تحرص معظم الديموقراطيات الدولية الكبرى على توزيع المهام النيابية على غرفتين تشريعيتين ،هما مجلس النواب ومجلس الشيوخ ، وذلك ضمانا لتقوية الممارسة السياسية من خلال تمثيل مختلف فئات المجتمع، والمساواة بين المواطنين في فرص المشاركة
ويترقب الشارع السياسي المصري رجوع مجلس الشيوخ ، في نسخته الجديدة ، التي أقرتها التعديلات الدستورية الأخيرة بين توقع بأن يكون “بيت خبرة ” أو استنساخا لتجربة مجلس الشورى الذي انتهى تاريخه بالإغلاق بعد أن ظل يوصف لعقود طويلة بأنه كيان ورقي استشاري هش
sss
تعزيز الديمقراطية
مجلس الشيوخ هو الضامن لجودة التشريعات، والأكثر حكمة ويخلو من المزايدة والمنافسة ، حسب تأكيد الدكتور شوقي السيد ، أستاذ القانون بجامعة القاهرة ،الذي حذر من ترك هذه التشريعات لمجلس واحد مما يصيبها بـ”الخلل”
النائب إيهاب الطماوي ، أمين سر اللجنة التشريعية بمجلس النواب، أكد أن عودة مجلس الشورى له عديد من المزايا والمكتسبات ، موضحا أن النظام البرلماني الذي يعتمد على غرفتين ، يسمح بترسيخ الأنظمة الديمقراطية ، والتعددية السياسية ، و تنوع المشاركة و توسيع التمثيل النيابي
ويساهم مجلس الشيوخ ، حسب الطماوي ، في وجود أصحاب خبرات ومهارت خاصة في مجالات التخصص العلمية والفنية وتخصصات أخرى بعينها قد لا تتوافر أو يصعب الوصول إليها في مجلس النواب
كما أنه يشارك النواب في تشريع وسن القوانين بصورة منضبطة تتحق من خلال دقة صياغة المواد القانونية فيما يتعلق بالموضوعات التي تعرض في البرلمان
الطماوي : “تشريعية النواب ” تلقت ثلاثة مشروعات قوانين لتنظيم مجلس الشيوخ
وأكد إسماعيل نصر الدين ، عضو مجلس النواب أن المجلس في شكله الجديد هو “بيت خبرة ” برلمانية للشعب المصري ، موضحا أن الكفاءات العلمية والتكنوقراط وذوي الاختصاصات المختلفة يشاركون في عضوية المجلس ، مما يوفر الوقت والجهد ويحقق الدقة عند سن قوانين متكاملة ، ويقوي أداء النواب ممن لا تتوافر لدى كثير منهم عناصر التمرس والخبرة
وقال :” كان هناك قمم على أعلى مستوى من التخصص والعلم ، وكنت أشهد مناقشاتهم في مجلس الشورى السابق الذي كنت عضوا فيه “
القانون مازال قيد المناقشة
عودة مجلس الشيوخ للحياة السياسية تنتظرإصدار القانون الذي ينظم العملية الانتخابية ، والذي يعد أحد القوانين المكملة للدستور ، حيث تقدمت الأغلبية البرلمانية بمشروع القانون ، في ضوء التعديلات الدستورية ، لإنشاء المجلس كغرفة ثانية بجانب مجلس النواب
أكد الدكتور علي عبدالعال، رئيس مجلس النواب، أن إقرار قانون مجلس الشيوخ سيعمل على توسيع المشاركة السياسية والنيابية لعدد أكبر من المصريين.
وقال إيهاب الطماوي ، إن اللجنة التشريعية تلقت ثلاثة مشروعات قوانين لتنظيم عمل مجلس الشيوخ ، وهي مقدمة من ثلاثة نواب ومع كل واحد منهم 60 عضوا ، بينما لم تتم إحالة أي مشروع منها للمناقشة في المجلس حتى الوقت الراهن ، مضيفا أن حزب مستقبل وطن والأحزاب السياسية تجري حوار بهدف الوصول إلى أفضل التصورات والرؤى المشتركة فيما بينها
صلاحيات وقيود !
