احتفلت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بمرور 60 عاما على رهبنة الأنبا باخوميوس “مطران البحيرة وتوابعها وشمال إفريقيا” بدير السريان. وذلك بحضور البابا تواضروس -بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية- وعدد من الأساقفة والرهبان.
ويلقب “باخوميوس” في الوسط الكنسي بأنه “بطريرك بلا رقم” نظير مسئوليته عن تسيير أمور الكنيسة لمدة ثمانية أشهر. وهي “فترة خلو الكرسي المرقسي” عقب وفاة البطريرك الراحل “شنودة الثالث”. وتنصيبه “قائمقام البطريرك” وفق قواعد المجمع المقدس. وهو أيضًا أحد أعضاء اللجنة التي أدارت الكنيسة عقب الأزمة الشهيرة بين البابا شنودة والرئيس السادات عام 1981.
ورفض المطران -الذي أمضى بالبحيرة وتوابعها نحو 50 عاما منذ رسامته أسقفًا عام 1971- الترشح للمنصب البابوي. رغم عروض من أساقفة ورهبان بعد إدارته الاستثنائية لأمور الكنيسة في الأشهر الأولى ولحين إغلاق باب الترشح وإعلان أسماء القائمة النهائية.
لم يكن الاضطراب كنسيًا فقط في فترة “القائمقام”-(مارس-نوفمبر 2012) ولكنها سيولة سياسية للتيار “الإسلامي”. وانتخابات رئاسية في لحظة استثنائية من تاريخ البلاد تتضمن مرشحًا ينتمي لـ”جماعة الإخوان” -وقتذاك- وخلال هذه الفترة لم يتورط “الأنبا باخوميوس” بتصريحات تحسب عليه. بل أعلن أن الكنيسة لن تدعم مرشحًا بعينه. تاركًا للأقباط حرية الاختيار.
ورغم إعلانه قبيل الانتخابات البابوية -29 أكتوبر/تشرين الأول 2012- عن حزنه لما رآه داخل المقر البابوي خلال فترة إدارته. غير أنه آثر العودة إلى مطرانيته. وقال في كلمة خلال تجليس البطريرك أسالت دموع الأخير: “سنعود إلى إيبارشيتنا صغارًا تحت أقدام البطريرك”.
وبعد مرور 10 أعوام على تجليس “الأنبا تواضروس” بقي “الأنبا باخوميوس” مرجعًا روحيًا للكنيسة. يتصدى في مقالاته لـ”فكر اللا طائفية”، أو ما أسماه مفكرون أقباط “الزحف البروتستانتي”. ويستكمل معاركه للحفاظ على العقيدة الأرثوذكسية بعد أن كان أول من طالب بمحاكمة “جورج حبيب بباوي” المتهم بـ”الهرطقة”.
بداية الرهبنة
والتحق “باخوميوس” بدير السريان- وادي النطرون- عام 1962. وسمي “أنطونيوس السرياني” بعد تخرجه من كلية التجارة بجامعة عين شمس عام 1956 ودراسته بالكلية الإكليريكية في الفترة من 1959 حتى 1961.
ويروي “باخوميوس” -الذي ولد بمدينة شبين الكوم عام 1935 باسم “سمير خير سكر”- قصة التحاقه بدير السريان. وذلك بعد قراره الاتجاه إلى الرهبنة. لافتًا إلى أنه حين جاء إلى الدير كانت ظروف الكنيسة تختلف عن الفترة الراهنة. وكان يقضي كل إجازاته داخله.
حينئذ وبعد أن قرر الانضمام لصفوف الرهبان سأله رئيس الدير آنذاك: “ماذا سيفعل مع البابا كيرلس؟” لأنه لو ذهب للسلام عليه سيلحقه بدير مارمينا –على حد قوله.
