في السابع والعشرين من سبتمبر/أيلول الماضي أصدر ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز أوامر ملكية تقضي بتولي الأمير محمد بن سلمان -ولي العهد- منصب رئاسة مجلس الوزراء. وهي الخطوة التي حل بموجبها ولي العهد -37 عاما- محل والده في السلطة التنفيذية وفقا لمرسوم ملكي. لتكون بمثابة تعزيز لدوره كحاكم فعلي للمملكة.
وكما كان بن سلمان استثنائيا في مساره نحو قيادة المملكة بعدما دفع به والده إلى مناصب ذات سلطات كبيرة. إذ عيّنه وزيراً للدفاع عندما كان يبلغ 29 عاماً فقط. وجعله ولي ولي العهد. ثم وضعه مسؤولاً عن مجلس اقتصادي جديد مكلف بالمهمة الشاقة لإنقاذ الاقتصاد السعودي. كان طموحه استثنائيا أيضا إذ سعى لتغيير وجه المملكة على المستويين الإقليمي والدولي. ما دفع الكثير من الدبلوماسيين الغربيين لوصفه بـ”رجل كل شيء”.
وسرعان ما تعاظم دور محمد بن سلمان حتى أصبح مسؤولا عن الحرب في اليمن واقتصاد المملكة العربية السعودية. وصارت أهميته كصانع سياسات أكثر وضوحا عندما كشف النقاب عن خطة طموحة وواسعة النطاق لإحداث تغيير اقتصادي واجتماعي في المملكة وإنهاء إعتمادها على النفط.
رؤية 2030
واستهدفت تلك الخطة التي تسمى “رؤية 2030” زيادة الإيرادات غير النفطية إلى 600 مليار ريال (160 مليار دولار) عام 2020. كما تطمح إلى الوصول بالإيرادات إلى تريليون ريال بحلول عام 2030 مقارنة بـ163.5 مليار ريال في عام 2015.
واجه “بن سلمان” مجموعة عقبات خلال السنوات القليلة الماضية. والتي كانت واحدة منها كفيلة بالقضاء على طموحاته الخاصة بقيادة المنطقة وليست المملكة فقط. وكان أبرزها الدعوات الخاصة باستبداله كولي للعهد بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول التركية على يد خلية أمنية سعودية.
الطموح غير المحدود للحاكم الفعلي للسعودية يثير تساؤلات عديدة حول ما إذا كانت مساعيه لتغيير وجه المملكة داخليا وخارجية قد تنتقص من مساحات نفوذ قوى تاريخية في الإقليم على رأسها مصر. أم أنه من الممكن التوصل إلى نقاط تلاقٍ تحول مسار العلاقات من الحالة التنافسية إلى حالة تكامل من أجل مصالح البلدين.
استراتيجية جديدة
في الرابع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول 2018 وخلال جلسة في مؤتمر مبادرة الاستثمار بحضور عدد من القادة العرب تعهد “بن سلمان” بتغيير شامل في المملكة. معتبرا أن الشرق الأوسط سيكون “أوروبا الجديدة”. مشددا أن هذا الهدف سيتحقق بنسبة 100%. ووعد بتقديم نسخة جديدة تماما من السعودية خلال خمس سنوات.
وفيما كانت مساعي القوى التقليدية في الخليج تنصب على الحفاظ على علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية من منظور قائم على التبعية الخاصة بالحماية في مواجهة الخطر القادم من إيران. عمل “بن سلمان” على تجاوز الاستراتيجية الدفاعية السعودية التقليدية المتمثلة في الاعتماد على واشنطن للحماية. واتجهه إلى سياسة عسكرية ودبلوماسية قوية.
رهان ولي العهد السعودي جعله أمام مقامرة. إما أن يصبح بموجبها شخصية تاريخية وتحويلية حال نجاحه. وإما أن يُطاح به من المشهد الإقليمي بشكل يهز الشرق الأوسط وباقي العالم. خاصة بعدما أخذ يناور الإدارة الأمريكية بالورقتين الروسية والصينية.
هيمنة على البحر الأحمر
مطلع عام 2020 نجحت السعودية في تأسيس مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن. الذي ضم السودان واليمن وجيبوتي والصومال وإريتريا والأردن. إضافة إلى مصر التي كانت قبل سنوات قليلة القوة الأبزر على ساحة هذا المعبر الاقتصادي.
صعود الدور السعودي في منطقة البحر الأحمر منذ هيمنة “بن سلمان” على القرار في المملكة جاء في وقت تراجع فيه الدور المصري نسبيا. في ظل الظرف السياسي والاقتصادي الذي كانت تمر به القاهرة خلال السنوات الماضية.