البعض يرى أن عودة هذا المجلس على النحو الذي حدده الدستور في مادته 253 المضافة في التعديلات الدستورية الأخيرة هي بمثابة عودة بلا سلطات حقيقية ، حيث تنص المادة على أن” رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء وغيرهم من أعضاء الحكومة غير مسئولين أمام مجلس الشيوخ.” ومن ثم فإن السلطة التنفيذية ليست مسؤولة أمامه
يرى هذا الفريق أن دوره سيقتصر على البحث والدراسة وإبداء الرأى فى مشروعات القوانين المكملة للدستور والتى يحيلها رئيس الجمهورية إليه، وهي سلطات ليست كافية السلطات كلها ليست كافية ليكون غرفة تشريعية ثانية حقيقية، فقد نص الدستور فى مادته 253
لكن إيهاب الطماوي ، أكد أن مساءلة رئيس الحكومة وأعضائها أمام مجلس الشيوخ ، من شأنه أن يؤدي إلى تضارب في الاختصاصات ، موضحا أن مجلس النواب هو من يملك طبقا للدستور ، منح وسحب الثقة من الحكومة و من ثم هو الجهة المنوطة بمحاسبة ومناقشة الوزارء
وأضاف :” إذا أعطيت حق مساءلة الحكومة أمام مجلسين ، فقد يعطيها أحدهما الثقة ، ويسحبها الآخر ، فالنظام المصري يطبق نوعا من الفصل المرن بين سلطات الدولة ، التي تراقب وفي الوقت نفسه تتعاون “
نصر الدين : “الشيوخ هو بيت خبرة برلماني يضم الخبراء والتكنوقراط
ولايزال هناك بعض المطالبات لمنح مجلس الشيوخ جانباً من الاختصاصات التشريعية والرقابية، ورفض العودة إلى تجربة مجلس الشورى فى ظل دستور 1971 ، لكن مع ذلك تظل وظيفة الغرفة الثانية في البرلمان قاصرة على تقديم المشورة فى المسائل الكلية التى يختص بها ، ومشروعات القوانين التى يرى رئيس الجمهورية أو مجلس النواب استطلاع رأيه بشأنها
وعلق إسماعيل نصر الدين الذي كان عضوا بمجلس الشورى قبل الحل ، على ذلك قائلا :” الرقابة والتشريع يحددهما الدستور ، فلا يمكن أن يضع أحدا قوانين مخالفة وإلا كانت مشوبة بالعوار الدستوري “، مضيفا : ” المجلس الجديد من شأنه أن يحقق إثراءاً في العملية الديمقراطية وزيادة القدرة على إصدار تشريعات منضبطة “
غرفتان في بيت واحد
تتكون العديد من البرلمانات من غرفتين أو نظام تشريعي ثنائي يتمثل في مجلس النواب المنتخب ومجلس الشيوخ الذي يجوز تعيينه أو انتخابه من خلال آلية مختلفة ينظمها القانون ، بينما تعرف السلطات التشريعية التي تتكون من مجلس واحد باسم نظام تشريعي أحادي.
ومن المقرر أن يشكل الغرفتان معا السلطة تشريعية، لكن هناك فروقا بين الاثنين من حيث التشكيل، ويختلف في تكوينه الذي يأتي ثلثه بالتعيين من جانب رئيس الجمهورية ، ويجري انتخاب ثلثي أعضائه بالاقتراع السري المباشر
ويضمن نظام المجلسين يضمن تطوير السياسات العامة للدولة وتحسين البرامج الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وتطوير آلية سن القوانين ويعمل على تخفيف الضغط على مجلس النواب
وعندما يجري إقرار قانون مجلس الشيوخ، لن يقتصر التمثيل النيابي على 596 عضوا في مجلس النواب، وسيكون هناك غرفة أخرى “مجلس الشيوخ”، تزيد من التمثيل الفئوي والتخصصي
عبد العال : لو عاد بي الزمن ما وافقت على إلغاء “الشورى “
وترجح الممارسة السياسية العملية وجود غرفتين أو مجلسين في البرلمان لتحقيق ضمانات ضبط ودقة التشريعات من خلال طرحها لمزيد من المناقشات وإبداء الاقتراحات والتعديلات كي تصدر معبرة عن المصلحة العامة ، وتتلافى شبهة العوار الدستوري
كيان ورقي
لجنة الخمسين التي أعدت المقترح النهائي لدستور 2014 هي التي أغلقت باب الغرفة الثانية بالبرلمان والتي كانت تعرف باسم مجلس الشورى ، وهو ما يعد مغايرا للواقع الديمقراطي في عديد من الدول المتقدمة سياسيا واقتصاديا والتي تحرص على توزيع اختصاصات السلطة التشريعية على غرفتين أو مجلسين يشاركان معا في إقرار القوانين ومناقشة السياسات العامة للدولة وحقوق السيادة ودعم المقومات الأساسية للمجتمع والحقوق والحريات والواجبات العامة
غير أن هناك أسبابا كثيرة جلعت هذا المجلس يرتبط بصورة ذهنية سلبية لدى المصريين ، فقد كانت المناقشات تجري فيه بشكل روتيني آلي رتيب لا يعدو أن يكون “حوار طرشان ” لا يقدم ولا يؤخر ولا يؤثر، وهو ما جعل منه كيانا “ورقيا” تعرض للانهيار مع أول هبة في رياح التغيير ، وربما جاءت تصفيته انطلاقا من مزايدات سياسية
لكنه هذا المجلس ظل منذ نشأته في عام 1980 مجلسا استشاريا يـدلي برأيه في بعض مشروعات القوانين رغم محاولات توسيع اختِـصاصاته من خلال التعديلات الدستورية التي أجريت في عام 2007
وعلى الرغم من ذلك ، أكد الدكتور عادل عبد العال ، رئيس مجلس النواب أنه لو عاد به الزمن لوافق على مجلس الشورى ورفض إلغاءه ، بينما أضاف شوقي السيد بأن اسقاط مجلس الشورى تحقق وقفا لخطة وصفها بـ”الممنهجة ” نفذها من قاموا بوضع دستور 2012 “فالأجواء التى جرى فيها إعداد هذا الدستور كانت غير واضحة على الإطلاق.”