17 يومًا أمضاها “سمير خير” في بيت الخلوة مرتديًا “بيجامته”. يعاون الرهبان في جني المحاصيل. وينتظر فرصة سانحة لارتداء جلباب الرهبنة. وبعد مرور نحو 20 يوما تقريبًا وحين رسم “البابا شنودة” أسقفًا كان –على حد روايته- يمشي بجوار بيت الخلوة وسأله: “ما ترتيب العمل؟”. فوقف وسأله: مستعد للرهبنة اليوم؟. قال: “نعم”.
بعدها بنحو 3 ساعات دق الجرس وخلعت “البيجامة” والتحقت بالرهبنة. وأثناء فترتي الأولى -ولعلم قيادات الدير بأني مقبل على الخدمة- كلفت بالإشراف على المطبعة والمكتبة وتنقلت بين عدة خدمات أخرى منها “المطبخ” والزرع.
وعدلت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لائحة الرهبنة إبان فترة البابا تواضروس الثاني بقرار من المجمع المقدس –عام 2013- بتضمينها “قسم أو تعهد للرهبان أثناء رسامتهم. ووثيقة مبادئ رهبانية ولائحة تدبير رهباني تشتمل على إقامة مدارس للرهبان. وتنشيط الدور البحثي والعلمي للأديرة. بجانب لائحة الانضباط الرهباني المتضمنة لطرق محاسبة الرهبان”.
ويشترط في طالب الرهبنة أن يكون مسيحيًا أرثوذكسيًا. له أب اعتراف ومنتظم في ممارسة الأسرار الكنسية. ووسائط النعمة (الصلاة والكتاب المقدس) بشهادة رسمية من أب اعتراف ومحب للطقوس والتسبحة والألحان. وله دراية بعقائد الكنيسة وتاريخها ولا يزيد سنه على 30 عاما ولا يقل عن 23 عاما. على أن يكون حاصلًا على مؤهل جامعي أو إتمام الدراسة بالكلية الإكليريكية. ويسمح باستثناء شرطي السن والمؤهل بعد موافقة رئيس الدير.
مطرانية البحيرة
رُسم “باخوميوس” قسًا في الثاني من يناير/كانون الثاني عام 1966. وفي الشهر التالي أشرف على المركز البابوي للكرازة لإعداد الخدام الإفريقيين.
وفي السودان وأثناء فترة خدمة امتدت من (1967-1971) رسمه الأنبا دانيال قمصًا في الثامن والعشرين من يوليو/تموز 1968. وأوفده البابا كيرلس السادس لـ”إثيوبيا” عام 1971.
على قائمة باكورة الأساقفة في فترة البابا شنودة الثالث كان “الأنبا باخوميوس”. حيث رسمه أسقفًا للبحيرة وتوابعها والخمس مدن الغربية في الثاني عشر من ديسمبر/كانون الأول عام 1971.
عن هذه الفترة يقول “القمص ميخائيل جرجس” -كاهن كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بدمنهور: “البابا شنودة الثالث طلب منه إقامة الأنبا باخوميوس عنده بعد رسامته أسقفًا”.
واحتفلت المطرانية -حسبما يضيف- بمجيء الأسقف الجديد. ووصل كنيسة الملاك ميخائيل إلى أن تم التجليس في الثاني عشر من ديسمبر وحضر الاحتفالية محافظ البحيرة وقيادات المحافظة”.
ويسترجع “البابا تواضرس الثاني” ذكريات هذه الفترة. مشيرًا إلى أنه كان وقتها طالبًا في كلية الصيدلة. وعلم أن ثمة احتفالا بمجيء أسقف جديد. وكان قطاع الشباب وقتذاك يرى أسقفًا لأول مرة.
الأنبا بولا “صديق فترة الانتقال الكنسي” -مطران طنطا وتوابعها- قال: “البحيرة لم تكن على الخريطة الكنسية حتى وصول الأنبا باخوميوس لكرسي المطرانية”. واصفًا المطران بأنه “مدرسة كبيرة في الإدارة الكنسية”. واستطاع خلال فترة أسقفيته أن يطور الخدمة. وأنشأ كاتدرائية العذراء والقديس أثناسيوس بدمنهور بجانب العديد من الكنائس.
