كتب – حاتم زكي:
توضح البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن النسبة الأكبر لفقراء مصر تتركز في محافظات الصعيد. حيث تأتي أسيوط في صدارة الأفقر، تليها سوهاج، ثم الأقصر، والمنيا، والوادي الجديد ومطروح. وهي محافظات تعتمد في أغلبها على الزراعة والتجارة المحدودة. بينما مازالت المشروعات القومية بها محدودة.
هنا، يبرز تأثير التغيرات المناخية على ظروف الزراعة وعوائد الفلاح منها. إذ بتصاعد ظاهرة التغير المناخي يبلغ الأثر مداه في النشاط الزراعي باتساع مناطق الجفاف، وانتشار أمراض الحاصلات والآفات الجديدة. ذلك في قطاع يعاني أساسًا من تناقص كميات المحاصيل المزروعة بشكل عالمي.
كل هذا ينتج عنه انخفاض بجودة المحاصيل وكميتها، فضلًا عن ارتفاع أسعار مستلزمات الزراعة، ما يؤدي في النهاية إلى ما ارتفاعًا في نسبة الفقر الريفي، وما يسمى بموجات الهجرة المناخية إلى المدينة أو الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
لمتابعة تغطية “مصر 360” لقضايا ومؤتمر المناخ COP 27.. اضغط هنا
موقع الزراعة بالاقتصاد
وفقًا لتقارير رسمية، يبلغ عدد المشتغلين بنشاط الزراعة في مصر نحو 5.2 مليون، يمثلون 19.2% من إجمالي المشتغلين في المجالات الاقتصادية الأخرى.
وهي نسبة تعتبر من أكبر نسب مشاركة المشتغلين في الأنشطة الاقتصادية خلال الربع الثاني من 2021. وقد وصلت نسبة مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي لـ14.8% عام 2019/ 2020. إذ بلغت 669.8 مليار جنيه، مقارنة بـ278.5 مليار جنيه عام 2014/ 2015، وذلك بالأسعار الجارية.
بنية الزراعة هشة
يعد قطاع الزراعة الأكثر ضعفا وهشاشة في سلسلة الأنشطة الاقتصادية المصرية. إذ إن المنظومة الزراعية فقيرة ومعقدة ومتشابكة. كما أن بنيتها التحتية ضعيفة، والتكنولوجيا المستخدمة فيها قديمة وبدائية. الأمر الذي يقابله إنفاق ضعيف وميزانية محدودة.
كل ذلك لا يلبي التطور المطلوب لمواجهة التغيرات والتقلبات المناخية.
وقد ذكرت تقارير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، أن ما يقرب من 78% من فقراء العالم -أي حوالي 800 مليون شخص من الذين يعيشون في مناطق ريفية- يتضررون من التغيرات المناخية.
كما أن التوقعات تشير إلى أن ما يقارب 100 مليون شخص سيسقطون فى قبضة الفقر بحلول عام 2030. هذا فضلًا عما تتسبب فيه الظواهر الجوية من تشريد ما يقرب من 28 مليون شخص في عام 2018.
وسوف يتضرر من ظاهرة التغير المناخي العاملين في أنشطة الزراعة، والصيد، ومصائد الأسماك، التي تعد مصدرًا رئيسيًا للعيش وتوفير العمل وأحيانًا توفير الغذاء لأسر العاملين بهذه المهن.
وتذكر التقارير أيضًا أنه بينما ينتج صغار المزارعين ما يقرب من 70% من إنتاج الغذاء في العالم. لكنهم يتلقون 2% فقط من التمويل المخصص للتكيف مع ظاهرة التغير المناخي. وهم يعانون من خسائر هائلة. وفي المقابل لا يتلقون التعويض الكافي الذي يساعدهم على تجاوز تلك الأزمة المستمرة.
لمتابعة تغطية “مصر 360” لقضايا ومؤتمر المناخ COP 27.. اضغط هنا
أمراض المحاصيل
خلال العامين الماضيين، أصيب محصول الذرة الشامية بدودة الحشد الخريفية، والتي تسببت في خسائر ضخمة للمزارعين، فهبط إنتاج محصول المانجو بنسبة 20-25% في عام 2021.
كذلك انخفض إنتاج الزيتون بحوالي 60-80% خلال موسم الحصاد للعام نفسه بسبب تغير المناخ. إذ إن لتغير المناخ دور خطير وتأثير ملموس على الزراعة في مصر، بفعل تأثيره التراكمي الذي تزايد على مدار عقود. هذا فضلًا عن ظهور آفات جديدة ووجود أسمدة ومخصبات ومبيدات زراعية مغشوشة في الأسواق، وعشوائية تعامل الفلاحين مع هذه الأزمات لنقص الخبرة.
الاستقطاب الاقتصادي
تؤثر التغيرات المناخية على الأماكن الأضعف في تكوينها وتركيبها الجغرافي والطوبوغرافي. وهى بذلك تزيد الفقير فقرًا، فالمناطق الممطرة تزداد مطرًا، والجافة تزداد جفافًا. ما يعني أن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في الريف المصري قد تشهد تدهورًا ملحوظًا. خاصة مع مشكلة الحيازات الزراعية المتناثرة والصغيرة جدًا، والتي يعد أصحابها الأكثر معاناة مستقبلًا.