تجارب عالمية ديمقراطية
المملكة المتحدة
برلمان مملكة بريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية المتحدة هو أعلى كيان حكومي في المملكة المتحدة والمقاطعات البريطانية عبر البحار، أعلى قوة فوق كل المكونات السياسية البريطانية الأخرى ، ويتكون من مجلسين، المجلس الأعلى، الممثل بمجلس اللوردات، ومجلس سفلي، الممثل بمجلس العموم
ويضم مجلس اللوردات نوعين من الأعضاء: اللوردات الروحيون ، الممثلين بأعلى أساقفة كنيسة إنجلترا واللوردات الدنويون الممثلين بالنبلاء ، حيث لا يجري انتخاب أعضائه من قبل عامة الشعب ولكن تقوم الحكومة بتعيينهم ، في يحين يجري تشكيل مجلس العموم، عبر انتخابات ديمقراطية
الولايات المتحدة
الكونجرس الأمريكي ، وهو الهيئة التشريعية في النظام السياسي ويتألف من مجلس النواب ومجلس الشيوخ ، ونشأت فكرته من خلال تقليد التجربة البريطانية ، وصارت له جذور في المستعمرات الأمريكية في أوائل القرن السابع عشر ويتشكل مجلس الشيوخ من 100 عضو ، يمثل كل ولاية من الولايات الخمسين شيخان ، بينما يتألف مجلس النواب من 435 عضوا ، ويتم انتخاب أعضاء هذا المجلس من مناطق انتخابية، ولابد أن يكون لكل ولاية مقعد واحد على الأقل في مجلس النواب.
كندا
البرلمان الكندي هو السلطة التشريعية الاتحادية في كندا، وتتألف هذه الهيئة من مجلسي النواب والشيوخ يقوم الحاكم العام بتعيين أعضاء المجلس الثاني بناء على نصيحة رئيس وزراء كندا، بينما ينتخب الكنديون المؤهلون النواب في انتخابات مباشرة ، ومجلس العموم هو الفرع المهيمن في البرلمان ومجلس الشيوخ نادرا ما يعارض إرادته
روسيا
الدوما هو الهيئة التشريعية لروسيا، وفقا لدستور الاتحاد الروسى لعام 1993، ويتألف من المجلس الأدنى للجمعية الفيدرالية ومجلس الاتحاد وهو بمثابة المجلس الأعلى للجمعية الفيدرالية ، ويختلف المجلسان من حيث التشكيل ، وتجري انتخابات مجلس الدوما بحسب الدستور لمدة 5 سنوات
فرنسا
البرلمان الفرنسي وهو مجلس ثنائي التمثيل فهو يتكون من مجلس الشيوخ الفرنسي وهو مجلس أعلى ، والجمعية الوطنية الفرنسية وهو المجلس الأدنى
الهند
برلمان الهند هو المجلس والهيئة التشريعية العليا في جمهورية الهند، ويتكون البرلمان من رئيس الهند ومجلسين هما: “راجيا سابها” أي مجلس الولايات ولوك سابها ، وهو مجلس الشعب.
اليابان
البرلمان الياباني ويتألف من مجلس المستشارين ، ويعتبر بمثابة مجلس الشيوخ ، ومجلس النواب ، وجاء مجلس المستشارين خلفا لمجلس “النظراء” الذي كان على شاكلة مجلس اللوردات البريطاني والذي بقي العمل به حتى نهاية الحرب العالمية الثانية ، ويمتلك مجلس النواب أفضلية على تمرير القوانين ، إلا أنه ومع بدء العمل بنظام التمثيل النسبي ، فإن قوة مجلس الشيوخ زادت في منع تمرير القوانين