يستيقظ مع أول شعاع للشمس، في السادسة صباحًا يخرج “عم سيد”، البالغ من العمر 55 عامًا، من منزله، في منطقة بولاق الدكرور، مسرعًا ليلحق بوسيلة مواصلات عامة تنقله إلى مقر عمله في أحد مستشفيات العزل، وذلك بعد تفشي أزمة كورونا في مصر، حيث تخطت الإصابات الـ 3 الاف حالة .
sss
وبعيدًا عن “جيش مصر الابيض”، يوجد ايضًا أبطال منسيون في الصفوف الأمامية لمعركة كورونا، حيث يواجهون الخطر بصدور عارية ولكنهم “مجهولون”، كـ عمال المستشفيات سواء عمال النظافة أو مساعدو الأطباء، والعمال والعاملات الذين يقومون بتغيير الشراشف في المستشفيات، والعمال الذين يقومون بتخزين الأدوية والمواد الطبية والغذائية وبإجراء عمليات التسليم، والذين يتعاملون مع جثث ضحايا كورونا وغيرهم الكثير .
ولأكثر من 20 عامًا، يعمل “عم سيد” في أحد المستشفيات، التي أصبحت بعد ذلك ضمن مستشفيات العزل، حيث يعمل على جمع ما تبقي من المرضي في العنابر والصالات، موضحًا أن إدارة المستشفي وزعت عليهم قفازات وكمامات مع بداية الأزمة؛ لحمايتهم من العدوي، ولكن بعد ساعات قليلة تتمزق القفازات ويكمل عمله بأيادي عارية، قائًلا:” بسنبها على ربنا وهو الستار”.
وأكمل “عم سيد”، الذي رفض ذكر اسم المستشفي التي يعمل بها، خوفًا من المسئولية، أنه منذ بداية أزمة كوورنا وقد تحولت المشفي إلى ساحة حرب، موضحًا أن في البداية لم نستوعب الأمر بشكل صحيح وكأن نتعامل على أنه “دور برد”, وفق وصفه، ولكن مع توافد المرضي والتي نراهم يفارقون الحياة أمام أعيننا كل يوم شعرنا بخطورة الأمر .
وتابع:”كل يوم بنشوف ناس جاية خلصانة وغير قادرين على التقاط أنفاسهم وبعد ساعات أو أيام قليلة نرى انتقالهم إلى الغرف المخصصة لغسل وتكفين الموتي في المستشفي، وآخر اليوم نقوم بجمع مخلفات المرضي وتنظيف وتعقيم الغرفة ويتم التنبيه علينا بغسل أيدينا، قبل لمس أي شئ، ولكن أحيانا اتذكر وأحيانا انسي، إلا أن أبنائي في البيت ينبهونني و”ربنا هو الحامي”.
“فيلم رعب”
“بنلبس 3 جوانتيات ونطهر أيدينا حوالي 40 ثانية”، هكذا وصف أحد المساعدين في عملية تكفين موتي كورونا ما يتم داخل الغرف المخصصة لتغسيل ضحايا هذا الوباء، كاشفًا أن ما يحدث في الداخل أشبه بـ”أفلام الرعب”، قائلا: “محدش يصدق إلي بنشوفه ونتعرضه كل يوم”.
ويتابع أحد المساعدين من الأطقم الطبية، الذي رفض الكشف عن هويته، أن أحد المندوبين من وزار الصحة يشرف بنفسه على عملية تغسيل موتي كورونا، وفق برتوكول منظمة الصحة العالمية، بالإضافة إلى أحد من الأطباء، وفرد واحد من أسرته إذا لزم الأمر، حيث يتواجد في الغرفة 3 أو 4 أفراد فقط، وفق قوله.
واستطرد : أن “الحذر والتعقيم أحد أهم الأشياء التي يجب مراعاتها مع ضحايا كورونا، لأننا نعيش هذه الظروف لأول مرة، برغم مرور وأوبئة مشابهة مثل انفلونزا الطيور والخنازير ولكنها لم تكن مثل كورونا” .
من جانبه، قال الدكتور أيمن فودة، كبير الأطباء الشرعيين، إن وزارة الصحة، تُراعي قواعد صارمة في تغسيل وتكفين موتى فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19″، حيث يغسل الميت بمحلول الفورمالين 10%، ويوضع بعض الفحم النباتي داخل كيس محكم، ومن ثم يتم تطهير المقبرة، ودفن المتوفى، وتظل المقبرة مغلقة لمدة 60 يوما.
