأولى في عام 1988، اعتقل أكثر من 600 ألف فلسطيني في السجون الإسرائيلية لمدة أسبوع أو أكثر، وتشير التقديرات إلى أن ما يقرب من 20٪ من مجموع السكان، و40٪ من السكان الذكور، قد سجنوا من قبل إسرائيل.

ويدعو اقتراح ترامب إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين الفلسطينيين باستثناء أولئك الذين أدينوا بالقتل، أو التآمر في قتل إسرائيليين.

وعند إطلاق سراحهم، سيصبح الأسرى مواطنين في دولة فلسطين، حتى لو كانوا يحملون الجنسية الإسرائيلية، إلا أنه ما زال من غير الواضح ما الذي سيحدث لعائلات هؤلاء الأسرى، وكيف سيؤثر تجريد الأسرى السابقين من الجنسية الإسرائيلية على منازلهم وحياتهم الاجتماعية.

ولن تفرج إسرائيل عن الأسرى الفلسطينيين إلا قبل التوقيع على “يمين التعايش”، حيث تنص الخطة على أنه “سيُطلب من كل سجين يُفرج عنه أن يوقع على تعهد بتعزيز التعايش بين الإسرائيليين والفلسطينيين داخل مجتمعهم، وسيظل السجناء الذين يرفضون التوقيع على هذا التعهد مسجونين”.

بالإضافة إلى ذلك، تنص الخطة على أنه لن يتم إطلاق سراح أي أسرى فلسطينيين أو معتقلين إداريين ما لم يتم إعادة جميع الأسرى ورفات القتلى الإسرائيليين إلى إسرائيل، إلا أن الخطة لا تتناول عودة مئات من رفات الفلسطينيين القتلى الذين تحتجزهم إسرائيل، كشرط المعاملة بالمثل.

لا سيادة لفلسطين

فيما يتعلق بمسألة الحدود، تقترح خطة ترامب نسخة مشوهة من حل الدولتين، حيث تقول الخطة: “لا تعتقد دولة إسرائيل والولايات المتحدة أن إسرائيل ملزمة قانونا بمنح الفلسطينيين 100% من أراضي ما قبل عام 1967”.

بدلا من ذلك، سيتم إعطاء الفلسطينيين ما وصفه بعض النقاد بأنه “أرخبيل” من الجيوب، مربوطة بشبكة من الطرق السريعة والأنفاق، بما في ذلك نفقا أو طريقا سريعا يربط قطاع غزة بالضفة الغربية.

ويقول لوثر: “بينما أكدت إدارة ترامب على مبدأ تبادل الأراضي في صفقتها، ينبغي أن ندرك دون شك أنها تقترح ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، مما ينتهك القانون الإنساني الدولي بشكل صارخ”.

وتشير المنظمة إلى أنه مقايضات الأراضي المقترحة تشمل إمكانية نقل مناطق إسرائيل التي بها نسبة عالية من السكان الفلسطينيين إلى دولة فلسطين المستقبلية، ما يثير مخاوف من احتمال حرمان مواطني إسرائيل الفلسطينيين في هذه المناطق من حقوقهم.

احتجاجات فلسطينية

في الوقت نفسه لا تقدم الخطة سوى القليل لضمان أي شعور بالسيادة الفلسطينية، حتى على المناطق التي ستصبح جزءا من الدولة الفلسطينية المستقبلية، واضعة أمن إسرائيل فوق كل حقوق الفلسطينيين ، حيث ستستمر إسرائيل في السيطرة على المجال الجوي، ووادي الأردن، وشبكة الطرق التي تربط الجيوب الفلسطينية ببعضها البعض، بالإضافة إلى طريق الوصول المقترح الذي يربط بين الدولة الفلسطينية والحدود الأردنية، وجميع المعابر الحدودية الدولية إلى الدولة الفلسطينية، بما في ذلك رفح.

وهو ما يضع الفلسطينيين تحت رحمة السلطات الإسرائيلية، واستمرار المعاناة التي يمر بها الفلسطينيون يوميا في المعابر التي تسيطر عليها إسرائيل، التي تنتهك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص على الحق في التنقل بحرية.

بالإضافة إلى ذلك، سيبقى الجدار الفاصل الحالي، الذي يخترق مئات التجمعات الفلسطينية، ساري المفعول، “وسيتم إعادة تنظيمه لمطابقة الحدود الجديدة”، في استمرار لتجاهل إسرائيل لقرار محكمة العدل الدولية لعام 2004، والذي طالبها بإزالة الجدار من كل الأراضي الفلسطينية بما في ذلك القدس الشرقية وضواحيها مع تعويض المتضررين من بناء الجدار.

واستمرارا لتقويض العدالة الدولية، تصر الصفقة على أنه خلال أي مفاوضات، يجب على السلطات الفلسطينية ألا تتخذ “أي إجراء، وأن ترفض جميع الإجراءات المعلقة، ضد دولة إسرائيل والولايات المتحدة وأي من مواطنيها أمام المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، وجميع المحاكم الأخرى”، وذلك بعد أن أعلنت المحكمة الجنائية الدولية، في ديسمبر الماضي، أن التحقيق الأولي الذي أجري بشأن فلسطين خلص إلى أن جرائم حرب قد ارتكبت في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

 الجدار الفاصل الحالي، الذي يخترق مئات التجمعات الفلسطينية، سيبقى ساري المفعول،

وقال مدير البحوث وأنشطة كسب التأييد في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية: “إن السلام العادل والمستدام يتطلبان خطة تعطي الأولوية لحقوق الإنسان للفلسطينيين والإسرائيليين، ويجب أن تشمل العدالة وتعويض ضحايا جرائم الحرب، وغيرها من الانتهاكات الجسيمة”.