ويعد الأنبا باخوميوس أول أسقف قبطي لـ”منطقة ليبيا”. حيث وصل طرابلس في عيد الغطاس عام 1972 وترأس قداسًا هناك. بعدها بدأ ترتيب الخدمة وتفقد مدينة بنغازي وأسس هناك 4 كنائس.
ورسمه البابا شنودة الثالث مطرانًا في الثاني من سبتمبر/أيلول عام 1990. وكان من أبرز المقربين لدى البطريرك الراحل.
وتعد إيبارشية البحيرة هي الأوسع جغرافيًّا الآن بين إيبارشيات الكنيسة. وسبق أن قال البابا شنودة الراحل: “الأنبا باخوميوس بدأ من مفيش”.
باخوميوس و”تواضروس”
في البحيرة -ومع فترة أسقفيته الأولى- لم يكن يعرف “الأنبا باخوميوس” أحد إلا كاهن أو اثنان. “وفي كنيسة الملاك ميخائيل كان أحد الخدام “وجيه صبحي” -الذي صار فيما بعد البابا تواضروس الثاني- وتعرفت عليه”الحديث للأنبا باخوميوس”. وأرسلته ضمن مجموعة خدام شباب إلى بطريركية الإسكندرية”.
وحين التحق أحد تلاميذ الخادم “وجيه صبحي” بالرهبنة لاحت الفكرة له ونصحه “الأنبا باخوميوس” بالذهاب إلى دير الأنبا بيشوي. وكان دائم السؤال عنه خلال فترة رهبنته. ويعد هو الأب والمرشد الروحي له.
ويحكي “البابا تواضروس” عن أستاذه قائلًا: “عندما دخلت الكنيسة في أزمة سنة 1981 قُبيل اغتيال الرئيس السادات. كانت الأمور متوترة. واُختِيرَ الأنبا باخوميوس كأحد أعضاء اللجنة الخماسية التي كانت تدير الكنيسة في ذلك الوقت منذ نحو أربعين عامًا. وكان صوتًا للحكمة في العمل وفي حفظ سلام الكنيسة والوطن”.
“قائم مقام البطريرك”
وفيما بعد السابع عشر من مارس/آذار 2012 -تاريخ وفاة البابا شنودة- طبقت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لائحة “فترة الانتقال الكنسي”. واجتمع المجمع المقدس لاختيار “قائمقام البطريرك”.
وبعد اعتذار الأنبا ميخائيل -مطران أسيوط الراحل- استقر المجمع على الأنبا باخوميوس. واستمر في منصبه لمدة 8 أشهر أدار خلالها الكنيسة. وعبر بها إلى تجليس البطريرك الحالي “البابا تواضروس” في الثامن عشر من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2012.
الأنبا بولا -ذراع قائمقام البطريرك الأيمن آنذاك- قال: “كنت قريبًا من الأنبا باخوميوس خلال أصعب مرحلة مرت بها الكنيسة. وخلال ثمانية أشهر وقت خلو الكرسي المرقسي فرض أسلوبًا روحيًا. وكانت مرحلة مليئة بالأصوام على مستوى الكنيسة في الداخل والخارج”.
أضاف أن الأنبا باخوميوس كان ديمقراطيًا طوال فترة “خلو الكرسي البابوي”. وحصل أعضاء المجمع المقدس على أدوار واضحة خلال المرحلة ما بين إشراف على لجنة الانتخابات البابوية وغيرها.
وكانت الفترة حرجة نظير تعرضه لأمور لم يعرفها إلا “أنا وهو”. كانت كفيلة بإفساد المرحلة. ولم يسمح بأي تدخلات كنسية وقتذاك ووصل أن قال: “رأيت في المقر البابوي ما أغضبني”.