يقول الدكتور محمد عبد المنعم، كبير مستشاري المكتب الإقليمي لمنظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة “الفاو” إن المبادرات الجماعية بالتبكير بحصاد القمح ليكون في إبريل، وزراعة أصناف أكثر تحملًا للحرارة كانت كانت تنقذ الفلاحين في مصر قبل أن يسمعوا بظاهرة تغير المناخ في الإعلام.
لكنه يتساءل: هل هذا كافي في الوقت الحالي؟ بينما يشير إلى الارتباك الذي يلازم الفلاح حاليًا في مواجهة التغير المناخي. خاصة مع ضعف الإرشاد الزراعي الذي يعاني من نقص الكفاءات العاملة به، قبل أن تدرك وزارة الزراعة خطورة الموقف، وتعتمد على طرق التواصل الحديثة مثل الهواتف الذكية وتطبيقاتها المطبقة مؤخرًا في بعض المناطق.
لمتابعة تغطية “مصر 360” لقضايا ومؤتمر المناخ COP 27.. اضغط هنا
تغير ثقافة الفلاح
أثرت التحولات التي مرت بها القرية المصرية في العقود الخمسة الماضية على ثقافة الفلاح الاستهلاكية، والتي كانت لقرون تتسم بالاكتفاء الذاتي بحكم أنها منتجة. فاتجه المزارعون إلى الاعتماد على الاستدانة والدفع بعد موسم الحصاد لتوفير مستلزمات الزراعة. بينما مع انخفاض كمية المحاصيل الزراعية وعوائد النشاط الزراعي إجمالًا، وقع أغلبهم في أزمة الفجوة بين النفقات والعوائد وسداد الدين المستحق. ومع تغير ثقافة العمل والإنتاج والاستهلاك زادت أزمة القرية.
يشير الباحث الأنثروبولوجي والمزارع خليل منون، في تصريحاته لـ “مصر 360″، إلى أن الفلاح يعاني من أزمة حقيقية في ثقافة استهلاكه. وقد أدى تغير المناخ -مثلا- إلى زيادة وزن حبة فاكهة مثل الرمان التي كان يقبل عليها المستهلك بكثافة، فأصبح من الصعب أن يكتفي الفلاح بأن يشتري لأسرته حبتين من الرمان تزنان كيلو لأسرة في الريف اعتادت على الوفرة والعدد الذي يكفي لأسرة كبيرة.
ومع ارتفاع أسعار السلع الغذائية أصبح من المستحيل أن يحافظ الفلاح على طبيعة استهلاكه وعلى حجم الكميات التي اعتاد دائما أن يشتريها من الأسواق.
مع تفشي الظاهرة تنمو “الهجرة المناخية”، يقول صقر النور الباحث في معهد البحوث من أجل التنمية بباريس، والذي يعرفها بالنزوح والانتقال الناتج عن التغيرات والتقلبات المناخية.
يوضح أنه أمام أرض زراعية تحتاج إلى رعاية وموارد مالية تفوق إمكانات المزارع المادية، بالإضافة إلى درجات الحرارة المرتفعة التي تؤثر على صحة الفلاح وأسرته، تصبح الهجرة مرشحة بقوة ضمن خيارات الفلاحين للتجنب على أزماتهم.
الأفارقة يدفعون التكلفة
وتتحمل قارة إفريقيا مسئولية 4% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بينما تقع على الخطوط الأمامية في حرب التغيرات المناخية -من داكار إلى جيبوتي- بذلك بأزمات متلاحقة من تصحر وتدهور أراضي وصراعات على الموارد التي تتأثر بالتغيرات. وكلها عوامل تقوض سبل العيش والأمن الغذائي للملايين من سكان القارة.
وحسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، فإن التأثيرات المناخية يمكن أن تكلف الدول الإفريقية 50 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2030. فيما يأتي الجفاف والفيضانات في مقدمة بواعث القلق. حيث تسجل بعض مناطق إفريقيا ارتفاعًا في منسوب مياه البحار بأسرع من المتوسط العالمي (بمقدار مليمتر واحد سنويًا)، ما قد يؤدي إلى تفاقم خطر الفيضانات الساحلية الشديدة.
وفي تصريحات نقلتها الصحف المحلية أمس، قال السيد القصير وزير الزراعة واستصلاح الأراضي المصري، إن نظم الأغذية الزراعية في جميع أنحاء العالم قادرة على توفير فرصة فريدة لمعالجة أثر تغير المناخ من خلال بناء أنظمة تضمن التكيف مع تغير المناخ، مضيفًا أن الدول النامية تعد الأكثر تضررًا من هذه التغيرات رغم ضآلة مساهمتها في انبعاثات الغازات الكربونية العالمية.
كما طالب الوزير، خلال جلسة الزراعة بمؤتمر COP27 بشرم الشيخ، الدول والمؤسسات الدولية ضرورة التأكيد على خفض الانبعاثات من الغازات الكربونية مع دعم الدول النامية الأكثر تأثرًا بالأزمة، مشيرًا إلى أن النظم الزراعية والغذائية في العالم ستكون في مقدمة القطاعات المتأثرة، ما قد يؤدي إلى تفاقم مخاطر الجوع وسوء التغذية بين أكثر الفئات ضعفًا.