التوجه السعودي لم يقتصر على البعد الأمني عبر التجمع الجديد الذي أسسته الرياض وأصبحت مقرا له. ولكنه امتد ليشمل الجانب الاقتصادي في المنطقة. ففي السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي أكدت مجلة “إنتيليجنس أونلاين” الفرنسية المختصة بشؤون الاستخبارات أن السعودية تسعى لتصبح قوة بحرية وازنة. وتستعد لإطلاق شركة “خطوط فرعية” جديدة في البحر الأحمر.
وأضافت أن جميع جهود صندوق الاستثمارات العامة السعودي حاليا تصب في تعزيز مصالح البلاد في منطقة البحر الأحمر لزيادة الهيمنة عليها. وتابعت أن “ممثلي صندوق الاستثمارات العامة السعودي يعملون بنشاط على توظيف مستشارين من بين شركات الشحن الرئيسة التي تأسست في ميناء جبل علي بدبي وميناء خليفة في أبوظبي”. وأشارت إلى أن الهدف الأول للصندوق من تلك الخطوة هو ترسيخ نفوذه في البحر الأحمر من خلال الوصول إلى أهم المواني الرئيسة.
ممانعة مصرية
حتى عام 2019 كانت القاهرة لا تزال قادرة على الممانعة ومواجهة المحاولات الرامية لانتقاص نفوذها في الإقليم. قبل التراجع الحاد للمؤشرات الاقتصادية نتيجة الاضطرابات العالمية التي خلفتها جائحة كورونا. ومن بعدها الحرب الروسية الأوكرانية.
ففي مطلع عام 2019 اتخذت القاهرة قرارا مغايرا للتوجهات السعودية والخليجية بتشكيل “ناتو عربي” تكون مصر العماد الرئيسي لقواته العسكري. فيما تتولى القوى الخليجية مسألة التمويل والقيادة.
ونقلت وكالة “رويترز” وقتها عن مصادر مطلعة أن مصر “نأت بنفسها عن الجهود الأمريكية لتشكيل ناتو عربي” على غرار حلف شمال الأطلسي هدفه “التصدي” لسياسات طهران.
ووفقا للمصادر ذاتها فإن مصر أبلغت قرارها للولايات المتحدة والأطراف الأخرى المعنية بالتحالف الأمني في الشرق الأوسط المقترح قبل اجتماع كان مزمعا عقده في الرياض. وأضافت أن القاهرة لم ترسل وفدها إلى الاجتماع الرامي لدفع الجهود التي تقودها واشنطن لجمع الحلفاء العرب في معاهدة أمنية وسياسية واقتصادية للتصدي لإيران.
الموقف المصري في ذلك الحين -بحسب مصادر عربية- جاء بعدما استشعرت القاهرة تهميش دورها في التحالف المزمع لصالح السعودية والإمارات. حيث كان دورها يقتصر على الجانب البشري في مقابل تفرد المملكة بالقرار نظير التمويل.
شرم الشيخ ونيوم
في يوليو/تموز الماضي قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إن المملكة “تخطط للاستثمار في مصر لاستكمال مشروع نيوم”. بما في ذلك منطقة شرم الشيخ السياحية.
وأضاف خلال مؤتمر صحفي خصص لإعلان تصاميم مدينة “ذا لاين” المستقبلية في إطار “نيوم” أيضا: “سننشئ استثمارات ضخمة في مصر” -دون مزيد من التفاصيل.
ونقل موقع “المونيتور” الأمريكي عن مسؤول سعودي لم يسمّه أن مشروع نيوم سيحول 50 جزيرة في البحر الأحمر إلى منتجعات فاخرة.
وقال إنه “سيشمل أيضا 7 مدن ومشاريع سياحية. وسيتركز في مصر على تطوير مدينتي شرم الشيخ والغردقة القائمتين”.
تحذيرات للقاهرة
أمام الخطط السعودية الرامية لتوسيع نفوذ المملكة -اعتمادا على أدوات سياسية واقتصادية- تصاعدت التحذيرات من تلك الخطوات التي اعتمدتها الرياض مؤخرا.
في هذا الصدد قال رجل الأعمال نجيب ساويرس إن مشروعات السعودية التي تعتزم تطويرها في منطقة البحر الأحمر ستهدد المشروعات السياحية المصرية في هذه المنطقة.
وأضاف في تصريحات الشهر الماضي أن “الاستثمارات التي تنفذها السعودية في البحر الأحمر سواء في نيوم أو غيرها لا شك ستهدد استثماراتنا في البحر الأحمر وشرم الشيخ وهذه المناطق”.