وأضاف كبير الأطباء الشرعيين، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي وائل الإبراشي، في برنامج “التاسعة مساء”، المذاع على شاشة “التلفزيون المصري”، أن هناك طريقة أخرى ولكنها مكلفة، وهى أن يوضع الميت في صندوق من الزنك بعدما يتم تغسيله، بمحلول الفورمالين وباقي التعليمات الأخرى،موضحًا أن هذه الإجراءات موجودة في قانون الجبانات، وكانت تتبع في دفن الموتى من الأمراض الوبائية، مثل الإيدز.
وعند تغسيل وتكفين الحالة المتوفاة نتيجة الإصابة بفيروس كورونا المستجد يقوم الفريق المختص بتغسيل الحالة بارتداء الواقيات الشخصية، ويتم منع دخول أفراد لا حاجة لوجودهم وفي حالة الضرورة يجب الابتعاد عن المتوفي لمسافة أكثر من متر وارتدائهم الواقيات المناسبة مثل الماسك، والقفاز، وواقي الوجه، وغطاء للرأس، وحذاء بلاستيكي طويل الرقبة، مع ضرورة تغطية أجزاء الجسم التي تحدث إفرازات بضمادات غير منفذة.
جثامين المتوفين بفيروس كورونا لا تنقل العدوى حال تطبيق كافة الإجراءات الوقائية، حيث يجب استمرار تطبيق الإجراءات الاحترازية والوقائية التي كانت تطبق على الحالة المتوفية أثناء حياتها وعند نقل الحالة المتوفاة إلى ثلاجة المستشفى يتم رفعها بالملاءة المحيطة بها ونقلها على “ترولي” ويتم تطهيره وتنظيفه جيدًا.
مع مراعاة ارتداء الفريق المختص بنقل وتغسيل الحالة بارتداء عباءة سميكة تغطي الذراعين والصدر وتمتد إلى أسفل الركبة، وماسك، وقفاز يغطي العباءة حتى الرسغ، وغطاء رأس، وحذاء بلاستيكي طويل الرقبة، مشددًا على الالتزام بارتداء وخلع الملابس الواقية بطريقة صحيحة وغسل الأيدي بالماء والصابون جيدًا بعد خلعها.
“لا نخشي الموت”
الأمر لا يختلف كثيرًا عن “محمد. أ”، الذي يعمل في تعقيم الأدوات الطبية في أحد مستشفيات الحجر الصحي، ويبلغ من العمر 30 عامًا، وتصل عدد ساعات عمله فوق الـ 15 ساعة، قائًلا:”أنه لا يخشي الموت ولكنه يخشي على نقل العدوي لأولاده أو أحد من أسرته دون أن يدرك فهو يتعامل مع أدوات قد تكون حاملة للفيروس، مشابهًا الأمر بمهة الأطباء الذين يتعاملون مع المرضي بشكل مباشر “كله في خطر وأسرتي هي نقطة ضعفي”.
الوقاية من العدوي
ونشر موقع منظمة الصحة العالمية، في نسخته العربية، طرق الوقاية من عدوي كورونا بالنسبة للعمال في المستشفيات، الذين يتعاملون مع أدوات المرضي أو ملابسهم المتسخة، مؤكدا على ارتداء معدات الحماية الشخصية المناسبة.
وبشأن غسل الأغطية والملابس المتسخة وتعقيمها، يوصى بتنظيف الملابس والأغطية المتسخة عن طريق غسلها في الغسالة بمسحوق الغسيل وماء دافئ تتراوح درجة حرارته تتراوح بين 60 و90 درجة مئوية، وإذا لم تتوفر الغسالة، فيمكن نقع الملابس في الماء الحار والصابون في حوض كبير واستخدام عصا لتحريكها بحذر لتجنب رذاذ الماء.
وأكدت المنظمة أن انتقال عدوى فيروس كورونا يتم عن طريق القطيرات ومن خلال ملامسة أسطح المعدات الملوثة، ولكنها لا تدعم الانتقال الروتيني للعدوى عن طريق الهواء.